قرأت قبل أيام مضت خبر في وسائل الأعلام مفاده إن السيد وزير
الداخلية الأستاذ جواد البولاني أدلى بتصريح حول الجرائم الاغتيالات
والتفجيرات التي وقعت مؤخرا ووصفها بأنها (جرائم سياسية)، وعلى وفق ما
ورد في جريدة الصباح بالعدد الصادر يوم 18/9/2010 وحيث أن ذلك الوصف
لتلك الأعمال قد صدر من رجل مسؤول عن امن البلاد وأدلى به بصفته
الوظيفية وليس بصفته الشخصية، فانه سيشكل محل نظر واعتبار من الدوائر
الحقوقية بجميع أشكالها الحكومية وغير الحكومية في داخل العراق وخارجه،
لذلك اقتضى التوضيح وبيان بان الأفعال التي حصلت سابقا وحاليا هي أفعال
إرهابية يعاقب عليها بموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005
المعدل، وهذه الأفعال الجرمية لا يمكن لمرتكبها أن يحظى بظروف التخفيف
عند فرض العقوبة عليه لبشاعتها ودناءة باعثها.
أما الجرائم السياسية فإنها تكون لوصف يختلف عنها، إذ تعد هذه
الجرائم من الجرائم التي تتعلق بالفكر والعقيدة وإبداء الرأي وتتمتع
بالكثير من عوامل التخفيف، ولا تعد من الجرائم العادية على وفق تعريف
قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في نص المادة (21)
حينما عرفت الجريمة السياسية (هي الجريمة التي ترتكب بباعث سياسي او
تقع على الحقوق السياسية العامة او الفردية وفيما عدا ذلك تعتبر
الجريمة عادية.ومع ذلك لا تعتبر الجرائم التالية سياسية لو كانت قد
ارتكبت بباعث سياسي:
1 – الجرائم التي ترتكب بباعث أناني دنيء.
2 – الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي.
3 – جرائم القتل العمد والشروع فيها.
4 – جريمة الاعتداء على حياة رئيس الدولة.
5 – الجرائم الإرهابية
6– الجرائم المخلة بالشرف كالسرقة والاختلاس والتزوير وخيانة
الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض).
وتختلف هذه الجرائم عن الإرهاب بعدة أوجه منها الاختلاف في كون
الجريمة السياسية تستهدف النظام السياسي والحكومات أما الإرهاب فانه
يستهدف الأفراد دون تحديد، كذلك تختلف الجريمة السياسية عن الإرهاب من
حيث الغرض والهدف الذي تسعى لتحقيقه فان الجريمة السياسية تهدف إلى
أغراض سياسية، إما الإرهاب فانه يهدف إلى إثارة الرعب بين الناس دون أي
غاية أو مسعى سياسي وإنما الدافع هو القتل والترويع، كما إن وصف
الجريمة بالسياسية سيحقق آثار مهمة منها إن المتهم بالجريمة السياسية
يحكم عليه بالمؤبد دون الإعدام تلقائيا حتى وان كانت العقوبة الأصلية
الإعدام على وفق نص الفقرة (1) من المادة (22) من قانون العقوبات
النافذ التي تنص على ما يلي (يحل السجن المؤبد محل الإعدام في الجرائم
السياسية) بينما الجرائم الإرهابية تكون عقوبتها الإعدام ولا ينتفع
المدان بالظروف المخففة، كذلك إن المدان بأي جريمة عادية (إرهابية أو
غير إرهابية) إذا حكم عليه بجريمة وأطلق سراحه بعد تنفيذ العقوبة ثم
عاود ارتكاب ذات الجريمة مرة أخرى فان القانون يعتبر تلك الحالة من
جرائم العود ولا ينتفع المدان بأي ظرف للتخفيف بل تشدد عليه العقوبة
وأحيانا يحكم عليه بأكثر من الحد الأعلى المقرر كعقوبة للجريمة أصلا
وعلى وفق نص المادة (140) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969
المعدل التي تنص على ما يلي (يجوز للمحكمة في حالة العود المنصوص عليه
في المادة السابقة أن تحكم بأكثر من الحد الأقصى للعقوبة المقررة
للجريمة قانونا بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد وعلى أن لا تزيد مدة السجن
المؤقت بأي حال من الأحوال على خمس وعشرين سنة ولا تزيد مدة الحبس على
عشر سنين ومع ذلك1 – إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة في السجن المؤقت
مطلقاً من أي قيد جاز الحكم بالسجن المؤبد.2 – إذا كانت العقوبة
المقررة للجريمة هي الغرامة جاز الحكم بالحبس) بينما في الجرائم
السياسية حتى وان تكرر ارتكابه لها لمرات عدة لا تعتبر حالة من حالات
العود على ارتكاب الجريمة.
