اقتصاد العراق... سوق خام وفرص استثمارية مغرية

المستثمرون الأجانب ومعضلة القوانين الحكومية المعرقلة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يعول العراقيون بشدة على قطاع الاستثمار الأجنبي في بلدهم كحل أساسي للكثير من المشاكل والعقد التي يعاني على مختلف الأصعدة والمرافق الحيوية المعطلة، كنقص الكهرباء والماء والوحدات السكنية أيضا، إلى جانب تنشيط الحركة الاقتصادية وتوقير فرص عمل تحد من نسب البطالة المتفاقمة.

إلا إن معظم المراقبين يؤكدون إن الدولة العراقية لا تزال تخضع في قوانينها المتعلقة في الاستثمار الأجنبي إلى حزم قرارات سالفة العهد تعيق أي مشروع استثماري وتعرقل حركته بفعل الروتين الإداري والفساد المرافق له، بالإضافة إلى تذبذب الوضع الأمني وتداعيات الأزمات السياسية المستمرة.

ويعد العراق بنظر المستثمرين منطقة مغرية للعمل وسوق خام قادر على استيعاب المشاريع العملاقة والصغيرة على حد سواء الى اجل طويل، خصوصا ان هذا البلد عانى منذ اكثر من ثلاثين عام من توقف التطوير وحروب استنزفت بناه التحتية بشكل متواصل.

الأجواء التنظيمية

فقد قال رؤساء شركات أمريكية يزورون العراق ضمن بعثة تجارية ان البيئة التنظيمية ما زالت تمثل تحديا رئيسيا للشركات الأجنبية التي تتطلع للاستثمار في البلد الذي مزقته الحرب.

والشركات البالغ عددها 14 هي جزء من بعثة تقودها وزارة التجارة الأمريكية لإعادة بناء العراق الذي دمر اقتصاده على مدى عقود من الحرب والعقوبات والعزلة الاقتصادية.

وقال فرانشيسكو سانشيز وكيل وزارة التجارة الامريكية الذي يرأس البعثة -وهي الاولى منذ أعلنت الولايات المتحدة انتهاء العمليات القتالية في أغسطس اب- انه ما زال هناك حاجة الي الكثير لتحسين مناخ الأعمال في العراق.

وقال سانشيز "الشركات الامريكية التي تتطلع للحصول على فرص هنا أقل قلقا بشأن الأمن البدني فهي ما زالت أكثر قلقا بشأن الفساد وبيئة تنظيمية ما زالت تحت التطوير وضعف البنية التحتية بما في ذلك النقل والاتصالات."

وأضاف أمام وفد من رجال الأعمال الأمريكيين والعراقيين "ما زالت هناك صعوبات في الحصول على الأراضي والتسجيل للقيام بأنشطة تجارية والعثور على أماكن ادارية والحصول على تأشيرة وسكن لكن بالتأكيد هناك تقدما يتحقق."

وتابع قائلا ان الناتج المحلي الاجمالي العراقي تضاعف الى أكثر من المثلين في السنوات القليلة الماضية ليصل الي 112 مليار دولار وان الحكومة رصدت في ميزانيتها أكثر من 80 مليار دولار لمشروعات الانشاءات والطرق السريعة والسكك الحديدية والاتصالات والأمن والدفاع ومشاريع أخرى في قطاع البنية الأساسية.

ويحتاج العراق المتعطش للاستثمارات الي دعم أجنبي في جميع القطاعات تقريبا لكن كثيرا من الشركات العالمية ما زالت قلقة من المخاطر الأمنية وقال بعضها -مثل شركة اومنيترانس الامريكية لخدمات الامداد والتموين والشحن- ان التشريعات العراقية تمثل مشكلة.

وقال ماركوس راب رئيس ومدير التشغيل في اومنيترانس "الى جانب الوضع الأمني هناك أيضا كل تلك القواعد واللوائح التي أحيانا لا تكون واضحة وأحيانا تصدر فجأة من بعض السلطات."

