آثار العراق .. بين تاريخ مسروق وجهود لاسترجاعه

أحمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: لكل شخص منا هوية، والهوية تدل على أصل هذا الشخص وصفاته وحسبه ونسبه، ولابد ان يحافظ على هويته لأنها الشيء الوحيد الذي يميزه عن الآخرين، بتاريخه ومبادئه وقيمه حتى باسمه، ولكن عندما يفقدها فهو سيبقى مجهول الهوية لا يقدره احد ولا يهابه لأنهم وببساطة لا يعرفون من هو.

وهذا الحال ينطبق على الآثار العراقية، لأنها هوية العراق وبدونه لا تاريخ او لا دلائل على تاريخ العراق، فأراد البعض ان يسلب تاريخ العراق ويمسح حضارته عندما ظن انه سيفعل ذلك حين سرق المتحف العراقي او عندما يحفر وينقب في ارض العراق المليئة بالحضارة والآثار التي لا تقدر بثمن، وهذا حدث بعد ان دخلت القوات الأمريكية العراق، ولكن بجهود حثيثة من المهتمين ببلدهم العراق وتاريخه القيم يحاولون من استرجاع ما سرق واخذ غصبا من اثار العراق الى المتاحف العراقية.

بينما يرى بعض المحللين والمراقبين ان العراق مازال لا يستطيع ان يحافظ على آثاره ما دامت الأوضاع ستبقى على ماهو عليه من خروق أمنية وعدم سيطرة من قبل القوات المحلية على الحدود العراقية، لاسيما بعد خروج القوات المحتلة من البلد.

النهش في حضارة الرافدين

فقد حذر خبراء الآثار الدوليون من ان البلاد ما زالت "تنزف" آثارها، وان هذه الآثار التي تمثل مهد الحضارة الإنسانية ما زالت في خطر.

من العسير تحديد كمية الآثار التي اختفت من العراق لأن معظم ثروة البلاد الأثرية ما زالت دون توثيق. ولكنه من الثابت ان اقل من ثلث القطع الأثرية الـ 15 الفا التي سرقت من المتحف العراقي ببغداد في الأيام الأولى من الغزو الأمريكي قد أعيدت.

الا ان الخبراء يعتقدون ان مئات الآلاف من القطع الأخرى قد سرقت من مواقع العراق الأثرية العديدة التي تعتبر من أهم المواقع في العالم.

ويقول البروفيسور جون راسل، المستشار الثقافي لوزارة الخارجية الأمريكية، "إن هذه أرقام تقريبية، ولكننا لا نعرف حجم المشكلة بالضبط. فالسارقون يعملون بشكل منفرد، وهم يتسللون الى هذه المواقع ويحفرون ولا يوثقون ما يعثرون عليه. ولا يعثر على القطع التي يسرقونها الا عندما تقع في أيدي الشرطة "خارج العراق" او تظهر في مخازن تجار الآثار."

فعلى سبيل المثال، ضبطت سلطات الجمارك في نيويورك مؤخرا شحنة تحتوي على عشرات الألواح المحفور عليها بالخط المسماري وهو أقدم خط معروف على الإطلاق. وحتى العثور على هذه الألواح، لم يكن احد يعلم بوجودها أصلا.

وهذه الألواح عينة صغيرة من أكثر من 1054 قطعة اثرية من العراق عثر عليها في الولايات المتحدة فقط.

يقول دوني جورج المدير السابق للمتحف العراقي: "إن هذه مشكلة عراقية، وعلى الشعب العراقي والحكومة العراقية ان يأخذا الخطوات الأولى ويبدأا بحماية ارث البلاد الحضاري." وكان دوني جورج قد فر من العراق عام 2005 أبان أعمال العنف التي سادت البلاد، ويعمل الآن مدرسا في جامعة ستوني بروك بنيويورك.

ويقول المدير السابق للمتحف العراقي: "إن هذا الإرث الحضاري هو ملك للشعب العراقي، وهو يمثل ذاكرة هذا الشعب، ولذا فعلى العراقيين بذل المزيد من الجهد لحماية هذا الإرث، ففي كل يوم تنزف البلاد آثارا."

