العراق والأمن الغذائي... معضلة متفاقمة وغياب للتخطيط

 

شبكة النبأ: ازداد الاهتمام كثيرا بمفهوم الأمن الغذائي منذ نهاية الحرب الباردة وحتى اليوم، وعقدت او نظمت فعاليات ومنابر دولية كبرى حول الموضوع. فعلى سبيل المثال، قامت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) بتنظيم ثلاثة مؤتمرات قمة للامن الغذائي منذ أواسط التسعينيات، كان آخرها مؤتمر القمة العالمي حول الأمن الغذائي المنعقد في روما نهاية عام 2009، وذلك في محاولة لوضع فكرة "الأمن الغذائي" على أجندة العمل الدولية، باعتبارها ذات اولوية قصوى، اذا ما اريد تحقيق السلم العالمي، خاصة بعد ان تغيرت طبيعة التحديات التي تواجه البشرية، وتجلت في أشكال وصور متناقضة منذ نهاية شبح الحرب الكونية.

ففي الوقت الذي حققت فيه الدول المتقدمة قفزات تنموية كبرى، تعثرت، أو تراجعت، فرص العديد من الدول النامية في تحقيق تنمية تؤمِّن الحد الأدنى لاحتياجات السكان من الغذاء ومياه الشرب والخدمات الصحية والتربوية الاخرى.

لقد وفرت معطيات مابعد الحرب الباردة - خاصة بعد الانتشار المهول لشبكة الانترنت ودورها الحاسم في نشر المعرفة والعلم- مناخا مختلفا للتعاون الدولي، بالرغم من استمرار الكثير من مظاهر اللاعدالة في العلاقات الدولية، وما اتصف به من احادية قطبية، برزت خلاله الولايات المتحدة الامريكية كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى بدون منافس. ولكن الاتجاه العام كان التقارب من أجل مواجهة التحديات الكونية، ومنها التنمية المستدامة، ومشكلات التغير المناخي، وظاهرة الاحتباس الحراري، الى جانب قضايا حقوق الانسان، ومشاكل البيئة، والفقر والجوع والتعليم والصحة والمساواة بين الجنسين (الجندر)، وغير ذلك مما اتفق على تسميته بـ "اهداف الألفية" التي تسعى البشرية الى تحقيقها، وهذه الأهداف هي باختصار:

اولا- القضاء على الفقر المدقع والجوع،

ثانيا- تحقيق شمولية التعليم،

ثالثا- تحقيق المساواة بين الجنسين.

رابعا- تخفيض معدلات وفيات الاطفال.

خامسا- تحسين ظروف الامومة.

سادسا- مكافحة فيروس مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز-السيدا).

سابعا- ضمان الاستدامة البيئية.

ثامنا- اقامة شراكة كونية.

إن الإطار الزمني لتحقيق الاهداف أعلاه يقترب سريعا في حين أن بعض الاهداف المعلنة لما تزل تنأى عن التحقق وخاصة الهدف الاول - موضوع هذه المقالة- والمعني بالقضاء على الفقر والجوع، إذ تعهد قادة العالم، وهم على مشارف الالفية الثالثة، بتخفيض عدد الجوعى في العالم بنسبة 50 % وذلك بحلول عام 2015 عن عددهم المسجل في عام 1990 والبالغ 850 مليون شخص.

ولكن بدلا من ان ينخفض عدد الجوعى في العالم، فقد سجل أعلى مستوياته في عام 2009 وذلك بتجاوزه المليار إنسان، اي بزيادة حوالي 700 مليون شخص جائع عن التعهد الذي يؤمل تحقيقه عام 2015، ولاتوجد في الافق مؤشرات على ان البشرية قادرة على تحقيق هذا الهدف خلال السنوات الخمس المتبقية، في ظل نسبة الزيادة السكانية الحالية، حيث يزداد عدد سكان الارض بحوالي ربع مليون شخص في اليوم، وفي ظل تحديات الاحتباس الحراري، والتوسع المهول لظاهرة التصحر، وانكماش وتناقص الموارد الطبيعية، والاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة غير المتجددة، والعبث بتوازنات البيئة وتلويثها وغير ذلك.

