شبكة النبأ: يعد استكمال القوات
الأمريكية سحب قطعاتها من العراق حدث تاريخي بارز تشخص له اعين
المتابعين سواء كانوا من داخل او خارج هذا البلد، سيما بعد سنوات طويلة
من هيمنة تلك القوات على الشؤون العامة ومفاصل بناء الدولة، ورعايتها
للتحول السياسي الكبير الذي حدث، فيما لا يخفي سكان البلاد مخاوفهم من
ذلك الانسحاب وما سوف تترتب عليه من تداعيات سياسية واجتماعية
واقتصادية، فلم تلمح اي من مظاهر الفرح او السرور من شوارع بغداد
والمدن العراقية لتلك المناسبة، فيما غابت تعابير الفرح عن اوجه
العراقيين بصورة عامة، على العكس من البهجة التي ارتسمت على وجوه
الجنود الامريكان وهم يحزمون حقائبهم للعودة.
هواجس وقلق
فلم يدر بخلد ابو مجاهد وهو المقاتل الذي فقد احد ساقيه نتيجة قتاله
ضد القوات الامريكية في العراق ان موعد انسحاب القوات الامريكية من
وطنه وهو التاريخ الذي ظل يحلم به لسنوات وكاد يدفع حياته ثمنا له
سيكون امرا مقلقا ومحيرا له ولكثيرين من مواطني مدينة الفلوجة.
وعندما سئل ابو مجاهد عن رأيه في انسحاب القوات الامريكية من العراق
قال وهو يحاول ان يشيح بوجهه بعيدا وبصوت يكسوه الالم والحسرة والتردد
"هذا ليس من مصلحة العراق في الوقت الحاضر."
ابو مجاهد أو هكذا اراد ان يلقب هو من ابناء مدينة الفلوجة التي تقع
ضمن محافظة الانبار غرب العراق وهي المدينة التي شهدت في مارس اذار
وديسمبر كانون الاول عام 2004 معركتين ضاريتين ضد القوات الامريكية راح
ضحيتهما المئات من المسلحين والمدنيين.
وأرغمت تلك المعارك التي استهدفت سحق بوادر تمرد مسلح يرفض الوجود
الامريكي الاف الاسر على ترك المدينة خوفا على حياتهم.
وقال ابو مجاهد من منزله في الفلوجة وهو يضع عكازه جانبا محاولا
الجلوس على المقعد "نعم قاتلنا الامريكان حتى الموت وانا فخور بذلك
وكنا طوال كل هذه السنوات نحلم باليوم الذي يخرجون فيه من العراق."
وأضاف وهو يدس يديه متحسسا فروة رأسه حيث توجد بقايا شظايا "أنظر
الى رأسي.. مد يدك.. هنا.. هذه شظيتان. انظر الى رجلي (الساق السليمة)...
أنظر الى هذه الشظايا. هذا ظهري. كله شظايا.. هل تريد ان انزع دشداشتي
(ثوبي) لترى جسدي.. كله مغطى بجروح وشظايا." ومضى يقول "هذا كله شواهد
لمعركة الشرف التي خضناها في الفلوجة ضد الامريكان." بحسب رويترز.
ومع اقتراب الموعد الرسمي لانهاء العمليات القتالية الامريكية في
العراق يوم 31 اغسطس اب وتقلص عدد الجنود الامريكيين الى 50 ألفا بدت
اراء العراقيين مضطربة ازاء توقيت الانسحاب وما قد يتبعه من صراعات على
الارض وهو ما أفرز هواجس وقلقا مما قد تؤول اليه الاحداث حتى بالنسبة
لاولئك الذين حملوا السلاح وقاتلوا القوات الامريكية وقدموا في لحظات
كثيرة ارواحهم وحلموا لسنوات بجلاء هذه القوات عن ارضهم.
ويعتقد ابو مجاهد شأنه شأن الكثير من العراقيين ان القوات العراقية
من الجيش والشرطة لم تصل بعد الى مايؤهلها لادارة الملف الامني وحدها
وصد اي هجوم خارجي على العراق.
