في البداية وقبل الخوض في صلب الموضوع لابد من التطرق لأمور مهمة
يجب أن تكون حاضرة في الفكر العراقي وخاصة السياسيين والمثقفين الذين
طالما خاضوا ولا زالوا في الأمور العسكرية والأمنية دون الرجوع لذوي
الحرفة والاختصاص وبدون شك فأن ضعف الأعلام العسكري والأمني هو أحد
الأسباب المهمة في تفشي الجهل في هذا الجانب المهم.
وأهم هذه الأمور هو عدم وجود ربط بين مسألة تكامل جاهزية القوات (وأعني
بها القوات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية وكل المؤسسات الأمنية
الأخرى) وبين مسألة تمكن القوات من السيطرة على المجموعات الإرهابية
المسلحة التي تقودها عصابة القاعدة أي بمعنى آخر أن المجموعات المسلحة
الإرهابية بكافة تشكيلاتها وأهمها القاعدة تعتبر بحكم الميتة وقد خسرت
الساحة العراقية وكتبت شهادة وفاتها بقيام صحوة أبناء الرمادي بقيادة
الشهيد أبو ريشة وهي في حالة احتضار وكل ما يحدث من عمليات دموية هي
رفسات موت علينا أن نتوقعها بين الحين والاخر وقد تكون هناك رفسات
مكلفة على الشعب العراقي.
لكن علينا أن ندرك ولا ننسى أن الحرية ثمنها باهض وأن الدول
المحيطة بالعراق بل كل دول المنطقة تعمل حكومات وشعوب وبكل ماتملك من
قدرات من أجل إفشال التجربة العراقية ناهيك عن قوى سياسية كثيرة داخل
العملية السياسية تسعى لنفس الهدف وبكل تأكيد فأن ركاكة الأداء السياسي
لكل القوى وبدون استثناء هو عامل يضاف للعوامل السابقة ويجعل رفسات
الموت هذه عديدة ومكلفة يدفع ثمنها الشعب العراقي وقواته على حد سواء
لذا علينا عندما نتكلم بواقعية مهنية عن جاهزية القوات أن لا نصاب
بالإحباط ونربط المدة المطلوبة لجاهزية هذه القوات بمسألة أستناب الأمن
والاستقرار والقضاء على العصابات المسلحة لأن الأمران مختلفان ولايجوز
الربط بين الاثنين.
الإدارة الأمريكية والقاعدة الإرهابية على حد سواء أدركت أنها أخطأت
حينما اختارت الساحة العراقية كموقع لحسم الصراع بينهما فقد أيقن
الأمريكان أن اختيارهم ليس في محله لعدم تجذر الثقافة الإرهابية في
الفكر العراقي مما يتيح حاضنة وبؤرة واسعة لتجمع متخلفي القاعدة وغيرهم
من الإرهابيين كما أن الشعب العراقي أصر وكافح ودفع دماء طاهرة من أجل
إفشال المشروع الطائفي الذي كانت تبني عليه القاعدة أملها في التجذر
والتواجد في الواقع العراقي لذا كانت هذه العصابة مجبرة على اختيار
ساحات أخرى، وبالفعل جربت الساحة الأردنية واللبنانية والسورية وعادت
لقواعدها الرئيسية في السعودية وأفغانستان وبلاد المغرب العربي.
كما ان أمريكا ساعدت أن يتسع وجود الإرهابيين بقوة على الساحة
اليمنية والصومالية والباكستانية ليكون الحسم في القضاء على التخلف
والإرهاب الذي يهدد الأمن والسلام العالمي.
سبع سنوات تعتبر مدة غير كافية لإعداد جيش قادر على حماية بلد بحجم
العراق في الظروف العادية بل المثالية فكيف يكون الحال والجميع يدرك
الظروف التي تحيط بالعراق بدءا من التغير من دكتاتورية قاسية الى
ديمقراطية منفلتة وحجم المؤامرة التي تريد إفشال الوضع العراقي مرورا
بالمصالح والتدخلات الإقليمية والدولية ناهيك عن العبث الذي أحدثته
القوى السياسية بالمؤسسة العسكرية من خلال إغداقها بالرتب والمناصب على
أناس ليس لهم صلة بالعلم والمعرفة العسكرية.
