العراق والتدهور الأمني... كرة ثلج متدحرجة وفراغ دستوري

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: قتل العشرات من المواطنين العراقيين خلال الأشهر القليلة الماضية في موجة عنف متصاعدة، هيئ لها الفراغ الأمني والنزاع السياسي على رئاسة الحكومة أجواء ممهده بحسب معظم المراقبين.

فيما لم يستثنى أفراد الأجهزة الأمنية من استهداف الجماعات المسلحة والتي تقف على رأسها دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة، واللافت في الأمر ان تلك المجاميع الإرهابية باتت تنسق هجماتها بشكل مريح ومنظم، وتحدد شرائح اجتماعية محددة لتصفيتها، مثل الصحفيين والقضاة ورجال المرور، فضلا عن هجماتها الجانبية المستمرة.

ويرى اغلب المحللين للشأن العراقي ان أزمة البلاد باتت تهيئ لما هو أسوء في ضل تعنت قادة الكتل السياسية وإصرارهم على خرق الدستور وتعطيل المصالح الوطنية لأغراض شخصية أو حزبية أو فئوية.

ثلاثة انفجارات متزامنة في بغداد

فقد قتل انفجار ثلاث سيارات ملغومة 18 شخصا على الاقل وأصاب العشرات في العراق يوم الاحد وسط توتر متصاعد بعد ستة أشهر من انتخابات غير حاسمة وبعد ثلاثة أسابيع من انهاء القوات الامريكية لاعمالها القتالية في البلاد.

وقالت القيادة الامنية لبغداد ان انفجارا استهدف مكتبا للامن الوطني مما أسفر عن سقوط ستة قتلى على الاقل واصابة 15 كما تسبب في سقوط واجهات منازل قريبة.

وقالت مصادر بوزارة الداخلية ان عدد القتلى بسبب هذا الانفجار وصل الى 19 قتيلا لكن جهات حكومية اخرى نفت ذلك.

وذكرت القيادة الامنية ببغداد أن انفجارا ثانيا لسيارة ملغومة بعد ذلك بخمس دقائق قرب مكتب لشركة اسياسيل لاتصالات الهواتف المحمولة المملوكة جزئيا لشركة اتصالات قطر أسفر عن سقوط ستة قتلى اخرين واصابة 51 . وقالت قوة الدفاع المدني ان عدد القتلى في هذا الانفجار عشرة.

وقالت الشرطة ومصادر مستشفيات ان مهاجما انتحاريا بسيارة ملغومة استهدف دورية للجيش العراقي وقتل ستة اشخاص واصاب 11 في الفلوجة الواقعة على مسافة 50 كيلومترا غربي بغداد. بحسب رويترز.

ووقعت الهجمات بعد ثلاثة أسابيع من انتهاء العمليات القتالية الامريكية في العراق رسميا بعد سبعة أعوام ونصف العام من غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة للاطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وقال اللواء أحمد الساعدي قائد قوات الجيش في غرب بغداد متحدثا في مكان الانفجار خارج مكتب اسياسيل ان تنظيم القاعدة الذي يحاول تقويض الامن في العراق هو الذي يقف وراء هذا الهجوم.

وتراجع العنف بوجه عام بشدة خلال السنوات الثلاث المنصرمة الا أن المسلحين الاسلاميين السنة ما زالوا يشنون هجمات مدمرة.

ووقع أحدث هجوم كبير في العاصمة العراقية في الخامس من سبتمبر أيلول عندما هاجم انتحاريون قاعدة للجيش في وسط بغداد واشتبكوا مع قوات عراقية وجنود أمريكيين لساعات.

ويقول مسؤولون ان مسلحين على صلة بتنظيم القاعدة يسعون لاثارة المخاوف من تصاعد العنف بعد أن خفض الجيش الامريكي عدد قواته الى 50 ألفا بنهاية أغسطس اب وحول تركيزه الى تقديم النصح للقوات العراقية بدلا من قيادة القتال. وما زالت القوات الامريكية تشارك في أعمال قتالية على الرغم من تغير تركيزها الاساسي.

وصرح مسؤول بوزارة الامن الوطني بأن أحد مكاتب الوزارة استهدف في انفجار وقع بساحة عدن بشمال غرب بغداد.

وقالت مصادر بوزارة الداخلية ان ما بين 17 و19 شخصا قتلوا وان ما يصل الى 53 اصيبوا. لكن العقيد كاظم بشير صالح المدير الاعلامي لقوة الدفاع المدني قال ان الفرق التابعة للقوة انتشلت ثلاث جثث وسبعة مصابين.

