السلم العالمي من منظور إسلامي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم ترتقِ البشرية وتتقدم وتصل الى ما وصلت إليه لو الاتفاق المبرم بين أعضائها (أمما وشعوبا وأفرادا) على أهمية تحقيق السلام على المستوى العالمي، وليس بالضرورة أن يُبرم هذا الاتفاق تحريريا بل هناك رؤى متطابقة بين الجميع تؤكد أولوية سيادة السلام على العنف في التعاملات المتبادلة بين عموم سكان الارض.

ولكن هل وصلت الانسانية الى هذه الرؤى قفزة واحدة وهل كان الانسان في أوائل نشأته من التحضر والرقي بحيث جعل السلم والسلام من أوائل مبادئه وأهدافه ؟. كلا إن الانسان في بداية نشأته كان يعيش الحياة البدائية التي لا تجعله يتميز كثيرا على الكائنات الاخرى من حيث ادامة حياته وتأمين طعامه وشرابه بطرق الصيد التي كانت تمارسها معظم المخلوقات التي قاسمته الارض، ولكن تطورت مراحل الرقي على يد الفكر القادم من الاديان والفلسفة والحكمة التي بثتها عقول وارادات انسانية عظيمة في نفوس البشر لكي يتطوروا ويصبحوا سادة الارض والمسؤولين عن تطورها ورقيها.

وجاء الاسلام ليضع السلام في المرتبة الاولى من اهدافه لسبب بسيط هو ان السلام يقدم الاجواء الملائمة للابداع والتطور، بل لايمكن أن يتقدم الانسان خطوة واحدة في ظل العنف، لهذا ركّز الاسلام على مبدأ السلم كاسلوب حياتي ينظم العلاقات الانسانية بين الجماعات والافراد من اجل تحقيق الهدف الأسمى متمثلا بديمومة الارتقاء البشري.

في هذا الصدد يؤكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) كما ورد ذلك في كتاب (من عبق المرجعية) على ان:

(الاسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الأمن والأمان والسل والسلام في العالم، ويسعى في اطفاء نار الحرب، وإخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها من بين الناس، باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجعة على المحبة والوئام، وعلى الصلح والصفاء، وعلى متاركة الحرب والهدنة وإن كان العدو يدعو إليها مخادعة).

لذلك فإن الاسلام يصرّح بوضوح عبر تعاليمه المستمدة من النصوص القرآنيه المباركة والاحاديث النبوية الشريفة وأقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام، على أن السلم هو المطلب الأهم للمجتمعات كافة كونه الدريئة التي تصد خطر العنف بجميع أشكاله سواء كان عدوانا ماديا ملموسا او جاء على شكل افكار عدوانية شريرة، لهذا السبب وكما أكد سماحة المرجع الشيرازي:

(يحرّم الاسلام العنف والارهاب، والغدر والاغتيال، ويحارب كل ما يؤدي الى الذعر والخوف، والرعب والاضطراب في الناس الآمنين). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال:

(يرى الاسلام وجوب استباب الامن، في الداخل وفي الخارج، ففي الداخل ينفي الجريمة، وفي الخارج لا يعتدي على أحد، ويقف أمام المعتدين).

هذه الرؤية الاسلامية لأهمية السلام تؤكد حاجة المجتمع العالمي الى ضرورة توافر الارادات القادرة على إشاعة السلم كمبدأ حياة جمعي يصب في الصالح البشري على الدوام.

حتى في حالة التجاوز والعدوان يحاول الاسلام أن يقدم التسامح على غيره، بمعنى أوضح أن الاسلام يعطي الانسان او المعتدى عليه حق المطالبة برفع العدوان وصده والمطالبة بمعاقبة المعتدي، ولكن في الوقت نفسه، فضّل الانسان التفاهم والتوافق والتراضي بين جميع الاطراف من منطلق أخلاقي يشجع الانسان على انتهاج مبدا التسامح كرديف لمنهج السلم، وفي هذا الصدد يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(لأهمية الاخلاق الانسانية في الاسلام أردف القرآن الحكيم بعض الاحكام المرتبطة بالعقوبات بذكر العفو، حيث يشفعها بالجانب الاخلاقي، ويصف العفو فيها بأنه أقرب للتقوى).

ومن الطبيعي أن السلم يحتاج الى بعض المقومات الداعمة التي تسهم بصناعة مجتمع مسالم وفاعل في آن واحد، وهذه المقومات يمكن نشرها كعناصر دعم لانتشار السلم كمنهج حياتي تسير عليه الامم والشعوب والجماعات والافراد ايضا، ومن بين هذه المقومات الداعمة للسلم الآداب الاجتماعية التي يقول عنها سماحة المرجع الشيرازي بأنها:

(مرتبطة بحياة الانسان الاجتماعية مثل آداب المعاشرة مع الوالدين، والأهل والأولاد، والأقرباء والارحام، والجار والاصدقاء، والتلميذ والاستاذ، ومع كل الناس، بل كل الموجودات، وقد جاء الاسلام في ذلك بأفضل التعاليم والآداب مما يضمن تطبيقها السلم والسرم، والأمن والاستقرار، والتآلف والتعارف، والمحبة والوئام بين جميع الناس، وكل افراد البشر).

وهكذا لابد من البحث عن العناصر والمشتركات التي تدعم السلم وتنشر السلام في ربوع العالم، وهذا هو ديدن الاسلام كفكر وكتعاليم وكتطبيق لابد أن يتجسد في الواقع العملي للبشرية جمعاء وصولا الى حالة الوئام والاستقرار المشجعة والدافعة نحو الرقي والتطور الدائم لبني الانسان أينما كان في ربوع المعمورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/أيلول/2010 - 13/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م