كما لا يحرم المدان بالجريمة السياسية من أي حق من حقوقه السياسية
مثل حق الانتخاب والترشيح والتصويت والانتماء إلى الأحزاب وسائر الحقوق
السياسية، كما لا يحرم من إدارة أمواله وممتلكاته وعلى وفق نص الفقرة
(2) من المادة (22) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي تنص على ما
يلي (ولا تعتبر العقوبة المحكوم بها في جريمة سياسية سابقة في العود
ولا تستتبع الحرمان من الحقوق والمزايا المدنية ولا حرمان المحكوم عليه
من إدارة أمواله أو التصرف فيها) لان المدان بأي جريمة إرهابية أو
غيرها إذا حكم عليه بأكثر من خمس سنوات لا يحق له ممارسة أعماله بإدارة
أمواله وأملاكه على وفق نص المادة (97) من قانون العقوبات النافذ التي
تنص على ما يلي (الحكم بالسجن المؤبد او المؤقت يستتبعه بحكم القانون
من يوم صدوره إلى تاريخ انتهاء تنفيذ العقوبة او انقضائها لأي سبب آخر
حرمان المحكوم عليه من إدارة أمواله أو التصرف فيها بغير الايصاء
والوقف إلا بإذن من محكمة الأحوال الشخصية أو محكمة المواد الشخصية،
حسب الأحوال، التي يقع ضمن منطقتها محل إقامته.) يعتبر بحكم القاصر
ويحجر عليه وتدار أمواله من قبل دائرة رعاية القاصرين، لذلك فان الفرق
كبير بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية، ويعتبر فقهاء القانون
الجنائي المجرم السياسي ليس كغيره من المجرمين الذين يدفعهم للإجرام
مصلحة ذاتية أو أنانية فردية، أو تحقيق مكاسب شخصية، وإنما هو صاحب
عقيدة أو حامل رسالة ورائد إصلاح يتوخى النهوض ببلاده عبر تحقيق مصلحة
شعبه ويعتبر المجرم السياسي مغامر جريء، يدفعه إيمانه بمثله الأعلى
ومبادئه إلى الإقدام على تحقيقها فإن نجح كان بطلا، وإن أخفق فينبغي أن
يعتبر مغلوبا لا مجرما، على عكس الإرهابي الذي ليس له إلا القتل
والترويع بقصد ونية القتل دون سواه، لذلك ومما تقدم فان ما دفعني إلى
الكتابة بشكل مقتضب هو خطورة القول بوصف قد يحقق مكسبا للإرهاب و يستغل
من قبل رعاته ومناصريه ويتعكزون بذلك على الصفة الوظيفية لقائله ممثلا
بشخص ووظيفة معالي وزير الداخلية الذي يعتبر من قيادات الخط الأول في
إدارة العملية الأمنية، كما انتهز هذه المناسبة لادعوا جميع المعنيين
بالشأن السياسي والأمني إلى استشارة أهل الخبرة من المستشارين
القانونين المعنيين في وزاراتهم عن الأبعاد القانونية لإطلاق مثل هذه
النعوت قبل التصريح بها في وسائل الإعلام، إذ يرى بعض المختصين في
الإعلام ومنهم الإعلامي الأمريكي بارينتي في كتابه (اختراع أو فبركة
الحقيقة) (إن تحديد من هو إرهابي ومن ليس إرهابيا أمر تقرره سياسة
وسيلة الإعلام التي تصفه)، وهذه دعوة مخلصة إلى الإخوة من رجالات
الدولة إلى تعميق وزيادة وعيهم القانوني والإطلاع على الحد الأدنى من
المعلومة القانونية والتسلح بالثقافة القانونية، لأنهم قدوة يقتدي بها
الكثير من عامة الشعب.
وليس لوجه المقال صلة بشخص معالي وزير الداخلية الذي أكن له
الاعتزاز والتقدير، وإنما وجدت فيه المدخل لتوضيح بعض الحقائق
القانونية التي تغيب أحيانا عن التفكير في ظل الزخم الحياتي واليومي. |