الإنسان والفيروسات... أصابات جديدة وتهديدات مستمرة

 

شبكة النبأ: يشهد العالم في الآونة الأخيرة من انتشار كبير للفيروسات والأمراض التي تقضي على الإنسان، وعليه فقد قام العديد من الأطباء والباحثين بأجراء دراسات وتجارب لإيجاد حلول لها، وقد استطاعوا من حل رموز بعض الأمراض المستعصية التي أدت بحياة العديد من المرضى.

ولكنهم لم يكونوا يدركوا إن هناك تهديدا جديدا يجتاح العالم ليهدد العديد من الأرواح، حيث ظهر مؤخرا نوعا جديدا من الفيروسات التي تصيب الإنسان، وما آثار المخاوف لدى الأطباء هو إنهم لا يعرفون العقار المضاد له ولكنهم يعملون بجهد للوصول الى علاج في وقت قصير للحد من آثاره على الإنسان.

آلية جديدة

فقد اظهر باحثون بروز آلية جديدة لمقاومة المضادات الحيوية في الهند وباكستان وايضا في بريطانيا، وهي تشكل تهديدا كبيرا في الحرب ضد البكتيريا، لا سيما مع تنامي السياحة الطبية.

وقد حدد تيموثي والش (جامعة كارديف، بريطانيا) في العام 2009 اول عدوى ببكتيريا الجهاز الهضمي التي تنتج انزيمة من نوع "نيودلهي ميتالو بيتا لاكتاماز" (ن د م-1) لدى مريض سويدي دخل مستشفى في الهند.

عائلة بكتيريا الجهاز الهضمي الواسعة مؤلفة من أنواع بكتيريا غالبا ما تكون مقاومة للمضادات الحيوية الشائعة وتعتبر من بين أهم أسباب العدوى البكتيرية الخطرة. من بينها الايشيرشيا المعوية (اي كولاي) وكلبسييلا المسببة لالتهابات حادة في الجهاز التنفسي. البكتيريا التي تنتج هذه الانزيمة (ن د م-1) مقاومة لكل أنواع المضادات الحيوية تقريبا، بما فيها الكاربابينيم المخصصة عادة للحالات الطارئة ولعلاج العدوى شديدة المقاومة.

وقد حلل فريق كارثيكيان كوماراسامي (جامعة مادراس، الهند) وتيموثي والش العينات البكتيرية المأخوذة من مرضى مصابين بأنواع مختلفة من العدوى في الهند وباكستان وبريطانيا. بحسب وكالة فرانس برس.

وتم تحديد 44 إصابة بالبكتيريا المنتجة لأنزيمة "ن د م-1" في ولاية تاميل نادو (جنوب الهند) و26 إصابة في ولاية هاريانا (شمال) فضلا عن مواقع أخرى في الهند وبنغلادش وباكستان. البكتيريا المسببة كانت بشكل خاص "اي كولاي" و"كلبسييلا" المسببة لالتهابات الجهاز التنفسي.

ووجدوا أيضا انزيمة (ن د م-1) في بريطانيا لدى مرضى خضعوا لعمليات جراحية، بما فيها عمليات تجميلية أجريت في الهند وباكستان. وأشاروا أيضا الى ان "أوروبيين آخرين وأميركيين يخضعون ايضا لعمليات جراحية تجميلية في الهند"، وهم يخشون ان تنتشر البكتيريا المنتجة لأنزيمة (ن د م -1) على الصعيد العالمي.

الباحثون، الذين نشرت مجلة "ذا لانسيت انفكشوس ديزيزز" نتائج اعمالهم على شبكة الانترنت، اشاروا الى ان احتمالات انتشار هذا النوع من مقاومة العلاجات كبيرة جدا.

في مقال صحافي، قال جوهان بيتو (جامعة كالغاري، كندا) انه تم تحديد وجود انزيمة (ن د م-1) في الولايات المتحدة وهولندا واستراليا وكندا، لدى مرضى ذهبوا للخضوع لعلاجات في الهند. وحذر من ان السياحة الطبية في الهند قد تنمو بنسبة 30% سنويا خلال السنوات الخمس المقبلة.

في استراليا

وفي السياق ذاته أصيب ثلاثة أستراليين سافروا إلى الهند بجرثومة مقاومة لجميع أنواع المضادات الحيوية تقريبا، الأمر الذي يخلق مخاوف من انتشار العدوى عالميا بعد أن أصابت عشرات البريطانيين، بحسب ما قال احد الخبراء.

