الحريات الإعلامية في العراق بين تعنيف وترهيب

 

شبكة النبأ: يبدي العديد من العاملين في قطاع الصحافة والإعلام في العراق خشيتهم من تصاعد عمليات استهدافهم مجددا بعد مقتل عدد منهم مؤخرا على يد الجماعات المسلحة، فيما تضاف مخاوفهم المضايقات التي يتعرضون لها من قبل بعض الجهات السياسية النافذة في العراق، وبحسب رأي الكثير من الصحفيين باتت الحريات الإعلامية تعاني من التضييق والمحاصرة بقرارات غير دستورية تجتهد في إصدارها بعض السلطات المحلية والشخصيات الأمنية دون رقيب أو متابعة، بدعوى التنظيم أو التنسيق.

أكبر منذ الحرب العالمية الثانية

فقد وصفت منظمة مراسلون بلا حدود الصحفية العالمية عمليات قتل الصحفيين ومساعديهم في العراق بأنها “أكبر مذبحة للصحافة”، وقالت إن الحرب في العراق هي “الأكثر فتكا” بالنسبة للصحفيين منذ الحرب العالمية الثانية.

وقالت المنظمة في تقرير إن رياض السراي، وهو صحفي يعمل لشبكة العراقية “اغتيل بيد مجموعة مجهولة بينما كان خارجا من بيته ببغداد”، مضيفة “وباستهداف هذا الصحفي الذي يبلغ من العمر 35 عاما يرتفع عدد القتلى من الصحفيين العاملين في هذه الشبكة إلى 15 منذ سقوط نظام صدام”.

وكانت مجموعة مسلحة قتلت بأسلحة كاتمة للصوت الإعلامي رياض جبار السراي لدى توجهه إلى مقر عمله.

يذكر أن السراي خريج كلية القانون جامعة بغداد، ومتزوج، وبدأ مشواره الإعلامي عام 2004 في قناة الفرات، ثم انتقل إلى فضائية العراقية شبة الرسمية منتصف عام 2005، وبقي يعمل مقدما للبرامج فيها  حتى اغتياله.

وطالبت منظمة مراسلون بلا حدود بـ”فتح تحقيق بغية إلقاء القبض على مرتكبي هذا الجرم ومن يوفر له الدعم وتقديم المجرمين إلى العدالة”، معربة عن “أسفها أن يفلت من أرتكب هذا الفعل من العقوبة كما كان الحال للأسف مع 99% من 230 حالة قتل طالت عاملين في الإعلام منذ بدء التدخل الأمريكي في آذار مارس 2003″. بحسب أصوات العراق.

وتابعت المنظمة قائلة إنه بعد “من انسحاب آخر لواء قتالي أمريكي من العراق فإن مراسلين بلا حدود تقدم حصيلة سبع سنوات من احتلال قوات التحالف وتبعاتها على حرية الصحافة”، منوهة إلى أن هذا التقرير أعد “إجلالا لكل العاملين في الأعلام الذين دفعوا حياتهم ثمنا لمقتضيات المعلومة على الرغم من المخاطر التي تطبق عليهم”.

وقالت المنظمة إذا كان تدخل الولايات المتحدة قد “وضع حدا لنظام صدام وأتاح فرصة  لتطور كبير في وسائط الإعلام العراقي فإن الحصيلة البشرية للحرب وسنوات العنف السياسي والإثني التي تلت كارثية بكل بساطة”، وتابعت “لذا فهذه مذبحة حقيقية”.

وأوضحت المنظمة أن الحرب الثانية في العراق “تعد الصراع الأكثر فتكا بالنسبة للصحفيين منذ الحرب العالمية الثانية”، مبينة أنها “أحصت 230 حالة قتل ما بين صحفي ومساعد في وسائط الإعلام في البلد منذ بدء الصراع في 20 من آذار مارس 2003″. ومبينة أن هذا العدد من الضحايا “يفوق الذين سقطوا على مدى 20 عاما من الحرب في فيتنام أو خلال الحرب الأهلية في الجزائر”.

وفي هذا التقرير الذي جاء تحت عنوان “الحرب في العراق، مذبحة الصحافة 2003-2010″، استعرضت مراسلون بلا حدود الصحفيين الذين “قتلوا خلال هذا الصراع لأنهم أرادوا ببساطة ممارسة عملهم”.

وتساءلت المنظمة “من هم هؤلاء الصحفيون؟ وبأي وسائط إعلام كانوا يعملون؟ وبأية ظروف قتلوا؟ هل كانوا أهدافا لهجمات مقصودة؟”، يذكر أن هذه هي المرة الثالثة التي تضع فيها مراسلون بلا حدود دراسة كهذه.

فقد نشرت الدراسة الأخيرة بمناسبة “الذكرى” الثالثة للغزو الأمريكي للعراق، واستعرضت مراسلون بلا حدود أيضا ظاهرة اختطاف صحفيين خلال الصراع، إذ تعرض ما يزيد عن 93 مهنيا لعمليات خطف.

