ما نعرفه الآن عن عراق صدام

 

شبكة النبأ: "في 20 أيلول/سبتمبر 2010 خاطب كل من ديفيد بالكي وكيفين وودز وعماتسيا برعام منتدى سياسي خاص على مأدبة غداء استضافها معهد واشنطن.

الدكتور بالكي هو نائب مدير "مركز أبحاث وثائق الصراع" في "جامعة الدفاع الوطني" الأمريكية، والمركز هو أرشيف للوثائق والملفات الصوتية المستولى عليها - من بين أشياء أخرى - ذات الصلة بنظام صدام حسين في العراق.

والعقيد وودز الذي تقاعد من الجيش الأمريكي في عام 2004 يخدم في طاقم البحوث في "معهد تحليلات الدفاع" والذي عمل فيه كقائد مهمة لـ "مشروع المناظير العراقية".

والدكتور برعام هو أستاذ فخري لتاريخ الشرق الأوسط ومدير "مركز دراسات العراق" في جامعة حيفا في إسرائيل، كما أنه أستاذ كرسي جولدمان زائر في جامعة جورج تاون.

وقد عرض المتحدثون أفكاراً مدعومة بالبيانات التي تم العثور عليها بعد غزو العراق عام 2003. وفيما يلي ملخص المقرِّر لملاحظاتهم".

ديفيد بالكي

ولَّد قرار صدام حسين عدم استخدام أسلحة الدمار الشامل أثناء حرب الخليج عام 1991 الكثير من التكهنات حول مبرراته. ومن بين الفرضيات الثلاث السائدة، فإن الفرضية الأولى والأكثر قبولاً بوجه عام هي أن التهديد بانتقام نووي الذي صدر في أوائل كانون الثاني/يناير عام 1991 من قبل وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر - قد أقنع بغداد بأن تكاليف استخدام أسلحة الدمار الشامل ستفوق فوائدها العسكرية. والفرضية الثانية أن صدام خشي من أن تغير واشنطن أهدافها في زمن الحرب للتركيز على تغيير النظام في العراق، إذا ما شنت العراق هجوماً كيميائياً أو بيولوجياً. والثالثة هي أن الصعوبات الفنية أو القوة الجوية الأمريكية أو عوامل أخرى حالت دون استخدام أسلحة الدمار الشامل حتى لو كان صدام قد رغب في استخدامها. بيد، تظهر الوثائق والتسجيلات الصوتية التي تم الاستيلاء عليها منذ الحرب، أن تلك التفسيرات الثلاثة حتى لو أُخذت معاً، لا تأخذ بالحسبان قرار بغداد بشكل كامل.

وفيما يتعلق بالفرضية الأولى، اعتبرت بغداد أن الهجوم النووي الأمريكي يقع ضمن نطاق الإمكان حتى لو لم تستخدم القوات العراقية أسلحة الدمار الشامل، وأن النظام العراقي قد استعد على هذا الأساس. وكان صدام قد ادعى - خلال اجتماعه مع الرئيس اليمني - أن العراق كانت مستعدة لتحمل هجوم نووي، في إشارة إلى إجراءات الدفاع المدني التي تم التمرن عليها خلال فترة التحضير لحرب الخليج (على سبيل لمثال إخلاء قطاعات من بغداد)، والتدابير العسكرية مثل نشر الحرس الجمهوري في أماكن مختلفة، ودراسات حول تأثير الهجمات النووية. ولم يكن ذلك تخطيطاً حكيماً للطوارئ حيث اعتقد صدام بالفعل أن الولايات المتحدة قد تستخدم أسلحة نووية رداً على قيام العراق بغزو الكويت.

وبالمثل، إن التهديد بتغيير النظام كان له تأثير أقل مما يجادل البعض. فقد اعتقد صدام بأن هدف واشنطن النهائي - منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي - كان إسقاط حكومته، وأن العديد من مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية الذين خدموا في بغداد خلال السنوات العشر التي سبقت حرب الخليج كانوا يتمسكون بالرأي نفسه. وحسب كلام سفيرة الولايات المتحدة السابقة في بغداد أبريل غلاسبي: "على مدى أكثر من عشرين عاماً اعتقد صدام أن الولايات المتحدة كانت تعادي حكومته بصورة لا يمكن إصلاحها. ومن الصعب جداً إقناع شخص بأي شيء لو اعتقد بأنك عدو بصورة لا يمكن إصلاحها".

وتفتقر فرضية "الصعوبات الفنية" إلى المصداقية أيضاً على الأقل كتفسير شامل. فخلال اجتماع عقد في كانون الثاني/ينايرعام 1991، أخبر رئيس البرنامج العراقي لأسلحة الدمار الشامل حسين كامل، الرئيس العراقي صدام حسين أن جميع الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية كانت جاهزة للاستخدام. وأظهر استخدام النظام صواريخ سكود بصورة ناجحة ضد إسرائيل والسعودية، أن صدام كانت لديه الوسائل للضرب بأسلحة الدمار الشامل إذا لزم الأمر.

وباختصار، نجحت سياسة الردع أثناء حرب الخليج لكنها نبعت من عوامل متعددة وليس من سياسة واحدة فقط.

والأهم من ذلك، لم يكن بالإمكان ضمان ذلك الأثر الرادع لو كانت العراق قد اكتسبت أسلحة نووية - فمن وجهة نظر صدام كان باستطاعة مثل هذه الأسلحة أن تمكنه اتباع سياسة إقليمية أكثر عدوانية، وخاصة ضد إسرائيل.

