النازحون حول العالم... هجمات الطبيعة وويلات الحروب

 

شبكة النبأ: شهد العالم خلال هذه السنوات موجة نزوح كبيرة بسبب الظروف المستحيلة التي أجبرت الآلاف من السكان على الهروب الى ملاذات آمنة تقيهم التهديدات المميتة التي تحيط بهم، ويشترك معظم هؤلاء النازحون في طبيعة المعاناة والمرارة التي تسببت بها ظروف مناطق سكناهم، بغض النظر ان كانت ظروف بيئية او أمنية او سياسية.

حيث تشير المنظمات الإنسانية إلى خطورة أوضاع النازحون وتدهور شؤونهم بشكل مستمر، فيما ترتفع في اغلب الأحيان أعداد الضحايا في صفوفهم.

لا عودة

فقد بيّن استطلاع تجريه الأمم المتحدة حول النازحين من مختلف الأجزاء المتأثرة بالنزاع في المناطق القبلية التي تدار فدرالياً والمتاخمة للحدود الأفغانية أن الأسباب الرئيسية لعدم رغبة النازحين في العودة إلى ديارهم تتمثل في انعدام الأمن وتعرض ممتلكاتهم للدمار وعدم توفر فرص العمل هناك.

فوفقاً لتحديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في 9 يوليو، قالت 35 بالمائة من الأسر النازحة التي شملها الاستطلاع في بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختون خوا، والتي يزيد عددها عن 15,000 أسرة، أن انعدام الأمن يمنع عودتها إلى المناطق القبلية المجاورة. وقد ذكرت 26 بالمائة منها أن السبب في عدم عودتها يتمثل في الأضرار التي لحقت بأراضيها ومساكنها بينما عزت 17 بالمائة منها ذلك إلى عدم وجود فرص عمل في المناطق التي جاءت منها.

كما أفاد 60 بالمائة من الأشخاص الذين شملهم تقييم مواطن الضعف المشترك بين المجموعات القطاعية، الذي ما يزال مستمراً، أنهم يعيشون في بيشاور منذ أكثر من عام. كما قال 53 بالمائة أنهم جاءوا من باجور ومهمند، وهما مقاطعتان من مقاطعات المناطق القبلية السبع. وقالت الطبيبة النفسية هميرا أحمد، وهي متطوعة في مخيم جالوزاي للنازحين الذي يقع خارج مدينة بيشاور: "هؤلاء الناس مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بثراهم. فالقصص المتجذرة في ديارهم تنتقل من جيل إلى آخر. ولذلك فإن خيار البقاء بعيداً هو قرار صعب جداً بالنسبة لهم. بحسب إيرين وكالة حقوق الانسان.

وقال بعض النازحين أنهم يفكرون ملياً قي الانتقال بشكل دائم من أماكن مثل باجور إلى المدن الكبرى بحثاً عن فرص عمل أفضل وعن المدارس والأمن.

وفي هذا الإطار قال عياز خان، 40 عاماً، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد عشت في بيشاور لمدة ثمانية أشهر وحصلت على وظيفة كحارس أمن. وقد وفر لي رب العمل مكاناً أسكن فيه.

وعلى الرغم من أن العيش في غرفة واحدة مع زوجتي وأطفالي الأربعة أكثر اكتظاظاً من منزلنا في باجور، ولكننا على الأقل نعلم أننا آمنون وأنه لن يكون علينا الفرار من جديد". وقال خان أنه عاد وحده إلى باجور قبل بضعة أسابيع ليجد أن أضراراً بالغة لحقت بمنزلهم الذي يقع في قرية بالقرب من خار، البلدة الرئيسية في المقاطعة. وأضاف أن "التوتر كان مستمراً بين القوات [الباكستانية] والمسلحين".

وقالت زوجة خان، نعيمة بيبي، أنها بدأت تتعود على العيش في بيشاور وأنها تبتهج "بالذهاب برفقة قريبتها للتسوق في السوبرماركت واستخدام عربات التسوق" على الرغم من أن إمكانياتهما المادية لا تسمح لهما سوى بوضع عدد قليل من الحاجيات فيها.

كما زادت الحوادث الأمنية كالهجوم الانتحاري بسيارة مفخخة الذي وقع في 9 يوليو في مهمند مودياً بحياة ما لا يقل عن 106 أشخاص، من شعور النازحين بالخوف وعدم الرغبة في العودة إلى الديار.

