أمريكا والسودان... جنوبا وشمالا

 

شبكة النبأ: لم يتبق سوى 150 يوما وينفصل جنوب السودان عن شماله، بعدها بستة أشهر، وفي شهر يوليه 2011 تحديدا سيتم الإعلان عن مولد دولة جديدة ذات سيادة، ولها علمها الخاص وجيشها الخاص وعملتها الخاصة وسفارات بالخارج، إضافة إلى اسم جديد يتم التباحث حوله الآن! وستعترف كل دول العالم بما فيها سودان الخرطوم بالدولة الجديدة.

هذه خلاصة ما هو متفق عليه في واشنطن، الرسمية وغير الرسمية، بخصوص مستقبل جنوب السودان، وهذا ما توصل له تقرير واشنطن من خلال بحثه وإطلاعه ومقابلاته مع العديد من الخبراء والمسئولين المعنيين بالشأن السودان.

ورغم أن واشنطن لا تهتم كثيرا بالتاريخ، إلا أن حالات حدوث انفصال دولة لتصبح دولتين على أثر صراعات مسلحة موجودة وحية في ذاكرة الكثيرين هنا، وذكرني عددا من الخبراء (وكأنهم متفقون على تناول هذه النقطة) بتجارب عدة دول منها حالة باكستان والهند، وحالة أثيوبيا واريتريا وحالة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.

التاسع من يناير 2011 موعد تصويت الجنوبيين فقط على خيار واحد من بين أثنين، أما البقاء في السودان موحدا، وأما الانفصال، وهو استفتاء نص عليه اتفاق السلام الشامل الذي وقع عام 2005، ويعرف أيضا باتفاق نيفاشا، الذي أنهى أكثر من عقدين من الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان، وراح ضحيته ما يزيد عن مليوني قتيل وملايين عدة من اللاجئين. بحسب تقرير واشنطن.

وتتعالى الأصوات في واشنطن محذرة من أن حكومة الخرطوم ونظام البشير سيعرقلان إجراء استفتاء انفصال جنوب السودان، أو أن لا تعترف بنتائجه، إلا نهم واثقون من أن نظام البشير سوف يرضخ في النهاية لصوت العقل وتوازنات القوة، ويقبل الدولة الجديدة!

ووسط ظهور دلائل متزايدة على تردى الموقف الأمني داخل جنوب السودان، وعلى عدم الالتزام بتطبيق بنود أساسية من اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين حكومة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان، وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان، في الجنوب، ترى الولايات المتحدة أن عليها دورا يجب أن تلعبه، مع الجماعة الدولية، وعلى عدة جهات، من أجل دعم التعبير بحرية عن إرادة سكان جنوب السودان، والقيام بما تستطيع من أجل منع العودة إلى تجدد المعارك بين قوات الشمال وقوات الجنوب. في الوقت نفسه، يرى الكثير من خبراء الشئون السودانية والأفريقية، أنه لا يوجد على مستوي الدول المؤثرة في المسرح السوداني سوى الولايات المتحدة التي يمكن أن تستخدم نفوذا لدي كلا الفريقين الشمالي والجنوبي، لذا عليها أن تبادر بالقيادة والدفع من أجل أتمام أجراء الاستفتاء في التاسع من يناير كما هو مخطط رغم كل العراقيل الموجودة والعراقيل التي ستظهر قلما اقتربنا من موعد الاستفتاء.

اسم وعلم دولة جديدة

علم دولة جنوب السودان هو علم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو يتكون من ثلاثة ألوان في شكل أفقي متوازي، ويأتي اللون الأسود في الجزء الأعلى رامزا لشعب جنوب السودان، واللون الأحمر في المنتصف ليشير إلى دم ثورة التحرير والحرية، واللون الأخضر في القاع يشير إلى أرض الجنوب الخضراء، إضافة لمثلث أزرق يتوسطه نجمه ذهبية في إشارة لنجمة بيت لحم ذات الدلالة المسيحية التاريخية.

