طريق طلب العلم وتجاوز المعوقات

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتطلب طريق العلم إرادة فاعلة وقوية تخطط للاهداف التي تبتغي الوصول إليها ثم تسعى فعليا لتحقيقها، وهذا الامر يتطلب السير المتواصل في طريق العلم الطويل، وهو طريق محفوف بالكثير من المعوقات والاشكالات التي تحاول أن تمنع الانسان من الوصول الى غايته وتناوئ إرادته وتضعفها لكي يحيد عن هذا الطريق المشوب بكثير من الصعوبات الجدية.

ولكن تبقى الارادات القوية صاحبة السبق في هذا المجال، فقد قيل فيما مضى (من طلب العلا سهر الليالي) ومن أراد العلم عليه أن يتعب ويصرّ على الوصول الى اهدافه وغاياته برغم الصعوبات الجمة التي ستواجهه حتما وهو يسعى الى تحصيل العلم، ولذا نجد أن بعض طلاب العلم يمكنه قطع المشوار الصعب والطويل والشاق وصولا الى تحقيق الهدف المطلوب وثمة من لا يتمكن من مواصلة الطريق نتيجة لتردد في التصميم والارادة التي تشكل عاملا حاسما في هذا المجال.

وقد ناقش سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (العلم النافع) هذا الموضوع الهام وقال في هذا الصدد:

(نلاحظ في الواقع الخارجي أنّ نسبة كبيرة ممّن بدأوا طريق العلم والدراسة بإصرار وصدق وإيمان لم يستمروا حتى النهاية، بينما النسبة الأقلّ هم الذين استطاعوا التغلّب على المشاكل الكثيرة التي تحفُّ طريق طلب العلم).

ولكن مع تطور الحياة وتعدد منافذها وتوجهاتها لابد أن تتعدد المشكلات التي تواجه طلاب وتتضاعف بسبب تعقيد الحياة بصورة مستمرة ومتزايدة، وكما ذكر سماحة المرجع الشيرازي في كتابه قائلا في هذا المجال:

(إذا كانت المشاكل والعقبات في طريق طلب العلم كثيرة فيما مضى، فإنّها اليوم أكثر).

ولكن ما هي طبيعة المشكلات والمصاعب التي يمكن أن يواجهها طلاب العلم في العصر الراهن وما هي الاختلافات بين صعوبات ومشكلات الأمس عن اليوم؟ ويجيبنا سماحة المرجع الشيرازي قائلا في كتابه نفسه:

إن أكبر مشكلة في السابق كانت تتلخّص بعدم وجود الكتاب، وكون الكتب مخطوطة، فكان طالب العلم الذي يريد أن يقتني كتاباً كالشرائع ـ مثلاً ـ أمام أحد خيارات:

• إمّا أن يستعير نسخة خطّية أو مستنسخة ثم يقوم بنسخها من أوّل الكتاب إلى آخره.

• أو أن يدفع ثمناً باهضاً لشراء نسخة من الكتاب. وهذا لم يكن ميسوراً لأكثر الطلاّب، فلا نبالغ إذا قلنا: إنّ تسعين بالمئة منهم لم يكونوا قادرين على توفير هذا الثمن.

• أو أن يجد مَن يتبرّع له بثمن الكتاب. وهذا أصعب الخيارات وأندرها تحقّقاً.

أمّا اليوم فبإمكان غالب طلاّب العلوم الدينية شراء نسخة من الكتاب الذي يريدون دراسته. إذاً يمكن القول: إنّ مشكلة صعوبة الحصول على الكتاب لم تعد اليوم موجودة).

ولعل هذه المشكلة التي كانت تواجه طلاب الامس قد تضاءلت كثيرا، وبهذا فإن جانبا مهما من جانب المعرقلات التي يمكن أن تواجه طلبة العلم قد حُلَّت، بمعنى أن الكتب والمراجع أصبحت متوافرة بين أيدي الطلاب بصورة جيدة وبما لا يشكل إعاقة تُذكر أمام سعيهم لتحصيل العلم والسعي في هذا الطريق، ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي أن كثيرا من مشاكل طلاب الماضي لم تعد تواجه طلاب الحاضر إذ ذكر سماحته في هذا المجال قائلا:

(من المشاكل التي كانت موجودة في السابق، وقد قلّت اليوم إلى درجة كبيرة، الحصول على مدرّس، فقد زالت هذه الصعوبة اليوم إلى حدٍّ كبير وخاصّة في الحواضر العلمية التي نعيش فيها).