وكان العراق، بحسب المنظمة، على مدى سنوات عدة “أكبر سوق للرهائن في العالم”، مضيفة أن الصحفيين كانوا أيضا “موضع عمليات توقيف عدة خلال الحرب للاشتباه بتعاونهم من مجموعات متمردة سواء كان ذلك من جانب الإدارة العراقية الفتية أم من جانب الجيش الأمريكي”.

وقالت إن عدد الصحفيين الذين أوقفوا بيد الجيش الأمريكي منذ آذار مارس 2003 وآب أغسطس 2010 “أرتفع على الأقل إلى ثلاثين لاسيما في العام 2008 وفي مطلع كانون الثاني يناير 2006 إذ أصبح معسكر الاعتقال الأمريكي في بوكا (الواقع بين مدينتي البصرة وأم قصر جنوبي العراق) أكبر سجن للصحفيين في الشرق الأوسط”.

وبهدف الوقوف بدقة على خصائص هذه المذبحة وفرت مراسلون بلا حدود “مخططات بيانية تؤشر صعود عمليات العنف منذ العام 2003″.

إلى ذلك، طالبت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين، الثلاثاء، قيادة عمليات بغداد بفتح تحقيق جدي وفوري في عملية اغتيال مذيع قناة البغدادية الاعلامي رياض السراي.

وقال رئيس الجمعية ابراهيم السراجي إن “الجمعية تؤكد أن اهمال فتح التحقيقات في جرائم قتل الصحفيين ومتابعة تلك الجرائم والسماح لقتلة الصحفيين بالافلات من العقاب قد اسهم هذا الامر وبشكل كبير في استمرار استهداف الصحفيين دون رادع او عقاب. ولايسعنا إلا نتقدم بأحر التعازي والمواساة إلى عائلة الفقيد وإلى كادر قناة العراقية الفضائية”.

من جهته، اعربت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة عن “القلق الشديد من تصاعد استهداف الصحفيين والاعلاميين خلال الشهرين الماضيين”.

وقالت الجمعية في بيان، إنها “خيبة أمل كبيرة من عدم تحرك السلطات الرسمية وعدم قيامها بأي اجراء من شأنه أن يوقف عمليات استهداف الصحفيين ويكشف الجهات التي تقف وراءها”.

وإغتالت مجموعة مسلحة بأسلحة كاتمة للصوت الاعلامي رياض جبار السراي صباح اليوم في منطقة الحارثية غربي بغداد.

ويذكر أن السراي خريج كلية القانون جامعة بغداد، ومتزوج، وبدأ مشواره الاعلامي عام 2004 في قناة الفرات، ثم انتقل إلى العراقية في منتصف عام 2005 وبقي يعمل مقدم برامج فيها  حتى اغتياله.

استمرار التنديد

من جهتها إعتبرت نقابة الصحفيين العراقيين، اغتيال صحفيين يعملان في قناتين فضائيتين محليتين خلال 24 ساعة جزءا من مسلسل استهداف الصحفيين الذي بدأ في اعقاب احداث عام 2003.

وقال امين سر النقابة سعدي السبع إن “أستهداف الصحفيين والاعلاميين العاملين في القنوات الفضائية المحلية هو جزء من مسلسل استهداف الصحفيين العراقيين الذي اعقب احداث عام 2003، إذ مازال الصحفي العراقي عرضة للقتل بسبب عمله في محاولة لاسكات الكلمة الحق والاقلام الشريفة”.

وكان مصدر في شرطة محافظة نينوى ذكرأن مراسلا يعمل في قناة الموصلية قتل اثر تعرضه لاطلاق نار من قبل مسلحين شرق مدينة الموصل، في ثاني استهداف للصحفيين خلال 24 ساعة.

وأضاف السبع “مازلنا نطالب بشدة اقرار قانون حماية الصحفيين، الذي ارسل إلى مجلس النواب قبل نحو سنتين لحقن دماء الصحفيين ومنحهم حقوقهم المشروعة، ويأتي هذا الإستهداف محاولة للتأثير على عمل الصحفيين الذين يعملون على اظهار الحقائق للرأي العام”.

القضاء لكشف تهريب النفط

في سياق متصل رفع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني دعوى قضائية ضد صحيفة "روزنامة" الاسبوعية اثر نشرها مقالا حول قضية "تهريب النفط" في الاقليم، وطالبها بتعويض بقيمة مليار دولار، حسبما اعلن مركز للدفاع عن الصحافيين.

واثارت صحيفة نيويورك تايمز قضية "تهريب النفط" في كردستان العراق قبل عشرة ايام، ما ادى الى بروز هذه القضية مجددا الى السطح والتي دفعت حكومة بغداد الى استنكارها. وتشكل هذه المسالة نقطة خلاف كبيرة بين حكومة بغداد وكردستان.

وتعتبر الحكومة العراقية ان قيام حكومة اقليم كردستان بتصدير كميات من النفط سواء كانت منتجة في مناطقها او مشتقات نفطية تتسلمها من العاصمة الى ايران بانه تهريب.

واعرب مركز "ميترو" للدفاع عن الصحافيين الذي يمثل مرصد الحريات الصحافية عن قلقه البالغ من الدعوة القضائية التي رفعها سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني فاضل ميراني، ضد صحيفة "روزنامة".

