دور الكذب في تفكك المجتمعات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما تتعرض الشعوب والأمم الى هزات قوية تتسبب في تغيير كبير بطبيعة السلوك والتفكير وأنشطة الحياة الأخرى، فإن الكثير من الظواهر الخاطئة ستطفو فوق السطح، ونتيجة لحالة التغيير في الجوانب والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن حالات الخداع والاحتيال تتضاعف وتُصبح نهجا لبعض الأفراد والجماعات لتحقيق الكسب غير المشروع سواء كان ذا طابع معنوي او مادي.

وقد عكست وقائع ما بعد الأحداث التي أفرزتها مجريات التغيير الذي حدث بعد عام 2003 جملة من الظواهر والسلوكيات السيئة للأفراد والجماعات، وأكثرها وضوحا حالات الخداع والاحتيال والكذب التي صارت ظاهرة بسبب كثرة التعامل بها وحضورها في التعاملات الفردية والجماعية داخل المؤسسات والدوائر الرسمية وخارجها.

فثمة أفراد اتخذوا من النصب والاحتيال وسيلة حياة لهم، وبعضهم جعل من الكذب طريقا ملاصقا لسيرته وسلوكه وأقواله، وآخرون صار الخداع منهجهم المعتاد في مواصلة حياتهم وإدامة علاقاتهم سواء في العمل وتحقيق الربح والإيرادات او في مجال القول والعلاقات التي تتطلب تبادل وجهات النظر وما شابه، وهي حالات لا تجد لها مكانا واضحا في المجتمعات المستقرة.

بمعنى حين يصبح الخداع ظاهرة والنصب والاحتيال والتزوير مناهج حياة للأفراد والجماعات، هذا يدل على غياب منظومة القيم واضمحلالها ناهيك عن ضعف دور الدولة والقانون في محاصرة مثل هذه الظواهر والقضاء عليها.

ولكن هناك حالات معيبة قد لا نجد مجالا للقانون في محاربتها بصورة مباشرة، كالكذب مثلا، ومع أن الجميع يعرف بأن حبل الكذب قصير إلا أنه يلجأ لمثل هذا الطريق ظنا منه أنه يقوده الى النجاح او الى تحقيق مآربه بأسرع الطرق، كما اننا يمكن أن نلاحظ حالات النصب والتجاوز بوضوح في التعاملات المتبادلة، والمشكلة الأصعب في هذا الجانب أن ينتحل القائم بفعل النصب والاحتيال شخصية الرجل الوقور الطيب الذي يخاف الله.

فالكثير من المسيئين للناس ولأنفسهم يتلبسون بلبوس الدين مثلا، كأن يرتدي زي رجل الدين وملامحه ثم يقوم بخداع الناس البسطاء وغيرهم في مجالات عدة ليكسب من ذلك أموالا أو غيرها، ولا يضير مثل هؤلاء الاشخاص أن تكشف أساليبهم وتفضحهم لأنهم أمنوا العقاب، ومن يأمن العقاب يوغل في تجاوزاته على حقوق الآخرين.

لذلك مطلوب من المعنيين في الاجهزة الرسمية والاهلية كالوجهاء وحكماء القوم وغيرهم تعرية هذه النماذج المحتالة التي تتخذ من الدين وغيره وسيلة لخداع الناس والنصب عليهم، ولا يجوز التساهل مع مثل هذه النماذج المسيئة مهما كانت الحجج والمبررات، لأن ظاهرة النصب والاحتيال أخذت بالتزايد بين العراقيين نتيجة لهزة التغيير الهائلة ومنذ أن عرف هؤلاء المحتالون أن سلطة القانون اصبحت ضعيفة وغير قادرة على الحد من أفعالهم الشائنة، واذا كان الجانب الانساني لتطبيق القانون يترك هامشا للدواعي الانسانية في وضع وتطبيق الاحكام والعقوبات، فإن التساهل مع المحتالين والنصابين والمزورين والكذابين سيشكل عائقا أمام بناء الدولة على أسس سليمة في المجالات الاجتماعية وغيرها.

لهذا السبب لابد من مواجهة ظاهرة الاحتيال على الناس، ولابد أيضا من رصد المزيفين الذين يُظهرون عكس ما يبطنون، ويقدمون أنفسهم على أنهم من صفوة الناس وأخيارهم وهم في حقيقة الامر حفنة من الدجالين المخادعين الذين لا يترددون من سرقة حقوق الناس والتجاوز على أموالهم وغيرها من الافعال الشائنة.

ولأننا نخوض في عقبات مرحلة التأسيس لكل شيء، ابتداء من مؤسسات الدولة الدستورية وليس انتهاء بأصغر البنى الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فإننا لابد أن نضع الأسس الصحيحة في هذه المجالات، ولعلنا لا نختلف بأن جميع الأنشطة التي تشي بالنصب والكذب والاحتيال لا تدعم التأسيس الصحيح لأركان الدولة المعاصرة ومقومات المجتمع الناجح.

ولابد أن ترافق عملية رصد هذه الظواهر ومعاقبة من يعمل بها، حملات توعية من لدن الجهات المعنية بتطوير الوعي المجتمعي لاسيما المؤسسات الدينية والأخلاقية منها، فالعقوبة وحدها لا تكفي، بل توعية الناس على ضرورة نبذ السلوكيات السيئة تقع في مقدمة العوامل المساعدة على مكافحة مثل هذه الظواهر التي لا تليق بالفرد والمجتمع معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تشرين الأول/2010 - 5/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م