
شبكة النبأ: يقول المراقبون إن ما حدث
في العراق ليس جديدا على المضمار السياسي المحلي فحسب، إنما هو حالة
مستجدة على الساحتين العربية والاقليمية ايضا، فغالبا ما كان الوصول
الى السلطة في هذا البلد يخضع لمنطق القوة والانقلابات العسكرية التي
تطلق على نفسها ثورات لكنها سرعان ما تنكشف على حقيقتها ويظهر جوهرها
جليا كونها تهدف بالدرجة الاولى الى السيطرة على السلطة ثم تسعى بقوة
لترسيخ وحماية مصالحها ومناصبها حتى لو تطلب الامر أن يُنجز هذا الهدف
فوق مئات او ملايين الجماجم والارواح التي تُزهق من دون مبرر مقبول.
وهكذا استمر الحال منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في عام 1921
ولا نخطئ اذا عدنا الى قرون خلت وقلنا بأن منطق القوة والاستيلاء
اللامشروع على السلطة هو الذي كان سائدا أيضا في ذلك الوقت، إذن
فالتجربة السياسية العراقية التي بدأت بعد احداث عام 2003 بكل ما تنطوي
عليه من مؤشرات ومساوئ وملابسات، تعدّ حالة جديدة على الواقع السياسي
العراقي والعربي والاقليمي أيضا.
وكل جديد لاسيما في مضمار السياسة سينطوي على معرقلات كثيرة داخلية
وخارجية، وتخضع هذه المعوقات لادارات خارجية وداخلية ايضا ويتم تحريكها
وتفعيلها وفقا للمصالح والحسابات الدولية وصراعاتها الشائكة، فما يحدث
في العراق الآن ليس حدثا سياسيا محليا صرفا، بل لايمكن فصله عن الاهداف
والحسابات الدولية والاقليمية.
لهذا يحاول العراق والعراقيون أن يخرجوا بأقل الخسائر من هذا المخاض
العسير، لكن الاشكالية الكبيرة التي غالبا ما تظهر في مثل هذه الصراعات
هي محاولة القائمين على العملية السياسية من احزاب وكتل وشخصيات الحفاظ
على مصالحها اولا وتحقيق اكبر قدر ممكن من النتائج التي تصب في حماية
مصالحهم اولا، لكن الأصح في حالات كهذه أن يرافق هذا السعي الدؤوب
لتحقيق المصالح الذاتية سعي متواصل لبناء دولة المؤسسات كونها المنقذ
الوحيد للعراق أرضا وشعبا وسيادة.
لذا فإن ما يحدث من بطء في تشكيل الحكومة هو امر طبيعي جدا في ظل
الصراع السلمي بين ساسة العراق من جهة، كذلك اذا اتفقنا على حداثة مبدأ
التدوال السلمي في العراق كما يحدث الآن بل حداثته في المحيطين العربي
والاقليمي وهو سبب رئيس في تأخر تشكيل الحكومة بسبب تزايد الصراعات
الاقليمية والدولية في الساحة العراقية بالاضافة الى التنافس الحاد بين
الكتل والاحزاب المحلية.
لكن هذا الامر لايعني إعطاء اشارة قبول لعمل السياسيين العراقيين
بهذه الطريقة، أي أن الشعب الذي قام بدوره وأنجز واجبه الانتخابي على
افضل وجه في 7 آذار من العام الجاري، ليس راضيا عمّا تقوم به الاحزاب
والكتل السياسية العراقية الآن إلا بنسبة معينة تقف وراءها مصلحة
العراقيين أنفسهم، لاسيما أننا لاحظنا العلاقة الطردية بين بطء التشكيل
الحكومي مع زيادة الانفلات الامني وضعف الخدمات مثلما حدث في انهيار
منظومة الكهرباء كمثال.
ومع ايماننا بأن المنهج التبريري لن يقودنا الى الصواب، فإننا لابد
أن نضع الامور في نصابها، حيث يتفق العراقيون على ان دول الجوار لها
مصالحها في العراق ولها ادواتها التي تنفذ ما تمليه عليها ناهيك عن
المصالح الدولية الكبرى التي لايمكن ان نغفلها ونحن نطمح لترصين
التجربة الديمقراطية الجديدة في بلدنا.
نعم كل العراقيين يعرفون أن بلدهم الآن ساحة لتصفية الحسابات وأنهم
يعرفون الادوات التي تنفذ المخططات الاجنبية، كما أنهم يؤشرون بدقة هذه
الادوات التي ستجد في يوم ما نفسها خارج حدود البلد حين يمسك أبناؤه
بزمام الامور والقيادة والتوجيه، على اننا نفهم ونعرف ونؤمن بأن هذا
الهدف لن يتحقق إلا بعد رسوخ النظام الديمقراطي التحرري في العراق وذلك
من خلال بناء مؤسساته الدستورية القادرة على إشاعة مبدأ التداول السلمي
للسلطة بعيدا عن سيطرة الافراد من ذوي النزعات والميول الدكتاتورية او
الاحزاب والكتل التي ترغب بتهميش الآخرين وحصر زمام الامور بيدها.
إذن مع هذا التداخل الكبير بين المصالح والحسابات الدولية
والاقليمية والمحلية ايضا، ومع بزوغ هذه الصراعات فوق السطح تارة وفي
الخفاء تارة اخرى، لابد أن تتولد معوقات كثيرة تحد من تطور العملية
السياسية ومنها حدوث هذا البطء الكبير في تشكيل الحكومة العراقية، كما
انها تعطي فرصا كثيرة للجهات التي لاتريد نمو هذه التجربة وترى فيها
خطرا على مصالحها واهدافها، وهذا هو السبب الاكيد الذي جعل الخروقات
الامنية الدامية ترافق منهج البطء الواضح في تشكيل الحكومة وتزامنه في
آن.
على أننا لابد أن نعي بأن الاوضاع الشائكة والمتداخلة في الوضع
العراقي يجب أن لا تكون مبررا للتلكؤ والتباطؤ في تحقيق الاهداف التي
حدث من اجلها التغيير العراقي، بمعنى أن جميع الساسة حتى الباحثين منهم
عن مصالحهم الذاتية لابد أن يتنبّهوا الى أن غرق المركب العراقي (لاسمح
الله) سيشملهم وربما يكونوا هم اول الغارقين. |