ويبحث بعض من يتوقعون قيام دولة مستقلة في الجنوب السوداني عقب استفتاء يناير القادم عن اسم مناسب للدولة الجديدة. ويرى خبير الهويات الوطنية (National Identities) سيمون أنهولت، أنه سيتم في الأغلب اختيار اسم من بين "جمهورية جنوب السودان" أو "جمهورية السودان الجديد".

إلا أنه يبدو أن هناك معارضة كبيرة لتضمين اسم السودان ضمن اسم الدولة الجيدة، إذ أن السودان مرتبط في الذاكرة السياسية العالمية بصورة مشوهة وغير جيدة، وإذا ما ذكر السودان يذكر الحروب الأهلية الطويلة، ويتذكر مآسي دارفور، ومأساة الفقر والفساد والتطرف والأسلم. ويرى أنهولت أن شمال السودان لن يغير أسم دولته من "السودان" إلى "شمال السودان"، لذا من الأفضل أن يختفي أسم السودان من مسمى دولة الجنوب الجديدة.

في الوقت نفسه، أقترح البعض أن تسمى الدولة الجديدة نفسها باسم "دولة النيل"، إلا أن المخاوف من رد فعل مصر قد يعيق ق هذا الطرح.

سفارة ليس بعد! بعثة دبلوماسية فقط

تمثل حكومة جنوب السودان في الولايات المتحدة، والعديد من دول العالم الأخرى، بعثة تقوم بمهام كتلك التي تقوم بها سفارات الدول الأخرى في العاصمة الأمريكية، وباستقلال عن سفارة دولة السودان. ويقع مقر بعثة حكومة جنوب السودان في قلب واشنطن، في منطقة ديبونت سيركلDuPont Circle ، على بعد أقل من 30 مترا فقط من مقر المكتب الثقافي المصري في واشنطن.

ويذكر موقع البعثة الالكتروني أن حكومة جنوب السودان تقدر الدعم الكبير الذي تحصل علية من الحكومة الأمريكية، مدعما بتأييد الحزبيين الديمقراطي والجمهوري، والذي نتج عنه إقرار اتفاقية السلام الشامل عام 2005، والتي أنهت عقدين من الحرب الأهلية، والتي نتج عنها مقتل مليوني شخص، وجعل 4 ملايين شخص في عداد اللاجئين.

كذلك يذكر موقع بعثة الجنوب أنها تقوم بمهام عملها طبقا للمادة رقم 46 من الدستور المؤقت لجنوب السودان، والذي ينص على أن " حكومة جنوب السودان ستقيم وتحافظ على علاقات طيبة الحكومات الأجنبية، و والمنظمات الغير حكومية الدولية، بما يفيد الطرفين في مجالات التجارة والاستثمار والثقافة والرياضة والقروض والمنح والائتمان، والمساعدات الفنية والشئون الأخرى المتعلقة بمجال تنمية التعاون.

ويرأس بعثة حكومة جنوب السودان، السيد أيزيكول لول جاتكوث، وفريق العمل يتضمن نائب لرئيس البعثة يشرف على الشئون المالية والإدارية. ومسئول عن شئون الكونجرس والشئون السياسة وشئون الأمم المتحدة. ومسئول أخر يشرف على الشئون الثقافية والقنصلية شئون جالية جنوب السودان. ومسئول أخر مختص بعملية البروتوكول والعلاقات العامة، ومسئول يتولى الإشراف على شئون المعلومات والوثائق، وعدد أخر من الإداريين. ولا يختلف تشكيل مكتب بعثة حكومة جنوب السودان كثيرا عن سفارات الدول العربية الأفريقية.

مساعدة أمريكا للجنوب ماليا

ذكرت مصادر صحفية أمريكية أن إدارة الرئيس أوباما، مثلها مثل إدارة الرئيس السابق بوش تقدم دعما ماليا كبيرا لجنوب السودان، ضمن جهودها المكثفة الرامية إلى مساعدة الجنوب على الانفصال عن السودان.

وأكدت صحيفة واشنطن تايمز أن واشنطن تقدم دعما ماليا سنويا يقدر بمليار دولار للجنوب السوداني، وأضافت أن هذه المبالغ الضخمة تصرف في إنشاء البنية التحتية وتدريب رجال الأمن وتشكيل ما وصفه بأنه جيش قادر على حماية المنطقة.

