أين الحقيقة في عدم جاهزية الجيش العراقي؟

علي الأسدي

ما صرح به رئيس أركان الجيش العراقي عن موضوع جاهزية جيشنا كان صحيحا تماما، ونزيد أنه لن يكون جاهزا حتى بعد 2030،وأمام هذه الحقيقة ينبغي على رئيس أركان الجيش والقادة العسكريين الآخرين، اذا كانوا حريصين حقا على جيشهم أن يأخذوا زمام المبادرة بجعل قرار تسليحه وتدريبه تحت اشرافهم هم، وأن يضعوا ميزانية مالية مناسبة وجدولا زمنيا لذلك.

 وإن إهمال هذه الضرورة من قبل أي حكومة عراقية والمساومة عليها تحت أي ظرف خطأ لن يغتفر، لأنه ليس من المعقول أن يستمر مصير الجيش تحت إدارة اجنبية، فلم يحدث في التاريخ أن تسمح دولة مستقلة بأن يكون مصير جيشها خارج سلطتها. إن رئيس أركان الجيش العراقي الذي اعترف بحقيقة عدم جاهزية الجيش لم يفصح عن خططه المستقبلية للوصول إلى الجاهزية أو بذل جهوده للوصول إلى هذه الجاهزية بأقرب وقت، بل ترك الأمر للقوات الأمريكية لتقرر ذلك، وكأنها قدر لا فكاك منه.

 وبحسب ما يراه رئيس اركان الجيش العراقي السيد زيباري، فإن بقاء القوات الأمريكية في العراق أمرا ضروريا لحين جاهزية الجيش التي يتوقعها في حدود العام 2020. إن تصريح السيد زيباري جاء منسجما مع رغبة أطراف سياسية عراقية ترى بقائها في الحكم مرهون بوجود القوات الأمريكية بجوارها، وإن ما يثار حاليا حول عدم الجاهزية يقصد به إيجاد المبررات لإبقاء القوات الأمريكية في العراق إلى أجل غير مسمى، و التصعيد الأخير في الوضع الأمني، وقصف المنطقة الخضراء بالهاونات والقذائف الأخرى يصب في الاتجاه نفسه.

كانت الاجراءات الفعلية التي اتخذتها السلطات الأمريكية منذ احتلالها للعراق قد عملت لابقاء الجيش العراقي ضعيفا عاجزا عن حماية نفسه وليس فقط غير قادرعلى حماية وطنه وشعبه، وهذه الحقيقة أثبتتها الأعوام السبعة الماضية. وقد بيننا في مقالين كتبناه عن هذا الموضوع عاما قبل أن يعلن رئيس أركان الجيش العراقي عن عدم جاهزية الجيش، وقد أوردنا أدلة على ذلك بصفقات السلاح التي تعاقدت عليها وزارة الدفاع العراقية مع الحكومة الأمريكية في مقالين نشر أحدهما في 6 / 3 / 2009 بعنوان " هل فقد السيد البرزاني البوصلة.. أم أضاع الطريق ". والثاني في 8 /10 / 2010 تحت عنوان " من المستفيد من إبقاء العراق تحت طائلة البند السابع " نشرا على صفحات الحوار المتمدن ومواقع أخرى ". تناولنا فيهما صفقة طائرات أف 16،حيث بينا أن تلك الطائرات لن تسلم للعراق قبل 2020، وأنه لن يسمح للطيارين العراقيين بقيادتها إلا بمرافقة طيارين أمريكان ولمدة لا تقل عن عشر سنوات، أي أن جاهزية القوة الجوية العراقية لن تكون في 2020 بل في 2030. وأن تلك الجاهزية مقررا لها أن لا تكون أبدا، كما أكده قادة أمنيين وسياسيون عراقيون لمراسل الحياة البيروتية في بغداد سؤدد الصالحي في 12 / 10 / 2007 جاء فيه :

" تحرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم امتلاك العراق سلاح المدفعية والصوراريخ، وانظمة الدفاع الجوي والمراقبة والتدقيق، فيما أكدت مصادر عسكرية عراقية أن الجانب الأمريكي مصر على ابقاء مشتريات السلاح تحت اشرافه، وأن عملية التسليح منوطة بهيئة ( أف أم أس) الأمريكية المتخصصة بالمشتريات. وبناء على مصدر أمني رفيع المستوى إن " الأميركيين يعرقلون تسليح الجيش العراقي" وأن دور وزارة الدفاع والداخلية العراقية مقصورا على تقديم قائمة بالمشتريات إلى الوكالة المذكورة، وبأن تجهيز الجيش العراقي بالاسلحة الثقيلة والمتوسطة غير مسموح به أمريكيا". وأورد التقرير عن السيد محمود عثمان النائب عن التحالف الكردستاني في البر لمان العراقي قوله : " إن الأمريكيين لا يثقون بالعراقيين ولا بقوتهم المسلحة، وهم غير راغبين في تسليح الجيش كما هو مطلوب "

وبناء عليه فأن ما أدلى به رئيس الأركان زيباري حول الجاهزية لم يكن نتيجة دراسة قامت بها أي جهة عراقية، بل هو قرار أمريكي متخذ منذ مدة لأسباب تتعلق بخططهم الطويلة المدى في العراق والمنطقة، وإذا كان بقاء 56000 من القوات الأمريكية في العراق بهدف التدريب فقط فلماذا يتحكمون بعقود التسليح العراقية ؟

لقد أنفق بول بريمر أكثر من ملياري دولار من أموال العراق من وراء ظهر مجلس الحكم لتدريب بضع عشرات من أفراد الشرطة العراقية في الأردن، وكان واضحا أن الغرض منها هو دعم الميزانية الحكومية للأردن الشقيق وهو يعرف أن المدربين الأردنيين ليسوا أقدر من الضباط العراقيين ذوي الخبرة والحائزين عى شهادات تقدير من أكاديمية الشرطة العراقية، لقد حصلنا مقابل ذلك المبلغ الهائل على شرطة عراقية أسوء تدريبا بكثير من جيش المهدي وجيش عمر،وبتسليح تعود معداته لمخلفات الحرب العالمية الثانية.

 وقد تكرر ذلك السيناريو في صفقات السلاح الأخيرة للجيش العراقي التي بعثرت مليارات الدولار لأجل تسليحه، لكنها ذهبت جميعها أدراج الرياح، لأن المؤسسة الأمريكية ( أف أم اس ) كانت توجه المشتريات نحو دولا شرقية ترغب بالتخلص من اسلحتها القديمة تشجيعا لها لشراء السلاح الأمريكي ومن دول الحلف الأطلسي. فعقدت صفقات أسلحة فاسدة وغير صالحة من بولندة ودول يوغسلافيا السابقة بمليارات الدولارات، استغلها الوزراء العراقيون الذين وقعوا عقودها لتحقيق عمولات ضخمة اضطروا للهرب من العراق بعد أن افتضح أمرها، وكان كل شيئ قد تم بعلم الأمريكيين، فلم يحركوا ساكنا لملاحقتهم واسترجاع المال العام العراقي المنهوب. و قد أكد عسكريون عراقيون يعملون في وحدات الجيش القتالية، ذكروا فيها أن كل ما يقال عن مشتريات سلاح لا يلبي الطموح، لأن الأسلحة التي زودوا بها وسمح لهم باستخدامها من قبل السلطات الأمريكية المشرفة على العمليات التي يقومون بها، هي أقل فاعلية من تلك التي في حوزة المليشيات.

وإذا أراد العراق أن يبني جيشا وطنيا وحديثا في فكره وانسانيا في علاقاته مع أبناء شعبه، فينبغي على أية حكومة عراقية قادمة أن تخرج العراق من طائلة البند السابع بأسرع وقت، وأن لا تألو جهدا لتحقيق ذلك من خلال حشد تأييد الدول الأعضاء في مجلس الأمن لصالح اخراج العراق من هذا القيد العبودي، وأن تمارس الضغط بالاتجاه نفسه عبرعلاقاتها مع دول العالم الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة. لأن البقاء تحت طائلة البند المذكور يمنح الولايات المتحدة حق الاشراف على كافة سياسات العراق الداخلية والخارجية، وهو أمر لا يمكن الرضوخ اليه بعد أن أوشك العراق على الايفاء بالتزاماته تجاه قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحرب على الكويت. ويتطلب هذا من الحكومة العراقية الجديدة متابعة تنفيذ ما بقي من الالتزامات من خلال العلاقات الثنائية بين الكويت بشكل خاص وبقية الجهات التي ما زالت لم تحسم مشاكلها مع تبعات تلك الحرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آب/2010 - 18/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م