فكرة المسلم الديمقراطي بين القبول والرفض

زهير الخويلدي

فالشرائع كلها وبخاصة شريعة الاسلام جاءت لما فيه صلاح البشر في العاجل والاجل أي في حاضر الأمور وعواقبها

 

كيف يكون الانسان مسلما وديمقراطيا في نفس الوقت؟

هذا التساؤل يستمد مشروعيته من الحكم المسبق الذي يتمسك به بعض الغلاة من الطرفين والذي مفاده أن الدين لا يشجع السياسة الديمقراطية وأن الحداثة السياسية تقتضي تحييد الأديان عن الفضاء العام وجعلها ضمن دائرة الشأن الخاص ولذلك يعتقد بشكل مسبق أن الديمقراطية والإسلام هما في حالة طلاق دائم وأن الديمقراطية هي في نظر الإسلام بدعة علمانية من جهة أولى وأن الإسلام السياسي في نظر النظم الديمقراطية هو نكوص نحو الماضي وتيولوجيا قروسطية تعيد الاعتبار إلى مبدأ الحق الإلهي من جهة ثانية، فإلى أي مدى يصح هذا الرأي؟ وهل يمكن لهذا التنافر المظهري أن يتعدّل إلى تصالح جوهري؟

لو غيرنا الموقف النظري واعتبرنا الإسلام في مظهره العقلاني يقبل بالقيم الديمقراطية ويحث عليها وانطلقنا من التسامح الذي تبديه الأنظمة الديمقراطية مع التدين وإقامة الشعائر الدينية وإفساحها المجال لحرية المعتقد فأنه يمكننا أن نردم الهوة الفاصلة بين الطرفين ونشرع لأسلمة الديمقراطية ودمقرطة الإسلام، فهل يجوز الحديث عن الديمقراطية في الإسلام مثلما كتب المصلحين؟ وما طبيعة هذا الإسلام الديمقراطي؟ وماهي الشروط التي يجب أن تتوفر لكي يصبح الإنسان الديمقراطي مسلما دون أن يفقد قيمه الحضارية؟ وما السبيل الذي ينبغي أن يسلكه الإنسان المسلم لكي يصبح ديمقراطيا دون ان يخسر تدينه؟

الفكرة الأولى هي ان الديمقراطية تحارب اللاتسامح الديني وتنبذ التعصب الى المذهب والتشدد في القراءة وترفض توظيف العقائد الدينية في الصراع السياسي وتعترض على احتكار التكلم باسم المقدس وتدفع الناس إلى أنسنة الدين وتأويله بما يوافق روح العصر الذين يعشون فيه وحسب مقتضى المدنية.

الفكرة الثانية هي أن الدين الإسلامي من جهة النص القرآني والأحاديث النبوية والممارسة التاريخية في التجربة التأسيسية الأولى يحمل على النفوذ الفردي والظلم والتسلط ويحارب الطواغيت والحكم المطلق ويتناقض مع الفساد والاعتداء على الكليات القيمية وهي المال والعرض والدين والحياة والنسب والعقل وينادي باستقلالية القضاء وبطاعة الحكام لما يأمر به الله ويضبطه الشرع وبجلب المنافع ودرء المضار ويطلب التشاور والحكم الراشد ويوصي بالاستخلاف وتعمير الكون والفلاح في الأرض والاستصلاح.

اللافت للنظر أن القيام بالإصلاحات الديمقراطية في المجتمعات أصبح مطلب معظم المجتهدين من العلماء والفقهاء والمفكرين الذين ينتسبون إلى الإسلام وأن تعزيز مكانة الدين الإسلامي في الدولة الحديثة وانجاز صحو أخلاقية تحول إلى مطلب مجموعة كبيرة من السياسيين والحقوقيين والعلمانيين المعتدلين.

ننتهي إلى أن الإسلام هو دين متطور في جانبه التشريعي الخاص بالمعاملات بحيث يواكب الحقوق المدنية ويتأقلم مع القوانين الصالحة التي تساعد المجتمع البشري على التخلص من حالة الهمجية والارتقاء إلى حالة المدنية والانتقال من البداوة إلى الحضارة ويساعد كذلك على نشر ثقافة الحوار وعقلية التشريك وقيم السلام والرفق ودليلنا هو ما قاله محمد الطاهر بن عاشور: إن هذه الشريعة قابلة بأصولها وكلياتها للانطباق على مختلف الأحوال بحيث تساير أحكامها مختلف الأحوال دون حرج ولا مشقة ولا عسر.

صفوة القول أن الأصوات الرافضة لفكرة الديمقراطية الإسلامية هي اقل بكثير في العالم الغربي والشرقي على السواء من الأصوات الداعمة لها وأن فكرة المسلم الديمقراطي هي فكرة وجيهة طالما تخلص المتدين من الفهم الحرفي للنص الديني وتخلى عن التقليد النقلي وتبني نهجا اجتهاديا تأويليا وحاول فهم الدين فهما علميا واعترف للإنسان اللاديني بحق المواطنة الكاملة وأمسك نفسه عن اللجوء إلى العنف في الدعوة والمطالبة بالحقوق بالمجادلة الحرة تصديقا لقول الله تعالى في القرآن الكريم: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.

فمتى يكف البعض من المسلمين عن النظر إلى الديمقراطية على أنها منظومة دخيلة على حضارة اقرأ لا ينبغي إتباعها؟ وأليس الأجدى ببعض المناصرين للديمقراطية أن يسمحوا للمسلمين بالتنظم الحزبي والمشاركة الفعالة في التسيير الشعبي للمؤسسات العمومية وفي تحقيق النمو الاقتصادي والرقي الحضاري؟ وكيف يمكن بناء سياسة استخلافية في حضارة اقرأ تتموقع في ماوراء الثنائية الحدية بين السلطان الزمني والخلافة الروحية؟ ومتى يقبل الخاصة أن يكون المرء متدينا وسياسيا في الآن نفسه؟

* كاتب فلسفي

..............................................................

المرجع:

محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة،القاهرة، الطبعة الأولى، 2005

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الأول/2010 - 22/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م