وينظر كثير من العراقيين وخاصة السنة منهم بريبة وخوف من اي دور
ايراني داخل العراق قد ينشأ ويتعاظم بعد الانسحاب الامريكي لملء الفراغ
الذي يخشى كثيرون ان يحدث بعد الانسحاب. وتدعم ايران الحكومة العراقية
التي يهمين عليها الشيعة ويتهم السنة وكذلك عدد من الشيعة ايران
بالتدخل بالشأن العراقي وهو ما تنفيه طهران.
وقال ابو مجاهد "الانسحاب (الامريكي) الان ليس من مصلحة العراق
لانهم سيتركون العراق لايران وسنستبدل الاحتلال الامريكي بالاحتلال
الايراني الذي سيكون اطول عمرا واكثرا خطرا من الاحتلال الامريكي."
ويتهم الجيش الامريكي في العراق واطراف سياسية عراقية ايران بتدريب
وتمويل ميليشيات شيعية مسلحة لتنفيذ عمليات مسلحة في العراق وهي
اتهامات ترفضها ايران.
وقال ابو مجاهد وهو سني شأن الغالبية العظمى من اهالي محافظة
الانبار "نحن مقتنعون ان امريكا عدوة. لكن المشكلة ان هناك الكثير من
العراقيين يعتقدون ان ايران صديقة.. وهذه هي المشكلة."
وتنص الاتفاقية الامنية الموقعة بين البلدين نهاية عام 2008 على سحب
القوات الامريكية المقاتلة من العراق بحلول نهاية الشهر الجاري على ان
تنسحب القوات الامريكية بالكامل مع حلول نهاية عام 2011 .
وخاض الجيش الامريكي في العراق العشرات من المعارك. وسقط مئات
الالاف من العراقيين من المدنيين والمسلحين الذين قاتلوا الوجود
العسكري الامريكي. كما تسببت تلك المعارك في تدمير شبه كامل لبنية
العراق التحتية.
ومازال العديد من أهالي الفلوجة يحمل الكثير من الذكريات المؤلمة
تجاه المعارك التي شهدتها مدينتهم ومازال الكثير من شواهد الدمار
والخراب قائما حتى هذه اللحظة. وبجولة بسيطة في المدينة يظهر للعيان
العديد من المباني والمنازل المدمرة واخرى تحمل اثار الصواريخ واطلاق
النيران.
وقالت خالدة محمد (30 عاما) وهي معلمة قتل زوجها عام 2006 وهو يقود
سيارته بنيران جنود امريكيين فتحوا عليه النار هو ومجموعة اخرى من
المدنيين حين اقتربت سيارات من دوريتهم في الفلوجة "لا اعرف كيف اصف
فرحتي باليوم الذي سيغادرون به العراق."
وأضافت خالدة التي لا زالت تتشح بالسواد حتى الان "أي جندي امريكي
هو مجرم وشيطان على ارضنا يختلق لنا المكائد ولا نريدهم على بلدنا."
ورغم استخدام القوات الامريكية في معركتي الفلوجة القوة المفرطة
لسحق التمرد المسلح الذي غذته مجاميع من تنظيم القاعدة وخاصة في
المعركة الثانية الا ان جذوة ذلك التمرد سرعان ما امتدت الى مناطق اخرى
من العراق مثل النجف وديالى والموصل. ويسرح ابو مجاهد بفكره ويقول "اقسم
بالله لقناهم (الامريكيون) درسا لن ينسوه."
ويضيف بشيء من الحدة "نحن لم نذهب اليهم لنقاتلهم. هم من جاءوا
لقتالنا في بلدنا والله يقول قاتلوا من يقاتلونكم. عار عليهم كانوا
يقصفون ولا يفرقون بين المقاتلين والمناطق السكنية."
ويعتقد ابو مجاهد ان القوات الامنية العراقية سواء في الجيش او
الشرطة لن تكون قادرة على ملء فراغ انسحاب القوات الامريكية وان هذا
الفراغ سيمهد الطريق امام مزيد من الهيمنة والتدخل الايراني.
لكن العديد من العراقيين يشككون في وعود الرئيس الامريكي باراك
اوباما بسحب قواته من العراق بحلول عام 2012 . ويعتقد كثيرون ان القوات
الامريكية التي دفعت ثمنا باهظا من القتلى والجرحى لاحتلال العراق لن
تنسحب منه لمجرد وعود انتخابية اطلقها اوباما.
وبلغ عدد قتلى الجيش الامريكي في العراق اكثر من 4400 جندي حسب
البيانات الرسمية للجيش الامريكي واصيب عشرات الالاف.
