"يعرف النظام البرلماني على أنه أحد أشكال النظام التمثيلي. وهو
يصحّح أو يعوض عن عملية الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية عبر
اشتراط قبول البرلمان بالحكومة ومثولها أمام المحاسبة. كما يعطي هذا
النظام للحكومة إمكانية المساهمة في العمل التشريعي عبر إعطائها الحق
في اقتراح القوانين ونقاشها. وفي مقابل ذلك يتمتع البرلمان بحق استجواب
الحكومة وبحق إزاحتها، مما يجعله عاملاً مؤثراً في السياسة الحكومية.
بعد أن تعرفنا على شكل ودور النظام البرلماني الحقيقي، أو الذي
قُدّر لهُ أن يكون عليه، فالسؤال المطروح هنا من بين ألاف الأسئلة، هل
يمت هذا التعريف إلى مجلسنا النيابي بأي صلة، من حيث أدائه, أو
الصلاحيات الحقيقية التي أعطية له، أو حتى من حيث إنجازاته؟
ولاشك أن الناس ليسوا متفقين جميعاً على جواب واحد لهذا السؤال،
ونستطيع أن نحصر الإجابة في أربع وجهات نظر، الإتجاه الأول من الناس
كفر بالعملية السياسية والسياسين، والإتجاه الثاني وجد في هذا الإفراز
الجديد بعد السنوات الطويلة والحالكة متنفس ونتيجة معقولة، متبنياً
مبدأ خذ وطالب، والإتجاه الثالث الذي مازال في المعترك السياسي، ولكنهُ
غير مقتنع بهذا الإفراز الجديد للنظام البرلماني، والذي يجده من وجهة
نظره، نظام برلماني عاجز، ولايمكن تحقيق أنجزات حقيقية من خلال ألياته
الحالية، والاتجاه الرابع هو الخط (الموالى) إذا صح التعبير، والذي
يتبنى ما يوجد حاليا من نظام برلماني.
وكلامنا هنا حول الجهات الثلاث الأولى في هذا الموضوع، حيث نلاحظ
إحتدام الخلاف أحياناً وهدوئه أحياناً أخرى, والمراقب لهذا الإختلاف
والخلاف، يجد أن هناك قاسم مشترك، رغم إختلاف وجهات النظر في عملية
المشاركة من عدمها، والقاسم المشترك هو أن هذا النظام الحالى للبرلمان،
ليس الذي يطالب به الشعب، والذي عقد الكتير من الآمال، عندما قال الشعب
كلمته "البرلمان هو الحل".
والمتتبع إلى أداء مجلسنا النيابي، يصاب بخيبة الأمل لما وصل به
حالنا، فما أكثر تلك الجراحات ( الملفات) التي فتحت، نعم إنها ليست
مجرد ملفات، أو أجندات سياسية، بل كل ملف عبارة عن جرح غائر في قلب هذا
الشعب، فكم هي تلك الجراحات التي فتحت تحت قبة البرلمان، والتي لم
يستطيعو فيها إنصاف الشعب، ولم يستطيعوا حتى إغلاقها لأجلٍ مسمى، بل لم
يستطيعوا في بعض الأحيان حتى من فتح هذا الجرح أو ذاك تحت قبة البرلمان،
على سبيل المثال لا الحصر:
(التمييز في الوظائف، التجنيس, الإسكان, البطالة, الفقر، الجور على
المساحات الخضراء والسواحل والبحار, إسقاط الحصانة لإستجواب وزير,
إسقاط الحصانة عن نائب لمحاسبته).
أين وصلنا بكل هذه القضايا تحت قبة البرلمان؟
والسؤال الآخر المطروح، ياترى أين الخلل؟!!
هل هو في سوء إختيار الشعب؟ هل هو في عدم إخلاص النواب لهموم الناس؟
هل هو في عدم كفائة النواب؟ أم هو خلل في النظام البرلماني القائم؟
في إعتقادي، إن الشعب قد قال كلمته وقد صعد بعض الأشخاص المخلصين،
ولكن الخلل الرئيسي يكمن في النظام البرلماني القائم، فلو أردنا عمل
إسقاط بالتعريف الذي صدّرنا به المقال على مجلسنا الحالي، فلا أعتقد
أنه بإمكاننا إيجاد تجانس في مابينهما، فشتان ما بين التعريف وهذا
المجلس.
فلقد أُريد لهذا المجلس أن يولد طائفياً، ويبقى طائفياً، ليضيع حق
الشعب، ويتلاشى صوت الشعب بين نعيق الغربان.