وأضاف قائلا "الوضع الأمني في ميناء أم قصر على سبيل المثال هو تحد بالتأكيد. يتحسن الوضع في كل مرة نشحن شيئا كبيرا لكن القلق ما زال يساورنا دائما بشأن اذا ما كانت الأمور ستسير على ما يرام هناك واذا ما كان سيصبح هناك استقرار أو أن السلطات ستساعدنا."

وتعمل اومنيترانس في العراق منذ 2008 وشحنت بضائع قيمتها 35 مليون دولار الى البلاد في 2009. وقال راب ان الشركة تتطلع لعقود في قطاع النفط والغاز لمساعدة الشركات الامريكية التي تريد شحن معدات الى العراق. بحسب رويترز.

والولايات المتحدة -التي أنفقت 700 مليار دولار على حرب العراق- هي ثالث أكبر شريك تجاري للبلاد بعد سوريا وتركيا. وتشتري بالأساس النفط العراقي بينما تشمل صادراتها الرئيسية الي العراق الشاحنات ومعدات الحفر والاتصالات.

ومن بين الشركات المشاركة في البعثة التجارية شركات لها مشاريع بالفعل في العراق مثل بوينج وساليبورت لخدمات الامداد والتموين ونيوبورت ووامار انترناشونال.

وقالت نيوبورت -التي تقوم ببناء مجمع للالعاب الرياضية في البصرة الى جانب تمويل شركات صغيرة في العراق وتساعد في خصخصة المشروعات الحكومية- ان الحصول على تأشيرة دخول الى العراق يمثل مشكلة.

وقال راونسفيل سكاوم رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لمجموعة نيوبورت جلوبال "الحصول على تأشيرات (للعاملين) في الشركات الجديدة ما زال مشكلة كبيرة .. هذا الجزء ما زال يحتاج لتطوير" مضيفا أن المخاوف الأمنية ما زالت قائمة.

ومن بين الشركات الأخرى المشاركة في البعثة التجارية والتي يسعى معظمها للدخول في شراكة مع شركات عراقية في مشاريع متعددة بقطاعات النفط والغاز والبناء والاتصالات شركات أمريكا كارجو ترانسبورت وبل هليكوبتر تكسترون وبوند لأنظمة البناء وايكون جلوبال للهندسة المعمارية.

تداعيات سياسية

الى ذلك قال عادل كريم وكيل وزارة الصناعة العراقية ان المستثمرين الاجانب الراغبين في الحصول على عقود لاعادة تأهيل المصانع العراقية المتوقفة عن العمل يؤجلون قراراتهم نظرا لعدم تشكيل حكومة عراقية بعد خمسة أشهر على الانتخابات.

ويحاول العراق التخلص من تركة خلفتها سنوات من العنف والعقوبات والتراجع الاقتصادي عن طريق فتح قطاعيه المالي والصناعي واجتذاب استثمارات وخبرات أجنبية لمساعدته في اعادة الاعمار.

وقالت وزارة الصناعة والمعادن العراقية انها تجري محادثات مع عدة شركات أجنبية لاعادة بناء مصانعها.

وقال كريم "للاسف تأخير تشكيل الحكومة العراقية أثر بشكل سلبي على عملية الاستثمار وجذب المستثمرين الى السوق العراقية."

ودخلت الفصائل السياسية العراقية في محادثات لم تتمخض حتى الان عن تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات العامة التي جرت في السابع من مارس اذار والتي لم يحصل فيها أي من المرشحين على أغلبية مطلقة. وأثار ذلك مخاوف من أن تعود أعمال العنف للانتشار في العراق وأزعج المستثمرين. بحسب رويترز.

ورغم الجمود السياسي قال كريم ان الوزارة منحت عقد اعادة تأهيل مصنع للاسمنت في شمال البلاد الى شركة تركية.