وأكد السيد إزيكيل لول جاتكوث، رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن، أن واشنطن تضخ هذه الأموال للجنوب السوداني بهدف مساعدة الجنوب على الانفصال عن الشمال. ونقلت الصحيفة عن جاتكوث قوله "إن من بين أهداف حكومة الولايات المتحدة هو التأكيد على أن يصبح جنوب السودان في عام 2011 دولة قادرة على الاستمرار."

واعتبر جاتكوث أن السنة القادمة ستكون حاسمة بشأن مستقبل البلاد، مضيفا أنه "في عام 2010 إما أن نعمرها أو أن نخربها"، مشيرا إلى أن الانتخابات قد تقود إلى الحرب إذا شعر المرء بما سماه الغش والخيانة.

USAID في السودان

وتعد الولايات المتحدة أكبر الدول التي تقدم مساعدات للسودان، إذ قدمت واشنطن أكثر من ستة مليارات دولار للسودان منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005 من أجل عدم إعاقة استفتاء انفصال جنوب السودان. وتركز المنح الأمريكية على كل القطاعات، ومع عودة ما يقرب من 2 مليون سوداني نازح لبيوتهم في الجنوب، تركز برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في السودان على توفير المواد الغذائية وتحسين الخدمات الصحية، واحترام حقوق الإنسان، والاستقرار والإصلاح الاقتصادي وتوفير التعليم، ودعم عملية السلام.

كما تهتم برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالتركيز على تقوية برامج الحكم الرشيد، ودعم تطبيق بنود اتفاقية السلام الشامل، وتطوير نظام شاملة للوفاء باحتياجات السكان الأساسية، إذ لا يتوفر للجنوب أيا من مقومات الدولة حتى الآن.

وساهمت وكالة التنمية الدولية في تنفيذ الخطوات الهامة التي اتفق على القيام بها في اتفاقية السلام الشاملة، منها التعداد العام 2008، وانتخابات أبريل 2010، إضافة إلى استمرار قيامها بخدمات استشارية بخصوص التنظيم لإجراء استفتاء يناير 2011.

ومن الملفت للنظر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تمول الكثير من البرامج التي تقوم بها منظمات حكومية وغير حكومية غير أمريكية في مجال تقديم المساعدات الإنسانية والتعليمية والصحية والسياسية في الجنوب السوداني. وهناك العديد من منظمات كندية وبريطانية وفرنسية وبلجيكية وهولندية ونرويجية تتلقي تمويلا أمريكيا حكوميا.

إجمالي المساعدات الإنسانية الأمريكية للسودان منذ عام 2000

2000: 60  مليون دولار

2001: 68.9 مليون دولار

2002: 101.8 مليون دولار

2003: 161.5 مليون دولار

2004:  386.5 مليون دولار

2005: 741.5 مليون دولار

2006: 613.7 مليون دولار

2007: 569.6 مليون دولار

2008: 718.6 مليون دولار

2008: 748.6 مليون دولار

2009: 748.8 مليون دولار

الإجمالي حتى عام 2009:  4.170 مليار دولار

أهداف أمريكية متنوعة في الجنوب

قال المبعوث الخاص للسودان الجنرال سكوت جريشن في شهادة أدلى بها مؤخرا أمام لجنة أفريقيا الفرعية المنبثقة عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي "إن الإستراتيجية الأمريكية تجاه السودان ترمي إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: إنقاذ الأرواح وضمان سلام دائم، وتطبيق اتفاق سلام طويل الأمد، ومنع السودان من أن يصبح ملاذا آمنا للإرهابيين"، وأكد أن "الإخفاق في تحقيق هذه الأهداف يمكن أن يسفر عن مزيد من المعاناة، ومزيد من عدم الاستقرار الإقليمي أو عن إيجاد ملاذات آمنة جديدة للإرهابيين الدوليين".

وقال المسئول الأمريكي إن "الولايات المتحدة لديها التزام واضح ومصلحة واضحة لقيادة الجهود الدولية من أجل تحقيق السلام في السودان."

