ثلاثية الحياة العراقية... Stand by . turn off . restart

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: بمجرد انتهاءك من العمل على جهاز الحاسوب ورغبتك بمغادرة مقعدك أمام شاشته، ستقوم بالضغط على أيقونة start على يسار الشاشة، ليظهر عليها مستطيل باللون الأزرق يقدم لك ثلاثة خيارات، تختار واحدا منها:

Stand by وتعني إبقاء الجهاز في حالة الاستعداد ويكون باللون البرتقالي مع دائرة مفتوحة إلى الأعلى وفيها خط صغير مستعرض.

Turn off وتعني إطفاء الجهاز وتكون عبارة عن مربع احمر مع دائرة مغلقة وفيها خط عمودي صغير.

Restart وتعني اعادة التشغيل وهي عبارة عن مربع اخضر في دائرة بخطوط مشعة.

وأكثر الاستخدامات لهذه الخيارات تتحدد بالاختيار الثاني والثالث، الإطفاء والمغادرة او إعادة التشغيل للتغلب على احد العوائق التي تظهر نتيجة الاستخدام لفترة طويلة او لخطأ في تنفيذ امر من الأوامر.

الحياة العراقية، وهي مجمل النشاطات والأمور التي يقوم بها العراقيون، وبقليل من التأمل نجد أنها تتشابه مع هذه الخيارات الثلاثة.

في مستوى الخيار الأول (stand by) ومنذ العام 1958 عاش العراقيون حالة stand by تام لسماع البيان رقم واحد لضباط العسكر في انقلابهم على الملكية، ومقتل العائلة المالكة، ثم كانوا في حالة stand by تام لتلقي نبأ مصرع نوري السعيد، ثم ظهور المد الشيوعي ومذابح كركوك والموصل ثم الصراع الدموي بين الشيوعيين والقوميين، وبين هذا وذاك حالة stand by تام لمتابعة التطورات في قضية محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، وجلسات محاكمات المهداوي الشهيرة.

واستمرت حالة stand by تلك بما سيصدر من قادة العسكر في بيانهم الأول عن عروس الثورات في العام 1963 ثم الانقلاب على تلك الثورة واختطاف العروس بعد اشهر قليلة، الـ stand by في حياة العراقيين استمر إلى ثورة السابع عشر من تموز والثورة البيضاء بقيادة الضباط البعثيين وانتظار البيان الأول أيضا لقادة الثورة البيضاء تلك..وحالة stand by استمرت أيضا ورافقت حفلات الإعدام لما قيل إنهم جواسيس يهود.

ثم محاولة مدير الأمن العامة ناظم كزار باغتيال عدد من قادة تلك الثورة و stand by لمطاردته ومحاكمته وإعدامه بعد ذلك.

ثم stand by للاقتتال الطويل بين الحكومة والأكراد، و stand byالتام لمطاردة جميع الأحزاب والحركات السياسية وتصفية قادتها.

ثم مرحلة الـ  stand by لما عرف بتأميم النفط، وحصول حزب البعث الحاكم على حصة كولبنكيان والبالغة خمسة في المائة والتي استولى عليها صدام حسين بعد ان اختزل الحزب في شخصه..ثم جاءت حالة stand by أخرى بتوقيع ميثاق العمل القومي مع سوريا ثم الانقلاب عليه وإعدام عدد من القيادات البعثية بحجة التآمر مع سوريا.

ثم ظهرت أحداث المستنصرية وما أعقبها من اعتقال وتشريد وقتل للأحزاب الدينية، ثم ظهر stand by جديد، حين بدأ الحديث عن اعتداءات إيرانية على الحدود العراقية بعد الثورة الإسلامية في إيران.

حالة stand by في هذه الحرب كانت مرتفعة جدا، لم يسلم احد منها لطول فترتها الزمنية، وحتى الأعمار التي ظنت أنها بمنأى عنها طاولتهم أوامر التجنيد الإجبارية.

