تتجه مؤسسة الشهداء إلى تنفيذ برنامجين، الأول ذو طابع ثقافي
وهو"البرنامج الثقافي العام" لإحياء تراث الشهادة من خلال نشر عطاء
الشهداء، وتجاربهم، ومواعظهم، ومواقفهم ؛ لان الشهداء أصحاب رسالة
وقدَّموا أرواحهم واستشهدوا من أجل أهداف سامية، والشعوب الحية تظل حية
مادامت تحافظ على منجزات أبنائها الأفذاذ، وأي أبناء أبر وأعظم وأجل من
أولئك الذين أدركوا أن لا حياة ولا عزة لشعوبهم إلا بمقاومة الاستبداد
والطغيان، وإلا بإراقة دمائهم على مذبحة الحرية والاستقلال..
والثاني ذو طابع مدني تطوعي والمتمثل بافتتاح "وحدة التطوع" للعمل
في مؤسسة الشهداء بهدف استكمال الحقوق والامتيازات التعويضية التي
ضمنها الدستور الدائم وفصلها قانون مؤسسة الشهداء كجزء من إجراءات
العدالة الانتقالية المطلوب تحقيقها لذوي الشهداء من جهة، ولإفساح
المجال أمام الكوادر والطاقات التي ترغب بتقديم خدماتهم لمؤسسة الشهداء
وفاءا للمضحين وتقديرا لصبر ذويهم.
يبدو لي أن البرنامجين الثقافي والتطوع المدني أصبحا ضرورة من
ضرورات عمل مؤسسة الشهداء أولا من أجل الانتقال المبكر والواعي
والتدرجي من ما اصطلح عليه بـ"الحقوق المادية" لذوي الشهداء، كحق
التقاعد، وحق السكن، والحق في منحة عقارية، ومنح زواج ودراسة، وتكاليف
علاج داخل وخارج العراق، ومعونات أخرى، إلى ما نصطلح عليه بـ" الحقوق
المعنوية " للشهادة كقيمة اجتماعية يتعلم أبناء الأمة من خلالها نهج
الحياة في العقيدة والجهاد والتضحية.
وثانيا، لأن حجم المسؤولية الملقى على مؤسسة الشهداء تتجاوز
مخصصاتها المالية وعدد موظفيها، ففي الوقت الذي يجب على هذه المؤسسة
الفتية أن تقدم خدماتها خلال مدة محددة؛ لان أكثرية ذوي الشهداء هم من
كبار السن والعجزة؛ فأنها تتعامل مع الألوف من ذوي الضحايا والمتضررين،
وكل واحد من هؤلاء هو بحاجة إلى مؤسسة شهداء لوحده؛ فهو بحاجه إلى من
يسد رمقه، وإلى من يؤويه في مسكن، وإلى من يعينه على علاج، وإلى من
يعرضه على طبيب نفساني، وإلى من يأخذ بيده ليمكنه من الانخراط
والاندماج في المجتمع بعد حرمان وعزلة استمرت لسنوات طوال.
وبالتالي، فان تنفيذ مسؤوليات مؤسسة الشهداء لإجراء حقوق الضحايا
والمستحقين تكون بحاجة إلى أعداد هائلة من الموظفين الإداريين
والاجتماعين والتربويين والنفسيين، بينما عدد موظفي مؤسسة الشهداء لا
يغطي 5% من الحاجة الفعلية المطلوبة لانجاز تلك المسؤوليات. هذا يعني
أن توجه مؤسسة الشهداء للاستعانة بالطاقات والكوادر من خارج المؤسسة،
فضلا عن كونه ظاهرة حضارية تهدف إلى إشراك أفراد المجتمع العراقي في
تقديم خدماتهم لفئة اجتماعية مضحية، فانه أيضا حل ناجع تتغلب فيه
المؤسسة على حاجتها الفعلية من الأموال والموظفين.
لذلك، نرى أن العمل التطوعي في مؤسسة الشهداء يجب أن يخضع لضوابط
وقواعد العمل التطوعي العالمي حتى تتمكن المؤسسة من تغطية جزء من حاجات
ومستلزمات ذوي الشهداء، وذلك من خلال:
أولا:- عقد مؤتمر للمتطوعين: من المهم أن تبدأ وحدة العمل التطوعي
في مؤسسة الشهداء إلى عقد مؤتمر إعلامي دعائي يضم عدد من المسئولين
والمتطوعين في مجالات نشاطات المؤسسة، كخطوة أولية ضرورية تهدف إلى
التعريف ببرنامجها التطوعي، والقيام بعدد من الحملات الإعلامية من أجل
حث الآخرين وتوجيه أنظارهم إلى هذه المشروع الإنساني.
ثانيا:- تحديد شروط التطوع: على مؤسسة الشهداء أن تضع شروطا للتطوع
في صفوفها من الكفاءة والقدرة والمهنية، وأن تعمل على تحديد الخدمة
التي يقدمها المتطوع كل حسب تخصصه ومجال عمله ومكان وزمان والفئات
المستهدفة. وبهذا الصدد يمكن أعداد استمارة تطوع تتضمن معلومات شخصية
ومهنية عن المتطوعين، وفي ضوء معلومات هذه الاستمارة يمكن أن نطلق عدد
من البرامج بمعية عدد من المتطوعين.
ثالثا:- بيئة المتطوعين: يمكن لوحدة العمل التطوعي في مؤسسة الشهداء
أن تبحث عن البيئة الأكثر استعدادا للعمل التطوعي، والتي يمكن تصنفها
إلى متطوعين من موظفي مؤسسة الشهداء حيث تضم مؤسسة الشهداء عدد من
الموظفين، وهؤلاء اغلبهم من ذوي الشهداء فهم من جانب يعيشون المعاناة
التي تعانيها مؤسسة الشهداء، ومن جانب أخرى عليهم باعتبارهم من ذوي
شهداء مسؤولية مضاعفة، وبالتالي يمكن أن يتحول عدد كبير من هؤلاء
الموظفين إلى متطوعين، سواء على شكل ساعات إضافية أو في أيام العطل
الرسمية. وإلى متطوعين من خارج مؤسسة الشهداء، فهناك أعداد من ذوي
الشهداء سواء زوجات أو أبناء أو بنات يمتلكون مؤهلات وقدرات كل في مجال
تخصصه ومهنته، وهؤلاء يمكن من السهولة الوصول إليهم وحثهم وتشجيعهم على
التطوع، وكذلك هناك اعدد أخرى من غير ذوي الشهداء ممن يرغبون بتقديم
خدماتهم للمضحين والمستحقين وذوي الشهداء فضلا عن المنظمات التطوعية
المنتشرة في مناطق مختلفة.
وأخيرا لابد أن تضع وحدة التطوع في مؤسسة الشهداء برنامجا لتكريم
المتطوعين، مثل إصدار هويات خاصة للمتطوعين، وشهادات تقديرية،
ومكافئات، وإعطاء أولوية في العمل في دوائر مؤسسة الشهداء وغيرها لتكون
مؤسسة الشهداء هي المؤسسة الحكومية الأولى التي بدأت الخطوة الأولى نحو
العمل التطوعي. |