وقال ياسر زيدان وهو سائق تاكسي وقف بسيارته في صف طويل من السيارات
عند بوابة دخول مدينة الفلوجة "لماذا نصدقهم عندما يتحدثون عن الانسحاب
وهم لم يحققوا من وعدوهم شيئا.. هم قالوا سنجلب الديمقراطية للعراق
وقالوا سنجلب الامن والامان والرفاهية للعراقيين. ماذا تحقق من هذه
الوعود.. لا شيء."
ورغم القوة المفرطة التي استخدمتها القوات الامريكية في الفلوجة
ومناطق اخرى في الانبار التي كانت تعتبر ملاذا امنا للعديد من الجماعات
المسلحة ومن ضمنها القاعدة الا انها لم تتمكن من فرض الامن فيها الا
بمساعدة مجالس الصحوة عام 2006 وهي مجالس مسلحة تشكلت من ابناء العشائر
في المحافظة.
وقال خالد الصالح امام وخطيب جامع في الفلوجة واستاذ جامعي في
العلوم الاسلامية انه اذا "تركت (امريكا) البلد تنهشه دول مجاورة فنحن
ندعو كل المسلمين ان يهبوا هبة رجل واحد وحمل السلاح للدفاع عن هذا
البلد."
المسار الصحيح
من جانب آخر وأثناء تناولهم العشاء قبل بضع ساعات من مغادرة العراق
تطرق الجنود الأمريكيون لحديث خلا من أي أوهام بشأن التحديات التي
تنتظر الحكومة العراقية.
قالوا انهم يأملون في ألا يكون الغزو الذي قادته الولايات المتحدة
للاطاحة بصدام حسين والمهمة القتالية التي تنتهي يوم 31 أغسطس اب قد
ذهبا سدى وفي ان يكون العراق على المسار الصحيح لتحقيق الاستقرار.
وفي قاعدة جوية بجنوب العراق قال السارجنت روبرت فوت من الكتيبة
الاولى في فوج المشاة 116 "لا أريد أن أكون قد جئت الى هنا بلا طائل.
مادمت قد أتيت فأريد أن يكون ذلك مقابل أي شيء."
وقال جنود أمريكيون عائدون الى وطنهم ان من الصعب على الشعب
الامريكي أن يتخيل ما مروا به وشاهدوه على أرض العراق منذ الغزو الذي
وقع عام 2003 .
وقتل أكثر من 4400 جندي أمريكي في العراق منذ عام 2003 . وفقد 100
ألف مدني عراقي أرواحهم في نفس الفترة.
وفي نهاية الشهر الجاري ستسلم القوات الامريكية المسؤوليات الامنية
كاملة الى القوات المسلحة العراقية بعد مهمة قتالية استغرقت سبع سنوات
ونصف السنة لينخفض عددها الى 50 ألف جندي سيقدمون المساعدة لنظرائهم
العراقيين لكنهم لن يتولوا قيادة العمليات.
ويعتقد فوت أن القوات العراقية تحسنت بصورة تمكنها من التعامل مع
استمرار العنف لكنها لا تزال تواجه مهمة شاقة.
وبصفة عامة تراجعت أعمال العنف منذ ذروة الاقتتال الطائفي في عامي
2006 و2007 ولكن لا يزال مسلحون يشنون هجمات تزعزع الاستقرار في العراق.
يقول فوت وهو جالس مع زملائه من الجنود في مقصف قاعدة أدير الضخمة
التي تعمل كمركز لوجيستي لانسحاب عشرات الالاف من الجنود ونقل كم هائل
من العتاد العسكري "يمكنني القول ان العراقيين تحسنوا كثيرا." بحسب
رويترز.
وأضاف قبل مغاردة العراق "من الواضح أنهم لا يزالون في حاجة الى قدر
كبير من العمل لكن السبيل الوحيد للحصول على هذه الخبرة هو مكابدة
الصعاب.
"اذا كان لي أن أخمن فبوسعي القول انهم سيواجهون المزيد بمجرد
اكتمال الانسحاب وهو شيء يجب أن يعدوا أنفسهم له."
ويعتقد السارجنت جيمس بارتلز الذي اشترى بعض الاعلام الامريكية من
متجر قاعدة أدير كتذكار لعائلته في الوطن ان العراق يتحسن رغم العنف.