يقول البروفيسور راسل إن اسوأ حالات السرقة تقع في جنوب العراق، حيث تعرضت المئات من المواقع للاقتحام. ويقول إن مواقع مهمة كإيسين واما تبدو الآن للناظر كتضاريس القمر ملأى بالحفر.

ومن نافلة القول إن جزءا من المشكلة على الاقل يعزى الى الوضع الامني الهش، حيث يقول الخبراء إن ارث العراق الأثري لا يمكن المحافظة عليه ما لم تكن في البلاد حكومة مركزية قوية ومستقرة ودائرة آثار تدعمها قوة القانون.

من جانبها، تبرعت الحكومة الأمريكية بمبلغ 13 مليون دولار للمساعدة في تمويل برنامج أطلق عليه "مشروع الإرث الحضاري العراقي." والمشروع هذا عبارة عن برنامج أمده سنتان قام بتأسيس معهد آثاري في اربيل شمالي العراق، واشرف على برامج تدريبية للأثريين العراقيين وقام بتجديد وتأهيل قاعات العرض والمخازن التابعة للمتحف العراقي.

كما تسلمت مصلحة الآثار العراقية الحكومية مبلغ مليون دولار كمساهمة من الولايات المتحدة لإصلاح ما دمره جنودها في مدينة بابل الأثرية، حيث عسكر الجيش الأمريكي داخل أسوار هذا الموقع التاريخي "ظانا انه انما يعسكر خارجها" على حد زعم الأمريكيين. ولكنه ليس معلوما ما الذي سيحدث لهذه البرامج عندما تجف منابع التمويل.

من ناحية اخرى، لا تبذل الحكومة العراقية ما يكفي من الجهد للمحافظة على ثروة العراق من الفن الحديث والنصب حيث دمر الكثير منها بحجة التخلص من رموز نظام صدام حسين.

تقول البروفيسور ندى الشبوط، الخبيرة في الفن العراقي الحديث والأستاذة في جامعة شمالي تكساس، "تعرض الفن العراقي للتدمير لجملة أسباب، فتارة بحجة اجتثاث البعث وتارة اخرى نتيجة اعمال السلب والنهب.

كما دمرت العديد من النصب والقطع الفنية بحجة منافاتها للمشاعر الدينية. مما لا شك فيه ان العديد من النصب والتماثيل كانت قبيحة وانا شخصيا لم احزن لإزالتها، ولكنها مع ذلك كانت جزءا من تاريخ البلد."

بينما يتركز انتباه الرأي العام - ويتركز التمويل - على إعادة تأهيل الآثار العراقية والمحافظة عليها، لم يحظ المتحف الوطني العراقي للفن الحديث - الذي تعرض هو الآخر للنهب في الأيام الأولى للغزو الأمريكي - على قدر مساو من الدعم.

تقول البروفيسور ندى الشبوط إن المتحف خسر زهاء 1500 من قطعه الفنية الـ 8000 جراء أعمال النهب.

وحصلت الشبوط على تمويل من معهد البحوث الأكاديمية الأمريكي لإعداد أرشيف للأعمال الفنية العراقية اعتمادا على الصور الفوتوغرافية المتوفرة والذاكرة والبحوث. وقد نجحت بالفعل بتوثيق حوالي 600 عمل فني، ولكن الطريق ما زال طويلا، فالعديد من الفنانين العراقيين غادروا البلاد هربا من العنف ولحماية أعمالهم.

وتقول الشبوط: "أتمنى ان أكون متفائلة، ولكن جزءا مهما من تاريخ العراق قد فقد الى غير رجعة، ولن تنجح المبادرات الخيرة الصغيرة في إعادته."

632 قطعة أثرية أين ذهبت ؟

وفي السياق ذاته شرح السفير العراقي في واشنطن، سمير الصميدعي الإجراءات التي قامت بها السفارة العراقية لتسهيل استرجاع القطع الأثرية التي سلمت إلى وزارة الخارجية العراقية في احتفال ببغداد، قائلا: «كانت هناك سلسلة من العمليات عبر السنوات الأربع الأخيرة وتراكمت القطع قبل أن نعيدها إلى العراق». من ناحية ثانية، كشف مسؤول عراقي عن أن مئات القطع التي أعيدت العام الماضي وسلمت إلى مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي لا يعرف مصيرها الآن.

