أدب الطفل والمناهج التربوية

لازمة أدبية، وضرورة فنية

نبيل نعمه الجابري

مما لا شك فيه أن الأطفال اليوم يتبوؤون موقعاً هاماً في صنع المستقبل، فعليهم تقوم نهضة البلد يشيدون حضارته، ويحمون مجده، ويذودون بعقولهم من أجل رفعة وسمو الفكر فيه، فهم معقد آمالنا ومناط رجائنا لصنع حاضر يليق بالماضي الذي تركه لنا الأجداد، لهذا كان الاهتمام بتربيتهم وفق ضرورات تربوية وعلمية تساعد في تنشئتهم أقوياء الأبدان، أصحاء النفوس، أذكياء العقول، يتمتعون بوعي راق وفهم ثاقب مصحوب بنظرة بعيدة وذوق وخيال.

 ومن أجل تحقيق ذلك كان لزاماً أن يتم إمدادهم بأنواع كثيرة من الفنون، وتهيئهم لتحقيق الأهداف المنوطة بهم سلفاً، وتسهم في تنشئتهم تنشئة سليمة تعينهم على مواجهة المستقبل، وتذليل الصعوبات التي علقت بأذهان الكثير منهم نتيجة تركهم وحرمانهم من عيش مرحلتهم العمرية التي يعدها البعض من علماء النفس بأنها الأساس الذي يبني عليه الطفل حياته الآتية.

 وحده الأدب يتربع على مقدمة الفنون التي تلزمهم في تلبية احتياجاتهم النفسية والوجدانية، ويسهم في إشباع اهتماماتهم العقلية، ويربي أذواقهم، ويصقل مشاعرهم وإحساساتهم، ويمكنهم التصدي للحياة ومتغيراتها بايجابية ووعي، ويساعدهم في فض مغاليق الجمال أمام ناظرهم ليتعاملوا مع الحياة تعاملاً سوياً، ووحدها المؤسسة التربوية تستطيع أن تلبي تلك الحاجات، وتدعمها وتساعد أفرادها للانطلاق نحو التصدي للحياة، وتذليل الصعوبات.

 ونحن إذ نتناول أمرا مهما من الأمور التي باتت تشكل همّاً تربوياً وفكرياً في آن معاً؛ نستجيب لنداء الاسلام في تربية الأبناء، ونحقق توجيهات الرسول محمد (ص) حينما قال: (إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا)، من هذا المنطلق- ونحن نعيش في دور بناء مؤسسات الدولة التي عانت الكثير من الحرمان والكبت الفكري، نتيجة سيطرة الفكر المنحل- بات الاهتمام الذي يجب أن توليه المؤسسة التربوية لأدب الطفل بفنونه المختلفة؛ من مسرحية، وقصة، ومنظومة شعرية، وغيرها، ورسم سياسة خاصة تليق بمكانة أطفال العراق دينياً وحضارياً، من غير الانجرار وراء سياسة الحكومات، بل السعي - كل السعي - لتطبيق سياسة دولة ينبثق منها منهجاً تربوياً شاملاً، يضع للطفل مكانة لائقة أسوة في كل دول العالم المتقدم.

 ولعل مجمل ما تقوم به المؤسسة التربوية في مجال رعاية الأطفال في العراق، يشكل بادرة خير إلا أنها تبقى محاولات لا تلبي مستوى الطموح الذي نأمل أن يكون عليه أبناؤنا، فبعد إعادة النظر بالمناهج التربوية التي كانت مكرّسة طيلة المدة السابقة لنشر ثقافة الحرب والاقتتال تحت ذريعة حب الوطن، وغرس الاستعداد الفطري المكتسب في التلاميذ نحو تطبيع ثقافة العنف بطريقة أدبية مستساغة، حتى كثرت النصوص التي تنسب إلى أدب الأطفال بالحق والباطل، فصار قليل منها هو الذي يحقق الغايات المرجوة، لأن النص الأدبي ليس عملا تربويا فحسب، وإنما هو عمل فني نفسي بالدرجة الأولى، لذلك عملت المؤسسة التربوية- جهد الإمكان- إلى تطهير المناهج من أدران الماضي في اختيار نصوص كان باعتقادها أنها تحقق غاية تربوية أو فنية للطفل، إلا أنها وقعت في مطبات أخر تتمثل في:

1- إن مجمل النصوص المختارة في المناهج التربوية، هي نصوص قالها الكبار من الشعراء والأدباء، وهم قد تجاوزوا المرحلة التي كان من الممكن أن يكتب فيها النص الخاص بالطفل، الأمر الذي يتطلب منهم ليس فقط استرجاع طفولتهم بملابساتها، والعوامل الفاعلة فيها، ولكن عليهم أن يعايشوا طفولة اليوم المليئة بالمتغيرات والتطورات.

2- الكثير من هؤلاء الشعراء والأدباء، كتب النصوص الموافقة لتطلعات التلاميذ من الناحية الفنية والأدبية، إلا أنه أخفق في مراعاة الجانب النفسي، واعتماده على مبادئ علم نفس الطفل في التعامل مع هذه الفئة العمرية، والعكس ممكن أن يكون.

3- الكثير من النصوص الموجودة في المناهج التربوية كتبها أدباء وشعراء عرب؛ أي أنهم كتبوا النصوص وهي منبثقة من رؤى البيئة التي تمثلهم، والمؤسسة التربوية لم تأخذ بعين الاعتبار أن لكل بيئة حيثياتها الخاصة، في صوغ كل مفردة من مفردات المنهج، وخلق النصوص التي تحقق غايات أدب الأطفال ووظائفه، فبيئة النص الذي يكتبه شاعر مصري، ليس بالضرورة أن تتوافق مع بيئة الطفل العراقي، فلكل ميوله وتطلعاته، وهكذا دواليك...

وللخروج من الإخفاقات التربوية والنفسية والفنية، ووضع بدائل تسعى جهد ما أمكنها خلق منظومة ثقافية قادرة على استيعاب الطفل العراقي، وتلبية رغباته الفنية والأدبية نقترح أن:

1- توظيف كتاب أدب الطفل من المبدعين الموهوبين، يتمتعون بخبرات الحياة، ونظريات المعرفة في هذا المجال الغض الدائم التجدد، والذي يتجاوز كونه تبسيطاً لأدب الكبار إلى تشكله بسماته الخاصة في مختلف الفنون.

2- فتح الباب على مصراعيه في تناول النقاط المضيئة في التراث العربي الإسلامي، كسرد قصص الأنبياء والمرسلين بجنس أدبي محكّم، يتناسب مع المراحل العمرية التي يكتب لها، وتناول قضية أهل البيت (عليهم السلام) وتوظيفها في عمل أدبي متزن، يمتلك خصائص التأثير، بما يقرب الفكرة والفكر من أذهان النشء الجديد، بعدّها علامة مضيئة ومشرفة في سفر التاريخ.

3- دراسة معمقة للأثر الذي تركته وتتركه البيئة، والاهتمام بمبادئ علم النفس الطفل، وعدم اعتماد انموذج ثابت ليكون نصا مشعاً في المنهج، وعدّه في قمة الاكتمال المرحلي، وإنما الاعتماد على التجريب والملاحظة من أجل اختيار النص الذي يحقق الفائدة للطفل وأدب الطفل، والاستفادة من الاستبيانات والاستطلاعات والاختبارات النفسية التي تعرض على شرائح مختلفة بين الحين والآخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/أيلول/2010 - 17/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م