ويضيف "أنا على يقين من شيء واحد وهو أن الذين جاءوا هنا أول مرة ثم
مرة ثانية وثالثة يرون أن التغيرات جوهرية."
واحتدمت التوترات بعد فشل الزعماء السياسيين في الاتفاق على تشكيل
حكومة جديدة منذ الانتخابات غير الحاسمة التي أجريت في مارس اذار وحدوث
موجة من التفجيرات الانتحارية وهجمات أخرى شنها مقاتلون يسعون الى
استغلال الفراغ السياسي قبل انتهاء المهمة القتالية للجيش الامريكي.
لكن الاقتتال هدأ بصفة عامة الى حد كبير.
يقول اللفتنانت كولونيل سكوت سميث الذي يقود كتيبة "العراق يختلف
كثيرا الان." ويضيف سميث الذي خدم ستة أشهر في العراق "يبدو أن
العراقيين يستمتعون بالامل في الديمقراطية.. يفهمونها. القدرة على أن
تعبر عن عدم رضاك عن قرارات الحكومة دون أن تذهب الى السجن."
ولم يحل زعماء العراق بعد عددا من المسائل السياسية الشائكة مثل
التوترات بين الاغلبية العربية والاقلية الكردية والمصالحة بين السنة
والشيعة.
كما أخفقوا في تشكيل حكومة جديدة بعد خمسة أشهر على اجراء
الانتخابات العامة التي لم تسفر عن فائز واضح. لكن السارجنت باري
كيرتيس لا يشعر بالاسف.
قال بعد أن حزم أغراضه لمغادرة العراق "أعتقد أننا حررناهم. أعتقد
اننا ساعدناهم في الوقوف على اقدامهم... أتعشم أن ينجحوا في ممارسة
حريتهم. "لا أندم على أي وقت أمضيته هنا خلال مهماتي الثلاث. أعتقد
اننا قمنا بمهمة جيدة."
سيكونون على ما يرام
من جهته أعرب نائب الرئيس الامريكي جو بايدن عن اعتقاده بأن
العراقيين "سيكونون على ما يرام" بعد انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة
من بلادهم.
وتأتي تصريحات بايدن خلال زيارة مفاجئة إلى العراق تتزامن مع انهاء
الجيش الأمريكي عملياته القتالية هناك.
ويجري نائب الرئيس الأمريكي محادثات مع المسؤولين العراقيين اليوم
الثلاثاء، وقال مسؤولون أمريكيون إن بايدن سيؤكد للقادة العراقيين رغبة
الولايات المتحدة في إقامة شراكة طويلة الأجل مع العراق، ولكنه سيحثهم
في الوقت نفسه على الإسراع في تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات غير
الحاسمة التي أجريت في مارس/آذار الماضي.
ومن المنتظر أن يلقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وقت لاحق
اليوم خطاباً متلفزاً موجهاً للشعب الأمريكي حول تغيير المهمة في
العراق.
وفي غضون ذلك، قال ستيورات بوين المفتش الأمريكي العام الذي عينه
الكونجرس للاشراف على برنامج اعادة اعمار العراق ان واشنطن انفقت معظم
الموازنة المخصصة لمشاريع اعادة الاعمار ورسم صورة قاتمة عن وضع
البرنامج حاليا. بحسب رويترز.
ويرى محللون أن اوباما سينتهز هذه الفرصة للدفاع عن مواصلة العمليات
العسكرية الأمريكية في افغانستان. كما يتوقع أن يؤكد على تصميم
الولايات المتحدة على تعزيز الأمن والاستقرار للعراقيين. وتعود اخر
زيارة قام بها بايدن الى العراق الى بداية شهر يوليو/ تموز.
وخلال ثلاثة أيام، حاول نائب الرئيس الامريكي عبثا اقناع قادة ابرز
الاحزاب التخلي عن مصالحهم الشخصية للخروج من الأزمة السياسية التي
تعيشها البلاد.
وبعد شهرين لم يتطور الوضع ولا تزال هذه الاحزاب من دون اتفاق على
تشكيل حكومة جديدة.
وتنجز الولايات المتحدة رسميا الثلاثاء مهمتها القتالية في العراق
وفقا للتعهد الذي قطعه الرئيس باراك اوباما بعيد وصوله الى البيت
الابيض في بداية 2009.