وأضاف الصميدعي الذي عاد إلى العراق للمشاركة في مراسم تسليم القطع الأثرية، أن استرجاع القطع الأثرية تم من خلال عمليات عدة، منها «اتصال بعض الأميركيين بنا لإعلامنا بوجودها، أو سماعنا عن بعض القطع التي تعرض للبيع في المزادات مثل مزاد (كريستيز)، وأحيانا كنا نسمع من بغداد عن قطع معينة فنلاحقها».

ومن خلال تعاون السفارة العراقية مع وزارتي الخارجية والأمن الداخلي الأميركيتين، تحصل عملية إعادة القطع الأثرية. وقال الصميدعي: «العملية معقدة لأننا أحيانا نحتاج إلى خوض قضايا قانونية من أجل التوصل إلى الحجز على القطعة المعينة».

ويذكر أن القضايا القانونية ليست دائما بسيطة، وخاصة أن بعض القطع الأثرية لا يوجد لديها أرقام محددة في المتاحف العراقية ويصبح من الملزم على الحكومة العراقية إثبات ملكيتها.

وربما أشهر الآثار التي استرجعت هي زوج أقراط تعود إلى كنز نمرود وتعرفت السفارة العراقية في واشنطن عليهما في كتيب مزاد «كريستيز»، وأبلغت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بالعمل على استرجاع هذا الزوج، في عملية قال الصميدعي إنها «استغرقت أشهرا طويلة».

وأوضح الصميدعي: «كل قطعة لها قصة مختلفة، فقسم أخذه جنود أميركيون، وقسم هربته عصابات تهريب، وآخر أخرج من العراق منذ سنوات». وقال إن هناك «جوانب سياسية ولوجستية» تتولاها السفارة لاسترجاع القطع الأثرية وحمايتها إلى حين عودتها إلى مكانها في المتاحف العراقية.

إلى ذلك، كشف الصميدعي النقاب عن أن 632 قطعة أثرية أعيدت العام الماضي وسلمت إلى مكتب المالكي أصبحت الآن في عداد المفقودات. ونقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» قوله في الاحتفال الذي جرى في بغداد: «لقد تم إرسالها إلى مكتب رئيس الوزراء حيث شوهدت لآخر مرة». ولم يتضح على الفور ماذا حدث لهذه القطع الأثرية، وقال الصميدعي إنه حاول معرفة ذلك لكنه فشل.

وأضاف أنه لا يتهم حكومة المالكي بالقيام بسرقتها، لكنه أعرب عن خيبة أمله لأن الجهود المبذولة لإعادة القطع الفنية والأثرية لم تؤد سوى إلى حالة من التشويش والغموض.

من جهته، طالب علي الموسوي، وهو مستشار للمالكي، الحكومة الأميركية بتوضيح مصير القطع الأثرية، ونقلت عنه «نيويورك تايمز» قوله في مقابلة عبر الهاتف: «إننا لم نتسلم أي شيء». بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

بدوره، قال قحطان الجبوري، وزير الدولة للسياحة والآثار، إنه إذا لم تكن الآثار في مكان ما في عهدة رئيس الوزراء، فإنها ستكون على الأرجح لدى وزارة الثقافة التي تشرف على المتاحف في البلاد. لكن المتحدث باسم وزارة الثقافة العراقية رفض التعليق على ذلك، بينما قالت أميرة عيدان، مديرة المتحف الوطني، إن أيا من القطع الأثرية لم تتم إعادتها إلى المتحف. وقال الجبوري سيتم تشكيل لجنة للتحقيق في هذا الأمر.

ووفقا للسفارة الأميركية في بغداد، فإن الولايات المتحدة أعادت 1046 قطعة أثرية منذ عام 2003 عندما نهب اللصوص المباني في جميع أرجاء العراق، بما في ذلك المتاحف. وعلى الرغم من الغضب الدولي على الولايات المتحدة وحلفائها بسبب عمليات السلب والنهب، فإن الكثير من القطع الأثرية تم تهريبها إلى خارج العراق قبل الغزو، وغالبا بالتواطؤ مع مسؤولين في حكومة صدام حسين، وذلك وفقا لمسؤولين عراقيين.