وهنا لابد من القول أن أهم دعامتين لتحصيل العلم قد توافرات لطلابه وهما (الكتاب والمدرس) وهذا أمر لم يكن متوافرا لطلاب الماضي على هذا النحو واليسر الواضح، ولكن في مقابل هذا الامر ثمة صعوبات ظهرت في عالم اليوم واصبحت تتزايد وتواجه طلاب العلم كما يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(هناك مشاكل استجدّت ولم تكن في السابق، ومنها كثرة العطل، فلم تكن بهذه الكثرة، ولم تتجاوز - على ما أتذكّر - غير الخميس والجمعة، والحالات الأربع من كل عام وهي شهر رمضان كلّه، وثلاثة عشر يوماً الأولى من شهر محرّم، ووفيّات ومواليد المعصومين عليهم الصلاة والسلام، والأعياد الثلاثة: الغدير والفطر والأضحى، ولم تكن عندنا عطلة صيفية ولا عطلة أخرى غيرها. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ بعض وفيّات ومواليد المعصومين كانت تقع في أيّام الخميس أو الجمع ما عدا تلك التي تقع في أيّام شهر رمضان. إذاً، فإنّ مجموع الأيام التي كنّا نعطّل فيها الدرس لم تزد على الشهرين في السنة، ومع كلّ ذلك لم نصل إلى شيء، مع أنّنا كنا نستغلّ حتى أيّام العطل في تلقّي دروسٍ خارج المنهج الحوزوي المقرّر كدروس الأخلاق والتفسير والعقائد والرياضيات والخطابة والكتابة، ولم تكن حتى ليالي الجمع وأيّامها مستثناة من ذلك).

ومع الحجم الكبير للجهد المبذول من قبل طلاب الامس لتحصيل العلم بصورة جيدة، ومنها محاولة تقليل أيام العطل الى ادنى حد بالاضافة الى الدراسة في ايام العطل، إلا أن المطاولة لم تكن واحدة في قطع طريق العلم الشاق والطويل في آن، وهنا يشير سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه الى هذه النقطة فيقول:

(لقد عبّأنا كلّ طاقاتنا ولم يصل أغلبنا إلى الغاية المرجوّة، فكيف بالوضع اليوم، وقد نقل لي أحد المدرّسين أنّه أحصى كلّ الأيام التي درّس فيها خلال إحدى السنوات الأخيرة فوجدها لا تزيد على التسعين!).

ولكن يتساءل سماحة المرجع الشيرازي أن طالب العلم اذا أخفق في تحقيق حلمه وهدفه هل هذا يشكل نهاية المطاف؟ وهل ينتهي الامر بالطالب الى الرضوخ للفشل واليأس وما الى ذلك من نتائج غير جيدة؟ هنا يجيبنا سماحته قائلا: (إذا كانت المشاكل في طريق طالب العلم كثيرة، وكان طالب العلم لا يريد صرف عمره هكذا عبثاً ثم يكتشف بعد مرور ثلاثين سنة أو ربّما خمسين سنة أنّه لم يصل إلى شيء ولم يحصل على نتيجة، فما هو الحلّ العملي للتغلّب على هذه الصعاب؟ إن الحلّ الجذريّ يتمثّل بالآية الكريمة: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

والمقصود بذكر الله تعالى في الآية - كما قال المفسّرون - الذكر اللساني والقلبي معاً. والمقصود بالذكر القلبي هو التوجّه إلى الله تعالى، فإنّ الممارسات العبادية التي نؤدّيها لله تعالى ينبغي أن لا تكون طقوساً جامدة، لا روح فيها، بل علينا أن نتفاعل معها، ونشعر من خلالها أنّنا نقف بين يدي الله تعالى ونؤدّي حقّ العبوديّة على أتمّ وجه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/أيلول/2010 - 6/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م