مجلة بيت: خطوة لترميم المشهد الثقافي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: حين تأسس بيت الشعر العراقي بحلته الجديدة وهيأته الادارية التي انتخبها الشعراء المشاركون في حينها - قبل أكثر من عام ونصف- كنا ننظر لهذا الوليد الشعري بعيون اليأس التي اعتادت بزوغ مثل هذه الولادات التي سرعان ما كانت تتحول الى صورة لا تختلف عن غيرها من صور المشهد الثقافي العراقي المتخم بالضجيج والفوضى والتشتت واللهاث وراء المنافع الفردية، ناهيك عن توظيفها المسبق لصالح الأحزاب السياسية التي أثقلت جسد الثقافة العراقية بتشويهات كثيرة من الصعب التخلص منها او العمل بعيدا عن إملاءاتها.

ومع الصعوبات الجمة التي رافقت رحلة البيت بسبب ابتعاده عن الانضواء تحت عباءات السياسيين أو الممولين المغرضين، كانت الاشارات الصادرة منه تنم عن روح شعرية أصيلة تهدف الى خدمة الشعر حصرا، وكانت انشطته التي تُقام على شواطئ دجلة (من دون سقف) تشكل علامة فارقة في تأثيث المشهد بسبب تلقائيتها وصدقها واخلاصها للشعر والادب والثقافة اولا، وبسبب تلاشي الاهداف الفردية لدى القائمين على البيت وهي ميزة لا مناص من توافرها في أية ادارة تهدف الى تأسيس نشاط ثقافي مستقل وفاعل وأصيل ولافت في آن.

وقد أثمرت هذه الأنشطة التي لم تقتصر على حدود العاصمة رغم الامكانيات القليلة للبيت، أثمرت عن اقامة العديد من الفعاليات والانشطة الشعرية المتميزة، وأجمل وأصحّ ما فيها أنها لم تتركز على التجارب الراسخة، بل امتدت لتستدعي تجارب الهامش وتثير مكنونها وتحرك علاماتها وتستفزها كي تأخذ ركنها الاساس في المشهد الشعري والثقافي عموما.

ولعل أهم الاشارات والعلامات الشاخصة التي أطلقها هذا التفعيل الشعري هي إصداره للعدد الاول من المجلة الشعرية المتخصصة التي أطلق عليها تسمية (البيت) كدلالة على المسار الشعري الذي انطلق قبل عام ونصف، ومع القدرات المادية البسيطة للبيت بسبب الابتعاد عن طرق التمويل المغرضة يعدّ هذا الانجاز متفردا من حيث التوقيت (لأن ساحة الطبع والدوريات) تكاد تخلو تماما من المطبوع الذي يهتم بالشعر العراقي حصرا، ناهيك عن الجوهر الذي يحمله هذا المطبوع بين طياته وتركيزه على أهمية إلقاء الضوء على الشعر في (عصر الرواية) الذي يحاول أن يدفع الشعر الى زاوية التهميش.

وهكذا تجيء الخطوة اللاحقة في أوانها حيث تمّ الاحتفال بمجلة (بيت) في بيروت الثقافة والابداع، وهي خطوة لابد أنها تسلط الضوء على النشاط الشعري العراقي الراهن عربيا وعالميا في ظل تشتت وضمور في مفاصل الثقافة العراقية بل وفي الواقع العراقي عموما، فتم الاحتفال بالعدد البكر من مجلة بيت في مسرح بابل لصاحبه المبدع العراقي المعروف (جواد الاسدي) بحضور ومشاركة نخبة مهمة من الادباء العرب من بينهم (الشاعر أدونيس والمفكر الإسلامي هاني فحص والسياسي اللبناني كريم مروّة والسوسيولوجي الدكتور فالح عبد الجبار والشاعر شوقي عبد الأمير والمخرج المسرحي جواد ألأسدي والشاعر خالد المعالي والفنان التشكيلي جبر علوان والناشطة النسوية اللبنانية فهمية شرف الدين والشاعر اللبناني شوقي بزيع والإعلامي بيار أبي صعب وآخرون).

وتشي أهمية هذه الاسماء بأهمية المطبوع العراقي الجديد وبنجاح الوفد الممثل للشعراء العراقيين على توصيل الرسالة التي تهدف من بين ما تهدف إليه الى وضع الشعر العراقي الحديث في المكانة التي تليق به بسبب حالات التشكيك التي أفرزتها الاحداث السياسية العميقة المتفاعلة في الساحة العراقية.

ولو اردنا أن نضع هذا النشاط الابداعي في المكانة التي يستحقها فعلا، فإنه لابد أن يتصدر الأنشطة الثقافية الاخرى التي أقيمت في الخارج، لأسباب عدة لسنا بحاجة الى ذكرها او مقارنتها مع غيرها من الانشطة، كما أننا نشيد بهذه الخطوة (إصدار مجلة بيت) ونعتبرها من اهم الاصدارات في هذا المجال، ونشد على أيدي القائمين على البيت وندعوهم لمواصلة أنشطتهم المتميزة، ومواصلة إصدارهم الذي نتمنى له التفرد والثبات لكي يشكل علامة فارقة في مشهدنا الثقافي بسبب حاجتنا الحقيقية لمثل هذه الدوريات المتخصصة بمؤازرة الشعر بصورة حقيقية ومخلصة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/أيلول/2010 - 4/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م