عراق ما بعد الحرب... فراغ دستوري وتدهور امني

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: كما تظهره أحدث موجة من التفجيرات القاتلة في العراق على نحو واضح، فإن الحرب تمزق أي مستوى مقبول من الاستقرار. وقد ألقت التغيرات الأخيرة في الأجل الفوري الكثير من ظلال الشك على إجراءات إنهاء العمليات القتالية الأمريكية في العراق, التي سبق أن اتخذ قرار بخصوصها، بحيث تصادف نهاية آب (أغسطس) من عام 2010، وبحيث تكون خطوة لانسحاب القوات الأمريكية في تاريخ لاحق.

وفي ظل الإنهاء الرسمي للمهام القتالية للقوات الأمريكية على الأراضي العراقية، يصبح من الجدير بالمسؤولين عن إدارة العمليات العسكرية التأمل في الدروس التي استفادتها الولايات المتحدة خلال سبع سنوات من الاشتباكات العسكرية مع المقاومين العراقيين لوجودها. وتأتي عملية إنهاء المهام القتالية على خلفية فراغ سياسي طويل بسبب خلافات الأحزاب المتعددة التي أعقبت الانتخابات العامة العراقية. وما زال على التحالفات العراقية المتعددة التوصل إلى الاتفاق حول الشخصيات السياسية الرئيسة في البلاد، تمهيداً لتشكيل الحكومة العراقية.

إعادة تقييم الاستراتيجية

فقد كانت العملية الانتخابية برمتها، بما في ذلك الترشيحات، وإجراءات التصويت، فوضوية، حيث تنافست 206 من الأحزاب والأطراف السياسية المتعددة في العراق. وتم الترتيب بصورة معينة لفترة ما قبل الانتخابات، بينما سادت فترة الخلافات السياسية ما بعد الانتهاء منها.

كانت أهم نتيجة لأحدث انتخابات شهدها العراق هي انهيار الائتلاف الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, الذي اضطر بالتالي إلى تشكيل المجموعة الخاصة به، وذلك في خطوة محسوبة بعيداً من سياسة الهوية، وكذلك في محاولة من المالكي لتوسيع نطاق سلطته الشخصية من خلال العمل على تقسيم الائتلاف الشيعي واسع النطاق. وحرك رئيس الوزراء بذلك آمال التحالف السني المتمثل في الحركة الوطنية العراقية التي نالت 24.72 في المائة من الأصوات، مقابل 24.22 في المائة لائتلاف دولة القانون. وأدى هذا الفرق الضئيل في الأصوات إلى ما نشهده من مأزق سياسي في الوقت الراهن على صعيد تشكيل حكومة عراقية.

كانت الأحزاب الشيعية المتشددة للغاية هي أكبر الخاسرين في الانتخابات العامة الأخيرة، وكان أشدها خسارة هو حزب الفضيلة. وبعد انهيار الحلف الشيعي واسع النطاق، شكلت الأحزاب والكيانات السياسية الشيعية الأصغر حجماً ''الائتلاف الوطني العراقي''، في حين ظل شمال العراق بالفعل تحت سيطرة الحزب الكردي الديمقراطي والحزب المتحد.

إن من شأن قراءة ظاهرية غير معمقة للسياسة في العراق الإشارة إلى مشهد سياسي مثير للإعجاب يعكس نظاماً دستورياً منظماً, غير أن الواقع يقول إن ''الديمقراطية '' في العراق هشة، كما أنها تعكس بالفعل مصالح طائفية أخرى. أما إذا ما كانت الطائفية ستصبح المحرك الرئيس للسياسة في العراق، أم لا، فذلك أمر آخر يتعلق بالتطورات الخاصة بإمكانية إعادة المصالحة على الصعيد الوطني.

تحت السطح الرقيق للديمقراطية، نجد أن العراق مصاب بصورة عميقة بانقسامات اجتماعية في كل جوانب الحياة الوطينة، حيث يفكر كثير من الناس في الانتقام من أولئك الذين أشعلوا نيران الحرب الأهلية في الفترة من 2006 إلى 2007، إذ إن تلك الحرب ما زالت حية في أذهان كثير من الناس، كما لا يمكن لأحد نفي احتمال حدوث تطورات سيئة في الأجل القصير. بحسب الاقتصادية.

يمكننا القول من الجانب الاستراتيجي إن أشد خطر يواجهه العراق هو التوجه الانفصالي البعيد عن المسؤولية في الشمال الكردي، وكذلك القوة المتزايدة للاتجاه الإقليمي في جنوب البلاد، حيث الأغلبية الشيعية من السكان. وقد أعد الأكراد العدة اللازمة لإنشاء دولة خاصة بهم في شمال العراق، حيث الحدود الخاصة، والخلافات المستمرة مع الحكومة المركزية في بغداد، وحيث المناورات السياسية المستمرة من الجانب الإيراني، الأمر الذي قد يمهد إلى الاستقلال التام للشمال الكردي.