كيفين وودز

تقدم الوثائق التي تم العثور عليها بعد الغزو نظرة فريدة من نوعها حول أداء الأنظمة الشمولية. وبصورة خاصة، تظهر أن صدام كان عبقرياً في إدارة شؤون العراق الداخلية. فقد كان قادراً على إحكام سيطرته خلال فترة اتسمت بالعنف وعدم الاستقرار رغم كل الصعوبات الخيالية - وهو الإنجاز الذي أصبح ممكناً بفضل استخدامه الماهر لأجهزة الأمن الداخلي والاستغلال الفعال لمن حوله.

ومن بين الأمثلة الدالة على ذلك، كانت المعايير التي اتبعها صدام لاختيار قائد "الحرس الجمهوري الخاص". فقد مثلت هذه الوحدة - التي اتسمت مهمتها بحماية النظام ضد التهديدات الداخلية - العنصر المدرب تدريباً عالياً، والمجهز تجهيزاً أفضل، والأكثر ولاءاً في الجيش العراقي. وهنا يبدو أن المنطق السليم يفرض اختيار ضابط بارز لقيادة هذه الوحدة؛ بيد، أشارت المقابلات التي أجريت مع كبار قادة الجيش العراقي بعد الغزو، بأن أولئك الذين شغلوا هذا المنصب كان يتم اختيارهم وفقاً لثلاثة أسباب: المحسوبية والغباء والجبن. فقد سمحت عملية ترقية القادة الضعاف لوظائف مهمة بقاء صدام ثابتاً بأمان في السلطة.

وفي الواقع، كانت قدرة صدام على المناورة [في التعامل] مع كبار قادته وتجنب تكوين مراكز قوى بديلة، من الأسباب العديدة التي جعلت صدام يبدو وكأنه ذلك الدكتاتور المؤثر. فقد كان يتم - وبصورة حثيثة - تثبيط كبار الضباط عن التواصل مع بعضهم البعض أو حتى التنسيق في الأمور العسكرية، وقد عيّنت جميع الوحدات مخبرين كانوا ينقلون لصدام معلومات عن التطورات الداخلية.

وفي الوقت نفسه، لم يكن صدام كفؤاً في إدارة شؤون العراق الخارجية، ويعود ذلك إلى حد كبير بسبب الفشل في تطبيق الاستراتيجيات الناجحة التي اتبعها لبقائه في الداخل، على السياسات الخارجية والدفاعية. فعلى سبيل المثال، أصر على قيام أجهزة استخباراته بتقديم المعلومات الأولية إليه فقط وليس التحليلات. وبعبارة أخرى، إنه اعتمد على نفسه كمحلل للأوضاع، وقد نتج عن ذلك في كثير من الأحيان سوء فهم فظيع للسياسات والأهداف الأمريكية أو الإيرانية. كما فرض أيضاً الطاعة المطلقة على مجلس اتخاذ القرارات التابع له، مما جعل مستشاريه يحذرون من إعطائه المشورة السليمة.

وكما قال وزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز: "لم يكن من المفيد أن تكون ذو شعبية كبيرة أو تظهر بمظهر الذكي جداً إلى جانب صدام".

عماتسيا برعام

قدمت البيانات التي تم العثور عليها العديد من الأفكار القيمة عن أسلوب اتخاذ القرارات لدى صدام، وغالباً ما عززت ما كنا بالفعل نعرفه أو نشك فيه. أولاً: اعتقد مستشاروه أن أفضل وسيلة للنجاة هي ألا يعطوه قط أخباراً سيئة أو يقولوا الحقيقة. ونتيجة لذلك كانت هناك القليل من المناقشات المفتوحة أو النقاش حول القضايا أو القرارات الرئيسية وغالباً ما كان يتصرف صدام بشكل أحادي. فعلى سبيل المثال، لم يخبر مجلس قيادته بقرار غزو الكويت سوى أربع ساعات قبل عبور القوات العراقية الحدود.

وجزئياً بسبب هذه العزلة، تميز حكم صدام بالعجز عن إدراك حقائق أساسية للحياة تتعلق بالشؤون العالمية. فغالباً ما كانت تصوراته حول قوة العراق، تسير بصورة جامحة بلا هدف أو رُشد - فعشية حرب الخليج، كان صدام واثقاً من أن قواته قادرة على محاربة الولايات المتحدة إلى حد وقفها في الكويت، وحصولها على اتفاقية مواتية لوقف إطلاق النار. هذا بالإضافة إلى اعتقاده الراسخ بأن الحرص الأمريكي على عدم تكبد إصابات وسقوط ضحايا - الذي سيؤدي إلى انسحاب مبكر [للقوات الأمريكية]، قد ساهم بصورة مباشرة في قراره غزو الكويت. وباختصار، إن عدم التزامه الموضوعي بالاتصال بالعالم الخارجي، والعلاقة ذات الاتجاه الواحد مع دائرته الداخلية، والاعتماد على المصادر التحليلية الخاصة به لفهم الشؤون العالمية جعلته يعيش في عالم يدور فيه بين الواقع والخيال.

إن الوثائق من فترة صدام والأفكار التي طُرحت، ربما تحمل أيضاً دلالات للعراق المعاصر. فعلى سبيل المثال، كان يُقصد جزئياً من قراره بالسعي لتطوير برنامج أسلحة الدمار الشامل، الإظهار لضباط الجيش بأنه هو المسؤول، وبالتالي ترسيخ السيطرة المدنية على القوات المسلحة.

وبالمثل، ربما تشعر القيادة العراقية المدنية الحالية بأنها مضطرة للدخول في مواقف أو اتخاذ خطوات مختلفة لضمان استمرار سيطرتها على الجيش. وأخيراً، وللأسف، ما تزال ثقافة الفساد التي عمت أثناء نظام صدام، تمثل مشكلة في الحكومة الحالية.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/أيلول/2010 - 18/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م