ان الأمن الغذائي قضية شديدة التعقيد، وهي لاتعني فقط زيادة الانتاج الزراعي او الحصول على ما يسد رمق الانسان وجوعه حتى لو كان بانتظام، بل يتضمن أن تكون الوجبات التي يحتاجها الانسان متنوعة ومغذية.

إضافة الى انه كمفهوم يشمل كذلك الخدمات، وتوفر وسائل تأمين حياة انسانية مريحة. فقد تم تعريف "الامن الغذائي" في البيان الختامي لمؤتمر قمة الغذاء الذي عقد في روما في كانون الاول(نوفمبر) 2009 بصورة اكثر تعقيدا او شمولا على انه يتضمن اربعة مؤشرات وهي: وفرة الغذاء، وامكانية الحصول عليه، واستقرار امداداته في السوق، والقدرة على استخدامه.

فسوق الغذاء، او تجارة الغذاء الدولية، ليست عملية خيرية، بل انها سلسلة اعمال ومضاربات تقدر بحوالي ترليون دولار سنويا، وهي في تصاعد مستمر، وهناك مصالح كبرى، تتأثرسلبا او ايجابا بأسعار السلع الغذائية، وتبعا لذلك يزداد عدد السكان غير القادرين على الحصول على قوت يومهم، بغض النظر عن فترات استقرار اسعار السلع الغذائية، او الزيادة في الانتاج، مما ادى –ويؤدي- الى التحاق ملايين البشر بقائمة الجوعى في العالم نتيجة للزيادة المفاجئة في اسعار السلع الغذائية في عام 2008 على سبيل المثال. كما يبدو مثيرا ان استقرار اسعار السلع الغذائية الذي شهده العالم في عام 2009 قد بدأ بالتدهور حيث ارتفع سعر القمح في الاسواق العالمية فجأة، نتيجة للحرائق التي لحقت بحقول القمح في روسيا هذا العام، والفيضانات المأساوية في باكستان، إذ سجلت ارتفاعا قدره 50 % بالرغم من أن إمدادات القمح المتاحة في الاسواق العالمية كافية لهذا العام.

ان تقلبات أسعار الغذاء وحركية السوق، والكلفة الانسانية لذلك، ممثلة بالزيادة الكبيرة في عدد السكان الجوعى في العالم، حتمت اتخاذ الامم المتحدة، وأمينها العام اجراءات جديدة منها تشكيل "فريق العمل رفيع المستوى حول الأمن الغذائي العالمي" برئاسته في نيسان(ابريل) 2008، الى جانب مراجعة الآليات المتاحة المعنية بالامن الغذائي ومنها "لجنة الامن الغذائي" التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية، حيث شهدت عملية اصلاح جذرية -لاتزال تحت التنفيذ- من اجل تحويلها الى اهم منبر دولي لمكافحة الجوع وتحقيق الامن الغذائي العالمي، وقيادة المنظمات المعنية الاخرى الوطنية والاقليمية والدولية، بما فيها وكالات القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني. ومن المتوقع أن يكون اجتماعها المقبل في تشرين الاول(اكتوبر) في روما بمثابة الاختبار الحقيقي لمدى قدرتها على مواجهة تحديات الفقر والجوع، وقيادة الدول الاعضاء باتجاه تحقيق أمنها الغذائي.

اما قادة الدول العظمى، او مجموعة الثماني (الجي 8) الذين عقدوا قمتهم في تموز(يوليو) 2009 في مدينة لاكويلا الايطالية، عقب كارثة الهزة الارضية الكبرى التي ضربت المدينة، وفي اوج الازمة المالية العالمية، فقد اصدروا "إعلان لاكويلا" المشترك حول الامن الغذائي الذي سمي بـ "مبادرة لاكويلا حول الامن الغذائي" في إجراء غير مسبوق، تقرر فيه تخصيص مبلغ 20 مليار دولار (رفع لاحقا الى 22 مليار دولار) لتحسين الامن الغذائي العالمي، في مبادرة تعتبر منعطفا مهما في رؤية قادة العالم للكيفية التي ستجري بها مواجهة انعدام الامن الغذائي، اذ أنها المرة الاولى التي يجري فيها على هذا المستوى تخصيص مساعدات مالية، وليس مساعدات عينية، لمكافحة الجوع، عن طريق دعم الدول النامية لتحسين امنها الغذائي والاستثمار في مشاريع زيادة الانتاج الزراعي والتأقلم مع تغيرات المناخ وغيرها.

