مساوئ التبذير وأثرها على الفرد والمجتمع

عدنان عباس سلطان

 

شبكة النبأ: بسم الله الرحمن الرحيم  (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا) صدق الله العلي العظيم.

اخذ تفسير هذه الآية في جهة واحدة تختص بما يبذره الانسان من قوة مالية او جهد فردي من اجل رفع الأنا والذات على ذوات الآخرين طلبا لسمعة او اعلاء شان او تهيئة لمنال وظيفي او رئاسي او قيادي في المجتمع واي مبغى دنيوي، وربما يتخذ التبذير خطا ليس له غاية في مجرد مجاملة الاصدقاء والعلاقات العاطفية العشوائية، وقد يكون المغالاة بشراء الاشياء الفائضة عن الحاجة والمغالاة باكتيال الاغذية الزائدة عن الحاجة الفعلية والتي سيكون مصيرها الى التلف والفساد.

من الملاحظ مثلا في مناسبات المآتم تقام السرادق ويوزع الطعام والسجائر وملحقات اخرى وكأن المأتم نوع من المهرجان الباذخ رغم ان القائمون عليه اناس يقعدون على تراب العوز ويتربعون في مأساة الفقر في اغلب الاحيان.

وما فاجعتهم بالشخص المتوفي الا ارتكاس مضاعف لتعميق حاجتهم وزيادة عوزهم. فيما تكون الاعراس مجموعة احتفالات تبدأ بالخطبة ولها احتفاليتها، ثم عادة ما يسمى بـ(الحنّه) ولها خسائرها ايضا، وتختتم هذه الاحتفالات بـ (الزفّه) وسياراتها وفرقتها والتصوير ومن ثم الوليمة الباذخة التي تعد مقياس شرف ورفعة عالية، وهي لاتقبل الجدال او الاعتراض.

وغالبا ما تكون قيمة الوليمة مؤجلة الدفع كدين او قرضة!؟، في انتظار التسديد خلال الاسبوع الذي يلي العرس وحفلته الصاخبة بالفرح، وغالبا ايضا ما تكون اغراض او عفش الزوجة الجديدة في مزاد البيع تسديدا لتلك الديون، او ان عفش الزوجة الجديدة كان اصلا مؤجرا بصورة مؤقتة ريثما ينتهي العرس.

كل هذه الهلمّة والخسائر الفادحة انما كانت لمسايرة الوجه الاجتماعي المتمثل بعادات زائفة ومرائية ليس لها مضمون سوى الشكل الخارجي المجرد.

التفسير يشمل هذه العادات، ولكن هناك تبذير ربما هو ادهى وامر واكثر شمولية على المجتمع واقتصاده الكلي، والذي يتجسد في تبذير المال العام، وأبطال هذا التبذير هم المسؤولون واصحاب القرارات الادارية بما يتصل بعمليات الاشراف والتمويل والتخمينات على المشاريع ومن يقوم على الاعمال العامة فهو وان كان لا يبذر في المستوى الشخصي لكنه عند تساهله وسكوته واهماله وتغاضيه او قيامه بالصورة الخطأ انما يقوم بالتبذير في قيم اكبر مئات بل آلاف المرات مما لو انه يبذر في المستوى الشخصي.

ان تبذيرا من هذا النوع يحدث اضرارا بالغة وخطيرة في المجتمع إضافة الى انه يبدو بشكل ظاهر لتشجيع آخرين على هذا التبذير.

ان المهندس المشرف على اي مشروع انما يناط به العمل كأمانة يعمل بها بحدود كلفة العمل النهائية فاي اهمال او تقصير انما هو اهدار متعمد في الاموال التي كان المفترض بها ان تنجز عمل اجتماعي صرف يصرف عليه من المال العام، واي تساهل فيه انما هو موقف التبذير المضاعف وينطوي على خطورة شاملة.

المسؤول الذي بمعيته العطاءات والمقاولات عادة بيده ايضا المفتاح والباب ، فكلما كانت شروط الضمانات مرتخية كلما كان التبذير مضاعفا تحت طائلة الفساد والنهابين لثروة الامة.