ومن الأخطاء الفادحة والخطرة التي ترسخت في الفكر العراقي هي فكرة
سهولة تأسيس جيش في بلد مثل العراق يملك شعب متعسكر (على اعتبار أن
أجيال عديدة قضت أحلى سنين عمرها في الخدمة العسكرية وفي حروب دموية
علاوة على أن العراق كان يملك جيشا مليوني قبل سقوط النظام السابق)
وهذا أمر خاطئ ولا يقبل النقاش لأن تأهيل جيش منهك ومدمر يحتاج الى
فترة زمنية وأمور فنية واقتصادية أكبر وأكثر من تأسيس جيش جديد يواكب
التطور الهائل في العلوم والتكنولوجيا العسكرية الحديثة.
نعود لموضوعة جاهزية القوات وهنا يجب أن نذكر في مسألة الفصل بين
الجاهزية والقدرة الحالية على حفط الأمن. فأما الجاهزية (أي بمعنى أن
تكون القوات مكتملة التجهيز والتدريب وقادرة على حماية الحدود العراقية
البرية والبحرية والجوية وحماية الوطن والمواطن من أي تهديد خارجي
إقليمي أو دولي) فتتطلب منا أن نكون أقرب للواقع وأن لانجعل أي تأثير
للعواطف والمشاعر وأن لا نكون تحت أي ضغط أعلامي أو سياسي فأمر
الجاهزية يرتبط بعوامل عديدة منها العامل الاقتصادي وعامل الزمن في
مسألة عقود التسليح فهناك عقود أبرمت قبل عامين وسيكون التجهيز بأول
قطعة بعد ثلاث سنوات وعلينا أن لا ننسى أن هناك صنوف لم تؤسس لهذا
الوقت وعوامل عديدة أخرى تجعلنا نؤكد أن الجاهزية تحتاج لسنين عديدة
لاتقل بأي حال من الأحوال عن عشرة سنين وخلال هذه الفترة لابد من وجود
دعم لوجستي على مستوى عال وهذا الأمر متوفر من خلال التواجد الأمريكي.
أما بالنسبة لقدرة القوات العراقية على فرض الأمن والاستقرار في
كافة المدن العراقية وخاصة بعد الفراغ الذي سينتج نتيجة أنهاء القوات
الأمريكية لمهامها القتالية فهناك عدة أمور مهمة تعطينا انطباع أن هذه
القوات قادرة تماما على هذا وبعيدا عن التضليل الإعلامي والمزايدات
السياسية فساعة تجوال واحدة في قلب العراق بغداد أو في أي منطقة من
التي كانت تعد ساخنة يستطيع الإنسان أن يتأكد أن هذه القوات
وبإمكانياتها وقدراتها الحالية قادرة على العبور بالعراق وشعبه لضفاف
الأمان وعامل الاطمئنان في الوضع الأمني وما تحقق هو الإنسان العراقي
الذي أدرك بقدرة وتطور هذه القوات وبالتالي تفاعل بصورة ايجابية أنعكس
هذا بدوره على القوات التي أرتقت بأدائها.
وهناك مشكلة أو محنة لأن كل سياسيي العراق يقعون تحت ضغط الأعلام
المعادي الذي نجح باهرا بالتأثير على الشارع العراقي وهذا أمر طبيعي
جدا لكن المصيبة أن يكون سياسيو العراق مستسلمين للاعلام المعادي
وبالتالي تكون تصريحاتهم وخاصة في الشأن العسكري والأمني تلامس المشاعر
أكثر مما تقترب من الواقع في مسألة الجاهزية وهذه كارثة تنعكس سلبيا
على الوضع العام وتسبب إشكاليات يدفع ثمنها الشعب العراقي وقواته
المسلحة على حد سواء.
علينا أن نتذكر دائما أن العلاقة بين التقدم الأمني والعمليات
الإرهابية علاقة طردية أي بمعنى أننا كلما حققنا خطوة أمنية علينا أن
ندرك أن هناك أعمال وحشية قذرة ستكون على أرضنا الطاهرة لكن العراق
وشعبه وقواته لهم بالمرصاد.
Alkhodary_4@hotmail.com |