وفيما يتعلق بمقتنيات صدام، فقد أوضح عبد الزهرة الطلقاني، المستشار الإعلامي لوزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار في العراق أن مقتنيات الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، جزء منها محفوظ في مخازن المتحف الوطني العراقي، وأنها من موجودات قصوره التي كان يرتادها سابقا في زمن حكمه، مؤكدا أن أغلب قصور صدام في بغداد والمحافظات قد تعرضت للسرقة إبان دخول القوات الأجنبية العراق عام 2003، وأن ما تبقى محفوظ في المتحف العراقي، وهو لم يعرض على المواطنين إلى الآن.

التعرض للسرقة

من جانبه حذر مسؤول عراقي من مخاطر استمرار لصوص بنبش وسرقة مواقع أثرية تعود إلى عصر فجر السلالات السومرية و"مملكة أوما" تضم أثارا نفيسة تقدر بملايين الدولارات.

وقال جميل يوسف شبيب نائب رئيس لجنة مكافحة الفساد في مجلس محافظة الناصرية إن "موقع تل جوخا -22 كم غربي مدينة الرفاعي- ويضم قطعا أثرية نفيسة تعود إلى الممالك السومرية أصبح عرضة لعمليات نبش وسرقة منظمة لاسيما من سكان القرى المحيطة بتلك المنطقة وعلى مسمع ومرأى الجميع".

وأضاف أن "اللجنة خاطبت ولأكثر من مرة الجهات المسؤولة في مديرية الشرطة والدوائر المختصة لحماية تلك الآثار لإيقاف عمليات السرقة التي تتعرض لها باستمرار ووضع حراسات مشددة عليها لاسيما وان تلك الآثار قريبة من سطح الأرض ولم تجر عمليات تنقيب عليها طيلة السنوات الماضية".

من جهة أخرى ذكر عامر عبد الرزاق مدير دائرة الآثار أن "تل جوخا تبلغ مساحته نحو 10 كم يعود إلى أهم الممالك في عصر فجر سلالات مملكة اوما الذي بدأ اكثر من 3000 قبل الميلاد بعد أن أسس سرجون الأكدي الإمبراطورية الأكدية التي ظهرت في عصر فجر السلالات وهي تقع في منطقة عبارة عن منتجع لقربها من المجاري والأنهر فضلا عن أن تلك المنطقة تضم أكثر من سبعة مواقع آثرية منها تل فروة وتل بنات الشيخ وتل أبو الجرابيع. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وأوضح أن "الموقع يعد من أكثر المواقع عرضة لعمليات النبش والسرقة لكبر مساحته وعدم وجود حراسه عليه فضلا عن كون الموقع مهمل و لم ينقب إلا في الفترة بين عامي 2001 و2002 من قبل فرق تنقيب عراقية".

وقال عبد الرازق: "أدعو الحكومة العراقية والحكومة المحلية في الناصرية والجهات الرسمية ذات العلاقة ومنظمات المجتمع الدولي بضرورة الاهتمام بتلك المواقع المهمة وإقامة أسيجة عليها ووضع حراسات مشددة ونقاط ثابتة فضلا عن الإسراع بأجراء عمليات تنقيب مستعجلة لإنقاذ تلك الآثار من أن تقع في ايدي اللصوص".

عجز عن منع التهريب

في حين يعزو مسؤول عراقي كبير استحالة منع تهريب الآثار من العراق إلى العدد الكبير من المواقع الأثرية المنتشرة في عموم المحافظات، والوضع الأمني الهش الذي تعيشه البلاد.

ويقول الناطق الإعلامي باسم وزارة السياحة والآثار عبد الزهرة الطالقاني إن حماية الآثار والحدود هي من واجبات الحكومة والدول المجاورة للعراق.

وتشمل الآثار المهربة –وفق المسؤول العراقي- الكثير من القطع المهمة وبالأخص الألواح الطينية التي تحوي كتابات مسمارية، إذ إن في هذه الآثار معلومات يمكن أن تفتح آفاقا كثيرة، لذلك تعتبر من أهم الآثار التي تهرب إلى الخارج، إضافة إلى قطع أخرى مثل الأختام الأسطوانية ومجموعات من الأواني الفخارية والتماثيل التي تعود إلى عصور مختلفة.