وبحسب البروفسور بيتر كوليغنون رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى كانبيرا، فإن هؤلاء الأشخاص (أحدهم خضع لجراحة تجميلية في بومباي) مؤشر على مشكلة كبيرة. وأوضح أنه "لا بد من وجود حالات أخرى كثيرة. فمن الصعب جدا اكتشاف هذه الجينة المحددة إلا من خلال معدات متطورة".

وهذه البكتيريا المعوية التي تنتج إنزيما أطلق عليه اسم "نيودلهي ميتالو-بيتا-لاكتماز" (أن دي أم - 1) قد اكتشفها تيموثي والش (جامعة كارديف، بريطانيا) للمرة الأولى في العام 2009 لدى مريض سويدي أدخل إلى مستشفى في الهند. بحسب وكالة فرانس برس.

لكن دراسة نشرتها المجلة البريطانية المتخصصة "ذي لانست إنفكشوس ديزيزس" هذا الأسبوع بينت أنه تم عزل الجرثومة لدى 37 مريضا في بريطانيا، ومن بينهم من قصد الهند أو باكستان بهدف الخضوع لعمليات تجميلية. وتقاوم هذه الجرثومة جميع أنواع المضادات الحيوية بما في ذلك الكاربابينيمات التي تخصص عادة لحالات الطوارئ ولعلاج العدوى المقاومة لأنواع عدة من المضادات الحيوية.

وأشار كوليغنون إلى أنه عالج أحد الأستراليين الثلاثة المصابين في كانبيرا، في حين يتواجد الآخران في ولايتي كويزلاند ونيو ساوث ويلز. وأوضح "وجدنا هذه الجرثومة في بولهم ولحسن الحظ أنها لا تولد مشاكل كثيرة. لكن انتشارها يخلق قلقا حقيقيا".

ولفت الطبيب إلى أن أحد المصابين الثلاثة تعرض لمضاعفات على إثر خضوعه لعملية جراحية تجميلية، أما الآخرين فقد أصيبا بالعدوى في ظروف غير محددة.

116 إصابة و5 وفيات

في حين أودت موجة إصابات بفيروس النيل الغربي بحياة خمسة أشخاص في الجانب الروسي من منطقة فولغوغراد على نهر فولغا حيث سجلت 116 حالة على أقل تقدير، بحسب ما أفادت مصلحة الخدمات الصحية المحلية.

وأوضح متحدث باسم هذه الخدمات (روسبوتريبنادزور) في منطقة فولغوغراد (1000 كيلومتر جنوب-شرق موسكو) أن "116 شخصا وثقت حالاتهم كإصابات بفيروس النيل الغربي وقد توفي خمسة منهم".

وعلى الموقع الإلكتروني لمصلحة الخدمات الصحية في منطقة نهر فولغا الأطول في أوروبا، إشارة إلى أن "6 الى 10 إصابات تسجل يوميا". وكانت قد سجلت ثلاث حالات في منطقة فورونيي المجاورة (600 كيلومتر جنوب-شرق موسكو)، بحسب ما أعلنت مصلحة الخدمات الصحية المحلية في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني.

وتعتبر موجة الحر القياسية التي ضربت روسيا خلال فصل الصيف لا سيما المناطق الجنوبية حيث بلغ معدل الحرارة 40 درجة مئوية بعد شهرين من الأمطار، هي السبب في فائض البعوض الذي تضاعفت أعداده 20 مرة مقارنة مع العام الماضي، وفقا لمصلحة الخدمات الصحية. وينتقل فيروس النيل الغربي بواسطة البعوض. بحسب وكالة فرانس برس.

وقد أشارت مصلحة الخدمات الصحية أيضا إلى "ازدياد عدد أشكال المرض الخطيرة" التي قد تؤدي إلى التهاب في الدماغ. ويقدر عدد الأشخاص المحتملين المعنيين بانتشار هذا الفيروس بمليوني شخص، وفقا للمصدر نفسه.

وقالت بيان المصلحة انها "أعطت تعليماتها إلى إدارة منطقة فولغوغراد لتعزيز تحركها لا سيما رش المبيدات الحشرية". وشددت على أن هذا الفيروس كان قد رصد في المنطقة خلال السنوات الماضية، لكن نسبة الإصابات كانت منخفضة.

وسجلت إصابات بفيروس النيل الغربي هذا الصيف في اليونان حيث أودى بحياة أربعة أشخاص.