والاربعاء ستبدأ العملية التي يطلق علهيا "فجر جديد" والتي سيقوم
خلالها الباقون في العراق لمدة 16 شهرا اخرى بتدريب قوات الامن
العراقية.
أزمة انسانية
الى ذلك تقتسم أسرة كريم حسن عبود المكونة من سبعة أفراد منزلا من
غرفتين في مخيم مؤقت بحي جكوك الذي تسكنه أغلبية شيعية في شمال غرب
العاصمة العراقية بغداد وتتسرب مياه الصرف الصحي الى الطريق الواقع
خارج المنزل.
اضطر الصياد البالغ من العمر 59 عاما وأسرته للانتقال الى هناك قبل
أربع سنوات عندما اندلع العنف الطائفي بين الشيعة والسنة في العراق.
وبينما تنتهي يوم الثلاثاء العمليات القتالية الامريكية بعد سبع
سنوات ونصف السنة من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 يعيش
حاليا مئات الاف العراقيين من أمثال عبود في ظروف غير صحية بعد ان فروا
من الاحياء التي كان يسكنها الشيعة والسنة معا في وقت كانت تلقى فيه
الجثث في الشوارع ليلا.
وقال عبود الذي يرى مستقبلا كئيبا لاحفاده الثلاثة وابنتيه اللتين
ترملتا وزوجته "ننتظر مجيء رجل صالح يرفع الظلم عن الشعب المظلوم."
ومضى يقول وهو يشير الى سقف المنزل المصنوع من الصفيح والمغطى
بالقماش ان الساسة "يتصارعون على الحكومة ولا يعلمون ماذا نأكل وماذا
نشرب واين ننام.
"اتمنى ان يغير الانسحاب الامريكي الامور نحو الاحسن.. لكني أخشى
بانسحاب الامريكان أن يقتل الناس بعضهم البعض."
ويخشى الكثير من العراقيين أن يؤدي خفض القوات الامريكية وانسحابهم
الكامل في العام المقبل الى تجدد الصراع الطائفي.
كما أنهم يشعرون أن زعماءهم تخلوا عنهم ويعيشون أزمة سياسية منذ نحو
ستة أشهر بعد الانتخابات التشريعية التي لم تسفر عن فائز واضح ولم تسفر
حتى الان عن تشكيل حكومة جديدة.
وتقول مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ان حرب العراق
أسفرت عن أسوأ أزمة انسانية في الشرق الاوسط منذ عام 1948 عندما فر نصف
سكان فلسطين من العرب من ديارهم بعد قيام دولة اسرائيل.
وتشير المفوضية الى أن هناك 1.5 مليون نزحوا من ديارهم داخل العراق
منهم 500 ألف يقيمون في مخيمات أو مبان استولوا عليها بوضع اليد. وفي
بغداد يعيش 200 ألف شخص في 120 مخيما.
كما أن هناك مئات الالاف من اللاجئين العراقيين في الخارج خاصة في
الاردن وسوريا المجاورين.
ويعيش العراقيون الذين فروا من ديارهم وما زالوا يخشون العودة شعورا
بالصدمة الى جانب صعوبات أخرى. اذ يجد الكثيرون استحالة في العثور على
فرصة عمل ويعانون من الفقر. ويقول عمال اغاثة ان عددا كبيرا من النساء
يسقطن في أيدي قوادين يعملون في البغاء بالشرق الاوسط.
ويقدر عامر كريم المسؤول المحلي في مخيم جكوك أن هناك 3150 أسرة
تعيش على قطعة أرض كانت مملوكة للجيش سابقا حيث لا توجد شبكة للصرف
الصحي وتقوم حفرة بدور المرحاض كما يحصل سكان المخيم على الكهرباء من
مولد صغير.
ويخشى موظفو الاغاثة من أنه عندما تنهي الولايات المتحدة رسميا
مهمتها القتالية في العراق يوم الثلاثاء سيطوي النسيان الازمة
الانسانية في العراق وتتجه الانظار لبلدان أخرى.
وقال دانييل اندريس وهو ممثل مفوضية الامم المتحدة العليا لشؤون
اللاجئين في العراق ان الجهات المانحة بدأت بالفعل رفع يدها عن العراق
خاصة الاوروبية منها.