فكنت ترى الاب وابنه في جبهات القتال (كما في حالة كاتب السطور). وفي داخل المدن كانت حالات الـ stand by من نوع آخر. stand by لتلقي جثامين القتلى الملفوفة بالعلم العراقي (وهي رتبة الشهيد) والجثامين الخالية من هذا العلم والمطالبة بأثمان الرصاص الذي اعدم به الابناء ( وهي رتبة الفارين من جبهات القتال ) و stand by آخر وهو قصف المدن المتبادل بين الجانبين المتحاربين.

و stand by آخر أيضا، قبض مستحقات الشهداء من قبل ذويهم أو استحقاقات أنواط الشجاعة التي كانت تزين صدور المقاتلين من الأصناف كافة، و stand byآخر للحصول على السيارات التي توزع عليهم حسب الرتب العسكرية (البرازيلي– تويوتا– ماليبو) وسلف التزويج وإجازات الزواج، إلى آخر الـ stand by التي وسمت حياة العراقيين طيلة الأعوام الثمانية لتلك الحرب.

سنتان حدث فيهما  turn off كامل لهذه القضايا المترافقة مع ال stand by، بين العامين 1988 و1990، ليعود العراقيون الى  stand by القديم في صبيحة الثاني من اب من  سنة 1990 عندما غزا الجيش العراقي الكويت، استمر هذا الـ stand by لشهور لتقع بعدها حرب الخليج الثانية، وما أعقبها من حصار فرضه المجتمع الدولي على العراق، وما أعقب تلك الحرب من turn off لحياة مئات الآلاف من العراقيين الذين شاركوا في الانتفاضة الشعبانية من خلال عمليات القتل والمطاردة والمقابر الجماعية التي انتشرت على طول العراق وعرضه.. وتتحول حالة الـ stand by أحيانا إلى حالة restart  من خلال بعض القرارات للقائد الضرورة وهي عبارة عن عدد من المكرمات التي يمنحها هذا القائد لأفراد شعبه لتستمر حالة الـ  stand by حتى العام 2003 وسقوط ذلك النظام.

حتى ذلك العام كان الـ  stand by يحمل نكهة دكتاتورية وبعد ذلك العام استمر العراقيون بحالة stand by ولكن بنكهة ديمقراطية هذه المرة.

stand by لمجيء الحاكم الأمريكي جي غارنر،  stand by لاستبداله ببول بريمر، stand by لحل الجيش العراقي،  stand byلاجتثاث البعث، stand by لتشكيل مجلس الحكم، stand by لأول انتخابات برلمانية، stand by لكتابة الدستور، stand by للاستفتاء على الدستور.

stand by حتى اللحظة بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة.

حالة الـ stand by لم تكن وحدها الفاعلة في الحياة العراقية، وعلى الأخص بعد العام 2003 بل رافقتها حالتا turn off  و restart من خلال الآتي:

Turn off لحياة الآلاف من العراقيين عبر السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والقذائف المتعددة.

Turn off عبر القناصة والمسدسات الكاتمة للصوت.

Turn off من خلال تلوث مياه الشرب.

Turn off عبر التلوث البيئي وزيادة حالات الإصابة بالسرطانات العديدة والولادات المشوهة أو الناقصة.

Turn off عبر النقص في إمدادات الدواء ونقص الأجهزة الطبية..

Turn off عبر مختلف أنواع السلاح الطائفي.

Turn off مستمرة على إيقاع التفجيرات الدامية حتى لحظة كتابة هذه السطور..

وبين هذين الخيارين (القسريين) يدخل الـ restart حياة العراقيين من خلال بعض المحطات:

Restart زيادة الرواتب لموظفي الدولة.

Restart زيادة رواتب المتقاعدين.

Restart رواتب للسجناء السياسيين.

Restart منحة الرعاية الاجتماعية للأرامل وللنساء الوحيدات بدون عائل وللعاطلين عن العمل.

Restart إنشاء مجمعات سكنية واطئة الكلفة للفقراء.

Restart قطع أراضي للموظفين والأكاديميين والصحفيين والمهجرين والمهاجرين.

Restart مستمرة حتى كتابة هذه السطور.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آب/2010 - 18/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م