وبجانب الموقف الرسمي الأمريكي، تؤثر قوى عديدة في عملية صنه القرار الأمريكي بخصوص جنوب السودان. وهناك مصالح شركات الطاقة والتعدين أملا في الحصول واغتنام فرص في دولة يعج باطن أرضها بثروات كثيرة. وجنوب السودان يحتفظ بأكبر احتياطيات غير مستغلة من النفط في إفريقيا، والولايات المتحدة تهدف إلى إحكام السيطرة على تلك الموارد الهائلة دون منازع إن أمكن، رغم علمها أن الصين هي الأخرى تركز الكثير من جهودها هناك. ويوجد في جنوب السودان ما يقرب 90% من إنتاج واحتياط البترول السوداني، وينتج الجنوب حاليا ما يوازي 490 ألف برميل يوميا، وهي يجيء ثالثا في القارة الأفريقية جنوب الصحراء بعد انجولا ونيجيريا طبقا لبيانات شركة بريتيش بتروليم.

ويقتسم الشمال والجنوب طبقا لاتفاقية السلام الشامل عائدات النفط التي يتم تصديرها عن طريق ميناء بورسودان على البحر الأحمر.

ويصطدم الطموح الأمريكي بالتغلغل الصيني هناك، قال باجان آموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان إنه حصل على تأكيدات من قبل الصين وروسيا بدعم جنوب السودان حال انفصاله عن الشمال عقب الاستفتاء المقرر مطلع العام المقبل، وأشار أموم الذي زار الولايات المتحدة الشهر الماضي أنه حصل على هذه التأكيدات خلال اجتماعين عقدهما في نيويورك مع مندوبي البلدين لدى الأمم المتحدة.

وأوضح أموم قائلا "اجتمعنا مع المندوب الدائم للصين وأكد لنا دعم الصين الكامل لتنفيذ اتفاقية السلام واحترام خيار شعب جنوب السودان بما في ذلك الانفصال وقيام دولة مستقلة ستعترف بها الصين وكذلك الأمر مع المندوب الروسي".

وأضاف أن جنوب السودان تعهد للصين برعاية مصالحها في الجنوب والحفاظ على استثماراتها في مقابل الدعم واحترام خيار الجنوب!

وهناك أهداف دينية تدافع عنها كنائس ومنظمات تبشيرية وأيفانجليكال وأعضاء محافظين بالكونجرس. وبرغم المظهر العلماني الذي يبدو عليه المجتمع الأمريكي، إلا أننا نجد أن الدين ما زال أحد القوى الأساسية المحركة له، خاصة في القضايا المتعلقة بالتماس مع العالم العربي أو الإسلامي، مثل قضية جنوب السودان.

ولا يخفي زعماء تيار المحافظين الجدد المتدينين مثل القس فرانكلين جراهام، الذي يشتهر بانتقاداته للإسلام المسلمين ذكر في مقالة العام الماضي أنه يخطط لإعادة بناء مئات الكنائس التي دمرت من قبل الحكومة السودانية والمليشيات الموالية لها في جنوب السودان. وقال "هناك حرب مشتعلة ضد كنيسة المسيح في أفريقيا، وتلك المعركة يشنها المسلمون ضد المسيحيين في بلدان مثل إثيوبيا والسودان.

التعاون العسكري

ورفض ممثل حكومة جنوب السودان في واشنطن، إضافة لدبلوماسي أمريكي معني بالشأن السوداني، التطرق للتعاون العسكري بين واشنطن وحكومة جنوب السودان. إلا أن تقارير إعلامية أمريكية ذكرت أن وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب التوصل لاتفاق السلام الشامل منحت إحدى الشركات الأمريكية الخاصة عقدا للقيام بتأهيل متمردي جنوب السودان وتحويلهم لقوة عسكرية محترفة. واختارت الحكومة الأمريكية شركة دين كورب  DynCorp التي فازت بقيمة العقد المبدئي البالغة 40 مليون دولار للقيام بهذه المهمة. من الجدير بالذكر أن منظمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أشارت إلى احتياج الجنوبيين للتدريب تحت إشراف حكومة جنوب السودان.