ومضى يقول "التمويل الذي تحتاجه الامم المتحدة وحدها هذا العام هو
264 مليون دولار تقريبا وفي الوقت الحالي لدينا 120 مليون دولار. ليس
لدينا حتى نصف ما سنحتاج اليه في واقع الامر... أنا قلق من العام
القادم على وجه الخصوص."
وتابع "ما زال المفهوم السائد هو أن العراق بلد متوسط الدخل ولديه
ايرادات النفط وبالتالي هناك أوضاع أكثر الحاحا."
ويضم العراق ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم ووقع على سلسلة من
الاتفاقات مع كبرى شركات النفط لتطوير حقوله النفطية وهو ما ينظر له
على أنه أمر حيوي لاعادة بناء البلاد المتعطشة للاستثمارات بعد عقود من
الحروب والعقوبات.
لكن مجيء ايرادات النفط سيستغرق سنين كما أن الازمة السياسية والوضع
الامني الهش جعل المستثمرين المحتملين في المجالات الاخرى غير النفط
ينتظرون على الهامش.
ولا يستطيع كثير من العراقيين المشردين تحمل تكلفة العودة الى
أحيائهم القديمة. اذ جرد لصوص قاموا بأعمال سلب منازلهم المهجورة من
كابلات الكهرباء والاثاث كما أن جنودا أمريكيين حطموا الابواب بحثا عن
الاسلحة وحطمت القنابل النوافذ.
وقال عبد الصمد سلطان وزير شؤون الهجرة والمهجرين ان مساعدة
النازحين على العودة لمنازلهم مرتبطة بتوفر المال اللازم.
وأضاف أنه لو توفر المزيد من الدعم والمزيد من التعويضات المالية
فسوف تحل المشكلة مئة بالمئة.
وبنت مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين نحو عشرة الاف منزل في
العام الماضي للمساعدة على معالجة نقص يقدر بنحو 1.5 مليون منزل في
العراق وقالت انها تمكنت من بناء ما بين ستة الاف وسبعة الاف منزل هذا
العام. وقال اندريس ان المهم أن تستمر الجهات المانحة في المساهمة.
وقال "تكشف الاحصاءات أن أغلبية أوضاع ما بعد الصراعات تعود لحالة
الصراع في غضون سبع سنوات... وكثيرا ما يمكن أن نرجع ذلك الى نقص
الاهتمام أو عدم وجود دعم متواصل في تلك السنوات الحرجة بعد الصراعات."
وفي حين أن العنف انحسر منذ أوج الصراع الطائفي في 2006 و2007 فان
التفجيرات وجرائم القتل ما زالت أحداثا يومية وتزايدت مخاوف من أن
يستغل المسلحون الفراغ السياسي بعد الانتخابات وانسحاب القوات
الامريكية.
كما أن الوضع الامني المضطرب أكبر تحد يمكن أن تواجهه المنظمات
الانسانية مما يعني عادة تأخير توصيل المساعدات والحيلولة دون زيارة
موظفي الاغاثة للمخيمات.
وتقول أم يونس (36 عاما) وهي واحدة من الارامل الكثيرات في مخيم
جكوك وأصبحن الان مسؤولات عن أسرهن بعد أن فقدن أزواجهن أثناء الحرب
انها لم تتلق مساعدة تذكر.
وقالت وهي تمسح دموعا انسابت من عينيها "لم يجيء احد من المسؤولين
لزيارتنا. لم يخطر ببالي أنني سأكون يوما ما بهذا الحال."
مشاكل نفسية
من جانبها تقول اليسا افرشد ابنة الست سنوات "أنا سعيدة لأن أبي
سيعود إلى المنزل"، كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل واليسا تنتظر
عودة والدها من العراق بعد عام من خدمته هناك.
والرقيب جايسون افرشيد هو واحد من 300 عضو من اللواء الرابع يعودون
إلى قاعدتهم العسكرية.
وتجمع حشد من العائلات في غرفة للرياضة داخل القاعدة بانتظار وصول
الجنود و قد تعالى الصراخ ما ان دخل الجنود الى القاعة وقد سبقهم عزف
الفرقة الموسيقية العسكرية.
وما أن عانق جايسون زوجته و طفلتيه حتى بدأت زوجته بالبكاء وقالت "اشعر
بالأرتياح لانني لن اقلق عليه بعد اليوم، فهو سيعود الى المنزل كل يوم".
