الصناعة والعلم ودورهما في بناء المجتمع المعاصر

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: مع اهتمام المراجع العظام بمسائل ما بعد الحياة الدنيا وتوجيهاتهم السديدة لبني الانسان كي يواجهوا ربهم بقلب سليم وصفحة بيضاء خالية من الذنوب، مع هذا الاهتمام الذي يتصدر جهودهم وواجباتهم، إلّا أن هناك هدفا موازيا للهدف الأخروي، وهو هدف مواصلة الحياة الدنيا بما يليق بكرامة الانسان ومقامه.

نعم لقد دأب علماؤنا الأفاضل على الاهتمام بشؤون الناس الحياتية من اجل العيش الكريم والنجاح والتطور والاسهام ببناء المجتمع المعاصر الذي يمكنه مجاراة مؤهلات العصر بما لا يتركه ساكنا في قعر المجتمعات او أسفلها، بل لابد للمجتمع أن يكون عصريا مستقرا مزدهرا من خلال إتقانه للعناصر المؤدية الى هذا الهدف ويقف العلم والصناعة في مقدمة هذه العناصر التي لامناص من التعامل معها وفق رؤية عصرية مبرمجة تدفع بالمجتمع الى السمو والرقي المتواصل.

ويرى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) كما ورد في كتابه القيّم (السياسة من واقع الاسلام) أن الصناعة والعلم صنوان لا يفترقان في إنعاش المجتمعات والارتفاع بها الى مصاف الحياة المعاصرة، وقد ذكر في كتابه المذكور قائلا بهذا الصدد:

(يضرب الإسلام شوطاً أبعد في ميدان الثقافة، فيصدر حكمه الأكيد والوجوب المحتوم على تعلّم كافّة الصناعات، والمخترعات، والحرف، وجوباً كفائياً).

ولكن كيف يتسنى للانسان أن يكون حرفيا متعلما وماهرا ؟ هنا لابد أن يكون ذا مؤهلات معرفية وعلمية تجعل منه حرفيا يتقن حرفته التي تدخل في احد المجالات الصناعية الكثيرة التي تدخل بدورها في بناء المجتمع، ولكن هل يقتصر العلم على احد دون غيره او فئة دون غيرها ؟ الجواب نجده في كتاب المرجع الشيرازي نفسه إذ يقول سماحته في هذا المجال:

إن (الأنبياء عليهم السلام هم قمم البشر، هم السفراء بين الله وبين خلقه، هذه المنزلة هي التي يختار الله لها من يشاء من بين الناس .. فليس باختيار الناس أنفسهم بل هو اختيار الله تعالى، ولكن لأي بشر أن يتسنّم الوراثة لهذه القمّة، بأن يتعلم حتى يصبح عالماً، ويكفي ذلك دلالة على رتبة العلم وعظيم منزلته).

إذن لا يقتصر تحصيل العلم على أناس دون غيرهم مع أن الله تعالى هو الذي يختار القمم العلمية الراسخة من البشر ولكن السعي والارادة والاصرار على التعلم سيجعل من الانسان قادرا على تبوّؤ هذه المنزلة بسبب سعيه ودأبه لتحقيق هذا الهدف الذي يدعو له الاسلام في تعاليمه الواضحة خدمة للانسان نفسه.

ولعل السبب في جعل التعلم وتحصيل العلم من أهم واجبات الانسان هو كونه البوابة التي تؤدي بالانسان الى اتقان الصناعة وبالتالي تحصيله لعناصر التقدم والازدهار والمعاصرة في آن، فالعلم كما ذكرنا صنو المعرفة وكلاهما عنصران قادران على نقل المجتمع من حال الى حال أفضل، وطالما كان العلم على هذه الدرجة من الاهمية فلابد انه يقود الى نقلة نوعية في حياة الناس، لهذا اكد الاسلام على التعلم والعلم واهميته القصوى للانسان، وأعطى منزلة كبيرة للمتعلم دون غيره من الناس، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بكتابه المذكور نفسه:

(الناس موتى وأهل العلم أحياء.الحياة ينسجم معها الأحياء ولا ينسجم معها الأموات، لأن كل شيء ينسجم مع مجانسه، وهذه الكلمة هي من أروع التعبير لذلك، فالناس ـ إن لم يكونوا علماءـ فهم أموات، والأموات ليسوا في هذه الحياة، وأهل العلم هم الأحياء. فالجاهل وإن كان حياً في هذه الدنيا، فهو بمنزلة الميت. والعالم وإن كان ميتاً منذ قرون، فهو بمنزلة الحي).

وأفضلية العالم على غيره تكمن في قدرته على الاسهام في تطوير المجتمع كونه سعى لتحصيل العلم وباشر بتوظيفه لصالح المجتمع من خلال تحويله الى فعل يدخل في المجال الصناعي، أي أن العلم المجرد تحول الى فعل مصنّع يقوم بخدمة المجتمع ويرتفع به الى مراتب حياتية أرقى.

ولم يحصر الاسلام أهمية اتقان الصناعة في مجال محدد، بل متاح للانسان أن يجدَّ ويسعى في صناعة جميع الاشياء التي تسهم بتطوير الحياة، وقد قال سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

إن (علم صنع الطائرات واجب في الإسلام. وتعلّم صنع المكائن ـ بأنواعها وأشكالها ـ واجب. وكذلك تعلّم صنع الأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية. وتعلم فلق الذرة واجب أيضاً. وهكذا كل صناعة، أو حرفة، أو اختراع ـ يتضرر الإسلام والمسلمون بتركه ـ واجب مقدّس في الإسلام).

إذن لابد أن يتعاضد العلم والصناعة من اجل بناء المجتمع السليم المعافى، ولكن هذا الامر منوط بأفراد المجتمع وقادته والقائمين على توجيهه، فالاسلام حث الجميع على أهمية العلم والصناعة معا، وبقي على الاخرين قادة ومقودين أن يأخذ كل منهما دوره في تحقيق وصايا وتعاليم الاسلام التي تهدف فيما تهدف اليه الى تحقيق الحياة الافضل للمجتمع من خلال مجاراته لمجريات التقدم والتطور والمعاصرة بما يحقق الموازنة بين متطلبات الدنيا والآخرة معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/أيلول/2010 - 22/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م