وتساءلت عايشة بيبي، وهي أم لخمسة أطفال تنحدر من مهمند وتعيش الآن في بيشاور: "كيف يمكننا العودة بأطفالنا إلى مثل هذه الأوضاع؟ فواجبنا كآباء الحفاظ على سلامتهم". وقالت أن قطعة الأرض التي تملكها الأسرة في مهمند تعرضت للدمار وأن زوجها يكسب أموالاً أكثر الآن من عمله كسائق شاحنة.

وكالعديد من الأسر النازحة الأخرى، تعيش عائشة وأسرتها عند أقارب لهم. ولكن مع جني زوجها المزيد من الأموال الآن، تبحث الأسرة عن شقة للإيجار، حيث قالت: "نريد أن نبدأ حياة لائقة وأن لا نكون عبئاً على أحد.

ولم يكن جميع النازحين محظوظين بما فيه الكفاية للعثور على وظيفة ولكن ذلك لم يدفعهم إلى العودة إلى ديارهم، حيث قال النازح في بيشاور رستم خان "أنا مفلس ولكنني آمن هنا - وهذا بحد ذاته مكافأة.

حرب الصومال

الى ذلك أفادت مصادر محلية أن الأوضاع المعيشية لآلاف النازحين في مقديشو ومحيطها مستمرة في التدهور يومياً، حيث يتفاقم الجوع والمرض والافتقار إلى المأوى بين السكان المستضعفين أصلاً. وقالت مامينو مهاد حسن، التي تعيش في مخيم "عليش بيها" للنازحين في أطراف مقديشو، "نعاني من الكثير من المشاكل، بما في ذلك استمرار القتال والجوع. كما أن الكثير منا دون مأوى بعد أن أصبحت الخيام [المصنوعة من البوليثين] مهترئة. نعيش الآن في العراء ويهيم أطفالنا على وجوههم لأنهم لا يذهبون إلى المدرسة،" مضيفة أن الحصول على الغذاء يبقى التحدي الأكبر بالنسبة للنازحين. بحسب إيرين.

وأوضحت قائلة: "خلال النهار أقصد سوق بكارة بحثاً عن الطعام لأسرتي ولكنني لا أحصل على أي شيء مما يتركنا نعيش على الماء وننام جوعى...ولكن أكثر ما يقلقني هو افتقار طفلي للتعليم". وتشهد مقديشو قتالاً عنيفاً بين القوات الحكومية المدعومة من قبل الاتحاد الإفريقي واثنتين من الميليشيات الإسلامية هما حركة الشباب وحزب الإسلام. وتسيطر هاتان الحركتان على أجزاء كبيرة من مقديشو وأجزاء من جنوب ووسط الصومال، في حين تسيطر الحكومة الاتحادية الانتقالية على جزء صغير فقط من المدينة.

وقد وصف عمال الإغاثة النزوح الذي شهدته الصومال عام 2010 بأنه الأكبر منذ عدة سنوات. وقالت روبرتا روسو، الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الصومال، أن لتدهور الوضع الأمني في مقديشو "انعكاسات كبيرة على حياة مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال النازحين في المناطق المحيطة بمقديشو".

وأضافت قائلة: "تصلنا تقارير تفيد بعدم حصول أعداد أكبر من الأشخاص على المياه والرعاية الصحية والمأوى المناسب. إنها كارثة".

وقالت فطومة معلم أحمد، 55 عاماً، التي تنحدر من منطقة هودان في مقديشو ولكنها تعيش الآن في مخيم "عليش بيها" أن القتال في المدينة فرقها عن أفراد أسرتها.

وعن ذلك قالت: "منذ أن لذنا بالفرار من هودان بعد القتال العنيف الذي شهدته المنطقة، قتل بعض أقاربي وفر أفراد أسرتي باتجاهات مختلفة ولا أعرف أين هم الآن بمن فيهم ابني الأكبر... لا يوجد سوى طفلي الأصغر معي. ولكنني لا أرى له مستقبلاً مشرقاً، فالحياة هنا أصعب مما كانت عليه في هودان".

وأضافت قائلة: "لم نتلق أية مساعدة خلال الأوقات العصيبة. لماذا يتطفل هؤلاء المراهقون [المليشيات] على بلدنا ويتسببون في قتلنا وتشريدنا. إنهم أولادنا ولكنهم يفعلون كل هذا بنا".