دور شركة دين كورب في السودان

هذه ليست هي المرة الأولى التي تفوز فيها شركة دين كورب بعقد من وزارة  الخارجية الأمريكية للقيام بمهام في السودان، ففي مايو عام 2003 منحت دين كورب عقد تقديم دعم لوجيستي لقوات منظمة الوحدة الأفريقية لحفظ السلام. وفي عام 2001 وكلت الشركة بمهمة مساعدة وتسهيل إجراء مفاوضات دبلوماسية بين الجنوبيين وحكومة السودان. وتذكر الشركة أن أولوياتها في السودان تتمحور حول دعم الاستقرار هناك. وفي مقابلة مع وكالة رويترز الإخبارية أكد آل ريجنيAl Rigney  نائب رئيس شركة دين كورب لتنمية الأعمال الدولية أن حكومة الولايات المتحدة ترى أن من شأن وجود قوة عسكرية مؤهلة ومستقرة المساعدة على دعم الاستقرار، وأكد نائب رئيس الشركة أن أنشطة شركته كلها سلمية ولا تتضمن أنشطة عسكرية. وطبقا لاتفاق السلام الذي وقع بين حكومة الخرطوم ومتمردي جنوب السودان لإنهاء أطول حرب أهلية في تاريخ أفريقيا، يكون هناك جيشان أحدهما في الشمال والأخر في الجنوب.

ومن جانب آخر، توقعت بعض المصادر وجود دوافع خفية وراء هذه الصفقة، وترى أن شركة دين كورب وعقدها الأخير يهدفان إلى تعزيز القدرات العسكرية للجيش الشعبي لتحرير السودان لكي تضعف موقف الخرطوم إذا ما أخلت باتفاق السلام  بين الشمال والجنوب.

وتؤكد شركة دين كورب أن عقدها مع وزارة الخارجية الأمريكية لا يشمل إرسال أسلحة للجيش الشعبي لتحرير السودان، والعقد يشمل فقط مساعدة وتدريب وتأهيل الجيش الشعبي لتحرير السودان، وليس لتسليحه أو لمساعدته في شن عمليات عسكرية هجومية. إلا أن خبيرا أمريكيا يخشى وجود دور أكبر لشركة دين كورب، وهو دور سيكون غير معترف به رسميا، رغم أن حجم عقد شركة دين كورب يبلغ 40 مليون دولار أمريكي مما يستلزم موافقة وإشراف الكونجرس الأمريكي.

أكبر من دور لشركة

شركة دين كورب واحدة من شركات كثيرة تقوم الحكومة الأمريكية بالتعاقد معها مقابل القيام بمهام خارجية محددة. وتوظف شركة  دين كورب، والتي يقع مركزها الرئيسي في مدينة ايرفن  Irving بولاية تكساس، نحو 14 ألف موظف يعملون في خمس وثلاثين دولة، وقد فازت من قبل الشركة بعقود من حكومة الولايات المتحدة في عدد من مناطق العالم المضطربة، من  ضمنها العراق وأفغانستان وليبيريا وكولومبيا.

وفي حين كانت وزارة الدفاع الأمريكية هي العميل السابق الأول لشركة دين كورب، فإن وزارة الخارجية تفوقت عليها وبلغت نسبة عقودها الآن 53% من عائدات الشركة، وهذا يمثل ارتفاعا كبيرا من نسبة 29% منذ عامين فقط، وبالنظر لكون الحكومة الأمريكية تمثل ما يقرب من 90% من إجمالي عقود الشركة، فليس مستغربا أن نجد مجلس إدارة الشركة يشتمل على عدد من المسئولين الحكوميين السابقين وعسكريين ضباط كبار سابقين.  ومن ضمن هؤلاء السفير مارك جروسمان الذي خدم كنائب وزير الخارجية الأمريكي للشئون السياسية منذ عام 2001 وحتى 2005.

دور الشركات وظاهرة شراء الأراضي

رغم وجود حظر طبقا للعقوبات المفروضة على السودان كونه أحد الدول التي تصنفها الخارجية الأمريكية كراعية للإرهاب منذ أن احتضنت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن خلال تسعينات القرن الماضي، إلا أن العديد من الشركات حاولت التغلغل للسودان شماله وجنوبه للتواجد في هذه المنطقة الغنية بالموارد والتي سيتم تقسيمها العام القادم لدولتين.