ويؤكد الطالقاني أن حماية الآثار من اختصاص الجهات الحكومية ومسؤوليتها بصورة خاصة، لذلك اعتمدت وزارة السياحة والآثار بشكل مباشر على جهود القوات الأمنية في العراق (في وزارتي الداخلية والدفاع ووزارة الأمن الوطني).

وتقوم هذه الوزارات مجتمعةً -وفق الطالقاني- بشكل يومي بتوفير حماية لعدد كبير من المواقع الحدودية التي يتم تهريب الآثار من خلالها، إضافة إلى اعتقال عصابات تهريب الآثار ومصادرة الآثار وتسليمها إلى المتحف العراقي أو إلى مفتشيات الآثار المنتشرة في العراق، حيث تتم محاكمة المتهمين بسرقة الآثار وفق قانون الآثار رقم 55 لسنة 2002. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وعن أكثر المناطق التي تتعرض لنهب وتهريب الآثار يقول الطالقاني، إنها بشكل عام في جنوب العراق وبالذات في محافظة الناصرية حيث المناطق الصحراوية الشاسعة وهي مناطق رخوة أمنيا.

ويؤكد أن كل دول الجوار العراقي هي معابر لتهريب الآثار العراقية، حيث إن هناك كثيرا من الآثار تمت إعادتها عن طريق الأردن وسوريا والسعودية، كما أعادت تركيا مؤخرا بعض القطع المهربة.

مواقع الآثار

من جانبه قال خبير الآثار العراقي بهنام أبو الصوف إن مواقع الآثار منتشرة في البلاد من شمالها إلى جنوبها، وأعرب عن اعتقاده أن عددها يتجاوز 100 ألف موقع أثري، سواء كانت مدنا مطمورة أو مواقع صغيرة.

وعن سرقة المتاحف ومخازن الآثار أشار إلى أنها تتم من بعض ضعاف النفوس، وحدثت أثناء احتلال البلاد وانعدام السلطة وعدم وجود حكومة في عام 2003، مشيرا إلى أنه قبل هذا التاريخ كانت السرقات محدودة جدا حيث أصدرت الحكومة العراقية أنظمة وقوانين متشددة ضد سارقي الآثار ومهربيها وصلت عقوبتها إلى الإعدام.

وبشأن القيمة المادية والتاريخية للآثار العراقية المسروقة، يقول أبو الصوف إن معظم الآثار القديمة لها قيمة مادية كبيرة في المتاحف ولدى أصحاب المقتنيات الأثرية الذين يدفعون أموالا طائلة لشراء هذه القطع، ثم هناك قيمتها المعنوية أو التاريخية لدى المتاحف العالمية والجامعات، التي تشتريها لقيمتها التاريخية.

وكانت دوائر الآثار والدولة قد شجعت الناس الذين بحوزتهم قطع أثرية على تسليمها للمتحف العراقي، لقاء إكرامية سخية جدًّا.

استعادة الآثار

بينما قال مسؤولون ان أكثر من 500 قطعة أثرية كانت قد نهبت من المتحف الوطني العراقي ومواقع أثرية في العراق خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 أعيدت في الآونة الأخيرة.

نهبت معظم القطع المستدرة التي يبلغ عددها 542 قطعة عندما تعرض المتحف الوطني العراقي في بغداد لعمليات نهب أثناء الغزو. ويرجع الكثير من القطع الى أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد. ومن أكبر القطع المستردة تمثال بدون رأس للملك السومري انتمينا.

وتعهد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بأن تعمل وزارته من خلال القنوات الدبلوماسية لإعادة كل الاثار المسروقة.

وقال "استلمت الوزارة من بعثاتها وعلى مدى أكثر من خمس سنوات قطعاً أثرية لا تقدر بثمن في عملية مستمرة لن تتوقف. فقد استلمنا على سبيل المثال لا الحصر 623 قطعة من سفارتنا في واشنطن منذ فترة. واستلمنا حالياً 542 قطعة. لا نتردد في القول ثانية بأنها قطع من القلب العراقي."