وأنشئ المصنع -الذي يقع في مدينة سنجار على بعد 390 كيلومترا شمال غربي بغداد في اقليم نينوي المضطرب- في الثمانينيات من القرن الماضي بهدف انتاج مليوني طن من الاسمنت سنويا لكنه لا ينتج حاليا سوى ربع هذا المستوى.

وأوضح كريم أنه سيجري توقيع العقد في غضون أيام. وسيحصل العراق على 36 بالمئة من الايرادات بموجب اتفاق لتقاسم الانتاج. ومن المتوقع أن تنفق الشركة التركية 150 مليون دولار على الاقل خلال الاشهر الثلاثين المقبلة لرفع انتاج المصنع الى المستوى المستهدف.

وقال كريم "هذا يؤكد ان العراق بلد جاذب للاستثمار. عوائد الاستثمار كبيرة جدا مما يجعل المستثمر الاجنبي يضع موضوع الامن جانبا لان الربح سوف يكون كبيرا" مضيفا أنه يتوقع اقبال كثير من المستثمرين الاخرين بمجرد تشكيل الحكومة.

وفي وقت سابق من العام منحت الوزارة عقدا بقيمة 200 مليون دولار لشركة لافارج الفرنسية للاسمنت لمصنع في كربلاء.

وكثير من مصانع العراق البالغ عددها 240 مصنعا اما تعرض للنهب في أعقاب الغزو في 2003 أو أنها تقادمت أو تقع في مناطق تحت سيطرة المتمردين الاسلاميين. والقطاعات المفتوحة للاستثمار هي قطاعات البناء والاعمال الهندسية والبتروكيماويات والاسمدة والاغذية والادوية والمنسوجات.

والنفط هو عصب الاقتصاد العراقي وفي العام الماضي منحت بغداد عدة عقود تطوير لحقول نفطية الى شركات كبرى مثل شل وبي.بي.

وقال كريم ان الوزارة تريد التوسع في تطبيق اتفاقات تقاسم الانتاج في اطار سعيها لخصخصة مزيد من المصانع.

وأضاف أن اتفاقات تقاسم الانتاج ستساعد الوزارة على المضي قدما في خصخصة المصانع وفي نفس الوقت ضمان عدم تسريح العمال والفنيين. ويبلغ معدل البطالة الرسمي في العراق 18 بالمئة.

وقال "فلسفتنا هي أن تكون ادارة الشركات والمعامل من قبل القطاع الخاص والمالك والاجر من القطاع الخاص أيضا." وأضاف "الدولة تاجر فاشل".

البنوك المحلية

من جانبهم قال محللون ومستثمرون ان البنوك العراقية قد تشكل فرص نمو ضخمة في المستقبل للمستثمرين المستعدين للمخاطرة لكن القطاع المصرفي يحتاج أولا الى اندماجات والي تغيير نموذج أعماله.

مع تراجع أعمال العنف بعد ذروة الاقتتال الطائفي في 2006-2007 بدأت شركات وبنوك أجنبية تجس النبض في العراق أحد كبار مصدري النفط والذي واجه عزلة على مدى 20 عاما بسبب عقوبات الامم المتحدة وحروبا وعنفا متواصلا منذ الغزو الامريكي في 2003.

ووقع العراق عقودا نفطية بمليارات الدولارات ويخطط لمشروعات ضخمة للبنية الاساسية ويأمل في تنويع اقتصاده وهو ما يفتح الباب أمام العديد من الصفقات مع للبنوك اذا استمر تحسن الاوضاع الامنية.

لكن مسؤولين يقولون ان العراق يحتاج أولا الى اعادة تأهيل القطاع المصرفي الذي تهيمن عليه سبعة بنوك حكومية وحوالي 36 من البنوك الخاصة الصغيرة التي ليس لها اهتمام كبير بالاقتصاد بأكمله.

وقال ضياء الخيون مستشار وزارة المالية العراقية للشؤون المصرفية ان من المؤلم المقارنة بين البنوك الخاصة العالمية والبنوك العراقية. وأضاف أن الفرق هائل في الاداء والحجم والودائع.