الضعف

وقال محمد عدن، منسق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمنطقة جنوب ووسط الصومال أن العديد من الأسر النازحة المستضعفة تعتمد "على المساعدات الإغاثية الهزيلة التي يقدمها عدد قليل من المنظمات الإنسانية على الأرض".

وأضاف أن "النساء والأطفال والشيوخ يبقون لأيام دون غذاء مما يضعف مقاومة أجسامهم للأمراض... كما أن مستوى سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة مستمر في الارتفاع يوماً بعد يوم".

وقال أن الهياكل التي قام النازحون ببنائها ضعيفة وبالكاد تحميهم من أشعة الشمس الحارقة نهاراً والرياح ليلاً.

وأضاف أن "الأمطار التي استمرت في الهطول خلال الأشهر القليلة الماضية جعلت حياتهم أكثر بؤساً ... فهم تركوا كل شيء وراءهم للنجاة بحياتهم ولم يكن باستطاعتهم حمل حاجياتهم الشخصية معهم".

ووفقاً لعدن، يعتبر الحصول على مياه الشرب النقية في المناطق التي نزحوا إليها "بمثابة كابوس، لاسيما في شمال مقديشو حيث يتفاقم نقص المياه".

وأضاف أن "الفتيات الصغيرات والنساء يقطعن مسافات طويلة لجلب الماء... وهو أمر خطير أحياناً خصوصاً عندما يقمن بهذه الرحلات بمفردهن".

بدوره، قال محمد علي موسى، هو نازح يسكن في مخيم حواء عبدي على مشارف العاصمة مقديشو: "نحن شبه موتى هنا، فلم يبق لنا شيء أو حتى حياة. إنهم يطعموننا أسلحة وقصف كل يوم... لا نستطيع مقاومة هذه الأسلحة الثقيلة؛ ولا أحد يهتم لأمرنا، نحن نريد أن يتوقف القتال". وأضاف أن الفقراء هم الأكثر تضرراً من القتال وانعدام الأمن.

ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نزح أكثر من 200,000 شخص في الصومال منذ بداية 2010، معظمهم من مقديشو وأجزاء أخرى من جنوب وسط الصومال.

كما أفادت إحصائيات المفوضية بوجود نحو 1.4 مليون نازح في الصومال خلال عام 2009، مليون شخص منهم على الأقل فروا من مقديشو في عامي 2007 و2008. كما يوجد ما لا يقل عن 583,755 لاجئ صومالي في الدول المجاورة.

اللاجئون العراقيون

من جانبها أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن مراجعة ملفات اللاجئين العراقيين المسجلين لديها في سوريا أظهرت انخفاض عددهم في البلاد.

وقالت وفاء عمر، الناطقة باسم المفوضية في سوريا: "قمنا في عام 2010 بإصدار مراجعة لعدد اللاجئين العراقيين المسجلين بعد التحقق من وجودهم في سوريا في عام 2009".

ووفقاً للمفوضية، تم إلغاء ملفات اللاجئين الذين لم يجروا أية اتصالات مع مكتبها لأكثر من أربعة أشهر ولم يتسلموا قسائم الأغذية لمدة شهرين.

وقد تم إلغاء تسجيل أكثر من ربع العراقيين المسجلين في سوريا (58,000) ملفاً، ليبقى عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية في البلاد 165,493 لاجئاً حتى نهاية أبريل من هذا العام. وأكدت المفوضية أنه "يمكن إعادة تفعيل الملفات الملغاة بعد تقييم معمق" في حال اتصل أصحابها بالمفوضية طالبين ذلك. وتعزو المفوضية إعادة نظرها في الأرقام إلى حالات "العودة أو الوفاة أو المغادرة الطوعية لبلدان ثالثة".

وكان مكتب المفوضية بسوريا قد سجل منذ بداية الحرب أكثر من 260,000 لاجئ عراقي. وساعدت المفوضية 1,200 لاجئ على العودة في حين غادر حوالي 21,000 لاجئ آخر البلاد دون مساعدة المفوضية.

ويعتبر العدد الحقيقي للاجئين العراقيين أعلى مما تعكسه سجلات المفوضية بالرغم من كونه أقل بكثير من الـ 1.2 مليون الذي تردده السلطات السورية.