وقبل أن يرفع الحظر عن الشركات الأمريكية للعمل في السودان عام 2006 عقب التوصل لاتفاقية السلام الشامل عام2005، حاولت شركة بلاووتر BlackWater ، طبقا لتقارير إخبارية أمريكية، وهي أكبر الشركات الخاصة التي توفر خدمات أمنية للحكومة الأمريكية) ولها وجود كبير في العراق وأفغانستان، وغيرت أسمها مؤخرا بعد الكشف عن مشاركتها في تعذيب محتجزين لديها إلى أسم جديد هو أكس أي Xe، لتوفير حماية أمنية لكبار مسئولي حكومة جنوب السودان، ولتدريب جيش الجنوب، حاول أن يساعدها في سعيها للحصول على تعاقدات حكومية، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، عن طريق معرفته الوثيقة برئيس الشركة إيريك برنس. ولم تبغي الشركة في المقابل أتعاب أو أموال مقابل عقد قيمته 100 مليون دولار أمريكي، فقط طلبت حق الانتفاع بما قيمته 50% مما تحتويه مناجم معادن حديد وذهب في الجنوب! قام بالإشراف على مفاوضات مباشرة مع رئيس حكومة جنوب السودان سيلفا كيير نائب رئيس الشركة كريستوفر تايلور، الذي أصطحب معه لجوبا عاصمة الجنوب اثنان من كبار قادة حركات الايفانجليكال المحافظين هاورد فيليب وإيدجر برنس

وقد كان ملفتا أن تكشف تقارير إخبارية أمريكية عن قيام رجل الأعمال الأمريكي فيليب هالبيرج، وهو مصرفي متقاعد، بشراء 400 ألف فدان من الأراضي في جنوب السودان، وبمبلغ لم يفصح عنه، لمصلحة شركته التي تسمى "جيرش"، وهي مساحة أكبر من مساحة إمارة دبي. وقد تم الشراء بهدف معلن هو الاستثمار الزراعي. إلا أن القلق يساور الكثيرين في الخرطوم، إذ أنه لم يكن تم الانتهاء من إعداد قانون الاستثمار وبيع الأراضي.

وقال هالبيرج إنه اشترى قطعة الأرض من عائلة احد قادة الحركة الشعبية التابع لحكومة الجنوب، من خلال حصوله على حصة الأغلبية في شركة يسيطر عليها ابن "فالينو ماتيب بالينو" الذي خاض الحرب لفترات إلى جانب الحكومة السودانية ضد الحركة الشعبية لكنه انضم إليها بعد اتفاقية السلام في يناير 2005 بعد أن وقع الجانبان اتفاق سلام، ليصبح نائبا للقائد العام لجيش الحركة.

مراكز الأبحاث الأمريكية وجنوب السودان

تركز العديد من مراكز الأبحاث الأمريكية مثل معهد السلام الأمريكي ومعهد وودرو ويلسون ومركز التقدم الأمريكي على كل شئون الجنوب السوداني، من الصحة، للتغذية، للحكم، لنظم التعليم. كذلك تهتم أيضا الجهات المعنية بشأن وأضاع الحريات الدينية بحالة جنوب السودان، نظرا لما عانى منه الجنوب تاريخيا في هذا الشأن.

وعلى سبيل المثال عقد معهد السلام الأسبوع الماضي ندور تحدث فيها خبراء من البنك الدولي ومنظمات تعليمية أمريكية عن "تحديات بناء نظام تعليمي بعد مرحلة الصراع".

أما مركز التقدم الأمريكي فيحتضن مشروع كفاية Enough Project ، الذي يرأسه السيد جون بريندرجست، الذي أصبح أهم النشطاء تأثيرا في السياسة الأمريكية في الشأن السوداني في واشنطن.

وذكر بريندرجست أن "الولايات المتحدة ساعدت في التوصل اتفاقية السلام الشاملة عام 2005 بين الشمال والجنوب، وهي دليل على ما مقدار التأثير الكبير الذي تتمتع به واشنطن، وما يمكنها أن تقوم به".

