تقاطع الأديان وفشل الحلول الترقيعية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مع أن المغزى العام الذي تحمله الأديان للبشرية يكاد أن يكون واحدا او متشابها بحدود معروفة، لكن تبقى الاختلافات النسبية حاضرة وفاعلة في ساحة التقاطع بين الأفكار والرؤى المتبادَلة، بل لابد من القول أن الحروب والاقتتال بين الأمم منشؤه هذه التقاطعات وهذا الصدام الذي حدث كنتيجة متوقعة لتقاطع الرؤى والأفكار والتوجهات المنفرة من الأديان والمذاهب التي تتفرع منها.

بمعنى أوضح أن الصراعات التي حدثت قديما بين مكونات البشرية غالبا ما كانت تحدث نتيجة لبعض الرؤى الدينية والعقائدية المتناقضة في بعض المجالات، مع أن الوسائل الاتصالية كانت بدائية آنذاك، حتى أن العالم قد لا يتجاوز في تصور تلك الأمم وأفرادها حدود المكان الذي يسكنونه، بحيث يصعب على الإنسان القديم أن يتصور أفكار وحياة القرى والشعوب الأخرى والكيفية التي تكون عليها بسبب ضعف وسائل الاتصال واقتصارها على وسائل بدائية شديدة البطء والبساطة.

ومع ذلك كانت تلك التقاطعات والاختلافات تشكل جانبا مهما من أسباب الصراعات والحروب والصدامات التي بقيت قائمة بين شعوب وأمم العالم، فكيف والحال تطور وتغير تماما وأصبحت وسائل الاتصال من الحداثة بحيث تحوّل العالم الى قرية واحدة كما يُقال، وصار تناقّل الخبر والصورة والفكر من السرعة بحيث ينتشر في عموم المعمورة في دقائق أو ثوان معدودات ؟.

هذا يعني أن الفكر والفكر المضاد بات ينتشر بسرعة قياسية نتيجة تطور وسائل الاتصال، فهل تسبب ذلك بالحروب والصدامات الحاصلة الآن في كثير من بقع العالم؟

وهل كانت وسائل الاتصال السريعة سببا مشاركا مع أسباب أخرى في صنع بؤر توتر متعددة في أماكن معينة من العالم ؟ إن التغاضي عن الإجابة الصحيحة لا يغير شيئا من واقع الحال، نعم لقد ساهمت سرعة نشر وانتقال الفكر بين الشعوب والأمم القائمة على الأرض في زيادة التوتر والتقاطع بين الشعوب والأمم التي تختلف في عقائدها ومذاهبها وأديانها.

ولهذا طرح بعض (الحداثويين) حلا مفاده أن تتنازل الأديان والمذاهب عن بعض معتقداتها ومبادئها من اجل تقليل التقاطعات بينها، مما سيقود الى تقليل حالات التوتر والصدمات بين الأمم، بيد أن هذا الحل يبدو ترقيعي في أفضل حالاته، بمعنى أننا لا يمكن أن نعالج هذه الإشكالية المستديمة والشائكة في آن بمثل هذه الطروحات التي تبدو ساذجة وفقا لكل المقاييس، فهل يُعقل أن يتنازل أحد الأديان عما جاء به من تعاليم وما آمن به ودعا إليه من مبادئ ؟ وهل يعقل أن مئات الملايين من البشر يمكن أن يتنازلوا عن معتقداتهم او يقبلوا بنسيانها او تحريفها لأسباب تبدو مثالية تماما وغير قائمة على أسباب مقبولة او معقولة ؟.

إن الإجابة لا يمكن أن تتعدى الرفض لمثل هذه الحلول والطروحات التي لا تعتمد ركائز وأسس سليمة، فبعد أن آمنت أمم كثيرة ومختلفة بالأديان السماوية المعروفة، ثم تفرّع هذا الإيمان الى مذاهب مختلفة أفرزت معتقدات كثيرة، توافقت معها حياة الناس واستقرت عليها، لا يمكن أن نأتي ونطلب من هذه الأمم والشعوب أن تتنازل عما آمنت به، لسبب بسيط أن هذا الطلب يدخل في حقل المستحيل، وقد يسأل سائل، كيف يمكن لنا أن نخفف من وطأة التصادم بين الأديان وتفرعاتها، وهل يمكن أن تصل البشرية الى حالة من الاتساق الديني والفكري بحيث تسود المعمورة حالة من السلام الدائم بين عموم الأمم؟.

إن العارفين والحكماء وجميع المعنيين من أهل الحكمة والعقول الراجحة، يرفضون معالجة الإشكالات المستعصية بالقفز عليها وعلى حيثياتها، بل لا يوجّهوا أحدا بغض الطرف عنها او تحاشيها، إنما لابد من مواجهة الاشكالات وجها لوجه ولكن برويّة وحكمة وآفاق منفتحة في آن.

بمعنى أوضح إن الحل لا يكمن في التنازل والتغاضي والتحوّل عما آمن به الناس مما ورد في مبادئ الأديان السماوية، وإنما يكمن كما نعتقد في جانبين، الأول جاء في آية قرآنية كريمة تقول بوضوح (لكم دينكم ولي ديني) أي ليس صحيحا أن أُطالَب (فتح اللام) بترك ما أؤمن به وأتنازل عن فحواه لكي أتجاوز حالات التقاطع مع ما يؤمن به الآخرون، لأن هذا التنازل سواء جاء من هذه الأمة او تلك لا يشكل علاجا شافيا وناجعا، بل هو نوع من دس الرأس في الرمال، كونه يتغاضى عن حقائق لا يمكن تجاوزها او العبور من فوقها.

لهذا نرى أن الحل يكمن في تمسك الجميع بما يؤمنون به مع مراعاة الجانب الثاني، الذي ينص على أهمية احترام الجميع لمعتقدات الجميع، بمعنى أنني لا أتنازل عن ديني ومذهبي وعقائدي ولكنني أحترم ما تؤمن به حتى لو كنت غير مستعد للإيمان به، في حالة كهذه، أي فيما لو اتفق الجميع على ذلك ووصل الإنسان الى هذه الدرجة من الاستعداد لاحترام الآخرين ومعتقداتهم، فلابد أن تنتفي الحاجة للتصادم والصراع وتنتفي افرازاتها أيضا، أي أننا في حالة سيادة الاحترام المتبادل بين الأديان لابد أن نصل الى حالة وئام إنساني شامل.

وفي حالة كهذه ستكون حداثة وسائل الاتصال وسرعتها وتنوعها في خدمة الإنسانية وليس ضدها، لأنها ستعمل على نشر حالة من التفاهم المتبادل بين الجميع ناتج عن عدم تنازل الأمم عما تؤمن به، ولكنها في الوقت ذاته توخّت اللجوء الى الاحترام المتبادل فيما بينها بخصوص أديانها ومذاهبها ومعتقداتها واختياراتها وقناعاتها مهما اختلفت هذه التوجهات من أمة الى أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/تشرين الأول/2010 - 22/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م