شبابنا والانهيار الوشيك

زاهر الزبيدي

شاءت الصدف أن أكون وقفاً قرب محل لبيع مستحضرات التجميل.. فقدم شاب في مطلع العشرين من عمرة ليسأل على علبة بخاخ يجعل الوجه يبدو أحمراَ عند رشه عليه.. لم أكترث للوهلة الأولى لطلبه لأني كنت أعتقد بأنه يطلبه لأحد قريباته من البنات , ولكني أصبت بالذهول حينما علمت بأن ذلك الشاب كان يشتري البخاخ لوجهه الكريم.. ووجهه هذا يعلم الله ماذا صرف عليه من مبالغ فالحواجب محفوفة وكأنها حواجب عروس والخدود كذلك موردة كأنها خدود بنت خجلة ناهيك عن ملابسه الضيقة جداً وبنطرونه ذو السرج القصير الذي ما أن ينحني الى الأمام حتى تظهر أمامك عجائب الانحلال الأخلاقي.

ومثل هذا النوع كثيرون تراهم في الشوارع يتكسعون حتى الى ما بعد منتصف الليل يحتسون المشروبات الكحولية وهم يركبون أفخم السيارات ويطوفون في شوارع الكرادة ليرموا بعلب (البيرة) من نوافذها على المارة وغيرهم أولئك (المكبسلون) الذين تراهم في الباب الشرقي وهم يترنحون من وطأة المواد المخدرة و (المنركلون) وهم الذي يجلسون بحلقات ليدخنوا (المعسل) بعد أن اتسعت رقعة المقاهي حتى باتت لا تستوعبهم فهم يدخلوها أفواجاً على الرغم من أن الدراسات أثبتت أن النرجيلة الواحدة تعادل (40) سيكارة !! ناهيك عن أصحاب الدرجات البخارية ذلك الوباء الجديد الذي يعصف بشوارعنا التي ملت حتى من الموت.

لقد أستغل العديد من تجار الدم العراقي الحدائق في الجزرات الوسطية ليفتتحوها مقاه تقدم (النركيلة) وغيرها من الأشياء التي لم تمر علينا ولا نعرف ماهي فهي تخلق وسطاً لنمو الانحراف الخلقي فجميع مرتادوها من ليس لهم حظاً في الدنيا ولا في الآخرة.

ترى من الذي دفع بشباب العراق للانخراط وسط دوامة التدمير الذاتية تلك التي ستحكم عليه بالسقوط وبالتالي تحكم على كافة مشاريع الحكومة بالفشل.. فنحن في زمن نريد شبابنا أن يكون مدركاً للمسؤوليات الكبرى الملقات على عاتقه والعراق يمر بمرحلة النقاهة على طريق البناء والتعمير..

 إن حسابات الشباب ليست بالحسابات السهلة وهي بحاجة لأكثر من ذوي الأختصاص لمعالجة مشاكلهم الاجتماعية التي أغرقتهم بها وأسرهم ظروف الاحتلال الأمريكي وما قبله واستشراء البطالة التي تسببت بعزوف الكثير منهم عن الدراسة وافتراش الطرقات حتى الساعات المتأخرة من الليل بلا عمل وبلا هدف مجرد طاقة مهدورة لسنا بقادرين على استغلالها في خدمة وطننا ومشاريعنا التنموية الجبارة المفترضة.

انها ليست الحرية.. ابداً.. ليست كذلك..انما هي الحرب التي أعلنتها الأصابع الخفية، التي طالما نداري خلفها عجزنا وتكاسلنا، على شبابنا لإخراجهم منذ الآن من دائرة حسابات القوة والعطاء لهذا الشعب وليدخلوا بقوة عنصراً في معادلة الخذلان لأمتهم ودينهم الحنيف فهم ليسوا سوى مشاريع لعصابات منظمة ستظهر عن قريب وفي وسط محلاتنا وأزقتنا فاجتماع مثل اجتماعاتهم تلك ليست سوى تأسيس لنواة العصابات التي تبدأ بسيطة بالسطو على منازل الجيران وسرقة اسطوانات الغاز والملابس وغيرها حتى تنتهي بعصابات كبيرة على شكل قطاع الطرق والقتل والتسليب عندما يرتفع سقف مطالبهم الدنيوية الشيطانية، ناتج الكبت المرير، وما تفرضه عليهم تربيتهم الخاطئة المنحرفة..

 وسوف لن يكون أحد بعيداً عن تأثيرهم ويوما ما سنكون مطالبين جميعاً ببيان أسباب تلك الغفلة المصطنعة عن أولئك الذين ما عادوا يسمون بعماد الوطن ولا هم كذلك لقد خوت تلك الأعمدة وسوف تُسقط السقف يوماً على رؤوسنا وسادتنا من السياسيين النجباء يدخلون شهرهم السادس من الحمل بجنين الحكومة ويبدوا أنه سوف لن يولد حتى يكمل التسعة أشهر كي لا يقولوا عنه (سبيعي) والشباب ينفرط عقدهم يوماً بعد يوم وكل شيطان يأخذ منهم مأخذا وأولهم شيطان الإرهاب الذي يحولهم الى قنابل موقوتة بغسيل عقولهم وتوجيههم الى صدور أبناء شعبهم وكما حدث في الأنفجار الأخير لمركز المتطوعين في باب المعظم.

 لقد ضاع علينا حساب الزمن والعالم بأجمعه ينظر الى الوقت كعامل مهم من عوامل التقدم إذا ما أحسن أستغلاله في خدمة الشعوب ونحن لغاية الآن غير قادرين أن نعطي الوقت ذات المعنى والأهمية التي أعطاها له الآخرون بحكمة.

علينا أن نسرع بعلاج ما يمكن علاجه من الظواهر السلبية التي تتكاثر كالسرطان في جسد الأمة العراقية قبل أن ياتي يوماً يصعب معه أصلاح شيء لفداحة الخسائر وتعاظم المصيبة علينا أن نؤسس رؤيانا لشبابنا وفق أحسن المعايير الأخلاقية وأبهاها ليكون سبباً في رفعة الوطن لا عامل هدم فيه.. نحن على ثقة أن الحكومة باختصاصيها لديها القابلية على وضع الحلول والمعالجات الكفيلة بانتشال ما يمكن انتشاله من شبابنا من وسط دوامة الفوضى وعدم الأكتراث بهم من قبل الكثيرين.

 علينا أن نكون قادرين أن نمليء فراغهم بشيء ما يساعدهم على يقفوا ويتجاوزوا المحنة التي يعيشها أغلبهم وسط محيط الفقر والحيرة من المستقبل واللامبالات من قبل العائلة (المنهكة) التي يعيشها أغلب شبابنا. إذا ما أردنا أن نبدأ فاليوم هو الوقت المناسب لا غداً.. لأن الغد قد يكون موبوءاً بما هو أدهى من اليوم عندها لن ينفع الندم على تفريطنا بعماد الوطن.. شبابنا البهي.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/أيلول/2010 - 22/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م