تلوث البيئة ومخاطر تقويض الحياة

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: وجدت البيئة وما تحويه لحماية الإنسان وتوفير فوائد كثيرة لحياته، ومن دونها فهو سيعاني من مشاكل لا يستطيع ان يجد لها حلا لأنها موزونة وإذا اختل أي طرف من أطرافها فليس من السهل ان إعادة الأمور الى طبيعتها، ولكن رغم هذا فأن البيئة وفي السنوات الأخيرة تتعرض الى تلوث كبير، فليس فقط حرق الغابات الذي فيه مخاطر عديدة تبدأ من فقدان الأشجار التي تقوم بموازنة الجو عن طريق سحب غاز ثنائي اوكسيد الكربون وإنتاج الغاز الذي يستنشقه الإنسان وبدونه يهلك وهو الأوكسجين، بالإضافة الى الدخان الذي يصاحب نتيجة الاحتراق وتأثيره الكبير على تسمم رئة الإنسان والإصابة بالربو، هو من هذه أسباب تلوث البيئة، ولكن وقود السيارات ومخلفات المصانع والمبيدات الحشرية، كلها تثير تخوف المهتمين بالبيئة وجمعيات الحفاظ عليها، والتي جعلتهم يعملون بجهد عن طريق إجراء دراسات وبحوث لإيجاد حلول لمشاكل اليوم قبل ان تتفاقم غدا.

خليط أسمنتي

فمن ضمن تلك البحوث، طور فريق علمي متخصص في الأحياء خليطاً أسمنتياً جديداً يصلح لبناء الأبنية والمنازل والأرصفة في المدن، ولكنه في الوقت نفسه يحتوي على مواد قادرة على امتصاص الغازات الملوثة من شوارع المناطق المكتظة، وذلك في اختراع قد يكون له تأثير إيجابي كبير على خفض نسب التلوث بالمناطق المأهولة.

وقال البروفسور جو براورز، المشرف على الفريق في جامعة أيندهوفن الهولندية، إن المزيج الجديد يحتوي على مادة "تيتانيوم دايوكسايد" التي تعتبر مادة قادرة على تفتيت "أكسيد النيتروجين" الذي تخلفه عوادم السيارات، باستخدام أشعة الشمس، وتحويله إلى نيرات غير ضارة يمكن للأمطار أن تزيلها. ويعتبر "أكسيد النيتروجين" من أبرز المواد الملوثة في المناطق المكتظة والمدن الكبرى، لأنه يسبب الأمطار الحمضية وانعدام الرؤية، كما يؤثر على صحة البشر ويساعد على اهتراء المباني السكنية.

وقال براورز "أظهرت اختباراتنا أن هذا الأسمنت قادر على خفض نسب أكسيد النيتروجين من الأجواء بما يتراوح بين 35 و40 في المائة."

ولفت براورز إلى أن مادة "تيتانيوم دايوكسايد" معروفة منذ زمن، وهي تستخدم في أنواع من الطلاء لأنها قادرة على تفتيت الأوساخ ومنع تعلقها بالجدران، واعتبر أن هذه ميزة إضافية للمادة كونها ستساعد على إبقاء الجدران الخارجية للأبنية التي تستخدم هذا الأسمنت نظيفة.

وبحسب براورز فإن الاختبارات العملية بدأت على هذا الأسمنت في بلدة "هينغلو" الهولندية، إذ جرى رصف ألف قدم في شارع بالبلدة باستخدام هذا الأسمنت، وظهرت نتائجه الفعالة على الهواء في المنطقة.

واعتبر الباحث الهولندي أن ميزات هذا الأسمنت تكمن في بساطة التقنيات المستخدمة لإنتاجه وعدم حاجته للصيانة، وصلاحيته للاستخدام لوقت طويل. بحسب وكالة السي ان ان .

تجريد الغابات

وفيما توصل عالم الزراعة والاقتصاد الألماني يوهان هاينريش مطلع القرن التاسع عشر إلى قاعدة مفادها أن جدوى زراعة منتج بعينه رهن بمدى بعد المنطقة التي يزرع فيها عن العمران وأنه كلما بعدت المساحات الزراعية كلما كانت زراعة المحاصيل الرخيصة بها أقل ربحا وأن أفضل شيء يمكن أن يزرع في المساحات الزراعية البعيدة عن العمران هو المنتجات الزراعية غالية الثمن وذلك بسبب ارتفاع تكاليف نقل هذه المنتجات إلى المستهلك.

