
شبكة النبأ: يقول عز من قائل
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْـمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}
(الأنبياء: 30). هذه الآية و بعيدا عن التفسير اللغوي والعقائدي لها
تنبأ بصورة واضحة عن أهمية الماء في الحياة كعنصر أساسي لا يمكن
استبداله أو الاستغناء عنه، الحقيقة التي أيقظت الكثير من باحثي
السياسة والاقتصاد ولفتت نظرهم لما للماء من دور مستقبلي كبير في
السياسات الخارجية بين الدول عموما ومنطقة الشرق الأوسط والعربية منها
خصوصا.
فالماء لا يستمد أهميته من كونه مصدر رئيسي للعمل الحياتي فقط ، بل
إن قضية الأمن الغذائي مرتبطة به ارتباطا وثيقا الى درجة أصبحت تهدد
دول كاملة وشعوب بأسرها، لسيطرة جهات معينة على حركة الغذاء بطريقة
تابعة لسياسات خاصة و ممنهجة في تركيع وتبعية دول لأغراض مستقبلية ضمن
عمل إستراتيجي سياسي مخطط.
وعلى سبيل المثال عموما الوطن العربي يقع في الحزام الجاف وشبه
الجاف من العالم، ومعدل هطول الأمطار في الوطن العربي بين 5 ـ 450 ملم
سنويًا ونصيب الفرد العربي من المياه 1744 مترًا مكعبًا سنويًا، وفي
عام 0 201م، حيث بلغ عدد سكان الوطن العربي 350 مليون نسمة تقريبا، فإن
عجز الموارد المائية العربية وصل إلى 147 مليار متر مكعب وهذا بدوره
ولد عجزا غذائيا كبيرا تحاول الدول العربية سده عن طريق الاستيراد.
إن لوجود المياه والمسطحات المائية أهمية كبرى في تقدم الزراعة وما
لها من اثر مهم في استقرارية دخل الفرد غذائيا والأمن الغذائي للبلاد
عموما، فالاكتفاء الذاتي في أي مادة يوفر ملايين الدولارات لتلك الدولة،
ووجود فجوة غذائية في دولة ما نتيجة الفرق بين الصادرات والواردات؛
يمثل مشكلة خطيرة، بل إن نسبة الاكتفاء الذاتي من أهم الأمور
الإستراتيجية في مجال الغذاء .
في العراق قيام تركيا بمشروعات كبرى على نهر الفرات تقضي بإنشاء 13
سدًا، نُفذت بالفعل منها: سد أتاتورك عام 1990م؛ كما أن قيام سوريا
بدورها بإنشاء سدود على الفرات يؤثر سلبا على العراق الذي يصل إليه
النهر في النهاية ولذا فان معدل التدفق في النهر قد انخفض بشكل كبير
مما أثر بشكل واسع على المساحات الخضراء وانحسارها.
حيث ظهر ذلك جليا في العراق فالاكتفاء الذاتي كان مصدرا مهما
للفواكه والخضر اليومية إضافة الى مواد أخرى كالحنطة والرز وبعض المواد
الإستراتيجية المخزون خلال فترة الثمانينات وحتى نهاية التسعينات.
لقد فرضت دول الجوار للعراق نظاما قاسيا لتزويده بالمياه المتدفقة
اليه من منابع الفرات ودجلة ونهر الكارون حولته الى بلد مستورد لجميع
المواد الزراعية تقريبا بل إن الزراعة فيه تكاد تكون معدومة نتيجة تصحر
الكثير من الأراضي ، ولو لاحظنا منشأ المواد والخضروات الواردة الى
العراق لوجدنا إن اغلبها هو من الدول المتشاطئة للعراق على نهري دجلة
والفرات وهذا يعني إن قضية تقليل حصة العراق المائية والتجاوز عليها هي
قضية مدروسة ومبنية على أسس اقتصادية الهدف منها ضرب القطاع الزراعي في
العراق وتحويله الى بلد مستورد لجميع المواد فيما تكون البلدان
المجاورة مستعدة لسد حاجة البلد من هذه المادة فتكون قد انشات سوقا
خاصا لها وحسب سياستها الخارجية.
الحالة العراقية هي أنموذج قريب من الواقع يمثل إحدى صفحات استخدام
المياه كورقة للضغط على الدول وهي وان كانت بمقاييس السياسة تعتبر
ممنهجة و مدروسة إلا إنها بالمقاييس الأخلاقية والإنسانية تعتبر جريمة
بحق الطبيعة بأسرها فمنع الإنسان أيا كان صنفه ونوعه من استخدام المياه
لإغراضه اليومية وللحياة العامة هي بمثابة إعلان حرب عليه وهو تهديد له
ولمستقبل لبلاده، مضافا لذلك ما يتم من جريمة بحق الكائنات البحرية
والبرمائية من إبادة واسعة بعد جفاف الكثير من المسطحات المائية وما
يعقب ذلك من ظهور مساحات يابسة تؤثر بشكل كبيرا على حرارة الأرض عموما
والتسبب بعواصف ترابية بشكل غير مسبوق.
ولا نغالي إذا ما قلنا ربما تتطور قضية المياه لتصل الى ذروتها
وتتفجر بعدة حروب دامية نتيجة السياسات العبثية التي تمارسها الدول
المسيطرة على منابع الأنهار، وهي إن حدثت ستأتي على المنطقة برمتها كون
لا رابح في أي حرب سوى باعة السلاح وتجار السوق السوداء.
تحدث الباحثون قبل فترات بعيدة عن احتمالية نشوب (حرب المياه)
واليوم بدأت أهم إحدى مشكلات المياه تطل بقفازات من حديد، فقد أعلنت
ثماني دول إفريقية اعتراضها على حصص المياه التي تأخذها مصر والسودان
من نهر النيل، وفشل آخر المؤتمرات الذي عقد في شرم الشيخ في التوصل إلى
اتفاق يسوي الخلافات بين هذه الدول, التي يبدو أنها أخذت أبعاداً
سياسية واقتصادية وقانونية بالغة التعقيد، وغيرها من المشاكل التي
تتصاعد وتخفت بين سوريا والعراق وتركيا بين الحين والآخر.
ومن خلال القراءات المتعددة لمشكلة المياه فان القول القاضي بان
المشكلة أصبحت واقع تهدد الحالة برمتها هو قول في مستوى عال من الجدية
وان من يحاول أن يرى القضية بأنها مشاكل تنتهي بمحدودية منطقة أو مساحة
معينة إنما هي قراءة منقوصة وقصيرة الأمد.
ولذا فان البحث في هذا المجال يجب أن يأخذ مساحة واسعة لوضع الحلول
السريعة والجذرية خصوصا في المناطق التي تعاني من توترات مستمرة
وأكثرها منطقة الشرق الأوسط، لدفع ما يلقي بالمنطقة والعالم برمته الى
مصير مجهول وتجنب كوارث جديدة كالتي خلفتها حورب الخليج الثلاثة. |