لا نعطِ الرسائل الخاطئة

محمد علي جواد تقي

قرأ أحد الاصدقاء مقالاً لي قبل فترة تحت عنوان (هل العراقيون محكومٌ عليهم بالتمرّد)؟ وتسائل، كيف ينسجم (الحكم) وهو يصدر من الخارج مع (التمرّد) الصادر من داخل الانسان؟ والسؤال وجيه حقاً من الناحية اللغوية، وله تبريره أيضاً من الناحية العملية على صعيد الواقع الذي نعيشه، لكن لسنا من نفرض التبرير، إنما تأتي المصاديق عفوية مع مرور الايام الصعبة في ظل الشد والجذب بين السياسيين على منصب رئاسة الوزراء، وقد جاءت الفكرة في سياق الحديث عن دفع وتحريض غير معلن للناس على التمرد أملاً بالحصول على حقوقهم الاساسية والطبيعية وأمثلتها الموجودة؛ الكهرباء ثم رواتب المعملين وغيرها من الحقوق الاساسية والطبيعية التي من المفترض ان ينعم بها المواطن العراقي ولو تدريجياً في ظل ما يسمى بالتجربة الديمقراطية الجديدة في العراق.

وعلى صعيد السياسة من المفترض ان يرى الناس بعض النقاط البيض في وجه العملية السياسة، ليتوسموا خيراً بالمستقبل، لا ان يسمع من شخصية بارزة ويُعتد بها مثل عادل عبد المهدي وهو يتحدث للاعلام وتحت قبة البرلمان ويقول: (ان أمام نوري المالكي مرشحاً آخراً)، وهو في ذلك يتحدث عن تفاؤله بحل أزمة تشكيل الحكومة! ويبدو انه بعدم الافصاح عن اسمه هذا المرشح سيكون لبقاً وذكياً، إذ ربما – حسب ظنه- يصدق اسم المرشح على أشخاص آخرين غيره، فيما وسائل الاعلام المختلفة أشبعت الرأي العام بالتقارير والاخبار المتعلقة باختيار التحالف الوطني لنوري المالكي مرشحاً له لرئاسة الوزراء، وهو التحالف الذي يضم عبد المهدي والمجلس الاسلامي الأعلى، بغض النظر عن رفض الاخير وكتلته لهذا الترشيح، فهل تفضّل عبد المهدي ووضّح لنا كيفية التوفيق بين أن يكون هناك مرشح ثانٍ للمالكي، وبين المرشح الآخر الذي ليس سوى عبد المهدي نفسه المرشح من قبل الائتلاف الوطني المتحالف بالأساس مع كتلة دولة القانون؟!

هل يمكننا على هكذا أساس، بناء علاقات الاحترام المتبادل بين السياسة والجماهير؟ وهل يمكن بهكذا سلوكيات ومواقف و رؤى تقديم الصورة المفيدة للديمقراطية للشعب العراقي؟

من الواضح إن تفاؤل عبد المهدي بقرب حسم المشكلة بمعنى دخول النواب الجدد قاعة البرلمان في أول جلسة له لتكون ساحتهم الجديدة للمواجهة المكشوفة ولمباريات ليّ الذراع، ولن يكون المجلس المنتخب منبراً للنائب المنتخب يعكس فيه معاناة واحتياجات من انتخبه بل عموم الشعب، ثم العمل على تشريع القوانين والمشاركة في صنع القرار، إنما سنكون أمام ساحة يتقاسمها فريقان كلٌ يدعي انه يحظى بالعدد الأكبر من المقاعد ليدفع بمرشحه نحو كرسي رئاسة الوزراء، وربما ستكون القضية معركة على استحواذ المقاعد!! 

فاذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل ولا نجد أحداً يجرؤ على التفاؤل بقدرة التجربة الديمقراطية على إدارة البلاد والعباد بالشكل الحكيم والصحيح، فلماذا لا تتجه جهود السياسيين العضلية منها والذهنية والمالية أيضاً، الى إعادة النظر بشكل كامل بهذه التجربة ومصارحة الناس بوجود أسباب موضوعية عديدة تحول دون التطبيق الصحيح للديمقراطية في العراق في مرحلته الراهنة.

وكل شيء قابل للتعديل والتغيير، كما يطالب البعض من السياسيين إجراء تعديلات على الدستور.

واعتقد جزماً ان الشعب العراقي اليوم استوعب الدرس جيداً وتوضحت له المفاهيم والامور بشكل كامل، فاذا وقف أمام استفتاء على شكل النظام السياسي للبلاد وأيهما يختار، هل النظام البرلماني القائم حالياً، أم النظام الرئاسي الذي ينتخب الشعب رئيس جمهوريته بشكل مباشر ويكون البرلمان منتخباً أيضاً دوره الرقابة والاشراف على الأداء الحكومي. فلا أشك – وربما يتفق معي الكثير- إن الاغلبية ستكون للخيار الثاني.

فلا نضيع الوقت بالنقاشات العقيمة والحلول الترقيعية والمحاولات الفاشلة لفرض مفاهيم وافكار لا مجال لها للتطبيق العملي، ثم إن العراق أمضى حوالي قرن من الزمن وهو يتعرض للطعنات والانتهاكات، ولا اعتقد أن هناك سياسي شريف ومخلص لوطنه ولشعبه يريد تكرار التجربة الماضية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/تشرين الأول/2010 - 26بش/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م