ينظر الى اعلان لاكويلا ايضا باعتباره تأقلما مع واقع جديد اصبحت فيه البضائع والمحاصيل الغذائية موضع تنافس ليس فقط لتغذية السكان بل لانتاج الوقود الحيوي (Biofuel) أيضا، اذ دخلت هذه الصناعة كمنافس كبير على المخزون الغذائي العالمي للكثير من المحاصيل المهمة، بما تتيحه من فرص استثمار وارباح كبيرة، ليشكل ذلك ضغطا اضافيا على سوق الغذاء العالمي،

بالاضافة الى كونه محفزا للزراعة الاحادية التي تضعِف التنوع الاحيائي، او تقضي عليه، وما يمثله هذا من تهديد لصغار المزارعين خاصة في الدول النامية، إن لم تتخذ اجراءات تنظيمية لحمايتهم، وبنفس الوقت الذي يمكن به التوسع باستخدام الوقود الحيوي باعتباره مصدرا للطاقة صديقا للبيئة.

ان المنظمات الدولية الشقيقة الثلاث، والتي تقع مقارها في روما، والمعنية بالغذاء والزراعة، وهي منظمة التغذية والزراعة الدولية (فاو) المعنية اصلا بقيادة الجهد الدولي في مكافحة الجوع ومراقبة سوق الغذاء والزراعة وتقديم المساعدة الفنية للدول الاعضاء، وبرنامج الأغذية العالمي (دبليو اف بي) المعني بتقديم المساعدات الطارئة اثناء الكوارث والحروب، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) المعني بدعم التنمية الريفية وصغار المزارعين في الدول النامية، تعمل على تعزيز دورها المتزايد مع تعاظم حجم التحديات الكونية.

فميزانية منظمة الفاو للعامين 2010-2011 تبلغ مليارين ومئتي مليون دولار، جلها لتعزيز المخرجات الزراعية والغذائية، وكذلك للتعاون الفني. اما برنامج الأغذية العالمي فقد زادت ميزانيته على اربعة مليارات دولار في عام 2009 نتيجة لزيادة كوارث الحروب والجفاف والفيضانات في كل أنحاء العالم. وبالنسبة لصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد)، فقد بلغت ميزانية تجديد موارده للمرة الثامنة مليار ومئتي مليون دولار لهذا العام، بزيادة قدرها 70 % مقارنة بالتجديد السابع لموارد الصندوق، وهي موارد معتبرة اذا ما اضيفت لها موارد اخرى من لدن منظمات ومؤسسات مالية كالبنك الدولي مثلا. ومن الجدير ذكره ان اجتماع كوبنهاغن لمواجهة التغيرات المناخية، وبالرغم من عدم توصل الاعضاء الى اتفاقية ملزمة بديلة لاتفاقية كيوتو، فقد انشأت الدول الاعضاء على هامشه صندوق او مبادرة "تقليل الانبعاث الناتج عن قطع اشجار الغابات وتقليص مساحاتها، والتدهور في الغطاء النباتي" المعروفة بـ (REDD) وخصصت له مبلغا مقداره 30 مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، وسيزيد هذا المبلغ سنويا حتى يصبح 100 مليار دولار في عام 2020 مخصصة لمكافحة التأثيرات السلبية لتغير المناخ على البلدان النامية، ومساعدتها على التأقلم ازاء ارتفاع درجة حرارة الارض الناجم عن ذلك، إذ أن 20 % من غازات الاحتباس الحراري تنبعث إلى الجو نتيجة لقطع الغابات.

وفي ظل ما تقدم، يبقى السؤال المهم هو هل أن المال وحده قادر على إنقاذ البشرية من شبح الجوع؟ أم أن هناك مستحقات اخرى؟ مما لاشك فيه، ان هناك حزمة من الاجراءات والشروط التي يجب السهر على تنفيذها على المستويات الوطنية والاقليمية.