ويضيف بريندرجست أن جنوب السودان استطاع أن يحقق ثلاثة مكاسب من خلال التوقيع على اتفاقية السلام الشاملة:

المشاركة في حكم السودان من خلال ممثلين "وزراء" في حكومة الخرطوم.

تقسيم عوائد النفط المالية بحيث يحصل الشمال على 50% ، والجنوب على 50%.

اغتنام حق تقرير المصير للجنوبيين من خلال استفتاء يناير 2011 على الانفصال أو البقاء في سودان متحد.

ويرى بريندرجست أن كل الشواهد لتدل على أن حكومة الخرطوم ستعرقل إجراء الاستفتاء، وإن فشلت فستحاول التحكم في نتائج الاستفتاء، وإن فشلت فلن تعترف بنتائج الاستفتاء. وهو ما سيكون بمثابة الإعلان عن بدء فصل متجدد وأكثر دموية في الصراع المسلح بين الجنوب والشمال في السودان، وسيكون أكثر خطورة إذ أن الطرفين يستثمرون في قدراتهما العسكرية بصورة كبيرة منذ توقيع اتفاقية السلام.

ويختلف جون بريندرجست مع رؤية مبعوث الإدارة الأمريكية لشئون السودان الجنرال سكوت جريشن حين قال "ليس لدى الولايات المتحدة أي كروت للضغط على لخرطوم".ويرى ضرورة أتباع سياسة العصا والجزرة على النحو التالي، أن تهدد واشنطن نظام البشير بالأتي:

فرض عقوبات على كبار أعضاء الحزب الحاكم في السودان.

عرقلة إلغاء ديون السودان من قبل صندوق النقد الدولي.

دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية للقبض على الرئيس حسن البشير.

تشديد حظر تصدير السلاح للسودان وتقديم المزيد من الدعم للجنوب.

ولا يعرض بريندرجست فقط طرق التهديد، بل يرى ضرورة مد حكومة الخرطوم ببعض المغريات حال تحقيق سلام في السودان "السماح بالانفصال" مثل:

عرض تجميد طلب المحكمة الجنائية الدولية القبض على حسن البشير لمدة عام.

تطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن.

شريط حدودي منزوع السلاح بين الجنوب والشمال

وفي جلسة استماع في مجلس الشيوخ عقدت مؤخرا بعنوان "تقييم تحديات وفرص السلام في السودان"، طالبت كاثرين ألمكويست، من المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية، بضرورة مفاوضات مباشرة بين الجنوب والشمال حول قضايا ما بعد الاستفتاء المزمع عقده في يناير القادم. وترى كاثرين "أن المفاوضات المبكرة من شانها أن توفير ضمانات للحكومتين في الخرطوم وجوبا، وللجماعات التي من المتوقع أن تتأثر بنتائج الانفصال، أن مصالحهم مؤمنة ولن يتم التعدي عليها بغض النظر عن نتائج الاستفتاء".

وترى كاثرين ضرورة أن تروج الحكومة الأمريكية لفكرة "خلق شريط حدودي منزوع السلاح بين قوات جيش جنوب السودان وجيش حكومة الخرطوم. وأن يشرف على هذا الشريط الأمم المتحدة، عن طريق قوات حفظ السلام الدولية".

وتتوقع كاثرين أن تطور الموقف السياسي فيما يتعلق لقضية استفتاء الانفصال سيملؤه قضايا حساسة وهامة وقابلة للاشتعال، خاصة في وقت يغيب فيه اليقين فيما يرتبط بالمستقبل.

10 موقف واشنطن من انفصال الجنوب. ومعضلة البشير

ويرى ريتشارد داوني، من مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن، أن واشنطن تنظر بشكل واضح إلى الأمام وتتطلع إلى استفتاء يناير 2011 وترى أن الاستفتاء هو أهم شيء سيتحقق وتركز بشكل كبير على تحقيق عملية انتقالية سلسة، سيتوقع الجميع أن يكون تصويت الجنوب بنعم على استفتاء استقلالهم في يناير 2011. الانتخابات الرئاسية لم تكن رائعة ولم تلتزم بالمعايير الدولية إطلاقا ولكن رغم ذلك لا تتردد واشنطن أن تكون منافقة حول نتائجها إذ أنها لا تريد أن تؤثر بشكل يؤثر على استقلال المنطقة وهذه العملية وقد يؤثر على استفتاء 2011.