وبينما لم يشأ الكثير من اللاجئين التسجيل لدى المفوضية، يصعب على المنظمة الأممية كذلك الوصول إلى الكثير منهم في محيطهم الحضري. وعلقت إليزابيث كامبل، وهي مناصرة بارزة في منظمة اللاجئين الدولية، على ذلك بقولها: "إذا ما نظرنا إلى الأرقام المسجلة رسمياً، فقد تم الوصول إلى عدد قليل للغاية". وأضافت أن "الكثير من اللاجئين لم يقبلوا على العودة".

وقد شكل التمويل مشكلة بالنسبة للمنظمات العاملة في مجال اللجوء بسبب الأزمة المالية العالمية، في الوقت الذي ارتفعت فيه متطلبات الميزانية. ففي نهاية عام 2009، طلبت المفوضية مبلغ 10 مليارات دولار كميزانية لجميع برامجها، وهو رقم أكبر بكثير من أي وقت مضى.

غير أن المفوضية أوضحت أن مراجعة عدد اللاجئين غير مرتبطة باعتبارات مالية، حيث أشارت عمر إلى أن "هذا التعديل لا له علاقة بضغط المانحين للحد من التمويل بل هو انعكاس لمصداقية المفوضية في استخدام أرقام أكثر دقة".

وهناك عدة عوامل تجعل تحديد وضع اللاجئين العراقيين أكثر صعوبة من أية مجموعة لاجئين أخرى. فسوريا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 مما يعني أنها تعتبر هؤلاء اللاجئين بمثابة زوار في سوريا شأنهم في ذلك شأن المهاجرين لأسباب اقتصادية. وبينما أحضر العديد من اللاجئين العراقيين معهم أموالاً إلى سوريا، يحصل البعض الآخر على تحويلات مالية من بغداد، مما جعل المانحين أقل ميلاً لاعتبارهم لاجئين، حسب بعض المنظمات والجهات المانحة. كما أن استقرار العديد من العراقيين في المناطق الحضرية بدل المخيمات، جعل من الصعب على المفوضية الوصول إليهم وتسجيلهم.

بالإضافة إلى ذلك، تسبب تنقل العراقيين، في كثير من الأحيان من وإلى أرض الوطن، في تشكيك البعض في وضعهم كلاجئين. غير أن كامبيل علقت على ذلك بقولها: "ليس هناك شيء غريب في عودة اللاجئين العراقيين لجس النبض في بلدهم. فالتنقل أمر ضروري لأسباب اقتصادية أو شخصية وهو لا يعني عدم الحاجة إلى الحماية".

وفي السياق نفسه، أوضحت عمر أن "العراقيين المسجلين لدى المفوضية والذين ينتقلون بين سوريا والعراق لا زالوا يعتبرون لاجئين وهم بحاجة للحماية والمساعدة. والعديد منهم يعودون إلى العراق لتقييم الوضع الأمني ولم يقوموا بإقفال ملفاتهم".

وبالرغم من أن العديد من اللاجئين العراقيين في سوريا اعتبروا إقفال ملفات اللاجئين العراقيين الذين عادوا إلى العراق أمراً معقولاً، إلا أنهم أعربوا عن قلقهم لأن رحلاتهم إلى العراق عادة ما تستغرق وقتاً أطول من المتوقع مما يبقيهم بعيدين لفترات طويلة.

وقال أحد اللاجئين من بغداد طلب عدم ذكر اسمه: "في بعض الأحيان نعتقد أننا سنعود إلى الديار لشهر فقط لمعرفة الوضع ولكن إمكانية العودة مجدداً إلى سوريا قد تتغير أو قد يحدث أي شيء لأسرنا .

وقالت كامبل أنه إذا لم يتناسب العدد المخفض مع الوضع على الأرض، فإن العديد من اللاجئين سيصبحون في موقف صعب. وأوضحت ذلك بقولها: "إذا بدأ المال والدعم في الاختفاء سيجد اللاجئون أنفسهم مجبرين على اتخاذ قرارات صعبة: فإما حياة الفقر في سوريا أو العودة غير الآمنة إلى العراق.

هاربون من القصف

في سياق متصل أفاد مسؤولون محليون أن القصف التركي الإيراني لمواقع المتمردين شمال العراق أسفر عن نزوح مئات الأسر العراقية الكردية من قراها في المناطق الحدودية إلى المخيمات.