فمهما كان الشرط الدولي فعالا، فان اجراءات الدول المعنية، على المستويين الوطني والمحلي، هي التي تؤدي بالنتيجة الى تحقيق الامن الغذائي من عدمه. فالاموال والموارد والمساعدات الدولية ليست حلولا سحرية، بل هي عوامل او موارد متاحة، إن لم تنفذ على الارض سياسات ناجعة للاستفادة منها، فإنها تذهب ادراج الرياح باعتبارها جهدا ضائعا ينعكس في الواقع بالتحاق المزيد من الاشخاص بقائمة الجياع والفقراء.

وقد ذكر سفير العراق لدى المنظمات الدولية للغذاء والزراعة المعتمدة في روما، حسن الجنابي، ان(انتشار الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي، ظاهرتان تهددان مستقبل العراق تهديدا جديا وإن لم يكن التهديد الوحيد”، مضيفا ان “الإرهاب الذي يتعرض له العراق اليوم هو خطر كبير، لكنه قابل للمعالجات السريعة، كالحسم العسكري مثلا، إلا أن الجوع والفقر وسوء التغذية مخاطر ذات مديات مستقبلية سيعاني منها المجتمع بأجياله الحاضرة والمستقبلية).

وتابع الجنابي ان (مهمة القضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائي لا تقتصر على وزارة الزراعة العراقية فقط، لأن الأمن الغذائي أكبر وأشمل وأكثر تعقيدا من الإنتاج الزراعي أو دعم الفلاحين أو توفير المستلزمات المطلوبة للفلاحة كمكافحة الآفات والخدمات الإرشادية على أهميتها؛ بل هي مهمة وطنية كبرى).

واشار الجنابي الى أن (الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر تشكل نقطة انطلاق معقولة، إذا ما نقلت من الورق إلى حيز التنفيذ، وإذا ما تمت مأسسة هيئتها العليا بحيث تكون قادرة على العمل بغض النظر عن تشكيل الحكومة من عدمه، مثلها مثل أي مؤسسة حكومية أخرى).

واضاف (العام الحالي يحمل مؤشرات إيجابية في إنتاج القمح مثلا، وهو المحصول الذي يستورد منه العراق 3.7 مليون طن سنويا، فقد قدر إنتاج هذا العام بنحو ثلث الكمية المستوردة أي نحو 1.25 مليون طن، إلى جانب 300 ألف طن من الأرز وأكثر من 350 ألف طن من محصول الذرة، وكذلك الأمر في إنتاج التمور والخضر وغيرها).

وزاد الجنابي (تهدف الخطة الحكومية المعلنة في تشرين الثاني 2009، تحت عنوان الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر 2010- 2014 إلى تخفيض الرقم إلى خمسة ملايين شخص بعد خمسة أعوام، وبما أن عام 2010 دخل في ربعه الأخير، دون أن تدخل الاستراتيجية حيز التطبيق، فإن أهداف الاستراتيجية المؤمل تحقيقها، ستدفع عاما آخر إلى الوراء، أي إلى عام 2015).

وتشير المسوحات التي أجراها، أو اشترك بها، الجهاز المركزي للإحصاء في العراق فتشير إلى أن شخصا واحدا من كل أربعة أشخاص في العراق، أي نحو سبعة ملايين مواطن، يعيش تحت خط الفقر، منهم مليون مواطن في أشد حالات الفقر فتكا، ولا يحصلون، ربما، إلا على وجبة واحدة في اليوم، أما الباقون فإن البطاقة التموينية هي مصدرهم الوحيد في الحصول على الغذاء.

لا بد هنا من الإشارة إلى أن مقارنة المسوحات الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة التي جرت في العراق بالمسوحات التي جرت سابقا ترينا نقصا كبيرا في عدد المواطنين المصنفين تحت خط الفقر، فعلى سبيل المثال قدر العدد في عام 2005 بأكثر من اثني عشر مليون شخص في حين أشار المسح الذي أجري في عام 2008 إلى تناقص العدد إلى سبعة ملايين شخص. مع ذلك، فالحقيقة أن ربع السكان تقريبا ما زالوا يعيشون اليوم تحت خط الفقر في العراق، وهي ظاهرة تشكل خطرا جديا على مستقبل المجتمع والدولة، ولا يمكن إغفالها، بل يجب أن تكون هذه الظاهرة بالذات مركز الاهتمام الرئيس لدى السلطات المعنية، إذ ترتبط بها مظاهر أخرى كالأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلاد. ويبدو أن حراكا معينا يأخذ طابع الاجتماعات والمناقشات والإعلان عن مبادرات متخصصة على مستوى الحكومة الوطنية في بغداد، ومؤخرا في عدد من محافظات العراق لمناقشة سبل التخفيف من الفقر ومعالجة آثاره.