ووفقا لمذكرة اطلعت عليها رويترز فان البنك المركزي طلب من البنوك الخاصة التي ليس لها في العادة تواصل كبير مع العالم الخارجي زيادة رأسمالها الى 250 مليار دينار (214 مليون دولار) بحلول 2013 بهدف ايجاد بنوك أكثر قدرة على المنافسة. وقال الخيون انه يأمل أن يجبر هذا الاجراء البنوك على ايجاد شركاء أجانب.

وقالت سلام سميسم المحللة والعضو في مجلس ادارة البورصة العراقية ان مستثمرين أجانب بدأوا شراء أسهم في البنوك العراقية ترقبا لعمليات اندماج مشيرة الي البنك الاهلي المتحد البحريني الذي رفع حصته في المصرف التجاري العراقي الى 49 بالمئة في يونيو حزيران. وقالت سميسم انها تتوقع عمليات اندماج عديدة بين البنوك الخاصة. وتبدي الصناديق الاجنبية المتخصصة في الاسواق الناشئة الجديدة أيضا اهتمامها بالقطاع.

وقال هنريك كام من اف.ام.جي لادارة الاصول التي تمتلك صندوقا للاسهم العراقية "اننا مهتمون بالقطاع المصرفي لانه ممثل جيد للاقتصاد العراقي. وأرباحه ستزيد بشكل هائل مع اعادة اعمار العراق ونمو عوائد النفط." بحسب رويترز.

وتابع قائلا "البنوك التي تأسست وحصلت على رخصة في الاونة الاخيرة تتمتع بقدر كبير من التنافسية وتظفر بحصة من السوق. نعتقد أنه سيكون هناك اندماجات وربما يتعثر عدد قليل منها."

وقال دانيل بروبي مدير الاستثمار في شركة سيلك انفست البريطانية لادارة الصناديق ان من بين البنوك الاجنبية المستفيدة أيضا البنوك الاردنية العاملة في العراق مثل البنك العربي الذي يمتلك سندات عراقية ويفكر حاليا في دخول البورصة العراقية.

ووفقا للبنك المركزي العراقي حصلت عشرة بنوك أجنبية على الاقل على رخص في العراق أغلبها من دول مجاورة مثل الكويت وايران وتركيا ولبنان والبحرين والاردن. ومن أبرز الامثلة بنك اتش.اس.بي.سي الذي ينشط من خلال بنك دار السلام التابع له.

وقال جيمس هوجن الرئيس التنفيذي لبنك اتش.اس.بي.سي-العراق "مع سكان يبلغ عددهم 30 مليونا وتوقعات لارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في السنوات الثلاث الى الخمس القادمة يمثل القطاع المصرفي العراقي فرصا جذابة في الاجل المتوسط والطويل."

ومع بطء تطوير القطاعات غير النفطية مثل الخدمات والعقارات يرى المصرفيون فرصة للحصول على اتفاقات تمويل أو مساعدة الشركات الاجنبية التي تبحث عن شركاء محليين.

وقال زياد مخزومي المدير المالي لشركة ارابتك العقارية التي مقرها دبي ان شركته تفكر مثل شركات أخرى في دخول العراق. وبينما العراق غني بالنفط الا أن بنوكه تحتاج الي تطوير.

وكان أغلبها مملوكا للدولة قبل 2003 ويقتصر فقط على تقديم الخدمات الاساسية. ويقول مصرفيون ان ذلك لم يتغير كثيرا وان حوالي بنكين يقدمان خدمة البطاقات الائتمانية بينما يجري دفع صفقات كثيرة بالشيكات.

ويقول محللون انه سيتعين على البنوك الخاصة أن توسع أعمالها اذا أرادت اجتذاب شركاء أجانب. وحتى الان فان عددا قليلا من البنوك يقدم كل الخدمات ويركز البعض على التجزئة المصرفية والودائع أو لا يخدم الا الشركات المرتبطة بمالكين من نفس العائلة.

