متى سيعيش أطفالنا سعادة القرآن؟!، متى سيحظى صغارنا بروعة
الاستئناس بعذب ظلاله الوارفة الفواحة؟! لماذا لا نجسر العلاقة بين
أولادنا وبين القرآن الكريم؟!، أما يكفينا قسوة أن هجرنا كلام الله
وأهملناه وباعدناه عن قلوبنا وصدورنا، حتى باللفظ فضلاً عن المعنى
والتطبيق والعمل..
في مسابقة قرآنية رائعة بثتها قناة الجزيرة للأطفال روجت فيها
للاهتمام بالقرآن حفظاً وتلاوة، ذكرتني بما يعانيه مجتمعنا - الغارق في
الملذات - من نقص وقصور في التوجيه القرآني، ونحن نعايش حالة دعاوى حرق
المصاحف.. نغتنم هذه الفرصة الذهبية السانحة لشحذ العواطف لنخاطب
العقول والقلوب والآذان الواعية، حتى متى سنهتم بأطفالنا وندفع بهم
تجاه القرآن الكريم؟! كثير من الأطفال يحفظون الأغاني وأسماء أبطال
الكرتون وأبطال كرة القدم وغيرها، كثيرة هي التوافه التي تمتلئ بها
خزائن عقولهم، وكثيرا ما نردد: " الحفظ في الصغر كالنقش على الحجر،
والحفظ في الكبر كالنقش على الماء " فمتى سنعي خطورة هذه المرحلة التي
يهتم بها الغرب ويلونها الرعاية الفائقة، ونحن نهمل هذه الغراس لتعيش
حالة سلبية من الإهمال والهروب المغلف والمبرر، تحت عناوين كثيرة،
مجتمعنا أتقن مهارة التبرير، وإلقاء اللوم على كل شيء ما خلى الذات،
إننا نهمل فلذات أكبادنا بين شاشة عنكبوتية فاسدة، وأخرى تلفازية محطمة،
وثالثة إلكترونية مروجه للعنف وإضاعة الوقت دون فائدة بين برامج واهية
لا طائل منها في أحسن التقادير ، سنعلن اعتراضنا بطرح البديل هذه
المرّة.
لماذا لا يحفظ الصغار كتاب الله، أوليس هذه مهمة أولياء الأمور،
يتمنى الكثير من الآباء أن يمتلكون أبناً نابغة في حفظ القرآن وتجويده،
ولكن ما نيل المطالب بالتمني، لماذا لا تأسس المؤسسات لتدشين مشاريع
القرآن للأطفال، نسمع كثيراً عن بعض البرامج المختصة في هذا الجانب،
إلا أن نهايتها شكسبيرية في آخر المطاف لما يعوزها من نواقص، الطفل
اليوم واحة عبقة يتسم بالقابلية الفائقة للحفظ، كثير من الأولاد نجدهم
يتقنون مهارة الحفظ بامتياز، حتى ذو الثلاث سنوات كما يشير المختصون،
علماً أن الزمن الذهبي للحفظ ما بين (3-15سنة)، ويرغب بالذات في وقت
الصباح الباكر، لاسيما في حالة جيدة بين الجوع والشبع، إنها عملية ليست
بالعسيرة على الأطفال، فكثيرا من الأطفال " العاديين " يحفظون القرآن
في زمن مبكرة، يراعى فيه مسألة التشجيع والمكافأة، فلماذا لا تعقد
حلقات الذكر وتحفيظ القرآن في المساجد ومؤسسات الخير، تحت إشراف أساتذة
مختصين، أم أن الدنيا شغلتنا عن أطفالنا وكتاب ربنا المجيد، ثم ندعي
حرقة حينما يمس الكتاب العزيز بسوء؟!
لتكون ردود أفعالنا إيجابية ونهضوية لا اجترار التأوهات وصرخات
الألم المتثاقلة نحو الأرض، فلنبدأ بالحراك الفعّال والنهضوي بالحفظ
والتحفيظ لكتاب الله الكريم، فإن سولت للبعض حرق المصحاف؛ فإننا سنضاعف
النسخ ليس على ورق صامت أصم، بل في صدور الكبار وخاصة الصغار، وبهذه
الطريقة الذكية؛ سنلقن المغرضين شوكة حادة ومؤلمة في العيون، لنعالج
الهجمات العدائية بطرق إبداعية، تحملنا مسؤولية حقيقية، وتدفعنا نحو
التقدم والرقي في التعامل مع كتاب الله العظيم.
أطفالنا أمانة أودعهم الله إيانا، فلننظر ماذا سنجيب البارئ حيال
ذلك؟!، الطفل موهبة فريدة يحدثنا الإمام عنها بقوله: "هؤلاء صغار قوم
يوشك أن يكونوا كبار قوم آخرين"، كثيراً ما يشتكي الآباء من عقوق
أبنائهم، وذلك لعقوق الآباء لأبنائهم وقت الصغر، فأين التأديب الذي
يقول لنا فيه أمير المؤمنين (ع)، مخاطباً ابنه الحسن: "بادرتك بالأدب
قبل أن يشتغل لبك ويقسوا قلبك" أما نحن فتركنا التأديب والتعليم في
الوقت المناسب، لنمارسه في حالة يائسة بعد فوات الأوان عندما اشتغل
اللب وقسى القلب في الكبر!!
ها هو نبينا الكريم محمد (ص)، يبح فينا صارحاً بوصاياه: " أدبوا
أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن فإن حملة
القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه" ، لم
تكف الأحاديث النبوية من الحث على ترغيب الوالدين لتحفيظ أبنائهم لكتاب
الله والعمل به، ففي الحديث الشريف: " من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به
ألبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين
لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان بما كسينا هذا ؟ فيقال: بأخذ ولدكما
القرآن."
هذه وقفة صغيرة لنا فيها الكثير من الاتعاظ إن كان في القلب ما
يدفعنا للغيرة على هذا الكتاب المجيد. |