وفي هذا السياق، قال عبدالله إبراهيم، عمدة بلدة سنجاسار الحدودية في محافظة السليمانية التي تعتبر جزءاً من كردستان العراق: "لدينا الآن مخيمان أحدهما يأوي 530 أسرة والآخر 125 أسرة، بينما انتهى المطاف بعشرات الأسر الأخرى في منازل أقاربها بسبب استمرار القصف التركي والإيراني على مواقع المتمردين".

وأضاف أن "هؤلاء القرويين يعيشون حياة بائسة الآن. فقد تركوا وراءهم قراهم وبساتينهم بسبب الصراع الذي لا يد لهم فيه. وعلى الرغم من المساعدات التي توزعها الحكومات والمنظمات غير الحكومية، إلا أنهم لا زالوا بحاجة ماسة إلى الكثير من المساعدة".

وأوضح إبراهيم أن الحكومة العراقية أمرت بمساعدة القرويين النازحين بمبلغ مليون دينار عراقي (850 دولار) لكل أسرة. ولكن أسراً معدودة فقط هي التي حصلت على هذه المساعدة حتى الآن بسبب الإجراءات البيروقراطية البطيئة.

وقد استخدم المسلحون من حزب العمال الكردستاني التركي والحزب الإيراني من أجل الحياة الحرة في كردستان منطقة شمال العراق كنقطة انطلاق لهجمات الكر والفر على الأهداف التركية والإيرانية منذ عام 1984. ويحارب الحزبان معاً من أجل الحصول على الحكم الذاتي في المناطق التي تقطنها الأغلبية الكردية جنوب شرق تركيا وشمال غرب إيران. وقد لقي أكثر من 40,000، شخص، معظمهم من الأكراد، حتفهم في هذه الحرب المتقطعة.

وبعد إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في مايو يأسه من الحوار مع الحكومة التركية، تدهور اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين وتصاعدت الهجمات على جانبي الحدود، في ظل ورود تقارير عن مقتل عشرات الجنود الأتراك والمقاتلين الأكراد والمدنيين في الأسابيع الأخيرة. وقد رفضت الحكومة العراقية طلب تركيا للمساعدة.

وينتظر رسول خدري وأفراد أسرته الستة بفارغ الصبر توقف القتال محتمين بخيمة صغيرة في أحد المخيمات  في سلسلة جبال قنديل الواقعة على الحدود بين إيران وتركيا.

واشتكى خدري، البالغ من العمر 65 عاماً، سوء أوضاع أسرته لشبكة الأنباء الإنسانية () قائلاً :"نحن نعاني كل يوم من مشاكل عديدة. فليس لدينا ما يكفي من الماء للغسيل والشرب كما لا تتوفر لدينا مراحيض ملائمة ...كنا نحيا حياة جيدة في قُرانا ولذلك نطالب بحل سياسي سريع لنتمكن من العودة إلى بساتيننا".

ولا تتوفر أية أرقام رسمية حول الأضرار التي لحقت بالقرى والثروات الحيوانية والبساتين في المدن والقرى الحدودية لكردستان العراق الواقعة على بعد حوالي 350 إلى 400 كيلومتر شمال بغداد.  وفي السياق نفسه، أفاد هوشيار مصطفى، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن العديد من الأسر لا زالت تفر من قراها" وأن "هناك حاجة للمزيد من الخيام ومواد الإغاثة". وأضاف أن فرق اللجنة الدولية تقوم بتوزيع حصص المساعدات التي تشمل الأرز والزيت والفول والعدس والشاي ومواد النظافة ولكن لا يوجد ما يكفي للجميع بالإضافة إلى أن النازحين يحتاجون لغاز الطبخ والكيروسين.

وعلق عبدالله كاكا ويسي، وهو نازح يبلغ من العمر 55 عاماً وأب لخمسة أطفال، على وضع النازحين بقوله: "لقد انتهى بنا المطاف كمتسولين... لم أكن بحاجة لشيء من الحكومة حين كنت أعيش في قريتي سوى العيش بسلام. أما الآن فقد أصبحنا بين نارين: نار المتمردين ونار تجاهل الحكومة.