وقال مسؤول في القيادة الامنية لبغداد ان الانفجار عند مكتب شركة اسياسيل بحي المنصور الغربي دمر نحو 37 سيارة.

وذكرت الشرطة ان الانفجار الانتحاري في الفلوجة قتل ضابطا بالجيش العراقي وجنديين. وقال مصدر في مستشفى ان المستشفى استقبل جثث ثلاثة مدنيين بالاضافة الى 11 مصابا بينهم ثلاثة جنود عراقيين.

الأزمة السياسية تضر بالأمن

من جانبه حذر وزير النفط العراقي من أن الأزمة السياسية المستمرة منذ إجراء الانتخابات التشريعية قبل ستة أشهر تضر بالوضع الأمني في البلاد.

وقال حسين الشهرستاني إن المتمردين يستغلون الفشل في التوصل إلى تشكيل حكومة اقتسام سلطة.

وقال الشهرستاني - وهو حليف مقرب من رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، وهي نفس الحكومة التي كانت في السلطة قبل الانتخبات - إنه "كان بالإمكان التعامل مع الأمن بشكل أفضل". بحسب البي بي سي.

وأضاف "والآن يأمل الإرهابيون أن يكون بوسعهم في وجود هذه الخلافات السياسية شق طريقهم عبر الشروخ في النظام السياسي".

ويقول جابريل جيتهاوس إنه في مجالات أخرى من الحياة لم يكن لغياب الحكومة تأثير كبير، موضحا أن فرص العمل مازالت محدودة وأن الخدمات العامة غير مستقرة على أفضل تقدير.

مداهمات مشتركة

الى ذلك قالت مصادر في شرطة الفلوجة ان سبعة اشخاص على الاقل قتلوا وأُصيب أربعة آخرون بجروح عندما هاجمت قوات عراقية وامريكية مشتركة عددا من المنازل جنوب مدينة الفلوجة.

وأبلغ قائد في شرطة الفلوجة ان "قوة عسكرية عراقية وامريكية مدعومة بغطاء جوي من طائرات الهليكوبتر هاجمت في وقت مبكر من صباح اليوم عددا من المنازل في حي جبيل وقتلت سبعة اشخاص من بينهم ضابط برتبة عقيد في الجيش العراقي السابق واصابت اربعة اخرين بجروح من بينهم امرأة عجوز."

وأضاف المصدر "القوة المهاجمة قامت بعد انتهاء العملية بأخذ اربعة من جثث القتلى... كما اعتقلت شخصين احدهما كان قد اصيب بجروح جراء العملية."

ووقع الهجوم في حي جبيل الذي يقع في الضاحية الجنوبية لمدينة الفلوجة احدى اكبر المدن في محافظة الانبار. وكانت الفلوجة شهدت في ذروة الاقتتال عام 2004 معارك دامية راح ضحيتها المئات. بحسب رويترز.

ورغم التحسن الامني الذي شهدته الفلوجة ومحافظة الانبار بشكل عام في العامين الماضيين وهو ما سمح للعديد من العائلات التي نزحت ابان الاقتتال بالعودة الى منازلها مازالت المدينة تشهد بين الحين والآخر عمليات مسلحة تستهدف بمعظمها القوات الامنية العراقية.

وقال ضابط في شرطة الفلوجة برتبة رائد ان القوة المهاجمة "لم تسمح لنا كقوات امنية محلية بالمشاركة في العملية... بل ان القوة المهاجمة منعتنا حتى من الاقتراب من مسرح العمليات."

واضاف عندما انتهت العملية "عرفنا ان سبعة اشخاص من ثلاثة منازل متجاورة قتلوا من بينهم ضابط برتبة عقيد في الجيش السابق وثلاثة اخوة من منزل اخر اعمارهم 12 و13 و14 عاما."

وقال ان قيادة الشرطة في الفلوجة "منعت القوة المهاجمة من دخول المدينة اول الامر لكن برقية جاءت من بغداد امرت بفسح المجال امام هذه القوات بتنفيذ العملية.

من جهته قال المتحدث الإعلامي في الجيش الأميركي الرائد روبرت فلبس، إن العملية الأمنية في الفلوجة كانت للبحث عن احد قياديي تنظيم القاعدة وان مسلحين فتحوا النار على القوات العراقية والأمريكية ما أسفر عن مقتل أربعة من المسلحين واثنين من المدنين، فضلا عن إصابة ثلاثة من المسلحين.