أما الوضع في جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية، فهو أشد تعقيداً. وهنالك توجهات دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية، لكن الركن الأهم من كل ذلك هو وجود الثروة النفطية.

أما في الأجل القصير، فإن من أشد المخاطر التي تتعرض لها وحدة الأراضي العراقية، تلك الخلافات المستمرة بين إقليم الشمال الكردي وحكومة بغداد المركزية على مناطق جغرافية معينة، حيث يعود بعض تلك الخلافات إلى أمور تاريخية، إلا أن السبب الرئيس المحرك لها هو وجود الثروة النفطية، كما في حالة كركوك التي يطالب الإقليم الشمالي بضمها إليه، الأمر الذي يشعل الكثير من الخلافات.

الواقع أن عملية تقودها الأمم المتحدة لحل النزاع القائم حول كركوك قد فشلت، كما فشلت جهود مشاركين آخرين في العملية، مثل التركمان الذين لا يستطيعون تحمل مخاطر تطور هذا النزاع السياسي إلى حرب أهلية مفتوحة على كل الاحتمالات، حيث تضع أكراد الشمال في مواجهة الأطراف المحلية، وكذلك القوات الأمريكية التي ستظل مرابطة في العراق بعد إنهاء العمليات القتالية الأمريكية رسمياً.

تريد الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت علاقاتها الخاصة مع النخب العراقية تستحق الدفاع عنها. وإن الإجابة عن ذلك تعتمد على ما التوقعات الحقيقية لتثبيت الديمقراطية على الأراضي العراقية، وفي أجزاء أوسع من هذه المنطقة من العالم. والسؤال هو: هل يتم التراجع بتلك التوقعات إلى ذلك المستوى الذي ساد في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس بوش الثانية؟

لقد نجحت الولايات المتحدة فيما يتعلق بإظهارها القدرة على إتمام مهمتها، وذلك على نحو لائق، حيث إنها خصصت الكثير من الموارد لهذا الأمر.

من الجدير بالملاحظة أن كبار المسؤولين الأمريكيين ظلّوا على الدوام، يقللون من أهمية النفوذ الإيراني، حتى أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، صرح بأن النفوذ الإيراني في العراق محدود للغاية، بينما كان كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين يصرحون بعكس ذلك. وربما يعود الأمر إلى محاولتهم تبرير النجاح المحدود لعملياتهم العسكرية على الأرض.

على الرغم من كل تصريحات كبار المسؤولين السياسيين في واشنطن، إلا أنه ثبت أن إيران كانت الفائزة الحقيقية في الحرب على العراق. غير أن ذلك لا ينفي أن هناك جهات أخرى تحاول الظهور بمظهر الفائز، حيث تريد إيران، ويريد شيعة العراق، أن يكون الشيعة هم الحاكمون. وأما المسؤولون الأمريكيون، فيقولون إن التأثير الإيراني في العراق يشوبه الكثير من سوء الفهم.

يتساءل المجتمع الدولي عما إذا كان كذلك الإعداد الأمريكي لغزو العراق، ثم هذه السنوات الطويلة من الغزو، لم تكن فترة سعيدة للولايات المتحدة، وذلك من حيث إن النظريات السائدة تفيد بأن كل هذه العمليات لم تكن إيجابية بخصوص بروز أمة عراقية مستقرة. غير أن هذه الحقيقة لن تكون واضحة تماماً في الأجل القصير. وطالما ظلت الولايات المتحدة على ثقة بخصوص أهدافها الجيوبوليتيكية، فإن التدخلات على نطاق واسع في الشأن العراقي لا يمكن استبعادها.

كابوس العراق

من جهته قال رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير انه لم يمكنه تصور ما سماه الكابوس الذي تداعت احداثه في العراق لكنه ما زال غير نادم على الانضمام الى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003.

وفي مذكراته السياسية ردد بلير اقواله السابقة بأن غزو العراق كان مبررا لان صدام حسين شكل تهديدا وكان بامكانه تطوير اسلحة للدمار الشامل.

ونشر المجلد الذي عنوانه "رحلة" في اليوم الذي أنهت فيه الولايات المتحدة رسميا العمليات القتالية في العراق بعد صراع أسفر عن مقتل أكثر من مئة ألف شخص معظمهم من المدنيين.

وقال بلير (57 عاما) انه يشعر "بأسى شديد" بسبب الارواح التي أزهقت ولكنه قال ان الاعتقاد الخاطئ بأن صدام كان يخفي أسلحة للدمار الشامل "خطأ يمكن تفهمه".