وأعيدت معظم القطع المستردة من الولايات المتحدة وذكر سمير الصميدعي سفير العراق في واشنطن أن الولايات المتحدة سبق أن أعادت 632 قطعة أثرية لمكتب رئيس الوزراء العراقي. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وذكر جيمس جيفري سفير الولايات المتحدة لدى العراق أن بلاده ملتزمة بمساعدة العراق في استرداد كل الكنوز الأثرية المنهوبة بعد أن ألقى كثيرون باللوم على القوات الأمريكية لسماحها بنهب الآثار عندما دخلت دباباتها بغداد عام 2003.

وقال جيفري "أدركنا في الولايات المتحدة أهمية هذه الكنوز لتراثكم وتاريخكم وثقافتكم كلها. حكومة الولايات المتحدة ملتزمة تماما بمواصلة الجهود للعثور على الآثار أينما كانت وإعادتها."

وذكرت أميرة عيدان مديرة دائرة الآثار والتراث أن العراق فاق التوقعات بجهوده لاسترداد الاثار المسروقة. وقالت "نحن متفاءلون. 35 الف قطعة استعيدت منذ عام 2003 الى الان وهذا رقم قياسي. كنا قبل فترة قليلة في احدى الدول التي عانت من حالة مشابهة لم تستطع الى الان ومنذ الحرب العالمية الثانية استعادة ما سرق منها وكانوا منبهرين بالجهود العراقية."

وأضافت أن ثمة 22 قطعة أثرية موجودة في اسبانيا لم يتمكن العراق من استعادتها بعد.

وكان بين المعروضات في وزارة الخارجية بندقية طراز ايه.كيه 47 مطلية بالكروم عليها صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وكان جندي أمريكي قد استولى على البندقية أثناء وجوده في العراق.

ترميم مقبرة

في حين يفخر العراق بتراثه الديني الكبير فهو موطن العديد من أئمة المسلمين وشهدت أرضه مولد النبي إبراهيم كما يضم قبور أنبياء آخرين مثل يونس.

لكن مع توجيه معظم التركيز والتمويل على صيانة وتوسيع مراقد أئمة المسلمين الشيعة التي تتوافد عليها أعداد هائلة من الزائرين والسائحين سنويا تعرضت مقابر أخرى للإهمال على مر السنين ومنها مرقد ذي الكفل.

ويقول بعض الباحثين ان ذي الكفل هو نفسه النبي حزقيال الذي ورد ذكره في العهد القديم. وكان المرقد الموجود جنوبي بغداد في الأصل مقبرة يهودية لكن مسيحيين ومسلمين كانوا يترددون عليها أيضا للزيارة.

وانضمت الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق الى ديوان الوقف الشيعي في مشروع لترميم مقبرة ذي الكفل في قرية الكفل قرب الحلة بمحافظة بابل.

وذكرت فوزية مهدي مدير عام دائرة التراث بالهيئة العامة للاثار والتراث أن مشروع ترميم مرقد ذي الكفل يجري بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية ومع ديوان الوقف الشيعي الذي يتولى رسميا صيانة المرقد.

وقالت "ستقوم الهيئة العامة للآثار والتراث وبالتعاون مع جهات ومنظمات عالمية ودولية بصيانة المرقد وإعادة الزخارف كما كانت عليها سابقا وترميمها وترميم القبة من الداخل والخارج."

وأضافت "وبما أنه إدارة هذا المكان حاليا من قبل الوقف الشيعي، الهيئة العامة للمزارات الشيعية، فهناك تعاون ما بين الهيئة العامة للمزارات الشيعية وبين الهيئة العامة للاثار والتراث. كلا الجهتين قامت بوضع تخصيصات مالية ووضع خطط لصيانة المبنى."

وأوضحت فوزية مهدي أن مشروع الترميم سيستمر حتى عام 2011 وسيتضمن أعمال ضرورية لصيانة المرقد وحماية قبته وسقفه من الانهيار.

وبدأ العمل بالفعل في ترميم مئذنة بنيت بجوار المقبرة في القرن الرابع عشر. ويخشى البعض أن يطمس الطابع اليهودي المميز لمقبرة ذي الكفل والكتابات والنقوش العبرية الموجودة على جدرانها الداخلية خلال عمليات الترميم.

