رسالة الكلمة من البقيع الى العالم

محمد علي جواد تقي

للمرة الاولى التي نتحدث فيها بلغة التظاهر السلمي – الجماهيري لمطالبة السلطات السعودية باعادة ما هدمته من قبور البقيع في المدينة المنورة، حيث وصلت تظاهرة نظمها جمع من أهالي كربلاء المقدسة الى تخوم الحدود العراقية – السعودية، علماً اننا كتبنا وتحدثنا بصوت عالٍ طيلة السنوات الماضية حول هذه القضية وأحيينا ذكرى الهدم في شهر شوال المكرم داخل حسينياتنا ومراكزنا الثقافية والدينية، كما شجبنا واستنكرنا و... إلا ان هذه التظاهرة رغم مشاركتها المحدودة، من شأنها ان توصل الصوت الجماهيري المدوي الى أسماع المسؤولين السعوديين في الرياض بان القضية ليست طائفية أو فئوية، إنما هي جماهيرية يقف خلفها شعب مجاور له تاريخه وجذوره الحضارية وأفضاله العظيمة على شعوب المنطقة.

وقبل كتابة هذه الأسطر قرأت مقالاً لكاتب سعودي في صحيفة (الجزيرة) السعودية يتحدث فيها عن الخصال الكريمة والصفات الحسنة لسكان جنوب العراق، وكيف أن مدن وقرى الجنوب العراقي كانت في سني العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي محط رحال سكان الصحراء في الجزيرة العربية – سابقاً- ليجدوا هناك ما يسد جوعهم من التمر والشعير والحنطة وغيرها من المحاصيل والخيرات العظيمة، وهذا يعني ان الحقائق لن تبق غائبة مهما طال الزمن، لكن بحاجة الى جملة من المحفزات والعوامل التي تنفض الغبار وتزيل الغشاوة عن الاذهان في خطوة أساس لبعث الحرارة فيها، عندها تبدأ ماكنة الفكر بالعمل والتحليل والتنقيب والاستنتاج ثم اصدار الحكم الصحيح، ويتضح من هو على حق ومن هو في ضلال مبين.

لكن نفترض أننا اتبعنا اسلوب التشهير والتشنيع واطلاق التهديد والوعيد بهدف تحقيق هدفنا المنشود، فهل من المنطقي أن ننتظر جواباً هادئاً وعقلائياً من الطرف المقابل؟ وهل المواجهة بغير اسلوب الكلمة يأتي برد غير التعنّت والتطرف الى حدّ التكفير واستباحة الدماء والاعراض؟

لنذكر قرائنا الكرام بأن مساعي بُذلت في عقد السبعينات وصلت الى البلاط الملكي في عهد الملك فيصل ثم تعدته الى هيئة العلماء، وتم اقناع مشايخ الوهابية رغم ما يُعرف عنهم بالتزمّت والتحجّر، باقامة ولو سقف على قبور أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم. كل ذلك تم بقوة الكلمة الطيبة والمنطق السليم والمفحم، فلم يجد حكام السعودية (سياسييهم وعلمائهم) بداً من الموافقة المبدأية، لكن اسعفتهم مطالبات دنيئة من أطراف أبت لهذه المحاولة أن تسبقهم وتأخذ هذه (الامتياز) منهم، وان يسجل هذا الحدث التاريخي باسم جهة أو شخص يكرهون ظهوره بهذه القوة على الساحة.

فما أحوجنا الى الجهد الاعلامي المضاعف لتغطية مثل هذه الجهود التي تسثير العقول وتحثّ الاذهان للحكم على أحقية المطالبة ببناء قبور الأئمة المعصومين وباقي قبور الصحابة الأجلاء وأيضاً جميع المشاهد التاريخية والحضارية العظيمة في أرض الجزيرة العربية. وياحبذا يتحول موقع الاعتصام الذي أقامه الأخوة المؤمنون في المنطقة الصحراوية قبالة الحدود العراقية - السعودية، الى مقر ثابت لاعتصامات وفعاليات ثقافية مستمرة توجه نداءاتها ورسالتها الى الداخل السعودي ومنها الى العالم بأسره للتأكيد بان قضية البقيع إنما هي حضارية وثقافية وانسانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/أيلول/2010 - 12/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م