ظاهرة تزايد القمامة في المناطق السكنية

 

شبكة النبأ: النظافة هي سلوك فردي يتعلمه الانسان من محيطه الأصغر (العائلة) أولا، ثم يتعلمه من محيطه الاجتماعي الأكبر، محيط العمل او الدراسة او غيرهما، وتنغرس خطوات النظافة بصورة تلقائية في ذات الطفل لتكبر معه وفقا للطريقة التي أخذها عن أبوية واخوته واخواته وبيئته بصورة عامة، ولا تنفصل النظافة عن طبيعة الحياة التي يحياها الانسان بصورة عامة، فإذا كان نظيفا هذا يعني أنه طفل ذكي، ليقوده ذكاؤه الى التعلم الجيد ثم لابد أنه يحيى حياة تليق بالانسان النظيف الذكي المتعلم.

والعكس يصح تماما فحين يغيب التعليم والذكاء تغيب النظافة وهي ليست مسؤولية الطفل قطعا، وهذا ما يقودنا الى تحميل مسؤولية هذا الخلل على الابوين ثم المجتمع المحلي صعودا الى البنى الاجتماعية الأعلى، ثم لابد أن تكون هناك جهات رسمية وأهلية مشاركة في هذا الخلل، أي في عدم تعليم الطفل خطوات النظافة وكيفية الحصول عليها وتحويلها الى منهج عملي تلقائي ينغرس في ذاته وسلوكه ويصبح جزءً لايتجزّأ من طبيعة شخصية الانسان وأفعاله.

هنا لابد أن أن يقودنا هذا الكلام الى التساؤل عن الاسباب التي جعلت من المدن العراقية والاحياء والشوارع والساحات أماكن لتجمع الازبال وانتشارها على نحو يشيع في النفوس حزنا واستغرابا ورفضا واستهجانا في آن واحد.

وهل يمكن أن ننسى بأننا أمة الدين الذي دعا في أوائل ما دعا اليه الى النظافة والى اهميتها والى أولوية أن يكون الانسان نظيفا في مظهره وملبسه ومسكنه ومأكله وفي حياته كلها ابتداء من جوانبها الصغيرة صعودا الى جوانبها الأكبر والاوسع ؟ ومن منا لم يقرأ او يسمع بالحديث النبوي الشريف (النظافة من الايمان) وقد داعب أبصارنا منذ السنوات الاولى التي حللنا فيها ضيوفا على الحياة؟.

لكن الغريب في الامر أن أمة (النظافة من الايمان) تكاد تكون أكثر الامم اهمالا للنظافة، وحتى لا تُطلق التهم جزافا سنحصر كلامنا هذا في مناطق ومدن كثيرة من العراق، حيث تنتشر الازبال والاوساخ على نحو يثير الاشمئزاز والضجر في آن، فجولة واحدة تكفي لرصد الكثير من الاكوام المنتشرة في هذا الحي أو ذاك، وإن دلّ هذا عن شيء إنما يدل على عدم مبالاة تستحوذ على النفوس، على أننا لايمكن أن نتهم أطفالنا بهذا التقصير لأننا أول المسؤولين عن تعليمهم وطرق تعاملهم مع للنظافة، مع أننا لانعفي الجهد الحكومي في هذا المجال ونؤشر تقصيره الواضح لاسيما مديريات البلديات المنتشرة في عموم العراق والمكونة من جيوش من العمال التي تتقاضى مليارات الدنانير كرواتب قد واجور، ناهيك عن الصفقات المشبوهة مع المتعهدين بنظافة الاحياء وما يتم بينهم وبين ذوي الشأن بصرف الاموال لهم مقابل عمليات التنظيف التي ربما لا تتم إلا على الورق وقبض أموال الشعب وتقاسمها فيما بين المقاول والموظف المسؤول عن ذلك.

وليس في قولنا هذا تجن على أحد، ومن يرى غير ذلك فما عليه سوى التجوال في الاحياء السكنية لاسيما تلك التي تشكل اطراف المدن ولا تقع في مركزها، وقد انتشرت كتابات كثيرة على الحيطان، يمكن لمن يرغب بقراءتها، أن يجدها في الكثير من المناطق السكنية، وهي عبارة عن جمل مثل (الرجاء عدم رمي القمامة هنا) و( يرحمك الله لا تلق القمامة هنا) ثم (لعن الله من يرمي الاوساخ في هذا المكان) وغيرها من الجمل التي تثير الحزن والسخرية احيانا، وغالبا ما يكون المكان المقصود بعدم رمي الاوساخ مكانا يقع في قلب المنطقة السكنية حيث يصبح بؤرة للقاذورات والمكروبات وتجمع الذباب والكلاب والقطط والحيوانات الاخرى السائبة مشكلا منظرا تترفع النفس عن وصفه بل تتقزز من الحديث عنه.

وقد يقول قائل ان هناك عربات خُصصت لحمل هذه الازبال يقوم عليها بعض المتعهدين على التنظيف، ونحن نقول لو أن هذا الامر مطبق بصورة جيدة لما تراكمت الازبال في الفروع والساحات وما شابه، وقد يقول قائل أن ما يحدث بالنسبة لاكوام القمامة ناتج كغيره بسبب الفوضى، وهنا لابد أن نقول بأن الفرد مسؤول عن نظافة جسدة وبيته وشارعه أيضا، بمعنى أن المسؤولية لا تنحصر على الجهات الحكومية (البلديات) بل لابد أن تكون هناك مساهمات فردية وجماعية شعبية تقوم بحملات تنظيف اسبوعية او شهرية على الاقل، لكي تظهر مدننا واحيائنا وساحاتنا وشوارعنا بمظهر يليق بنا وبكوننا ننتمي للاسلام الذي يضع النظافة وساما على صدر كل مسلم ومسلمة.

إذن ثمة تقصير يشترك فيه الرسمي والاهلي، الفردي والجماعي، ولابد أن تكون هناك برمجة وتخطيط واضح من قبل الجهات الحكومية المعنية لوضع الخطوات العملية اللازمة للقضاء على اكوام القمامة، ولا ننسى أهمية تفعيل القوانين والتشريعات التي تعاقب من لا يعتني بهذا الجانب وهو أمر لايزال معمولا به في ارقى المجتمعات، وطالما سمعنا حكايات عن هذا الجانب تقود الى معاقبة من يبصق في الشارع العام في الدول المتطورة، فلماذا نتغاضى عن تفعيل القوانين الرادعة لكل من يتسبب بالإساءة لنظافة الانسان والمكان معا؟.

إنها دعوة للجميع مسؤولين ومواطنين للتنبه الى النظافة الفردية والجماعية، وضرورة اللجوء الى وسائل الضغط والتعليم بأنواعها كافة للحد من هذه الظاهرة التي لاتليق بكرامة وحياة الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/أيلول/2010 - 25/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م