وقال جايسون وهو يحمل ابنته بين ذراعيه "لقد كانت سنة طويلة، كانت سنة
طويلة جدا".
ويشكل هؤلاء الجنود آخر فوج من القوات المحاربة العائدة من العراق،
وكان اللواء الرابع قد توجه الى هناك عام 2007 تطبيقا لقرار زيادة عدد
القوات انذاك.
لكنهم لا يتحدثون اليوم عن الحرب أو نتائجها، بل يضحكون مع اطفالهم
ويتحدثون عن رحلتهم الى عالم ديزني وحفلات الباربكيو المقبلة والبحث عن
منازل جديدة.
لكن على الرغم من مغادرة هؤلاء الجنود ساحة المعركة، إلا أن بعض
الخبراء يحذرون من خطورة المرحلة المقبلة بالنسبة لهم. بحسب البي بي سي.
ويرى خبراء أن حالات الاحباط والانعزال والارق والغضب هي جزء فقط من
المشاكل النفسية والاجتماعية التي ستواجه بعضهم.
فقد سعى الجيش الأمركي منذ سنوات للتعمال مع الارتفاع السريع في
معدلات الانتحار، حيث تم تسجيل أكثر من ألف حالة انتحار في صفوف القوات
الأمركية منذ عام 2005.
ودفعت هذه الأرقام البنتاجون العام الماضي إلى تشكيل لجنة لمكافحة
ظاهرة الانتحار في صفوف القوات الأمريكية.
ويقول سكوت سوايم وهو جندي سابق ومحلل نفسي إن المرحلة الاولى من
عودة الجنود تعرف بـ"شهر العسل"، لكن المشاهد المروعة التي تبقى في
اذهانهم يستحيل محوها.
ويضيف "درجة الاحباط هائلة ومعدلات الأنتحار فاقت المعدلات المعتادة،
ولا يعرف أحد ما يدور في أذهان الجنود في حالات الانتحار، وهذا مخيف".
وعلى بعد أميال من مكان الاحتفال بعودة الجنود، جلس جوزف رامزي في
منزله ولم يشارك في الحفل لان ابنه ديفيد، الممرض في الجيش الأمريكي
انتحر عام 2006.
عاد ديفيد من العراق عام 2006، ورغم بعض التغيير في تصرفاته لم
يتوقع جوزف هول ما رأى في منزله في السادس من يوليو سبتمبر ،بعد
اسبوعين من عودة ابنه.
يروي جوزف ما حدث قائلا "دخلت المنزل ولم اره، فتوجهت بسرعة الى
غرفة نومه ورأيته ممددا على سريره و قد أطلق النار على نفسه".
ويواصل "كان حيا عندها وآخر جملة تلفظ بها كانت (ابي انا اسف، لا
اريد ان اسبب الاذى لاحد لكنني حاولت ان أطلب المساعدة و لم يساعدني
احد)، و بعد دقائق معدودة فارق الحياة".
وكشفت الوثائق الطبية لاحقا ان ديفيد حاول الانتحار في العراق لكن
الجيش لم يعلم ذويه بالأمر.
وقد تحدث ديفيد لوالده عدة مرات عن قلقه ازاء رؤية الاطفال
العراقيين الذين تعرضوا للأذى وكان يضطرب لرؤية الاشلاء و الجثث من دون
رؤوس اصحابها.
ويعرب والد ديفيد عن ألمه قائلا "لقد شاهدت عودة الجنود من العراق
وتمنيت لو كنت هناك وأن يدخل ابني مع بقية الجنود، الآن اتمنى ان يعتني
بلدنا بطريقة افضل بالجنود العائدين من ساحة القتال".
ولا يلقي جوزف اللوم على الحرب في العراق، فهو يرى أن ابنه تطوع في
الجيش لمساعدة الاخرين بخبراته الطبية، لكنه يضيف ان انتحار ابنه ما
كان ليحدث لو قام الجيش بمساعدته.
و يضيف "اتمنى ان يعتني بلدنا بطريقة افضل بالجنود العائدين من ساحة
القتال، فهم يستحقون معاملة تليق بأي جنرال".
