نقابة المعلمين ومبدأ الضغط المتوازن

 

شبكة النبأ: المعلم ليس محل تقييم هذا المقال، وقد لا يحتاج دوره الى الاضاءة لأنه دور واضح وراسخ ومعروف، كما أننا نعرف جميعا دور التعليم في صناعة المجتمع المعاصر، وهو دور أثبتته تجارب الشعوب التي سبقتنا الى مرتبة أعلى من التطور والرقي، إذ يبقى العنصران الاساسيان المعلم والتعليم حجر الزاوية في تقدم المجتمع واستقراره وتطوره، ونظن أن ذوي الشأن في الكادر التعليمي  يعرفون أهمية دورهم وخطورة حضورهم الفاعل في مجال التغيير نحو الأفضل.

أما نقابة المعلمين فهي المنظمة التي تُعنى بشؤون المعلمين خاصة فيما يتعلق بالحقوق التي تصب في صالح المعلم وترفع من شأنه معنويا وماديا، كما هو الحال مع المنظمات او النقابات الاخرى المشابهة مثل نقابة الاطباء والصحفيين وغيرهما، ولكن هل تقوم هذه النقابة بدورها حيال الكادر التعليمي كما يجب ؟ وقبل ذلك نسأل هل حصل المعلم على حقوقه التي يستحقها فعلا وهل قام بدوره التربوي كما يجب ؟.

إن تقييم الدور الذي تبنته نقابة المعلمين ومدى ما حققته لاعضائها من مكانة يستحقونها، تحتاج من ذوي الشأن أنفسهم مراقبة ومتابعة وتقييم وحث النقابة على تقديم ما هو أفضل للمعلمين سواء من الناحية المادية، كالرواتب وسبل العيش الكريم وما الى ذلك، بالاضافة الى الجانب المعنوي ممثلا بالخطوات التي ترفع من شأن المعلم ومكانته في المجتمع.

ولو تحدثنا عن الحقوق التي حصل عليها المعلم لاسيما بعد التغيير الذي أعقب احداث 2003 لاسيما في الجانب المادي وارتفاع الرواتب، فإننا لابد أن نقر بالقفزة المادية الجيدة التي تحققت للمعلمين في الاجور، لكن المشكلة ستظل قائمة مع حضور التضخم وتصاعد الغلاء وتناقص قيمة العملة الذي أدى مع تقادم الوقت الى تقليل جانب من الامتيازات المادية الجيدة التي تحققت للمعلم، ناهيك عن التقاعس الذي أبدته الجهات المعنية في موازنة موارد المعلم مع تصاعد التضخم وحضوره المستديم، وقد لاينحصر هذا بالمعلم وحده.

وهنا لابد أن يخطر على البال عدد من الاسئلة منها، هل فعلا يستحق المعلم اجورا أعلى مما يتقاضاه الآن ؟ ولابد أن تكون الاجابة المنصفة بالايجاب، أي أن المعلم يستحق أجرا أعلى يتسق مع مكانته الاعتبارية في المجتمع ودوره الكبير حيال الطلاب الصغار الذين يعدّهم لمستقبل أجمل، ولكن لو أننا تساءلنا أيضا، هل المعلم على وجه العموم أدى دوره التعليمي التربوي كما يجب؟.

إن الاجابة المنصفة لابد أن تضع بعض علامات الاستفهام بهذا الصدد، بمعنى ليس كل المعلمين يؤدون دورهم كما يجب وهي قضية نسبية تتعلق بمستوى الاخلاص والشعور بالمسؤولية، ولكن كلنا يتذكر تردي حال المعلم قبل عام 2003 وتلك الرواتب البائسة التي كانت لاتكفيه كأجور نقل، فكيف به اذا كان مسؤولا عن عائلة كبيرة او متوسطة، وهذا ما دفع معظم اعضاء الكادر التعليمي آنذاك الى العمل الاضافي لتحقيق موار تكفي لاعالة العائلة، واذا كان هذا الامر قد حدث قبل عام 2003 فهل ما تحقق بعده من تفوق مادي بقي جيدا ومناسبا للمعلم ومتطلباته ؟ الجواب كلا، لقد عاد المعلمون يعانون من العوز في بعض الجوانب المادية بسبب التضخم والغلاء المتصاعد كما ذكرنا سابقا، ولكنهم في الوقت ذاته يتحملون جانبا من التقصير في المستوى التعليمي وإن لم يكونوا السبب الرئيس في ذلك. فما هو المطلوب من نقابة المعلمين إذن ؟

إننا نسمع بين حين وآخر من وسائل الاعلام أن هذه النقابة تطالب ببعض الحقوق التي يستحقها المعلمون وهذا هو دورها فعلا بالاضافة الى امور أخرى، فمثلا اعلنت هذه النقابة عن عزمها للقيام باضراب لعموم الكادر التعليمي (المعلمين) وخصصت يوما لهذا الاضراب في بداية الدوام للسنة الدراسية الجديدة كرسالة تحذير لوزارة التربية من اجل صرف مستحقات المعلمين المالية استنادا الى قرار كان قد صدر سابقا من مجلس الوزراء يتعلق باطلاق مستحقات وتحفيزات مالية للمعلمين، ولاضير في مثل هذه الدعوة او هذا الاجراء، ولكن لابد أن لا تنسى هذه النقابة جانب الموازنة بين الحقوق والواجبات.

بمعنى أوضح أن نقابة المعلمين عندما تطالب الجهات الرسمية المعنية بصرف مستحقات المعلمين وتعلن يوما للاضراب لتحقيق هذا المطلب، فإنها معنية تماما بتحفيز المعلمين وتذكيرهم وحثهم على القيام بدورهم التربوي على أفضل وجه لتحقيق الموازنة المطلوبة بين الحقوق والواجبات، فليس مقبولا ولا معقولا أن تطالب النقابة او المعلمون بمستحقات أعلى، في وقت يتردى التعليم وتتضاءل خطوات العملية التربوية لتصبح ضعيفة جدا، والدلائل كثيرة على ذلك وقد سبقت الاشارة إليها في مقالات اخرى، ولكن لابد من القول أن ثمة جهات اخرى تسهم في إضعاف العملية التربوية وليس المعلم هو العنصر الوحيد فيها لاسيما الجهات الرسمية المعنية بالعملية التربوية، بيد أن المعلم يتحمل أيضا جانبا من المسؤولية بسبب ضعف الشعور بالمسؤولية لدى نسبة من الكادر التعليمي وهو امر لابد أن يُعالج بوسائل الحث والتحفيز والرقابة واستخدام قانون العقاب والثواب في هذا المجال.

فإذا كانت نقابة المعلمين محقة بلجوئها الى الضغط على الجهات الرسمية وهو حق من حقوقها يكفله الدستور، فإنها لابد أن تنتهج حالة التوازن في هذا المجال، وهذا يعني أن من يطالب بتحسين الموارد المالية لنفسه وأعضائه، فلا بد أن يكون عطاؤه او إنتاجه التربوي موازيا ومتوازنا مع هذه المطالب، بل لابد أن نذكّر من يهمه الامر بأن أهمية التعليم والارتفاع بمستوى الطلاب التربوي يشكل رسالة انسانية تتفوق على الجانب المادي والمالي الذي يطالب به المعلمون مع الاقرار بأنه حق من حقوقهم المكفولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/أيلول/2010 - 12/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م