واوضح فلبس إن “أكثر من عشرة أشخاص يشتبه بإنتماهم إلى تنظيم القاعدة فتحوا نيران اسلحتهم على قوات الأمن العراقية ومستشاريهم الأميركيين، مشيرا إلى أن القوات العراقية “ردت على ذلك، ما أسفر عن مقتل أربعة من المسلحين ومدنيين اثنين وإصابة ثلاثة من المسلحين”.

وأضاف فلبس أن القوة الأمنية “كانت تنفذ عملية أمنية بحثاً عن أحد قياديي تنظيم القاعدة في المنطقة”.

وكان مصدر في شرطة الفلوجة قال ان قوة مشتركة جاءت من العاصمة بغداد لاعتقال احد المطلوبين، قتلت 7 اشخاص واصابت 4 اخرين في المدينة. واوضح النقيب محمد الجميلي ان “القوات الامنية في المحافظة سارعت الى مكان الحادث، وتبين لها ان القوة التي قتلت سبعة أشخاص بنهم امرأة واصابت اربعة آخرين بينهم طفلان جاءت من العاصمة بغداد لاعتقال احد المطلوبين”، مبينا ان “عملية المداهمة تمت دون التنسيق مع القوات الأمنية في المحافظة”.

واشار المصدر أن “من بين القتلى مقدم في الجيش العراقي السابق، وقد اخذت القوة المشتركة بعد انسحابها اربعة من القتلى”.

وأدان مجلس محافظة الأنبار بدوره العملية، ووصفها بانه تعد خرقا للاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية.”.

معركة ديالى

في سياق متصل قال مسئولون عراقيون ان أربعة أشخاص قتلوا وأصيب حوالي عشرة اخرين في اشتباكات بين متشددين وقوات الامن العراقية في محافظة ديالى المضطربة بشمال العراق.

واندلعت الاشتباكات في منطقة الحديد التي تنتشر بها البساتين قرب مدينة بعقوبة على بعد 65 كيلومترا شمال شرقي بغداد. وبعقوبة هي عاصمة ديالى وهي محافظة مضطربة حيث لا يزال مقاتلو تنظيم القاعدة ومسلحون سنة اخرون يقاتلون قوات الامن العراقية. وتضم ديالى خليطا من الاكراد والشيعة والسنة مما يجعل من الصعب احلال السلام بها.

وقال صادق جعفر الحسيني نائب رئيس مجلس محافظة ديالى ان قوات الامن العراقية تحاول السيطرة على وكر للقناصة في المنطقة. وأضاف أن أربعة من أفراد الجيش والشرطة العراقيين قتلوا.

وذكر مصدر أمني ان ثلاثة من الشرطة وثلاثة متشددين قتلوا في الاشتباك وان عشرة من قوات الامن العراقية أصيبوا بجروح. وقدر مصدر بالشرطة عدد الضحايا بثمانية قتلى - ثلاثة من الشرطة وخمسة متشددين - و12 مصابا. وأحيانا ما تذكر المصادر الامنية العراقية بيانات متضاربة حول أعداد الضحايا.

وقال الحسيني ان مقاتلين زرعوا قنابل حول المنطقة لمنع قوات الامن من دخولها لكن الجيش العراقي تمكن من اختراقها. وأضاف أن هناك مؤشرات جيدة على أن العملية ستنتهي قريبا.

وقال عبد الناصر المهداوي محافظ ديالى ان الاشتباكات بدأت بعد انفجار قنبلة مزروعة على الطريق قرب دورية للشرطة وفتح المتشددون النار.

وأضاف أنه تم اتخاذ اجراءات أمنية وأن منطقة البساتين محاطة وأن البحث عن المتشددين على وشك البدء للقبض على من زرعوا القنبلة.

مقتل جنديين أمريكيين واصابة تسعة

من جهتهم قال مسؤولون امريكيون ان جنديين أمريكيين قتلا واصيب تسعة اخرون عندما هاجمهم مسلح يرتدي زي الجيش العراقي في قاعدة عراقية. جاء ذلك بعد اسبوع من اعلان واشنطن انتهاء العمليات القتالية رسميا.

وقال بيان الجيش الامريكي ان الجنود كانوا يشكلون جزءا من مهمة امنية لقائد سرية امريكية يجتمع مع افراد من قوات الامن العراقية في مجمع للقوات الخاصة قرب مدينة طوز خورماتو التي تقع على مسافة 170 كيلومترا شمالي بغداد. وقال البيان ان المهاجم ضرب بالرصاص وقتل.