غزو وزيادة ثم انسحاب
فيما يلي تسلسل زمني للقوات الامريكية في العراق منذ 2003:
20 مارس اذار 2003 - غزت قوات بقيادة الولايات المتحدة العراق
انطلاقا من الكويت وأطاحت بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
- كان هناك نحو 125 ألفا من القوات الامريكية والبريطانية ومشاة
البحرية في العراق. وبحلول نهاية ابريل نيسان قالت الولايات المتحدة
انها ستضيف 100 ألف اخرين لقوة الغزو التي تقودها. بحسب رويترز.
9 ابريل نيسان - استيلاء القوات الامريكية على بغداد واختفاء صدام.
الاول من مايو ايار - أعلن الرئيس الامريكي السابق جورج بوش انتهاء
العمليات القتالية.
- بين 20 مارس والاول من مايو قتل 138 جنديا أمريكيا.
13 ديسمبر كانون الاول - القوات الامريكية تقبض على صدام قرب تكريت.
22 فبراير شباط 2006 - تفجير في مرقد الامامين علي الهادي والحسن
العسكري في سامراء مما أشعل صراعا طائفيا واسع النطاق وأثار مخاوف من
نشوب حرب أهلية.
14 فبراير شباط 2007 - شن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حملة
أمنية مدعومة من الولايات المتحدة بهدف ابعاد العراق عن حافة الحرب
الاهلية.
- تم ارسال خمسة ألوية قتالية أمريكية الى جانب قوات داعمة أي ما
يوازي 30 ألف جندي الى العراق بين فبراير شباط ومنتصف يونيو حزيران
2007 . والى جانب خفض العنف ارادت واشنطن اعطاء قادة العراق فرصة "لالتقاط
الانفاس" ليحققوا تقدما بشان قوانين حيوية لتعزيز المصالحة الوطنية.
15 يونيو حزيران - أعلن الجيش الامريكي انه أكمل زيادة القوات الى
160 الفا.
- من ابريل نيسان الى يونيو عام 2007 قتل 331 جنديا أمريكيا وكانت
هذه الفترة الاكثر دموية بالنسبة للجيش الامريكي من حيث عدد القتلى.
10 سبتمبر ايلول - الجنرال ديفيد بتريوس القائد الامريكي في العراق
يوصي بخفض القوات بأكثر من 20 الف جندي بحلول منتصف عام 2008 .
22 يوليو تموز 2008 - قال الجيش الامريكي ان اخر لواء ضمن خمسة
ألوية قتالية اضافية أرسلت الى العراق عام 2007 انسحبت مما يعني أن حجم
القوات في العراق أصبح أقل من 147 ألف جندي أمريكي.
17 نوفمبر تشرين الثاني - وقع العراق مع الولايات المتحدة اتفاقا
يقضي بان تسحب واشطن قواتها بنهاية 2011 . أعطي هذا الاتفاق الحكومة
العراقية السلطة على المهمة الامريكية للمرة الاولى وحل الاتفاق بذلك
محل التفويض الذي منحه مجلس الامن التابع للامم المتحدة للقوات
الامريكية. وأقر البرلمان العراقي الاتفاق بعد 10 أيام من التوقيع عقب
مناقشته.
الاول من يناير كانون الثاني 2009 - بدء سريان الاتفاق الامني
الامريكي العراقي مما وضع 140 الف جندي امريكي تحت سلطة العراق.
27 فبراير شباط - أعلن الرئيس الامريكي الجديد في ذلك الوقت باراك
أوباما خطة لانهاء العمليات القتالية الامريكية في العراق بحلول 31
أغسطس اب 2010 لكنه قال انه سيترك ما يصل الى 50 ألف جندي لتدريب
القوات العراقية.
30 يونيو حزيران - انسحاب كل الوحدات القتالية الامريكية من المدن
الرئيسية بالعراق واعادة نشرها في قواعد خارجها.
4 يونيو 2010 - أعلن الجيش الامريكي ان هناك 88 ألف جندي في العراق.
18 أغسطس اب - قال مسؤول رفيع بالادارة الامريكية ان حجم القوات في
العراق أصبح 56 ألف جندي.
- قال الجيش ان 4419 جنديا أمريكا قتلوا منذ غزو العراق عام 2003 .
31 أغسطس - حجم القوات الامريكية في العراق الان 49700 جندي بعد
استكمال خفض القوات. |