حيث أكد فريق من الباحثين الدوليين هذه النظرية في دراسة حديثة نشرت في مجلة بروسيدنجز التابعة للأكاديمية الأمريكية للعلوم. قام الباحثون بدراسة انتفاع سكان العاصمة التنزانية دار السلام بأشجار الغابات المحيطة بمدينتهم فوجدوا أن الأشجار ذات الخشب الأجود و الأفضل ثمنا تقع أبعد من المدينة عن الأشجار ذات القيمة المتوسطة والأشجار ذات القيمة المنخفضة.

وأوضح الباحثون أن هذه الحقيقة تنطوي على تداعيات خطيرة جدا للإنسان والبيئة لأنها تعني فقدان ممتلكات عامة ذات أهمية كبيرة للإنسان والطبيعة. قامت الأستاذة أنتي آريندس وزملاؤها في جامعة يورك البريطانية بدراسة استغلال سكان مدينة دار السلام لأشجار الغابة المحيطة بالمدينة في الفترة بين عامي 1991 و 2005 فوجدوا أن الأشجار رخيصة الثمن تستخدم من قبل سكان المدينة في إنتاج الفحم وأنهم قطعوا الأشجار لهذا الغرض عام 1991 في محيط لا يتجاوز 50 كيلومترا مع تفضيلهم الأشجار الواقعة على بعد 20 كيلومترا.

كما سجل الباحثون وجود حلقة أخرى من الأشجار في محيط 20 إلى 100 كيلومتر حول المدينة وهي الحلقة التي تحتوي فيها الغابة على أشجار متوسطة الجودة تصلح للتصدير ولكنها تصلح أيضا لبناء المنازل في المدينة. أما الدائرة الثالثة فامتدت لأبعد من ذلك عن المدينة حيث تزداد تكلفة قطع الأشجار في هذه المنطقة.

وأكد الباحثون أن هذا التسلسل في نسبة الانتفاع من الأشجار الواقعة حول المدينة ظل حتى عام 2005 ولكن حدود هذه الدوائر امتدت بشكل هائل باتجاه خارج المدينة. ورصد الباحثون وجود «فحامين»، أي محترفي صناعة الفحم، على بعد 170 كيلومترا من المدينة وذلك بعد أن جردت الغابات القريبة من أشجارها بالفعل وهو ما ينعكس على أسعار الفحم الذي ارتفع في الفترة من عام 1997 إلى عام 2007 من 18ر0 دولار إلى 27ر0 دولار لكل كيلوجرام. وعلى ذلك تغيرت حدود المناطق التي يقطع بها الخشب المتوسط الجودة والخشب عالي الجودة حيث أصبحت تمتد على بعد 50 إلى 170 كيلومترا في حالة الخشب متوسط الجودة و 200 متر في حالة الخشب عالي الجودة. ومن ناحية المبدأ تراجعت كثافة الأشجار وانخفض تنوعها بل واختفت بعض أنواعها تماما في المناطق الأكثر بعدا عن المدينة. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وتوقع الباحثون ألا تتوفر أشجار ثمينة نهاية عام 2010 في محيط 220 من مدينة دار السلام وأشاروا إلى أن التقطيع الجائر لأشجار الغابات يخفض من قدرة الغابات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي مما يعزز ظاهرة التغير المناخي.

وأوصى الباحثون بأخذ هذه الحقائق في الاعتبار فيما يتعلق بالجهود التي يبذلها المعنيون في العالم لكبح التغير المناخي من خلال تحسين نظام استغلال مساحات الغابات. وذكر الباحثون أن خضوع مناطق الغابات التي شملتها الدراسة للحماية من قبل الهيئات المعنية أو عدمه لم يكن له تأثير على الدراسة وذلك لأن حاجة سكان المدينة للأخشاب أكبر من أن تجعل السكان يستجيبون لهذه الحماية.

حرق الأخشاب

وفي أوروبا فأنها تبدو عازمة على المضي في حرق غابات العالم لإنتاج ما يسمى بالطاقة الحيوية النظيفة فيما تتباهى بإنفاق الملايين على حماية الأشجار. ففي الواقع، يكمن سر ثورة أوروبا "الخضراء" في مجال توليد الطاقة، في حقيقة أنها تخصص 68.5 في المئة من إستثماراتها على المصادر المتجددة، لأنشطة لحرق الأخشاب الواردة من غابات العالم.

