من أَسلم المسلمات في قانون البشر وفي كل الديانات والملل والنحل،
نبذ الابن العاق الناكر لصنيع والديه، والجاحد لفضلهم في غرس بذرة
وجوده في الحياة، أقل قليل الإحسان لهما يحتسب من باب ردّاً لجميلهما
بما تكلفا في تربيته صغيرا، وإطعامه جائعا، وحمايته ضعيفا، وعونه
عاجزا، ورعايته محتاجا
ولم تتنزل شريعة ومنهاج سماوي في أمم الأولين والآخرين إلا وتؤكد
هذه الحقيقة، حاثة الابن على وصالهما واللطف بهما.
وعلى رأسهم شريعة الإسلام الخالدة متمثلة بنهج النبي الخاتم محمد
وآل بيته الأشراف عليه وعليهم صلوات الرب، مشدّدين ومؤكدين على برهما
والإشفاق عليهما والرحمة لهما أيام ضعفهما والدعاء الطيب في حقهما، فقد
أفاضوا عليهم السلام الكثير من الأقوال والأفعال والإثبات والتقرير،
واصفون شقاوة وتعاسة العاقين في النشئتين، وقضى المعبود في وحيه ملزماً
العبادة الحقة بالإحسان بهما وإن كانا على غير ملة الدين الحنيف إذ
أفرد في حقهما هذه الآية الشريفة:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]
وشيوخنا الأفاضل اسبغوا على هذا الجانب أصباغ كثيرة بين نصح وتهديد
ورشد ووعيد وحديث يرقق القلوب لحالهما وآخر ينال عاقبة المقصرين في طلب
رضاهما.
لكن ماذا لو انقلب الوضع رأساً على عقب !!!
أصبح الابنُ ضحية لوالدين جزارين بأصناف من الظلم والتسلط والقسوة
وألسنة حادة شادة وأخلاق رديئة وفكر منحرف، في مكان يفترض أن يكون
البادئُ في حفظ كرامته واحترام ذاته وصقل شخصيته ورسم هويته وترسيخ
أقوى المبادئ والقيم السليمة.
ماذا لو أستغل الوالد ولايته على أبناءه حارماً هذا من تحقيق طموحاً
ما، وممسكاً هذه عن زوجٍ كفئ لأنانيةً في نفسه وطمعاً في مادة، عاداً
إياها سلعة للبيع يستحقها الدافع أكثر، ذريعته أنه الأب والوالي
والمتصرف في شؤونهم.
ينجرح قلبي عندما أجد أُسر يُبتلى فيها أبنائها بأم نضب الحنان من
قلبها، التصغير والتحطيم والإهانة والتعيّير مقدمات لأي حديث بينها
وبينهم إن أخطئوا ضيقت عليهم الخناق وإن أجادوا قارنتهم بالأفضل منهم.
وبأبٍ أَخرس لسانه وأَبدلهُ بأيدي جافة سلطها على أبدانهم الرقيقة
وكأنهُ يُنفس عن مكبوتات حبيسةَ نفسهُ المريضة..
والطامة الكبرى ما بات يطفو على سطح المشاكل الأسرية آلام البنات،
من تحرش الأب بابنته الأسيرة بين يديه المستضعفة والمغلوبة على أمرها.
أليس عِزة وكرامة الإسلام تشمل إنسانيتهم الصغيرة أيضا!!
وقبل أن يطالب الوالدان ابنهما بالإحسان والبر بهما أن يرحما هم
أيضا عضاضة نفسه وسلامة قلبه الصغير من المهانة والتجريح، كم وكم أب
دفع ابنه للتفكير بالإنتحار، وتخرج للعالم بإنسانية محطمة ومعقدة وكم
أم داست على زهرة ابنتها وسقتها الآلام حتى ذبلت براعمها الندية وجفت
روحها الرطبة !!!
فأين الصارخون المدافعون عنهم وعن حقوقهم المسلوبة وعن كرامتهم
المهدورة بأيدي أقرب الأقربين فبدل أن يمنحوهم الرحمة لضعفهم أستغلوها
في أرواء دناءة نفوسهم ؟ وأين يلجأ طفل لم تبلغ مداركه قوتها، وهو لا
يزال يرى والداه أمنه وأمانه !! وأي باب تطرق فتاة هرباً من أبٍ قد
تكالبا عقله ونفسه السقيمة على عفتها فتراه كالأفعى تزحف متسلله جسدها
الغض في ظلمة الليل بدل أن يكون سندها وظهرها من ظلمة الدنيا ؟؟
ولو صدر منهم أي موقف دفاع تحاشياً للأذى النفسي والجسدي بالشكوى
أوالنفور أوالهجر أو التصدي باللسان واليد.
فهل وصمة الابن العاق تلاحقهم وتقلق مضاجعهم في مراحل عمرهم
المختلفة ؟؟
أنصفوهم بحق السماء وارفعوا شكواهم على المنابر وفي المساجد
والمحافل الدينية والتربوية !!!
فجراحهم تنزف وقلوبهم تغص ألما. |