وقال بلير "لا يمكنني ان أندم على قرار الذهاب الي الحرب ... يمكنني ان اقول انني لم اتوقع قط الكابوس الذي تداعت احداثه" مشيرا الى سنوات من الصراع السياسي والعنف الدموي الطائفي الذي حدث في العراق في اعقاب الغزو. وأضاف "كثيرا ما أفكر بما اذا كنت مخطئا. وأطلب منكم التفكير بما اذا كنت على صواب." وكان بلير أقرب حلفاء الرئيس السابق جورج بوش في قراره المتعلق بغزو العراق.

وكان ذلك القرار هو الاكثر اثارة للجدل على مدى السنوات العشر التي قضاها كرئيس للوزراء اذ اثار احتجاجات ضخمة وانقسامات داخل حزب العمال الذي رأسه واتهامات بانه خدع البريطانيين فيما يتعلق بالاسباب التي ساقها لتبرير الحرب وذلك عندما لم يعثر قط على اي اسلحة للدمار الشامل في العراق.

وفيما يتعلق بالضحايا الذين سقطوا في الحرب كتب بلير قائلا "أشعر بأن كلمات التعزية والمواساة غير كافية بالمرة." "هم ماتوا وأنا -متخذ القرار في الظروف الى أدت الى وفاتهم- مازلت حيا."

وفي مكان اخر في الكتاب المؤلف من 715 صفحة كشف بلير اعتماده على الكحول من أجل التمكن من التعامل مع الضغوط في عمله. وهي معلومة لم تكن معروفة من قبل.

وتضمن الكتاب انتقادا لوزير ماليته جوردون براون الذي خلفه في رئاسة الوزراء عام 2007. ووصف منافسه السياسي بأنه ذكي ولكن يفتقر الى الغريزة الانسانية.

فقال "حسابات سياسية.. نعم. مشاعر سياسية.. لا. ذكاء تحليلي.. بالطبع. ذكاء عاطفي.. صفر."

وحمل بلير براون مسؤولية هزيمة حكومة حزب العمال في مايو أيار بعد أن ظلت في الحكم 13 عاما قائلا ان الابتعاد عن سياسات بلير الوسطية الخاصة "بحزب العمال الجديد" كان خطأ قاتلا.

وكان بلير أكثر رئيس وزراء عمالي بقاء في المنصب وفاز في ثلاثة انتخابات متتالية قبل ان يتنحى في 2007 . وهو الان مبعوث المجموعة الرباعية لوسطاء السلام في الشرق الاوسط التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا.

وقال بلير انه يتبرع بالدفعة المقدمة التي حصل عليها مقابل مذكراته والتي ذكرت تقارير انها 4.6 مليون جنيه استرليني (7.09 مليون دولار) وايضا عائد المبيعات الي هيئة خيرية تدعم الاعضاء الحاليين والسابقين بالقوات المسلحة البريطانية.

لا عودة أميركية

في سياق متصل استبعد فيه المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس عودة القوات الأميركية في المستقبل إلى العراق، بحسب قناة الحرة الامريكية.

وأعلن الرئيس أوباما الثلاثاء رسميا انتهاء العمليات القتالية الأميركية في العراق، ليصبح عدد الجنود الأميركيين دون الـ50 ألفا سيتولون مهمات استشارية وتدريبية حصرا.

وكان المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس قد استبعد عودة القوات الأميركية في المستقبل إلى العراق، غير أن جهات أميركية مختلفة لا تستبعد عودتها في حال تردي الوضع الأمني هناك، بحسب القناة الاخبارية.

وأوضح غيبس “أن الرئيس أوباما تلقى تأكيدات من القادة العسكريين بأن إعادة إرسال القوات الأميركية المقاتلة إلى العراق أمر بعيد الاحتمال”.

وكانت وسائل اعلام أمريكية ذكرت أن واشنطن انفقت تريليون دولار تقريبا وقتل أكثر من 4400 جندي امريكي وما لا يقل عن 100 ألف مدني عراقي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003.

وذكرت وسائل إعلام أمريكية الأربعاء (18/8/2010)، أن آخر الفرق القتالية الأمريكية غادرت العراق واجتازت الحدود باتجاه الكويت، بعد حوالي سبعة أعوام ونصف العام على “الغزو” الأمريكي للعراق في آذار مارس 2003، وذلك بموجب الاتفاقية الأمنية المبرمة بين واشنطن وبغداد في 13 كانون الأول ديسمبر 2008، التي تقضي بانسحاب آخر جندي أمريكي من العراق بحلول نهاية العام 2011.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/أيلول/2010 - 25/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م