وكمثال، شرح الموث ابرنيستيغ، من منظمة Biofuelwatch غير الحكومية البريطانية المعنية بقضايا الطاقة الحيوية، أن "محطات توليد الطاقة في المملكة المتحدة وحدها ستحتاج إلى ما لا يقل عن 27 مليون طن من الكتلة الحيوية الخشبية، سنويا".

وكانت وكالة انتر بريس سيرفس قد نشرت في الخريف الماضي تقريرا مفاده أن تغذية عشرات من محطات توليد الطاقة المخطط لها في بريطانيا سوف تتطلب حرق أكثر من مليون هكتار من الغابات سنويا، وأن دولة كهولندا تحرق نفس هذه الكمية -مليون هكتار سنويا- حاليا بالفعل.

وفي حالة ألمانيا، ترتفع كمية أخشاب الغابات التي تحرقها لتوليد الطاقة لتصل إلى16.5 مليون طنا من الأخشاب المستوردة في معظمها، علما بأن الحكومة الألمانية تخطط لمضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2020 وفقا لتقرير"الطاقة الحيوية المبنية على الأخشاب: الكذبة الخضراء". فصرح ابرنيستيغ، المشارك في إعداد التقرير، أن الأمر يتعلق بوضع “مرعب حقا". وعلقت آن بيترمان، المديرة التنفيذية لمشروع العدالة البيئية العالمية، وهي المنظمة غير الحكومية البيئية الدولية العاملة من الولايات المتحدة، أن هناك مشكلة كبيرة موجودة بالفعل، ألا أن الغابات تزول حتى بدون حرق أشجارها لإنتاج الطاقة الحيوية.

ويمثل زوال الغابات منذ فترة طويلة ظاهرة خطيرة مستعصية الحل، تتبلور في القضاء على مساحة تتراوح ما بين 13 مليون هكتار و16 مليون هكتار، سنويا، ما تتسبب في 20 في المئة من إنبعاثات الاحتباس الحراري التي تخل باستقرار المناخ، ضمن أضرار أخرى. وأضافت بيترمان أن زوال الغابات يأتي بآثار وخيمة سواء على الغابات ذاتها أو على سكانها، في جميع أنحاء العالم.

هذا ويرتكز محور إستراتيجية أوروبا لمكافحة التغيير المناخي على إنتاج 20 في المئة من إحتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020. لكن هذا الهدف سرعان ما أصبح "فكرة جيدة، لكن خاطئة التنفيذ" وفقا لبيترمان التي زارت بروكسل لتشرح لنواب البرلمان الأوروبي أن هذا السياسات الأوروبية تقتل الغابات وتضر بشعوب الأرض الأصلية والأهالي المحليين.

لكنه تبين أن كثيرين من أعضاء البرلمان الأوروبي غير مهتمين بمعرفة هذا الواقع أو أن انبعاثات جسيمات الحطب تعتبر أسوأ من الفحم وتعرض الصحة العامة للخطر.

فقد حذر العلماء في الولايات المتحدة من المخاطر الصحية الناتجة عن حرق الكتلة الحيوية نظرا لأنه يبعث جسيمات دقيقة أكثر من الفحم. وشرحت بيترمان أن هذه الجسيمات غير مرئية ويمكن أن تتلف الرئتين وتزيد من أضرار مرض الربو.

وأفادت بيترمان أيضا أن المشرّعين الأوروبيين لا يريدون حقا معرفة الحقيقة عن "الكذبة الكبيرة" القائلة بأن عملية حرق لأخشاب لتوليد الطاقة إنما تخلو من الكربون.

ويقول الافتراض الذي تنبني عليه فكرة التحول من حرق الفحم إلي حرق الخشب أن حرق الأشجار يتسبب في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكنه يمكن زرع الأشجار لإمتصاص هذه الانبعاثات، عملا بنظرية "إحرق مليون هكتار في السنة، ازرع مليون هكتار في السنة، وبهذا تحصل على طاقة خضراء خالية من الكربون".

وبطبيعة الحال، لا تنمو الأشجار بنفس سرعة حرقها، وإنما تحتاج إلى 20 سنة، وربما 15 سنة بالنسبة لبعض أنواع الأشجار سريعة النمو والمعدلة جينيا، وذلك قبل أن تبدأ في امتصاص الكربون، وذلك بافتراض أنه سيتم توفير المياه اللازمة لري الأشجار وأنها لن تصاب بأمراض أو آفات ولن تقطع أو تحرق. ثم أضف إلى كل ما سبق كل الطاقة المستهلكة في قطع الأشجار وتحضيرها وشحنها لآلاف من الكيلومترات من أفريقيا وأمريكا الجنوبية وكندا.