وقالت سميسم ان هؤلاء يعتقدون أنه مشروع عائلي ولا يدركون أن المسألة أعمق وأنهم يمكن أن يلعبوا دورا.

وقال مضر قاسم كبير مستشاري البنك المركزي العراقي ان القروض القائمة لاجمالي 43 بنكا تبلغ 6.8 تريليون دينار (5.8 مليار دولار) يأتي ثلثاها من البنوك الحكومية.

وهذا مبلغ صغير اذا قورن بالاردن حيث بلغ اجمالي القروض 20 مليار دولار في يونيو حزيران بينما بلغ اجمالي قروض البنوك في السعودية أكبر اقتصاد عربي 250 مليار دولار في يونيو.

وبلغ رأسمال مصرف الائتمان العراقي أحد البنوك الخاصة الكبيرة 100 مليون دولار في حين بلغت أصوله 311 مليون دولار في 2009. وتشير بيانات البنك والبورصة الى أن رأس المال المدفوع لبنك الكويت الوطني الذي يمتلك مصرف الائتمان العراقي يبلغ 1.1 مليار دولار في حين تبلغ أصوله 45 مليار دولار.

ومع استمرار وقوع الانفجارات من ان لاخر تحجم البنوك عن تأسيس شبكة فروع داخل البلاد أو أنظمة الكترونية كأجهزة الصراف الالي بينما يستخدم 40 بالمئة فقط من العراقيين البنوك المحلية التي يقل عدد فروعها عن 800 فرع في حين يضع كثيرون أموالهم تحت حشايا أسرتهم.

ويفضل كثير من العراقيين البنوك الحكومية التي عرفوها لفترة طويلة بينما تحجم البنوك الخاصة الجديدة عن الاقراض في غياب نظام قضائي فعال قادر على تسوية النزاعات. لكن المصرفيين يأملون أن يتغير هذا بمرور الوقت.

وقال هوجن "هناك أدلة متنامية على أن المستهلكين العراقيين أصبحوا أكثر استعدادا -رغم انه انتقائي- للتعامل مع البنوك الخاصة."

قصة نجاح

من جانب آخر بات سكان أربيل في كردستان العراق يمكن أن يستمتعوا بأوقاتهم في حوض عام للسباحة أو يركبوا تليفريك فوق أرض تكسوها الخضرة أو يبتعدوا عن الحرارة الخانقة في صالة جديدة للتزلج على الجليد.

وكأن هذه المنطقة من العراق بكل ما يتوفر لديها من أسباب الرفاهية عالم مختلف عن بغداد حيث تمثل التفجيرات الانتحارية أحداثا يومية في حين أن الاسوار الواقية التي يغطيها الرماد هي السمة الغالبة في هذه المدينة والفنادق مغلقة ووسائل الترفيه مقتصرة على داخل المنازل والتليفريك في المدينة طالته يد الدمار.

ساعد الامن النسبي لاقليم كردستان العراق شبه المستقل والذي لم يتأثر تقريبا بالحرب في جعل المنطقة ملاذا امنا في البلد الغني بالثروة النفطية والذي يمثل نقطة جذب الا أنه منطقة ليست واضحة المعالم بالنسبة للشركات الساعية للاستثمار.

وقال ممدوح محمود رجل الاعمال وراء فكرة التليفريك وصالة التزلج في وسط اربيل "أخذت فكرة التليفريك من الصين. كلفني 2.5 مليون دولار وأقامته شركة صينية."

وأضاف "أدفع رسوم ايجار 2500 دولار سنويا قيمة للارض التي استأجرتها من الحكومة لبناء صالة التزلج ومحطة التليفريك.. لذا من يمكنه مقاومة اغراء الاستثمار هنا؟"

وبعد سنوات من الحرب والعقوبات والاهمال اصبح العراق واحدا من أكثر الاسواق الناشئة احتياجا للاهتمام في العالم.