أما على الصعيد الدولي، فمن الجدير ذكره هنا أن منظمة اليونيسيف الأممية أعلنت خروج العراق من دائرة الدول الواقعة تحت برامج الطوارئ، نظرا لتقدم إمكاناته المادية، ومؤشرات استقراره ونمو اقتصاده.

كما طورت منظمة الفاو استراتيجيتها في العراق للانتقال من حالة برامج الطوارئ إلى حالة الدعم التنموي لنفس الأسباب، ولقدرة العراق على تمويل مشاريعه بنفسه، أو الإسهام في تمويل تلك المشاريع إلى جانب المؤسسات الدولية المانحة، وينطبق الأمر على غالبية المنظمات الدولية، ومن ضمنها على سبيل المثال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) الذي رشح العراق مؤخرا للحصول على قرض ميسر (وليس منحة) يزيد على 18 مليون دولار للقطاع الزراعي.

وكانت الحكومة العراقية قد أطلقت قبل شهور خطتها الاستراتيجية للتخفيف من الفقر، وأعلنت التزامها بتخفيض عدد الفقراء العراقيين إلى خمسة ملايين مواطن، من سبعة ملايين حاليا، وذلك بحلول عام 2014، وربطت ذلك بجملة إجراءات من بينها تقليص نسبة الأمية، وتقليل التفاوت بين الجنسين في المعطيات الإحصائية وغيرها.

هذا ومن المعروف ان الهكتار الواحد من الأرض الزراعية يكفي لتزويد 14 شخصا بما يحتاجونه من الغذاء على مدار السنة، حسب إحصائيات منظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ومقرها في روما. أي بعبارة أخرى تستطيع العائلة المكونة من سبعة أشخاص أن تعيش حياة كريمة على دونمين من الأرض الزراعية (أو خمسة آلاف متر مربع).

وإذا ما احتسبنا هذه الإحصائية في ظروف العراق، وعلى اعتبار أن مساحة الأرض الخصبة القابلة للزراعة فيه تبلغ 22 مليون دونم، فإن الإنتاج الزراعي في العراق يُفترض أن يكفي لتغذية 77 مليون مواطن. أما إذا احتسبنا مساحة الأرض المزروعة فعليا اليوم، والبالغة نحو 13 مليون دونم، فيمكن لنحو 45 مليون مواطن عراقي الحصول على غذائهم دون اللجوء إلى الاستيراد من الخارج!

فإذا عرفنا أن العراق يستورد نحو 70% من حاجة السوق المحلية للمواد الغذائية، وأن نحو ربع سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر - حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط - وأن تفشي الجوع كان يمكن أن يكون أكثر قتامة لولا البطاقة التموينية المدعومة من الحكومة؛ أمكن تصور حجم مشكلة الأمن الغذائي - شبه المسكوت عنها وسط إعلام مهووس بتطور المشهد السياسي - النابعة من التراجع المرعب في إنتاجية الأرض، أو انعدام شروط الإنتاج الزراعي في المساحات المستصلحة أو المزروعة أساسا، أو تفشي الفقر بحيث لا يتمكن ربع السكان من شراء الغذاء المتوفر في الأسواق!

لقد كان تحقيق الأمن الغذائي في العراق - وما يزال حتى اليوم - تحديا استراتيجيا وهدفا للحكومات المتعاقبة، وإن لم يكن رئيسيا على الدوام، إلا أنه لم يتحقق منذ عقود. فقد كان الإنتاج الزراعي في النصف الأول من القرن العشرين - تجنبا للخوض في التاريخ القديم لوادي الرافدين - متناسبا، إلى حد ما، مع الاحتياجات المحلية. وباستثناء فترة البحبوحة التنموية التي تحققت في السبعينات، نتيجة للطفرة الكبرى في أسعار البترول، وما رافقها من زيادة القدرة الشرائية للمواطنين العراقيين، وبالتالي تحسن قدرتهم في الحصول على الغذاء، المستورد في غالبيته؛ فقد تفشى الفقر بصورة مريعة في المجتمع العراقي، وبلغ ذروته الكارثية خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبالأخص قبيل الحرب عام 2003.