لكن صالح الحيدر رئيس ديوان الوقف الشيعي أكد أن الديوان يحرص على الحفاظ على كل الآثار والمعالم الدينية التاريخية في العراق. وقال الحيدري "أننا عندما نأتي الى أي مكان فيه أي أثر من الاثار نقدس ونحترم ونجل هذا الأثر ولا نحاول اطلاقا طمس أي معلومة أو أي شيء يؤدي الى تغيير واقع الحال لهذا الاثر سواء كان يعود لنبي أو لمفكر أو لأي شخص اخر." بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وكان في العراق عدد كبير من اليهود قبل قيام إسرائيل عام 1948 لكن كثيرين منهم هاجروا اليها في الخمسينات وتشير بعض التقديرات الى أن المهاجرين بلغ عددهم 120 ألف يهودي عراقي.

وتوجد مقبرة أخرى تنسب الى ذي الكفل في دزفول في جنوب غرب ايران. وكان الاف اليهود يزورون مرقد ذي الكفل قبل منتصف القرن العشرين. وما زال الكثير من المسيحيين والمسلمين يزورون القبر الى اليوم.

بعثة فرنسية

من جانب آخر بدأت بعثة فرنسية مختصة في مجال الآثار التنقيب في احد المواقع الأثرية في اربيل كبرى مدن اقليم كردستان العراق.

وقال فريدريك تيسو القنصل الفرنسي العام في كردستان "مبعث فخر لنا ان يبدأ الفرنسيون في التنقيب عن الاثار في اربيل".

وأضاف في كلمة له خلال مراسم بدء التنقيب في موقع كلك مشك "وقعنا مذكرة تفاهم مع وزارة البلديات والسياحة في حكومة إقليم كردستان العراق للتنقيب عن الآثار وفي نفس الوقت رأينا انه من الضروري ان يستفيد طلاب قسم الآثار في جامعة صلاح الدين في اربيل من خبرات الفرنسيين في مجال الاثار".

ولفت القنصل الفرنسي الى ان هذه الخطوة تعتبر بداية مرحلة عودة الفرنسيين والأوروبيين الى العراق. وقال ان "اوروبا تعود مرة أخرى الى العراق وبالأخص فرنسا ولكن سنبدأ هذه المرة من كردستان".

من جانبه، قال البروفيسور اوليفييه رووه المستشرق والمختص في مجال الآثار بجامعة ليون الفرنسية "يضم فريقنا ثمانية أشخاص هم ستة فرنسيين ونرويجي وايطالي وسنبقى في كردستان لمدة اربعة اسابيع للتنقيب في موقع كلك مشك".

واضاف "عملنا سيقتصر على مساعدة علماء الآثار في كردستان في التنقيب عن الآثار ودراسة المناطق الأثرية وكذلك سنتعاون معهم في إعداد مشروع عن قلعة اربيل الاثرية".

واكد على أهمية الآثار في كردستان العراق قائلا "اثار كردستان مهمة جدا بالنسبة لنا وخلال اطلاعنا على النصوص التاريخية علمنا أهميتها وسنركز على هذه المنطقة لأنه لم تجر عليها حتى الان اية تنقيبات". بحسب وكالة فرانس برس.

من جانبه، قال الدكتور يوسف خلف الفهداوي رئيس هيئة التنقيب عن الموقع الأثري في كلك مشك "هذا الموقع يعود الى الألف الثالث في الفترة السومرية وهي من المناطق الاثرية التي عثرنا عليها وايضا اشورية وربما بابلية وربما يكون الموقع أقدم لكن بلا شك له علاقة بقلعة اربيل وتل قالنج اغا وتل قصرا في اربيل".

وقال "عثرنا على سور بسماكة اكثر من متر، وربما يكون جدارا لسور او لقصر او لمعبد لان الجدار السميك يدل على انه كان مبنى عاما". واشار الفهداوي الى ان موقع كلك مشك يقع في جنوب قلعة اربيل على مسافة يوم واحد سيرا على الأقدام ويرتفع 401 متر عن سطح البحر ويبلغ ارتفاعه حوالي 15 مترا.