فكم شاهدنا من مهرجين، يسخرون من أنّات الشعب تحت قبة البرلمان،
ويُقيمون الدنيا ولا يُقعدوها لأمور أقل ما يقال عنها تافهه، غير
مكترثين لحال هذا الشعب المظلوم.
ناهيك عن النظام الذي يقوم عليه البرلمان، والتقسيمات الموجودة
بداخله, حتى وإن أراد البعض العمل بشكل إيجابي لصالح الشعب، فإنهم
يتيهون في دهاليز القوانين المصطنعة، ليبقون في التيه العظيم، ويمشون
على الألغام التي يضعها نواب السُلطة، ويبقون أُسارى لقيود وحدود
سياسية وإجتماعية وهمية, هذا من جانب.
ومن جانب آخر، نجد أنه تم هندسة الدوائر الإنتخابية بطريقة طائفية،
هدفها الأساس إضاعة أصوات الشعب، وتشتيت قوى المعارضة التي يمكن أن تصل
للبرلمان بكامل قوتها.
فعلى سبيل المثال، وحسب بعض المحللين، تنتج دائرة إنتخابية مكونة من
800 صوت نائباً برلمانياً، في مقابل دائرة أخرى، يصل فيها عدد الناخبين
إلى أكثر من 14 ألف ناخب، تنتج نائباً برلمانياً، يساوي البرلماني في
الدائرة ذات ال 800 صوت، من حيث القوة والتمثيل البرلماني، ناهيك عن
نظام المجلسين الذي يجعل الكفة على دوام راجحة لطرف ضد طرف!!
وهكذا يبقى الفاعلين تحت قبة البرلمان يسيرون في دائرة مفرغة دون
الوصول إلى نتيجة حقيقية منشغلين بأمور جانبية، وغير قادرين على التوجه
إلى القضايا الحقيقية والمصيرية، على سبيل المثال قضية التداول السلمي
للسُلطة، والدستور العقدي.
كانت الآمال ومازالت تتطلع إلى مجلس نيابي حقيقي عادل يُلبي حقوق
الناس، ويكون بحجم الدماء التي نزفت، وبحجم التضحيات والقرابين التي
قدمت في طريق المطالبة بحقوق هذا الشعب الصابر والمضحي، والمؤسف أن
نسمع بعض الأصوات التي تبرر و تعول على الإستمرار في هذا البرلمان تقول:
" لماذا تعقدون آمال كثيرة، وتتوقعون إنجازات كبيرة من هذا البرلمان،
الذي هو ليس إلا مجرد ورقة ضغط أخرى، كباقي أوراق الضغط، مثل خطب
الجمعة، وحركة الشارع الشعبية".
لم يثر الشعب لأجل أن يولد لنا برلمان معاق ومشوه، لا يستطيع
الدفاع عن نفسه، ناهيك عن الدفاع عن المحرومين والمضطهدين من أبناء
شعبنا، الذي أنهكه الظلم والتميز والفقر والبطالة والتجنيس، إن أداء
هذا المجلس، لا يساوي دمعة أم ظلت ساهرةً في سواد الليالي تنتظر إبنها
القابع في قعر السجون، إن أداء هذا المجلس لايساوي أهات أمٍ جالسةً على
قبر الشهيد، إن أداءهذا المجلس لا يساوي صرخة مظلومٍ تحت سياط التعذيب.
إننا نعلم أن لكلٍ من المشاركين والمقاطعين، مبرراته وأجندته التي
يعمل من خلال ألياتها، للوصول إلى الأهداف المرجوة، لكن أرى أن قرار
المشاركة ليس بنزهة وأن قرار المقاطعة ليس لمجرد المقاطعة، بل من
اللازم والضروري أن تتكاتف الجهود بين المشاركين والمقاطعين، وان يكون
هناك برنامج عمل حقيقي منظم وموحد بين المشاركين والمقاطعين, يتحول إلى
آليات عمل على أرض الواقع ولابد من إمتلاك إعلام حقيقي ومتطور يستطيع
إيصال الرؤى والأهداف التي يمكنهم من خلالها تكوين رؤية واضحة للشعب
وتوجيه الرأي العام، ومن ثم يمكنهم أن يكونوا رقماً صعباً في المعادلة
السياسية, وتشكيل جماعة ضغط من داخل وخارج البرلمان، ومن خلال العمل
الموحد يستطيعون تفويت الفرصة على الذين يحاولون إلهائنا عن أهدافنا
وقضايانا الرئيسية.
....................................
هوامش
(1) قاموس المصطلحات السياسية والإقتصادية
والإجتماعية (سامي ذبيان وآخرون) |