ويحتوي العراق على احتياطي نفط مؤكد يبلغ 115 مليار برميل وهو ثالث أكبر احتياطي في العالم كما أن 30 مليونا هم سكان العراق متعطشون للمساكن والكهرباء والسلع الاستهلاكية.

لكن الحرب التي بدأت بغزو أمريكي للاطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين لم تنته بعد وما زال العراق مكانا ينطوي الدخول اليه على مخاطر.

وما زال متشددون اسلاميون ينشطون في البلاد وتسفر تفجيرات وأشكال أخرى من الهجمات عن مقتل المئات كل شهر.

وأظهر استطلاع جديد لاراء المسؤولين التنفيذيين للشركات أجرته وحدة ايكونوميست انتلجينس أن 64 في المئة يعتقدون أن الاستثمار في العراق ما زال ينطوي على مخاطر حتى على الرغم من أن اكثر من النصف قالوا ان رأيهم أصبح أكثر ايجابية خلال العامين الماضيين.

ونال اقليم كردستان العراق أعلى التقديرات داخل العراق اذ ان 46 في المئة كانت لديهم اراء ايجابية كبيرة أو جيدة نوعا ما بخصوص المنطقة في حين أن 20 في المئة فقط كانت لديهم اراء سلبية.

وفي أربيل فان الاسوار الواقية الوحيدة الظاهرة هي الاسوار الزاهية المحيطة بالبرلمان. وتضم عاصمة كردستان العراق أندية ومطاعم كما أن هناك شعورا بالامان يجعل السكان يسهرون بعد حلول الظلام.

وينظر المستثمرون بعين الاعتبار للمنطقة كغاية في حد ذاتها أو نقطة دخول لباقي اجزاء العراق عندما يشيع السلام هناك.

وتتردد أصداء البناء في كل مكان في أربيل في الوقت الذي تجري فيه اقامة منازل ومبان سكنية. وقال مسؤولون حكوميون ان المستثمرين وعدوا بتقديم 14 مليار دولار منذ منتصف عام 2006 .

وقال برهم صالح رئيس حكومة اقليم كردستان لرويترز في مقابلة أجريت معه في يوليو تموز ان ما يحدث يمثل قصة نجاح هائلة لكردستان وانهم فخورون بذلك.

ويشير رجال الاعمال الى قانون استثمار مهم صدر عام 2006 ساعد على تحويل كردستان من اقتصاد كان قائما على التخطيط المركزي خلال حكم صدام الى منطقة مواتية للتجارة والاستثمارات بدرجة أكبر. بحسب رويترز.

ويتيح القانون اعفاء ضرائبيا لمدة عشر سنوات وأرضا مجانية لاصحاب المشاريع مع امكانية نقل الارباح خارج المنطقة.

ويحاول الاكراد جذب المستثمرين الاوروبيين والامريكيين لكن 55 في المئة على الاقل من الشركات الاجنبية التي تستثمر هناك وهي 640 شركة من مجموع 1170 تأتي من تركيا المجاورة. كما أن هناك 31 شركة ألمانية فقط وشركتان فرنسيتان.

وقال علي الصفار من وحدة ايكونوميست انتلجينس يونيت "اقليم كردستان يملك مقومات أكبر بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تريد العمل في العراق ولا تستطيع انفاق الاف الدولارات على التكلفة الامنية والتي هناك حاجة اليها من أجل العمل بنجاح في أماكن أخرى من البلاد."

وربما لا تمنع المخاوف الامنية شركة ما من الاستثمار في العراق لكن تكلفة حماية المنشات والافراد من العنف لابد أن توضع في الحسبان في خطط الاستثمار.

وكثيرا ما كان يجري استهداف أبراج نقل الكهرباء وخط أنابيب النفط الممتد من العراق الى تركيا.