السياح الأجانب

من جانبه يعبر فيليب كوزن (65 عاما) عن دهشته كسائر أفراد الفريق السياحي الفرنسي الذي يزور معه موقع تلو (غيرسو) السومري الأثري في جنوب العراق.

وكوزن مهندس متقاعد (65 عاما) يشكل مع 19 سائحا أول مجموعة فرنسية تقوم بجولة على ما بقي من حضارات بلاد ما بين النهرين تستمر تسعة أيام، ضمنها آثار أور وبابل واوروك.

ولهذه المواقع أهمية بالغة بالنسبة للإنسانية، لكن الزائرين قلة نادرة.وتقع تلو في محافظة ذي قار كبرى مدنها الناصرية (350 كيلو مترا جنوب من بغداد).

وقرر الفريق السياحي التغلب على المخاطر التي قد تعترضهم في العراق، حيث تقع أعمال عنف، والتوجه خلافا لآراء عائلاتهم أو وزارة الخارجية إلى بلاد ما بين النهرين ''ليشاهدوا بأم أعينهم مهد حضارة العالم القديم''.

ويهمس كوزن قائلا ''إنه أمر مثير''، فيما كانت كاترين سورد المحاضرة الجامعية تقرأ تاريخ الموقع وآلهة الإمبراطورية السومرية التي تركت أساطيرها أثرها في العهد القديم.وأضاف أن ''الكل يرغب في المجيء إلى هنا لكنهم لا يجرؤون مؤكدين استحالة المغامرة في بلد كهذا، ونحن من الرواد القلائل المهمشين''.

من جهتها، قالت كريستين لوروا بروست (65 عاما) المختصة في التاريخ القديم إن اور الكلدانيين، مسقط رأس إبراهيم الخليل وفقا للعهد القديم في الكتاب المقدس ''رائعة ومؤثرة لقد حلمنا بها منذ طفولتنا عندما كنا نقرأ قصصا عن الشرق الأوسط''.

واختمرت فكرة تنظيم رحلات إلى العراق في رأس الفرنسي هوبير ديباش مدير مؤسسة ''تير انتييه'' المتخصصة في الرحلات ذات الطابع الثقافي والديني المسيحي.ولا تسمح الأوضاع الأمنية الهشة في العراق بتنقل السياح في جميع الأمكنة.فالفريق الفرنسي يخضع لحماية ثلاثة حراس، ويجول في الجنوب فقط ولن يذهب إلى بغداد، حيث الوضع ''خطر جدا''، بحسب ديباش (44 عاما). بحسب وكالة فرانس برس.

ويعتبر ديباش أن هذه الرحلة الأولى تمثل نشاطا سياسيا قائلا ''أرفض القول عن بلد ما أنه في محور الشر أو أن بلدا في محور الخير''. ولكن لابد من الحذر. فعلى الطريق المؤدي إلى تلو تتوقف الحافلة بشكل مفاجئ لدى رؤية دراجة نارية ملقاة على الطريق.

وقال المسؤول إن ''أحد عناصر الشرطة من حراس الفريق سيتوجه منفردا للتأكد من عدم وجود قنبلة''، وأعضاء المجموعة السياحية من المولعين بالاكتشافات والتاريخ. وقال ديديه فارسي (55 عاما) القادم من مرسيليا إنه سيزور بلدان العالم. ومع زيارته هذه، يكون قد تجاوز عددها 180 بلدا. وأضاف فارسي ''لم يبق إلا نحو 25 بلدا، أريد اكتشاف العالم كله''. أما كاترين سودر التي شاركت في أعمال تنقيب في العراق بين 1974 و 1978، فتقول إن المواقع الأثرية في العراق ليست متاحة أمام الجميع.

وأضافت ''بودي إطلاق بعض النميمة، ليس هناك سياح من فئات شعبية هنا، فالزبائن مختلفون تماما''. وبين المجموعة أشخاص ليسوا مطلعين بشكل كاف على العادات والتقاليد العربية، والفوارق غير مستبعدة. وخلال استراحة الغداء، قررت امرأتان السباحة في ظل الحرارة المرتفعة فألقتا بنفسيهما في نهر دجلة بلباس السباحة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لسكان القرية المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/أيلول/2010 - 9/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م