الترحيل القسري

من جانب آخر ناشد مسؤولو اللجوء وجماعات حقوق الإنسان عدداً من الدول الأوروبية بعدم إجبار طالبي اللجوء العراقيين، خصوصاً المنتمين منهم إلى أقليات، على العودة إلى بلادهم وذلك بسبب انعدام الأمن فيها.

وقد جاءت هذه المناشدة رداً على الخطط التي أعلنتها المملكة المتحدة والسويد وهولندا والنرويج مؤخراً لإعادة اللاجئين العراقيين إلى بلدهم. وقد بدأت المملكة المتحدة بالفعل بترحيل بعض العراقيين وهو ما يشرح عودة حوالي 40 طالب لجوء إلى بغداد في 17 يونيو ضمن ثالث عملية ترحيل تقوم بها المملكة المتحدة هذا الأسبوع.

وفي هذا السياق، قالت ميليسا فليمينغ، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خلال مؤتمر صحفي، "إن موقفنا والنصيحة التي نقدمها للحكومات تتمثل في ضرورة استمرار استفادة طالبي اللجوء العراقيين القادمين من محافظات بغداد وديالى ونينوى وصلاح الدين وكركوك من الحماية الدولية. يعكس موقفنا الأوضاع الأمنية غير المستقرة واستمرار ارتفاع مستوى العنف بالبلاد والحوادث الأمنية وانتهاكات حقوق الإنسان التي تجري في هذه المناطق من العراق".

وفي الوقت الذي تم فيه توجيه انتقادات كبيرة للحكومة البريطانية بسبب سرية عمليات ترحيلها، تصر هذه الأخيرة على أن أولئك الذي رحلتهم ينتمون لمناطق أكثر أمناً في العراق. وأعربت المفوضية عن قلقها من أن العودة القسرية تبعث برسالة خاطئة إلى البلدان المضيفة المجاورة للعراق، خصوصاً سوريا والأردن.

الهجمات على الأقليات

وتخشى الأقليات العراقية، بما فيها المسيحيون من مختلف الطوائف واليزيديون والشبك، الذين يعيشون في بلدان ثالثة من تعرضهم للعودة القسرية. وأخبر لاجئ عراقي مسيحي كلداني، طلب عدم الكشف عن اسمه، يعيش في هولندا منذ عام 2006 شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه يخشى أن العودة بسبب الهجمات العديدة التي تستهدف طائفته في العراق. وأشار إلى أن "عمليات الخطف والقتل لدوافع سياسية لا تزال تحدث فيما يبدو أنه محاولة لإخراج سكان العراق الأصليين من البلاد أو القضاء عليهم".

وهذا اللاجئ هو واحد من أكثر من نصف مليون مسيحي عراقي فروا من البلاد منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003. ووفقاً لمعهد بروكينغز في الولايات المتحدة، يوجد الآن حوالي 500,000 مسيحي في العراق مقارنة بما بين مليون و 1.4 مليون قبل عام 2003. وعلق على ذلك الدكتور غازي رحو، وهو عراقي مسيحي فر من البلاد منذ عدة سنوات ويعمل حالياً كأستاذ في الأردن، قائلاً: "يستمر المسيحيون في التعرض للاستهداف دون وجود أية حماية من السلطات العراقية".

وكان ابن عم رحو، رئيس الأساقفة بولص فرج رحو، وهو مسيحي بارز في العراق، قد تعرض للقتل في فبراير 2008 في حادث أدى إلى فرار 12,000 مسيحي من محافظة الموصل التي تقع على بعد حوالي 400 كلم شمال غرب بغداد. وأشار رحو إلى أنه "حتى هذا التاريخ لا تزال عمليات الخطف والاغتيالات تحدث، ويتم استخدام تكتيكات أخرى لترهيب المسيحيين كقصف الكنائس مثلاً".

ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في أبريل 2010، لقي أكثر من 100 شخص حتفهم خلال الفترة بين منتصف شهر يوليو ومنتصف شهر سبتمبر 2009 في هجمات استهدفت المسيحيين والصابئة المندائيين واليزيديين والتركمان الشيعة والشبك وغيرهم.

ودعت منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي إلى "وضع حد لجميع عمليات الإعادة القسرية إلى أي جزء من العراق"، مشيرة إلى أنه "لا ينبغي أن تتم أية عودة لطالبي اللجوء المرفوضين إلا بعد استقرار الوضع الأمني في عموم البلاد".