واكد المركز في بيان، ان "المسؤول الكردي طالب الصحيفة بدفع مبلغ قدره مليار دلار كتعويض مادي ومعنوي لنشرها تقريرا يتضمن اتهاما للحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني) بالحصول على ملايين الدولارات من عمليات التهريب هذه".

كما رفع ميراني دعوة قضائية أخرى ضد صاحب امتياز جريدة روزنامة ورئيس تحريرها، وضد الصحفي سيروان رشيد، الذي اعد التقرير، بحسب المركز.

وتضمنت الدعوى الثانية الطلب من الجهات القضائية باصدار قرار بمنع سفر المشار اليهم. واستندت الدعوى الى قانون المرافعات المدنية لعام 1969، الذي تنص المادة 146 منه على انه "للمدعي الحق بالمطالبة بمنع المدعى عليه من السفر اذا كانت لديه اسباب جدية تثبت كون المدعى يروم السفر بقصد الفرار من القضاء".

وقال آزاد جالاك "لدينا وثائق كافية لبرهان الموضوع الذي نشرناه". ونقل مركز "ميترو" عن جالاك وهو نائب سابق في البرلمان العراقي عن كتلة التحالف الكردستاني، قوله "حتى الآن لم يتضح بأي مادة قضائية سجلت دعوة التشهير ضد الجريدة، ولكن يتبين أنهم يطالبوننا بالتعويض". بحسب فرانس برس.

وستقوم المحكمة بعقد جلسة للنظر في الدعوى. بدوره، قال الصحافي سيروان رشيد "لقد اصبت بصدمة عندما اطلعت على الدعوى، لاني اعتمدت على عدة مصادر في اعداد هذا التقرير... واذا انكروا المعلومات الواردة في التقرير، فليقدموا المعلومات الحقيقية للناس".

واعلن مركز "ميترو" رفضه القاطع للدعوى "كونها تعد اكبر مطالبة تعويض مقابل نشر مادة صحافية في تاريخ الاقليم. وقال المركز ان الدعوى "تعد مصدر قلق ولها اثار سلبية على الصحافيين والعاملين في مجال الاعلام لذلك يطالب المركز بسحب هذه الدعوى".

وجريدة روزنامة، تصدر عن شركة وشه، وهي مؤسسة اعلامية تابعة للزعيم الكردي المعارض نوشيروان مصطفى زعيم حركة كوران (التغيير). وصدر العدد الاول منها عام 2007.

بدوره، اكد مصدر في المكتب السياسي للحزب الوطني الكردستاني رفع دعوى قضائية على الصحيفة.

وافاد المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه "رفعنا دعوى قضائية ضد الصحيفة لانهم اتهمونا بالتهريب، ونحن طالبناهم بالادلة واذا تبين انه ليس لديهم ادلة فحقنا الشرعي هو المطالبة بغرامة مالية لقاء اتهاماتهم".

وتعتبر حكومة اقليم كردستان العراق ومركزها مدينة اربيل (320 كلم شمال بغداد) انها تقوم بصورة قانونية بتصدير مشتقات نفطية فائضة عن الحاجة المحلية.

وقال اشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية في الاقليم في تصريحات سابقة ان "المنتجات النفطية الفائضة عن حاجة اقليم كردستان كالبنزين والنفط الابيض، تصدر بشكل علني عن طريق الشركات المتخصصة بحسب وصولات رسمية وبعد الحصول على الموافقات المطلوبة"، مشيرا الى ان "عائدات تلك المنتجات تعود الى حكومة الاقليم".

غير ان حكومة بغداد تقول ان هذه العائدات يجب ان تعود الى الخزينة المركزية. وبالاضافة الى ذلك، فان ارسال شاحنات الى ايران واعادة بيع جزء على الاقل من الوقود في سوق مفتوحة، يتسبب في تداعيات وطنية ودولية.

وتتحرك الشاحنات العراقية والتركية عبر الحدود بترخيص من حكومة اقليم كردستان، ما يعد تحديا للحكومة المركزية.

ودفع هذا الامر الى غضب وزارة النفط في حكومة بغداد، لانه يعد تصديرا لمواد مستوردة اصلا على انها من الاولويات، والتي ترسلها الى الاقليم لسد حاجة المواطنين.

وقال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني خلال مؤتمر صحافي الاسبوع الماضي، ان "هذا امر في منتهى الغرابة، لان العراق يستورد البنزين"، متسائلا "هل يعقل ان يصدر من الاقليم دون علم الحكومة المركزية التي تستورده من موازنتها والاخرون يصدرونه ويودعون الايرادات في حساباتهم".

الى ذلك، يسبب هذا الامر ضررا بمحاولات العراق انهاء الالتزامات المترتبة عليه بموجب قرارات للامم المتحدة ترجع الى حرب الخليج الاولى.

وهي مخالفة بصفة خاصة للالتزام بايداع عائدات النفط في صندوق تنمية العراق الذي تتولى المنظمة الدولية تدقيق حساباته. شركة وشه السيد نوشيروان مصطفى زعيم حركة كوران (التغيير).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/أيلول/2010 - 8/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م