مقتشو المشاريع وقبولهم بالوهن وضعف المنجز انما هو تآزر للتبذير وتعضيدا للفساد واهدار الاموال في غير مكانها وخدمتها ووظيفتها.

فعندما يعاد تبليط شارع سبق ان بلط وعندما يعاد ترميم بناية عامة بعد بنائها او يتم العمل على اصلاح انبوب ماء اسس منذ البداية بشكل خاطئ بالمحصلة ليس سوى تبذير كبير ومضاعف يتحمل تبعاته شرعيا وقانونيا وعرفيا واخلاقيا القائم والمشرف والمفتش وكل من غض الطرف عن الخطا واهمل بتادية الواجب المطلوب.

قد يتبادر الى الذهن ان المجاملات والصرف على الآخرين ينبع من موقف اخلاقي في الحياة وهذا في قليل من الحالات صحيحا ولكنه في الاعم غير صحيح ولا يتصل بالموقف الاخلاقي حيث انك ترى الشخص يصرف المال على الاخرين ولكنه شحيح حد البخل على اهل بيته او قد يكون فاسدا بالوظيفة لكنه كريم مع المعارف والاصدقاء ان الامر اذن متوقف على الموقف الاخلاقي فالكريم قد يكون كرمه العظيم بمدى اخلاصه بالعمل وعدم خيانته للواجب وصيانة حقوق الآخرين والمحافظة على المال العام رغم الشح الذي يدانيه.

وهذا الموقف الاخلاقي لدى الاشخاص الذين هم اكثر استعدادا للايثار ومساعدة الاخرين وهم المخلصون لإنسانيتهم وانتمائهم للحياة المتجددة.

فيما يكون اخوة الشيطان يؤصلون تلك الاخوة بالتبذير الشخصي والعام ويفسدون الحياة ويؤجلون مسيرة الشعوب ويزرعون الاشواك في الطرق السالكة والعثرات. فلا يهمهم من الامور الاخلاقية إلا اناتهم الصغيرة فهم مبذرون في معناهم البشري.

وهناك بون شاسع بينهم وبين الكرماء الذين يصل مبلغ كرمهم في اغلب الاحيان الى التضحية بالنفس وهي اعلى مراتب الكرم في سبيل الامة ولنا وقفة تأمل مع هؤلاء الابطال الذي ما رضوا الضيم لشعوبهم بل للانسانية جمعاء ومن يريد التامل فليتامل الحسين بن علي عليه السلام، ومن على شاكلته من اهل بيت النبوة والإمامة، او الانسانيين والمصلحين اليس هؤلاء بأهل كرم؟.

هل تكون كريما مع العائلة وتشتري الغذاء الذي يكون مصيره ان يرمى في الازبال وجارك محتاج؟.

اتكون كريما وتبذل المال اضعافا مضاعفة وعيالك محرومون؟.

اتكون كريما وقد صرفت ملايين الدولارات على المشروع الذي رضيت بأخطاء انشاءه ونقص الكفاءة التي  فيه، وتسببت في صرف المبلغ الكبير دون طائل؟.

اتكون كريما وقد أرسيت العطاء بيد الفاسدين او الاصحاب غير الناصحين بعملهم والذين كنت تعرف نواياهم من تجارب اخرى، ام انك لم تضع الضمانات الكافية وشروط العمل؟.

اكنت كريما حقا ورضيت بانشاء مبنى عام دون تخطيط اساسي ينظر المستقبل البعيد؟.

وأخيرا، اذا كنت تعتقد بان تأمير يزيد تبذيرا وتفريطا بالأمة وحقوقها من قبل معاوية، او تظن نفسك الا تساويه في الجريمة , عندما ارسيت العمل لاحد المقاولين الفاسدين؟.

او عندما يتاجر المسؤول عن المخازن الغذائية او أي شخص في وزارة التجارة مثلا ببيع الحصص التموينية لتجار القطاع الخاص كما هو حادث الآن ببيع مفردات الحصة التموينية للقطاع الخاص رغم انها مخصصة للبطاقة حصرا سواء الزيوت او غيرها . الا يعد هذا تفريطا في حقوق الناس وتبذيرا لارزاقهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/أيلول/2010 - 12/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م