الجنة الضائعة

وفي إطار معرض في متحف التاريخ الطبيعي في واشنطن رسم نحو أربعين رساما نباتيا من مختلف أنحاء العالم أجناس الأزهار الأكثر عرضة للانقراض كالسحلبيات وأزهار الجنطيانا والزنبق.

وتصف أربع وأربعون لوحة بالقياس الطبيعي بأسلوب فني متقن يليق بكتب الإعشاب المصورة نباتات مهددة بالانقراض تنمو في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية واستراليا وأوروبا وجنوب إفريقيا.

وكانت الجمعية الأميركية للرسامين النباتيين دعت فنانين من استراليا والبرازيل واسرائيل وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الى رسم نباتات معرضة للانقراض من اختيارهم، شرط ان تكون مدرجة على لائحة رسمية للأجناس المحمية.

وقالت كارول وودين من جمعية الرسامين النباتيين ان "بعض اهم الفنانين في العالم (في هذا المجال) شاركوا في المعرض. اردنا إقامة روابط بين العلماء والفنانين للحفاظ على جمال هذه النباتات المعرضة للزوال". المعرض الذي يحمل عنوان "الجنة الضائعة" ولا يهدف المعرض الى وضع جردة شاملة بأجناس الأزهار المعرضة للزوال، بل الى "الحفاظ على جمال هذه النباتات التي من المحتمل جدا ان تزول"، كما تقول وودين. بحسب وكالة فرانس برس.

المبيدات الحشرية ومشكلات التركيز

بينما قال باحثون أمريكيون ان الأطفال الذين تعرضت أمهاتهم لأنواع معينة من المبيدات الحشرية أثناء فترة الحمل يزيد احتمال معاناتهم من مشكلات في التركيز عندما يكبرون.

وتضيف الدراسة التي نشرت في دورية اينفايرونمنتال هيلث بيرسبيكتفز (منظورات الصحة البيئية) Environmental Health Perspectives  إلى الأدلة التي تشير الى أن المبيدات الحشرية التي يدخل في تركيبها الفوسفات العضوي يمكن أن تؤثر على مخ الإنسان.

وفحص الباحثون في جامعة كاليفورنيا بيركلي سيدات حوامل بحثا عن أدلة على امتصاص أجسادهن لمبيدات الفوسفات العضوي ثم تتبعوا نمو أولادهن. ووجد الباحثون أن النساء اللاتي عثر على مستوى أكبر من الآثار الكيميائية للمبيدات في بولهن أثناء الحمل أنجبن أطفالا يزيد احتمال أن تظهر لديهم أعراض اضطراب فرط النشاط ونقص التركيز في سن الخامسة. وكتبت امي ماركس وزملاؤها في الدراسة انه "رغم أن نتائج هذه الدراسة غير حاسمة فان ما توصلنا اليه هو أن التعرض في مرحلة ما قبل الولادة لمبيدات الفوسفات العضوي قد يؤثر على تركيز الصغار." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ولاكتشاف أعراض اضطراب فرط النشاط ونقص التركيز وجه الباحثون أسئلة للامهات كما اخضعوا الابناء لاختبارات قياسية. ويستهدف الفوسفات العضوي الجهاز العصبي للآفات من خلال التأثير في المواد الكيمياوية التي تحمل الاشارات وتسمى الناقلات العصبية ومن بينها مادة أستيلكولين الضرورية لنمو المخ البشري.

وفحص الباحثون نساء أمريكيات من أصل مكسيكي يعشن في وادي ساليناس في كاليفورنيا وهي منطقة تتركز فيها الزراعة. وكان فريق آخر وجد في مايو ايار أن الأطفال الذين ترتفع مستويات الفوسفات العضوي في بولهم تزيد لديهم بمقدار المثلين تقريبا مخاطر الإصابة باضطراب فرط النشاط ونقص التركيز.

وهناك نحو 40 نوعا من مبيدات الفوسفات العضوي مسجلة في الولايات المتحدة. وربطت دراسات سابقة بين التعرض لهذا النوع من المبيدات ومرض الشلل الرعاش.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/أيلول/2010 - 5/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م