وكان المبعوث الأمريكي للسودان الجنرال سكوت جريشن قد ذكر أن بلاده تعلم أن نتائج الانتخابات الأخيرة الرئاسية في السودان كانت مزورة، إلا أن واشنطن قررت قبول نتائج تلك الانتخابات من أجل الوصول إلى ما سماه استقلال جنوب السودان. ورغم إدراك المبعوث الأمريكي للسودان سكوت جريشن أن قضايا رئيسية مثل تعداد السكان وترسيم الحدود وكيفية توزيع الثروة النفطية والديون والمواطنة واللاجئين لم يبت بشأنها حتى الآن، إلا أنه أكد على ضرورة الالتزام بإجراء استفتاء الجنوب كما هو محدد له.

ولا يفوت أركان إدارة الرئيس الأمريكي أوباما فرصة إلا ويؤكدون فيها على ضرورة أجراء استفتاء انفصال الجنوب، ويظهر كل ذلك بوضوح أولوية هدف إجراء الاستفتاء وانفصال الجنوب على قضايا أخرى مثل نزاهة الانتخابات الرئاسية أو الضغط على الرئيس البشير لتسليم نفسه للجنائية الدولية.

وأعرب الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أن إدارته "نشطة في محاولة التأكد من استقرار السودان واستمرار المساعدات الإنسانية إلى دارفور وإجراء الاستفتاء في جنوب السودان والذي قد يقود إلى استقلال الجنوب عن الشمال". وجاء تأكيد أوباما على ضرورة إجراء الاستفتاء في لقاء مع تليفزيون جنوب أفريقيا أجراه الأسبوع الماضي، وعلق أوباما على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإضافة اتهامات بالإبادة إلى لائحة الاتهام ومذكرة الاعتقال الصادرة بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، قائلا إن "المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال ومن ثم فإنني أعتقد أنه من المهم لحكومة السودان أن تتعاون مع المحكمة".

وأجرى نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مباحثات مع سالفا كير رئيس جنوب السودان في العاصمة الكينية نيروبي الشهر الماضي، وتناولت المباحثات الاستفتاء المقرر إجراؤه، ووعد بايدن بتقديم مساعدة تقنية ودعم مالي لعملية الاستفتاء. ثم أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون يوم الأربعاء الماضي التزام الولايات المتحدة بتطبيق اتفاقية السلام الشاملة الخاصة بالسودان والتي تتضمن "القيام بالاستفتاء في موعده"، ليضيف زخما جديدا للجهود الأمريكية الهادفة إلى انفصال جنوب السودان.

اهتمام أمريكي قديم بالجنوب

وظهر الاهتمام الأمريكي بجنوب السودان في العام الأخير لحكم بيل كلينتون، الذي هدد بعزل السودان سياسيا وفرض عقوبات اقتصادية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع الجنوب، و أن ينهي السودان دعمه للإرهاب الدولي. وكانت مساعدة وزيرة الخارجية للشئون الأفريقية حينذاك هي السيدة سوزان رايس، السفيرة الأمريكية الحالية لدي الأمم المتحدة، واستمر الأمر على ما هو عليه خلال إدارة بوش من بعده، إلى أن قادت واشنطن الدولة الأوروبية ممثلة في بريطانيا والنرويج وإيطاليا أو ما عرف باسم "الترويكا" الأوروبية +1 أو Toroueka+1 عام 2001 للدفع نحو تحقيق السلام.

وعين بوش أول مبعوث خاص له للسودان عام 2001 وهو جون دانفورث John Dnafourth  الذي لعب دورا رياديا في تقريب وجهات النظر بين شمال وجنوب السودان بالتعاون مع منظمة "إيجاد" إلى أن باتت الأجواء مهيأة للتفاوض بين الخرطوم والجنوبيين. ونجحت جهود إدارة بوش في توصل الأطراف السودانية إلى اتفاق السلام الشامل عام 2005.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/أيلول/2010 - 28/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م