في فلوريدا

بينما قال مسؤولون بقطاع الصحة ان اربعة من سكان ولاية فلوريدا توفوا متأثرين بمرض ينقله البعوض ويصيب في العادة الخيول وذلك في الوقت الذي تدخل الولاية الأمريكية التي تكثر فيها المستنقعات ذروة موسم الأمراض المنقولة عن طريق البعوض.

واضاف المسؤولون ان اثنين من سكان منطقة تامبا توفيا الشهر الماضي بمرض فيروسي يحدث التهابات في الدماغ. وتأكد وقوع حالتي وفاة اخريين بنفس المرض منذ ذلك الحين احداهـما في تالاهاسي عاصـمة الولاية والاخـرى في بلدة سوبتشـوبي في شمـال غـرب فلوريدا.

وتقول المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ان هذا المرض يصيب في الغالب الخيول غير المحصنة لكن يحدث عدد قليل من الوفيات بين البشر كل عام. ولا يوجد لقاح لحماية البشر من المرض الذي يقتل ثلث الذين يصابون به ويترك عادة ضررا ملحوظا في الدماغ. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وتتعقب وزارة الصحة في فلوريدا ايضا مرضين اخرين اقل فتكا ينتقلان بواسطة البعوض وهما فيروس غرب النيل وحمى الدنج.

وبدأ فيروس حمى الدنج في الظهور في فلوريدا في 2009 بعد ان اختفى تماما منذ اخر تفش واسع له في 1934. وسجلت 28 حالة انتقال محلي مؤكدة لحمى الدنج على الأقل في فلوريدا هذا العام بالإضافة الى 67 حالة قادمة من الخارج. والمرض متفش بصورة اكبر في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.

اكتشاف

من جانب آخر،  قال باحثون ان فيروس انفلونزا الخنازير (اتش1ان1) خضع لتحور واستخدم حيلة جديدة لينتشر بكفاءة بين البشر في علامة اخرى تساعد الخبراء في التنبؤ بما اذا كان فيروس للأنفلونزا يمكن ان يسبب وباء.

واكتشف الفيروس (اتش1ان1) للمرة الاولى في البشر في ابريل نيسان 2009 لكن بحثا جينيا اشار فيما بعد الى انه في الواقع ظل ينتشر لعشر سنوات على الاقل وربما أكثر في الخنازير.

وكتب يوشيهيرو كاواوكا من كلية الطب البيطري بجامعة ويسكونسن ماديسون وجامعة طوكيو الذي شارك في اعداد البحث "هذا الوباء (لفيروس) اتش1ان1 حدث له هذا التحور وذلك هو السبب في انه يمكنه ان يتكاثر بفعالية في البشر.

"هذا يعطينا مؤشرا اخر للمساعدة في التنبؤ باحتمالات حدوث أوبئة للأنفلونزا في المستقبل."

وفي الشكل النموذجي فان فيروس الأنفلونزا يحتاج لحمضين امينيين -الليسين والاسباراجين- في موقعين محددين في بنائه قبل ان يتمكن من القفز من الحيوانات الى الإنسان والتكاثر بكفاءة في الخلايا البشرية. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

لكن (اتش1ان1) ما زال يشكل لغزا للعلماء لأنهم غير قادرين على العثور على الحمضين الأمينيين في هذين الموقعين. وفي تجربة اجريت على الفئران اكتشف كاواواكا وزملاؤه ان حمض الليسين الاميني كان موجودا في موقع مختلف تماما لكنه اتاح للفيروس ان يكون بنفس الفعالية في التكيف مع الخلايا البشرية.

وقالت منظمة الصحة العالمية اوائل يونيو حزيران ان وباء (اتش1ان1) لم ينته بعد على الرغم من ان نشاطه الأكثر قوة انقضى في مناطق كثيرة من العالم. وكان الأطفال والأشخاص الذين يعانون حالات خاصة تضعف الجهاز المناعي مثل الربو والسكري وأمراض القلب والحمل هم الأكثر إصابة بالفيروس.

تراجع عن تقديرات

من جانبه تراجع المركز الأمريكي لمراقبة الأمراض والوقاية منها عن تقديرات ظل يؤخذ بها عشرات السنين لعدد الذين يموتون سنويا بسبب الأنفلونزا الموسمية وقال بدلا من ذلك ان عدد الوفيات يختلف الى حد بعيد من عام لآخر.

وقال المركز ان العدد الفعلي في الأعوام الثلاثين الماضية تراوح بين حد أدنى بلغ 3300 حالة وفاة وحد أقصى يصل الى قرابة 49 ألف حالة وذلك بدلا من العدد المقدر بزهاء 36 ألف حالة وفاة سنويا بسبب الانفلونزا في الولايات المتحدة وهو رقم ورد ذكره كثيرا لتشجيع الناس على ألتطعيم ضد المرض.