وقال خالد جميل وهو مسؤول في شركة أوروك التي تتخذ من دبي مقرا "هناك مخصصات مالية للقضايا الامنية. انها تكلفة اضافية." وفازت أوروك بعقد قيمته 84 مليون دولار لاقامة محطة للكهرباء في التاجي على بعد 20 كيلومترا الى الشمال من بغداد.

وتوفر الشركة 60 من أفراد الامن في الموقع الذي يوجد به 100 من المهندسين والفنيين. ومدت سورا من الاسلاك الشائكة حول ممتلكاتها الى حين بناء سور دائم. وهناك العديد من الخطط الخاصة بالبنية الاساسية بالعراق.

وأعلنت شركات النفط العالمية الكبرى التزامها بعقود تقدر بمليارات الدولارات لتطوير حقول النفط وخصصت الحكومة التي تحصل على 95 في المئة من ميزانيتها من ايرادات النفط 21 مليار دولار وهو ربع الميزانية للاسكان والسكك الحديدية ومشاريع أخرى هذا العام وحده. وما زال الفساد والعقبات البيروقراطية من المعوقات الرئيسية.

ويحتل العراق المرتبة 153 ضمن 183 دولة في تقرير للبنك الدولي فيما يتعلق بتسهيل الاستثمار. في حين أن مرتبة العراق 176 بين 180 دولة في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية.

كما أن البنية الاساسية التي عانت في ظل 30 عاما من الحرب شبه المتواصلة تمثل عائقا للاستثمار. ويقول سكان بغداد انهم لا يحصلون سوى على ساعات محدودة من الكهرباء من الشبكة الوطنية.

لكن الوضع في كردستان التي لم تتأثر تقريبا من الصراع الدائر حاليا أفضل اذ توفر أكثر من 18 ساعة يوميا.

وقال سنان جلبي وزير التجارة والصناعة في حكومة اقليم كردستان انه قبل أربع أو خمس سنوات كانت تتوفر ساعة واحدة فقط من الكهرباء. وأضاف أنه يعتقد أن خلال عامين أو ثلاثة سيتمكنون من التغلب على كل النقص وستتوفر ساعات اضافية.

كما أن اقليم كردستان العراق به مشاريع كبيرة للبنية الاساسية قيد التنفيذ يركز بعضها على تركيا المجاورة لتعزيز التجارة السنوية التي تبلغ قيمتها حاليا خمس أو ست مليارات دولار. ويشير جلبي الى وجود جسر واحد بين البلدين تمر عبره 1500 شاحنة يوميا.

وقال ان هناك اتفاقا لمد جسرين اضافيين ولتوسيع العرض حتى يمكن استيعاب الحركة المرورية الاضافية. لكن النزاعات بين أربيل وبغداد تعيق النمو في كلا الجانبين.

وتقول الحكومة الاتحادية ان العقود التي وقعتها حكومة اقليم كردستان مع شركات النفط لتطوير الحقول غير مشروعة. وأدى هذا النزاع الى وقف الصادرات من كردستان في العام الماضي ولم يتمكن الجانبان من حل الخلافات.

وأبدى برهم صالح غضبه الشديد من أن كردستان تخسر مليارات الدولارات سنويا بسبب توقف الصادرات من هناك.

وتفخر السلطات الكردية في موقعها على الانترنت بأنه لم يلق أي جندي من قوات التحالف حتفه هناك كما لم يتم خطف ولو أجنبي واحد في كردستان العراق خلال الحرب.

وساعد هذا الوضع الامني الاكراد على أن ينعموا بأسباب الراحة. ويقول خالد ناوزاد (22 عاما) وهو عامل في صالة للبولينج بأربيل ان السكان يقفون في طابور في انتظار دورهم للعب.

وقال "أتمنى أن تتمتع كل أجزاء العراق بنفس الرفاهية.. لكني أعلم أنه من شبه المستحيل في ظل الوضع الامني الراهن المتردي... أتمنى أن يختفي العنف يوما وأن تعود الحياة لطبيعتها."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تشرين الأول/2010 - 29/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م