من جهتها، قدمت منظمة حقوق الأقليات الدولية، وهي منظمة غير حكومية بأدلة مفصلة على العنف ضد الأقليات في العراق في تقرير أصدرته في 10 يونيو وأعربت فيه عن الحاجة الملحة لوضع تشريعات لحقوق الأقليات في البلاد بهدف التصدي لجو "الإفلات من العقاب السائد فيما يتعلق بالهجمات على الأقليات".

في غضون ذلك، أعلنت المفوضية في 18 يونيو أن 100,000 عراقي أحيلوا لإعادة التوطين من الشرق الأوسط إلى بلد ثالث منذ عام 2007. ويعيش حوالي 45 بالمائة من هذا العدد في سوريا، حسب المفوضية. وأضافت المنظمة أن نسبة قبول البلدان المضيفة وصلت إلى 80 بالمائة، من بينهم 76 بالمائة قبلوا من طرف الولايات المتحدة.

دروب الموت في اليمن

الى ذلك كان علي حسن سالم يبلغ من العمر 10 سنوات عندما تم الاتجار به إلى السعودية. وعن الأسباب التي دفعته إلى ذلك المصير، قال الصبي: "انقطعت عن المدرسة عندما كبرت قليلاً وبدأت عندها بتنظيف السيارات". ولأنه لم يكن يستطيع جني سوى القليل من المال في اليمن وبعد سماعه عن فرص العمل في السعودية، قرر علي أن يجرب حظه هناك.

وعن رحلته قال: "تعتبر المنطقة الحدودية الفاصلة مكاناً قاسياً للغاية...إذ تنتشر فيها الحيوانات البرية والعصابات الإجرامية. وقد كنت محظوظاً لأنني لم أتعرض لأذىً هناك".

وفي جازان داخل الحدود السعودية وجد علي عملاً في موقع بناء، حيث قال: "لم أكن أكسب الكثير من المال وبعد الإنفاق على الطعام، كنت أوفر 200 ريال سعودي [55 دولاراً] فقط ... لقد كان العمل شاقاً وكان السعوديون يعاملوننا بقسوة".

وبعد شهر من العمل الشاق والنوم في منزل مهجور برفقة بعض الرجال من مصر والصومال، قرر علي العودة إلى دياره قائلاً أنه كان يشعر بالخوف طوال الوقت والحنين لأأسرته. ولكنه تعرض للتوقيف على يد الشرطة السعودية على الحدود، ووصف تلك الحادثة بالقول: "لقد حاولنا الهرب ولكننا تعرضنا للضرب بالأحزمة والهراوات وقضيت بعدها ثلاثة أيام في مركز اعتقال". واليوم ينصح علي أي طفل يمني بعدم الذهاب إلى السعودية للبحث عن عمل إذ يقول لهم: "لا تذهبوا إلى هناك فهذا عمل خطير للغاية والعديد [من الأطفال] يرجعون إلى ديارهم مدمرين".

ولكن مع تزايد الفقر ووقف إطلاق النار الهش في الشمال، تتزايد المخاوف من ارتفاع معدلات الاتجار بالأطفال.

ولا توجد أرقام موثوقة حول الاتجار بالأطفال من اليمن. ولكن إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تفيد أن عدد الأطفال الذي تم الاتجار بهم إلى السعودية انخفض من 900 طفل عام 2008 إلى 602 طفل عام 2009 بسبب حملات التوعية والتعاون بين السلطات اليمنية والسعودية في هذا الشأن.

مع ذلك، يعزي آخرون الانخفاض إلى تعزيز دوريات الحدود السعودية بسبب الصراع في الشمال. وفي هذا السياق، قال جمال الحدي من جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، وهي منظمة غير حكومية محلية: "إذا تم رفع القيود [المفروضة على الحدود]، فإن الأرقام سوف ترتفع مرة أخرى".

كما تخشى منى علي سالم، من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، من أن يدفع الفقر العديد من النازحين إلى إرسال أطفالهم إلى العمل عندما يبدؤوا بالعودة إلى ديارهم في صعدة، حيث قالت: "اشعر بالقلق من أن يتم إرسال الأطفال للعمل في المدن الكبرى وفي السعودية".