وأضاف البيان "تشير التقارير الاولية الى انه وقع اشتباك مع 11 جنديا امريكيا بنيران الاسلحة الصغيرة مما ادى الى مقتل اثنين واصابة تسعة."

والجنديان هما أول امريكيين يقتلان منذ ان أنهت القوات الامريكية رسميا العمليات القتالية في العراق قبل اسبوع وبعد أكثر من سبع سنوات من الغزو الذي أطاح بالرئيس صدام حسين.

وتولى جنود الجيش والشرطة العراقيون مسؤولية الامن في العراق منذ عدة اشهر.

وقال الميجر جنرال توني جوكولو في البيان الامريكي "هذا عمل مأساوي وجبان واعتقد بقوة انه حادث منعزل وبالتأكيد لا يعكس قوات الامن العراقية."

وتقول مصادر الشرطة والجيش العراقيين ان المعركة نجمت عن مشادة بين جندي عراقي وافراد امريكيين اثناء مهمة تدريب يديرها الامريكيون.

هجوم صاروخي كاد ان يصيب مدينة اور الاثرية

كما اعلن الجيش الأمريكي، نتائج التحقيقات بالهجوم الصاروخي الاخير، معلنا انه كاد أن يصيب ويدمر زقورة أور الأثرية، دون التسبب بخسائر بشرية او مادية لقواته.

وأوضح بيان للجيش الأمريكي “إن صاروخا واحدا من عيار 122 ملم سقط على بعد كيلو متر واحد فقط من محيط زقورة أور التاريخية في السابع من أيلول الجاري”.

وكان  الناطق الاعلامي للجيش الامريكي الرائد الن براون ذكر ثلاث الى اربع صواريخ استهدفت قاعدته العسكرية بالطليل وان لجنة تفتيش تم تشكيلها للبحث عن اماكن وقوع الصواريخ  التي سقطت خارج القاعدة ولم تتسبب بأي خسائر مادية أو بشرية، ولم يحدد مكان وقوعها وقت الاستهداف مؤكدا ان تحقيقا سيجري بالموضوع بمشاركة القوات العراقية.

واضاف البيان “أن الصاروخ عبر من فوق مدنيين عراقيين وجنود من الفرقة العاشرة في الجيش العراقي المتواجدين في المركز التدريبي ميتيكا الذي يحتوي على مستشفى مدني يديره فريق إعادة الأعمار في ذي قار”. بحسب رويترز.

ولم يحدد البيان موقع سقوط الصواريخ الاخرى التي استهدفت القاعدة الامريكية. يذكر إن قرابة الأربعة آلاف جندي أمريكي يتمركزون الآن في قاعدة الإمام علي الجوية غرب الناصرية، ومن المفترض وحسب الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة، أن يقوم هؤلاء الجنود بعمليات تدريب للقوات الأمنية العراقية.

وتعد أور واحدة من أقدم الحضارات المعروفة في تاريخ العالم، ولد فيها النبي إبراهيم عام 2000ق.م، واشتهرت المدينة بالزقورة التي هي معبد لنانا الهة القمر في الاساطير السومرية.

وتقع مدينة اور بجانب قاعدة الامام علي الجوية التي اتخذتها قوات التحالف مقرا لها ما جعلها منطقة عسكرية قبل ان تسلمها للحكومة العراقية في 13 /5/ 2009، وتقع على بعد 18 كم جنوبي غرب مدينة الناصرية، التي تقع على مسافة 380 كم جنوب العاصمة بغداد.

الصحفي سردشت عثمان

في اربيل ذكر مصدر أمني وعضو اللجنة المشكلة للتحقيق في اغتيال الطالب والصحفي سردشت عثمان، انه سيتم الكشف عن نتائج هذا التحقيق خلال اليومين المقبلين.

وأوضح المصدر أن اللجنة “أنهت التحقيقات حول اغتيال سردشت عثمان، وستكشف عن هذه التحقيقات خلال اليومين المقبلين”.

 واضاف أن اللجنة “ستجتمع حول كيفية الاعلان عن النتائج سواء ان تعلن من خلال صدور بيان أم خلال عقد مؤتمر صحفي حول تفاصيل الموضوع”.

وكان الطالب والصحفي سردشت عثمان، 23 عاماً، قد اختطف من أمام كليته بمدينة أربيل (360كم شمال بغداد) في 4 آيار مايو الماضي، وتم العثور على جثته بعد يومين في مدينة الموصل، ما أدى الى تظاهرات جماهيرية واسعة في مدن اقليم كردستان انذاك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/أيلول/2010 - 10/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م