الجامعة بين الواقع والطموح

د. ضياء الجابر

الجامعة منارة العلم وموطن البحث وتقصي الحقائق، ومحاولة الوصول إليها بالطرق العلمية- النظرية والعملية التجريبية- من خلال ما تنجزه من البحوث والدراسات وما تجريه من تجارب، وما تقيمه من ندوات ومؤتمرات، وما تقدمه من توصيات ومقترحات وحلول لكثير من المشاكل والمواضيع، التي تهم وتخدم المجتمع وتقدمه وفي مختلف المجالات(الطب، الهندسة، العلوم، الآداب، التربية، القانون....الخ).

ولكن الاهتمام بالعلم ونشره وتطويره هو جانب من الجوانب التي تركز عليها الجامعة، إضافة إلى الجانب الثاني والذي لا يقل أهمية عن الجانب العلمي، إذا لم نقل يفوقه في الأهمية، فهو مواز ومساو له، ألا وهو الاهتمام بالأخلاق والتربية الفاضلة وتعزيز وترسيخ قيم ديننا الحنيف، قولاً وفعلاً، لان العلم بدون أخلاق لا فائدة منه، فالعلم هو خير حافز للإنسان للعمل الصالح والذي يحقق الفائدة للمجتمع، فعن طريق النصائح والإرشادات التي يقدمها الأساتذة لأبنائهم وإخوانهم الطلبة، يمكن أن ننهض بالدور الايجابي للجامعة في خلق جيل متسلح ومتنور بالعلم والمعرفة إلى جانب الالتزام الديني بتعاليم الشريعة السمحاء.

فخلق القدوة للطالب الجامعي أمر يقع على عاتق الأساتذة الجامعيين، والقائمين على العملية التعليمية والتربوية، كلاً في مجال تخصصه، والذين هم محط أنظار الطلبة في جميع تصرفاتهم، فقيام الجامعة بدورها الايجابي في خلق جيل المستقبل وبناة الوطن لا يمكن أن يتم إلا من خلال جملة من الأمور نوجزها بالاتي:-

1- المحافظة على الأعراف والتقاليد الجامعية من قبل أطراف العملية التعليمية (الأستاذ والطالب)، فالأستاذ الجامعي هو القدوة الحسنة التي يقتدي بها الطلبة، وفي جميع التصرفات، فلابد من جعل الأستاذ الجامعي ينأى بنفسه عن كثير من المؤثرات والإغراءات المادية والمعنوية، حتى تبقى هيبته وكرامته مصانة، وبالتالي شخصيته محط للاحترام والتقدير من الجميع، والاقتداء به من قبل الطالب الجامعي، وهذا الأمر مرده الأستاذ الجامعي ذاته أولاً، من خلال الاهتمام بملبسه ومظهره، وظهوره بالمظهر اللائق، وأسلوبه ومنطقه المؤثر، والتصرف الأكاديمي في علاقته مع الطلبة، فالعلاقة بين الأستاذ والطالب لابد أن تحكمها حدود معينة وضوابط مرجعها الاحترام والتقدير المتبادل، مع القيام بالدور الأخوي والأبوي كلما تطلب الأمر ذلك وفي حدود الأعراف الجامعية الأكاديمية، مع أرشاد الطالب إلى حسن التصرف - قولاً وفعلاً - مع الأستاذ الجامعي وفي جميع المسائل، داخل الحرم الجامعي وخارجه، وبخلافه تطبيق الأنظمة والتعليمات الجامعية بحق الطالب المسيء.

2- الاهتمام بالجوانب العلمية من خلال غزارة المعلومة التي يمتلكها الأستاذ وتطويرها بشكل دائم عن طريق مواكبة ومتابعة أخر المستجدات في مجال تخصصه، وحسن الطرح لتلك المعلومة وبالشكل الذي يؤثر في نفسية الطالب ويوصل المادة العلمية إليه وتنمية روح المشاركة والنقاش الهادف لديه واحترام ما يطرحه من آراء وأفكار.وبالشكل الذي يحقق الفائدة المرجوة من التعليم الأكاديمي الجامعي.

3-التأكيد على استقلالية الجامعة وأمنها وحرمتها، فهي حرم أمن مستقل لا يسمح لأي جهة حزبية أو سياسية أو دينية التدخل في شؤونها، أو ممارسة أي نشاط فيها، لكن هذه الاستقلالية لا تعني أن الجامعة بمنأى ومعزل عن المجتمع الذي تتواجد فيه والمؤسسات المحيطة بها، بل هي تعمل من أجل خدمة هذا المجتمع ورفد هذه المؤسسات بالكوادر المتخصصة في مختلف المجالات، من أجل بناء هذا البلد وتقدمه، لكن لا يسمح أن تكون الجامعة مقراً أو منطلقاً لأي نشاطً حزبي أو سياسي، أو محطة لخلافات سياسية أو حزبية، تؤثر في استقلاليتها وعلى حرمها الآمن.

4- الاستثمار الأمثل للوقت من قبل أطراف العملية التعليمية، وبالأخص الطالب، والابتعاد عن الأمور السلبية التي تؤثر في مسيرته العلمية، فالوقت الذي يقضيه الطالب في الحرم الجامعي أكثر من الوقت الذي يقضيه بين أسرته وتحت أنظار والديه، فلابد إذا من حسن استثمار هذا الوقت من خلال توجيهات الأساتذة ونصائحهم وتجاربهم المفيدة للطلبة، وبالشكل الذي يساهم في بناء شخصية الطالب الجامعي الحقيقية، في البحث والدرس والمطالعة لا في اللهو وتضييع الوقت في مقاهي الانترنت، والمواقع غير النافعة والمنحرفة، والألعاب الالكترونية، والموبايل، والمعاكسات والتصرفات التي تتنافى والأعراف والتقاليد الجامعية، والتدخين، فكل هذه الأمور مضيعة للوقت والمال والصحة، ولكن هذا لا يعني أن الجامعة تقف ضد وسائل التطور والتقدم والتكنولوجيا الحديثة، ولكن الدعوة إلى حسن استغلالها واستثمارها بالشكل الذي يفيد الطالب ويجعل منها وسائل نافعة لا ضارة، بناءة لا هدامة، فهناك العديد من المواقع الالكترونية الغزيرة بالمعلومات النافعة والمفيدة، سواء في مجال التخصص أو خارجه، والتي تسهم في بناء شخصية الإنسان وحسن تصرفه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/أيلول/2010 - 9/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م