ففي عام 2003 فاق عدد السكان المصنفين تحت خط الفقر 12 مليون نسمة، من أصل 26 مليون نسمة هو مجموع سكان البلاد. وقد انخفض هذا العدد عام 2007 إلى 7 ملايين نسمة. وتهدف الخطة الحكومية المعلنة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، تحت عنوان «الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر 2010 - 2014» إلى تخفيض الرقم إلى خمسة ملايين شخص بعد خمسة أعوام. وبما أن عام 2010 دخل في ربعه الأخير، دون أن تدخل الاستراتيجية حيز التطبيق، فإن أهداف الاستراتيجية المؤمل تحقيقها، ستدفع عاما آخر إلى الوراء، أي إلى عام 2015. وإذا حصل أن تمكن العراق من تضميد جراحه، واستمر على أساس توفر نفس الشروط التي افترضتها الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر، فسيتحقق جزء من الأمن الغذائي المنشود، أي حصول جميع المواطنين العراقيين على ثلاث وجبات يوميا، بحلول عام 2028، وهذا بالطبع أفق زمني بعيد، مقارنة بدول أميركا اللاتينية، الأكثر فقرا من العراق بالطبع، حيث التزمت القارة بالقضاء التام على الجوع بحلول عام 2025.

وقد ارتفعت نسبة الامن الغذائي للمواطنين في البلاد بنسبة 75 بالمائة عما سجله في العام 2005 حسبما اظهره مسح الامن الغذائي والفئات الهشة في العراق الذي انجزه الجهاز المركزي للاحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط والاتعاون الانمائي بالتعاون مع برنامج الاغذية العالمي. وقدرت نتائج المسح عدد السكان غير الامنين غذائياً بـ930 الف نسمة اي 3 بالمائة من السكان يضاف اليهم 6 ملايين و400 الف نسمة تمثل 22 بالمائة من السكان يعتمدون بشكل كامل على نظام البطاقة التموينية ما يعكس تحسناً عما كان عليه الوضع في المسح السابق خلال عام 2005 الذي بين ان 4 ملايين من السكان غير آمنين غذائياً اي مانسبته 15.4 بالمائة، اضافة الى ان 8 ملايين و300 الف نسمة يمكن ان يصبحوا غير امنين غذائياً اي مانسبته 31.8 بالمائة، عازياً اسباب التحسن الى استتباب الامن وارتفاع مؤشرات الاقتصاد والجهود الانسانية المبذولة خلال المدة من 2006-2007. فيما عدت النتائج ان مستوى التغذية الحاد في العراق مقبولاً طبقاً للمعايير الدولية بعد ان اظهرت ان 4.7 بالمائة من الاطفال دون 5 سنوات يعانون من الهزال لكن 21.8 بالمائة يعانون من التقزم ما يعكس مستوى متدنياً لسوء التغذية المزمن. وبين التقرير ان الحالات الاكثر هشاشة في التعرض لعدم الامن الغذائي عند الاسر التي تضم عمالاً غير ماهرين او زراعيين ورؤساء الاسر العاطلين عن العمل اما الاسر الاقل معاناة فهي تلك التي يوجد فيها افراد يعملون لحسابهم في عمل غير زراعي او موظفين حكوميين، مشيراً الى وجود خصائص مرتبطة بعدم الامن الغذائي كانخفاض الدخل الكافي لتعويض المواد الغذائية في حالة تأخر توزيع الحصة التموينية والاسر التي ترأسها نساء والاسر النازحة او الموطنة حديثاً وسوء التغذية المزمن للاطفال فضلاً عن العمل كعمال غير ماهرين او عمال زراعيين او رؤساء اسر عاطلين عن العمل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/أيلول/2010 - 12/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م