على قدر أهمية الحوارات واللقاءات التي تجري بين مختلف التيارات
والاحزاب العراقية التي خرجت منتصرة في الانتخابات التي جرت في 7 اذار
الماضي، فانه يبدو ان جميع المؤشرات والدلالات تؤدي بنا الى ان ازمة
البلاد مازالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذه المقالة، وليس هنالك من بارقة
امل او مخرج قريب لها، خصوصا مع تمسك كل طرف بقراراته ومرشحيه وعدم
ابداء اي مرونة تتعلق بالموضوعات مناط الخلافات والتي تعرقل تشكيل
حكومة عراقية جديدة يُراد لا ان تخرج الى الوجود عام 2010.
ويدرك اغلب السياسيين العراقيين، سواء من فاز منهم بالانتخابات او
من خسر فيها ولم يحصل على اصوات كافية لكي يمد له فيها رئيس قائمته يده
حتى ينتشله من حضيض الخسارة الى سماء الصعود للبرلمان العراقي، يُدرك
هؤلاء ان الوضع سيء بل سيء جديد وان صبر الشعب العراقي بدأ ينفد في ظل
اوضاع امنية غير مستقرة وتردي في الجانب الخدماتي مع وجود نسبة كبيرة
من البطالة تخترق الشباب العراقي.
وعلى الرغم من الاوضاع السيئة التي يحياها المواطن، فان الاحزاب
العراقية غير قادرة، على مايبدو،على تشكيل الحكومة وحل خلافاتها
السياسية والتسامي على الصراعات والمناكفات التي تتطاير فيما بينها، بل
انها تُخفي عن الشعب العراقي مايجري في اروقة اجتماعاتها وتخرج بعد كل
لقاء بتصريحات فضفاضة هي مثار للتندر والسخرية من قبل المواطن العراقي
البسيط.
ومن اهم هذه العبارات التي لفتت انتباهي مؤخرا والتي كانت تاخذ حيزا
في تصريحاتها هي
عبارة " لم يتم التطرق للقضايا الخلافية" التي يقولها بعض الساسة
بعد كل حوار او لقاء بين القوائم الفائزة في الانتخابات، حيث يركض عضو
القائمة الفلانية بعد كل لقاء الى وسائل الاعلام لكي يكون له السبق
طبعا ويتصدر اسمه التصريحات السياسية " ثاني يوم " ليتحدث عن مادار في
اللقاء من موضوعات يحاول ان يكشفها للشعب العراقي الذي ينتظر " الفرج
ورحمه الله " من أناس لايعرف بعض منهم لا " الله ولارحمته ".
وتتصدر العبارات التالية ابرز التصريحات التي تعقب كل لقاء، حيث
يشير الفصيلان السياسيان بعد اللقاء الى انه تم "التاكيد على مبدأ
الشراكة الوطنية وقاعدة حكومة الوحدة الوطنية وسلامة وحدة العراق
والابتعاد على المحاصصة الطائفية والحزبية والعرقية ومحاربة الفساد
المالي والاداري وعدم تهميش اي كيان سياسي"، وهي عبارات جميلة وهادئة
ووطنية لكنها ليس لها في الواقع اي مضمون عملي ومصداق فعلي مُعتد به،
خصوصا انهم يعقبون على ذلك بقولهم العبارة المشهورة التي تقول انه
"لكن.... لم يتم التطرق للقضايا الخلافية" !.
السذاجة السياسية التي يتمتع بها بعض سياسي العراق يبدو انها قد
مارست اسقاطا نفسيا على الشعب الذي ظن هذا السياسي او ذاك انه يمكن ان
يخدعه حينما يلتقي مع غريمه من اجل ان يحل الازمة السياسية ثم يفاجئ
الشعب العراقي ليقول له انه في لقاءاته مع الفرقاء لم يتم " التطرق
معهم الى القضايا الخلافية ".
المنطق السليم والعقل الذي من المفترض ان يستحق من يمتلكه ان يقال
عليه عاقل وبالغ يبادر هذا السياسي بسؤال مهم يتعلق بجدوى اللقاءات
التي تجري بين الاطياف والاحزاب السياسية في العراق اذا لم يتم فيها
التطرق للقضايا الخلافية مثار الجدل بينهم والتي تحول دون تشكيل حكومة
عراقية.... اليس الخلافات والنزاعات بين هذه الكتل السياسية هي السبب
الاساسي وراء هذا التشرذم السياسي والازمة التي يعيشها البلد ؟
اليس السبب في هذا التعطيل السياسي في العراق هو الاختلاف فيما
يتعلق بمن يستحق منصب رئاسة الوزراء ؟
وهل يتجرأ احد ليقول بان من يقف وراء عدم تشكلي الحكومة هو عدم
الايمان بحكومة الشراكة الوطنية او التفريط بوحدة العراق او عدم
الايمان بحقوق الانسان او قبوله بالفساد الاداري والمالي في مؤسسات
الدولة ؟
طبعا لاحاجة للتذكير بان قضية من يتولى رئاسة الحكومة الجديدة هي
محل الخلاف الاول والاكبر بين الكتل السياسية الفائزة الكبرى وهي
القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني عدا التحالف
الكردستاني الذي لايطمع في هذا المنصب ومكتفي بمنصب بمنصب رئاسة
الجمهورية الذي يظهر ان بقية الكتل السياسية قد وافقت على ذلك، ولهذا
يجب ان يكون منصب رئيس الوزراء هو محور الحديث والنقاش في كل حوار او
لقاء يجري بين الكتل والاحزاب الفائزة لا ان تجلس ساعات لتخرج بعدها
بتصريحات تتعلق بقضايا ومفاهيم وتعبيرات هي محل للاتفاق والمشاركة في
الرؤية بين الكتل.
يجب على الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات واعني بها بصورة اكثر
دقة العراقية ودولة القانون والائتلاف الوطني ان تدخل في نقاش جدي
وفعال ومثمر حول القضية الخلافية فيما بينهم وهي منصب رئيس الوزراء من
اجل حلها بعيدا عن الشعارات المتلفعة برداء الوطنية التي ما عادت على
البلاد ومواطنيه اية فوائد عملية يشعر بها في حياته التي يبدو انها
اصبحت وبالا عليه.
[email protected] |