ويرى الحدي كذلك أن الاتجار بالأطفال مرتبط بالفقر. "فالوضع الاقتصادي سيئ في اليمن... والكثيرون فقدوا منازلهم وسبل رزقهم بسبب الحرب [القتال المتقطع بين القوات الحكومية والمتمردين بقيادة الحوثي في الشمال منذ عام 2004]".

وكانت دراسة أجريت عام 2008 من قبل جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية بعنوان "تحليل حالة الاتجار بالأطفال" قد أشارت إلى أن 70 إلى 80 بالمائة من الأسر التي شملتها الدراسة أرسلت أطفالها بعيداً بسبب الفقر.

وأضاف الحدي أنه "عند عودة العديد من الأشخاص إلى ديارهم، لن يكون لهم خيار سوى إرسال أطفالهم إلى السعودية أو الانخراط في عمليات التهريب في ظل عدم توفر أي عمل آخر هناك ... ولذلك سوف يعتمدون على أطفالهم في الكثير من الحالات لجني المال".

وأوضح الحدي أنه بينما يتم تهريب الأطفال إلى السعودية للعمل هناك يقوم الأطفال أنفسهم أيضاً بتهريب البضائع عبر الحدود، مضيفاً أنه على الرغم من غياب الإحصائيات الدقيقة، إلا أن التقديرات تشير إلى أن ثلثي الأطفال الذين يعيشون في المناطق الحدودية في حرض منخرطون في عمليات التهريب. ففي الوقت الذي قد يواجه فيه الراشدون أحكاماً بالسجن لسنوات طويلة، لا يتعرض الأطفال لمثل هذه الأحكام.

غير أن هذا العمل خطير للغاية وغالباً ما يترك الأطفال اليمنيين دون ما يكفي من التعليم، إذ أوضح الحدي أن "الكثير من الأطفال يتركون المدرسة لأنهم يعملون في الليل... وفي بعض الأحيان تتخذ السلطات السعودية إجراءات صارمة ضد التهريب. وعند محاولتهم الهرب، يتم إطلاق النار عليهم أحياناً مما يؤدي إلى إصابتهم أو مقتلهم".

وفي زيارته لقرية الخضور على الحدود اليمنية في عام 2008، تم إبلاغ الحدي أن القرية تضم مئات الأطفال المعوقين نتيجة إصابتهم بأعيرة نارية أو دهسهم من قبل الدوريات السعودية أثناء محاولتهم الفرار.

ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة سي إتش إف إنترناشونال، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة تعمل من أجل إحداث "تغيير إيجابي طويل الأمد في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمتوسط في العالم"، أن ما يزيد عن 60 بالمائة من الأطفال الذين عملوا في السعودية كانوا عرضة للإيذاء البدني وأكثر من 10 بالمائة منهم كانوا عرضة للاستغلال الجنسي. كما كان الآباء والأمهات السبب في دفع الأطفال إلى التسلل إلى السعودية في أكثر من 80 بالمائة من الحالات.

وللمساعدة في الحد من الاتجار بالأطفال، تسعى منظمة سي إتش إف إنترناشونال بالتعاون مع جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية ومن خلال برنامج "أكسس بلاس" إلى العمل مع خمس مدارس حكومية قرب مخيمات المزراق الثلاثة للنازحين في مديرية حرض في محافظة حجة للوصول إلى الأطفال النازحين فضلاً عن الأطفال المعرضين لخطر الاتجار في المجتمعات المضيفة. وتتمثل الخطة في توفير التعليم الابتدائي لما لا يقل عن2,000 فتى وفتاة تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاماً، 70 بالمائة منهم من النازحين و30 بالمائة من أطفال المنطقة. كما أن هناك خططاً لتوفير فرص عمل لـ 500 يافع تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً، 30 بالمائة منهم من سكان المنطقة و70 بالمائة من النازحين وذلك من خلال برامج التعليم غير النظامي والتدريب المهني.

ولتقديم المزيد من المساعدة في الحد من ظاهرة الاتجار بالأطفال وتهريبهم ومكافحتها، تقوم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بدعم مدرسة يرموك المزراق (التي تقع بالقرب من مخيمات المزراق الثلاثة) والتي يرتادها 1,250 طفلاً نازحاً. وقد قامت السلطات المحلية أيضاً بتسجيل 299 طفلاً نازحاً آخراً في مدارس أخرى في مديرية حرض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آب/2010 - 20/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م