وقال الدكتور ديفيد شاي المسؤول الطبي بالمركز الوطني للتحصين وأمراض الجهاز التنفسي التابع لمركز مراقبة الأمراض والوقاية منها لصحفيين في مؤتمر صحفي عبر الهاتف "الانفلونزا في واقع الأمر لا يمكن التنبوء بها. لا نعرف مدى تأثير الانفلونزا في بداية أي موسم."

ولا تشمل التقديرات وباء فيروس (اتش1 ان1) الذي تفشى عام 2009 لكنها تشير الى أن بعض سلالات الفيروسات أكثر فتكا من سلالات أخرى. وذكر المركز أن التقدير الذي ظل يستخدم زمنا طويلا كان قائما على أساس بيانات ترجع الى التسعينات عندما كانت سلالات فيروس الانفلوتزا اتش3 ان2 منتشرة.

وتشير تحليلاته الجديدة الى أن السنوات التي كانت فيها سلالات فيروس الأنفلونزا (اتش3 ان2) في أقوى حالاتها كان عدد الوفيات المرتبطة بالمرض أعلى 2.7 مرة من السنوات التي كانت فيها فيروسات (اتش1 ان1) أو الأنفلونزا منتشرة. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها انه بسبب هذا الاحتلاف فمن الادق استخدام نطاق عددي لحالات الوفاة لكن ذلك من المرجح أن يتغير مع الوقت وتطور اختبارات التشخيص ووسائل إحصاء الوفيات الناجمة عن الأنفلونزا.

وقال شاي الذي تنشر تحليلاته في التقرير الأسبوعي لمركز مراقبة الأمراض والوقاية منها عن الوفاة والمرض "لان لدينا هذا النطاق الشديد الاتساع للوفيات -من 3000 الى 49 ألفا- فلا معنى في حقيقة الأمر لتحديد ما يحدث أي موسم أنفلونزا متوسط."

والثابت هو أن أكثر من تصيبهم الأنفلونزا هم كبار السن. وكان 90 في المئة من الوفيات الناجمة عن الأنفلونزا في 31 موسما بين عامي 1976 و2007 لمرضى تزيد أعمارهم عن 65 عاما.

فك رموز

في حين انتهى فريق دولي من الباحثين من فك رموز مجين البعوضة التي تنقل من بين أمراض أخرى فيروس النيل الغربي على ما ظهرت نتائج أبحاثهم التي نشرت في الولايات المتحدة. ويلقي فك رموز مجين الكوليس كينكيفاسياتوس ضوءا جديدا على احد الأنواع الثلاثة الأكثر انتشارا للبعوض والمسؤول ايضا عن التهاب الدماغ وداء الخيطيات.

ومن خلال ذلك يمكن للباحثين الوصول الى البيانات الجينية للأنواع الثلاثة من البعوض الناقل الرئيسي لمجموعة من الأمراض البشرية القاتلة. وسبق ان فكت رموز مجين الانوفيليس التي تنقل الطفيلية المسئولة عن المالاريا ورموز الايديس الذي ينقل فيروس الحمى الصفراء وحمى الضنك في 2002 و2007 على التوالي.

والمالاريا هي التي تصيب اكبر عدد من الأشخاص في العالم من بين الأمراض المذكورة مع 250 الى 500 مليون مصاب وتتسبب بوفاة مليون شخص سنويا غالبيتهم من الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء. بحسب وكالة فرانس برس.

وقال بيتر ارينسبرغر من جامعة كاليفونريا (غرب الولايات المتحدة) احد المشرفين على الدراسة التي نشرتها مجلة ساينس الأميركية "بات بإمكاننا المقارنة ومعرفة الفروقات في مجين هذه الأنواع الثلاثة وتحديد الجينات المشتركة في ما بينها وتلك الفريدة بكل نوع".

واضاف "مع فك رموز مجين كوليكس يمكننا ان نبدأ في تحديد جينات البعوض التي تنشط او تتعطل تفاعلا مع الإصابة بطفيليات او فيروس والتي نقل عدواها لاحقا الى البشر من خلال امتصاص دمائهم" . وختم يقول ان "فهم هذه الآلية الجينية لدى البعوض مهم جدا في وضع استراتيجيات تهدف الى منع انتقال فيروس النيل الغربي وطفيليات اخرى".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/تشرين الأول/2010 - 26بش/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م