اختبار الأعصاب في شهر رمضان

محمد علي جواد تقي

في مستهل شهر الصوم وفي ذروة الصيف العراقي القائض والمهلك وهو شهر آب، فوجئ الناس بانقطاع التيار الكهربائي (الوطني) من المنظومة المركزية ولمدة يومين، لتسجل التقارير والاخبار مشاهد مأساوية من الوجع العراقي سواء في المستشفيات أو في بيوت الفقراء المكتظة بالاطفال او في معامل الثلج وغيرها من مفاصل الحياة الهامة في هذه البرهة الزمنية على وجه الخصوص.

فما الذي حصل....؟

وزارة الكهرباء تقول ان التجاوزات على المنظومة الرئيسية كان وراء حالة الاطفاء العام، وجاء في المصادر الخبرية إن الوزارة وبعد مخاطبة مجالس المحافظات بعدم تكرار التجاوزات أوعزت باعادة تجهيز الخطوط الناقلة بالطاقة الكهربائية! لكن هل قضية التجاوزات جديدة علينا؟ ولماذا يحدث الشدّ والجذب بين الوزارة وبعض المحافظات المتذمرة في شهر رمضان المبارك حصراً؟ ونحن قد أمضينا أكثر من شهرين في ظل طقس حار بدرجات متفاوتة.

إن الصائمين من ابناء شعبنا يحتفظون بوصايا الشريعة والتعاليم الاسلامية على شكل أحاديث وكلمات للمعصومين الهداة (عليهم السلام)، لذا فهم يعدون الصبر على الظروف القاسية من أجل صوم شهر رمضان بمنزلة الفضيلة والانجاز الذي يحصلون عليه لقاء أدائهم هذه الفريضة العبادية الصامتة على أحسن وجه. وبما ان العراقيين معروفون بالتجلّد والتحمّل فانهم يجدون أنفسهم أمام اختبار جديد للصبر والاعصاب أيضاً، لأن الكهرباء يضرب مباشرة باعصاب الانسان سواء في النهار أو في الليل، وفي كل الاوقات.

ويبدو انها فرصة جيدة للاختبار ومعرفة ماذا يكون عليه رد الفعل الجماهيري وأيضاً رد فعل مؤسسات المجتمع المدني وما تعرف في بعض بلاد العالم (الديمقراطي) بدوائر الضغط ولا يخلو العراق منه، حيث يوجد – ولله الحمد- الخطباء المعروفون والعلماء الكبار واصحاب رؤوس الاموال والاكاديميون، لكن لا صوت اعتراض ولا تنديد ولا حتى شرارة بسيطة على الأقل لتكون تحذيراً وتنبيهاً من مغبة تكرار هكذا أخطاء أو تجاوزات يدفع الاطفال والنساء ونزلاء المستشفيات ثمنها بارواحهم وأعصابهم أيضاً.

هذا الاختبار على درجة كبيرة من الأهمية للطبقة السياسية الحاكمة أو التي ستتولى إدارة دفة الأمور بعد هذا المخاض العسير والعجيب، فمع حلول شهر ايلول القادم يحين موعد انسحاب جزء آخر من القوات الامريكية من العراق ليصل العدد الى خمسين ألف جندي قبل نهاية عام 2011 موعد الانسحاب النهائي لهذه القوات من العراق، وحسب التقارير الواردة فان هذه القوات ستترك معدات عسكرية ضخمة يصعب عليها نقلها جميعاً، مما يضطر القيادة العسكرية الامريكية لأن تبقي جزءاً منه في العراق، ربما يكون ضمن خطة للمساعدة على استتباب الأمن والاستقرار بعد انسحاب هذه الوجبة من القوات الامريكية.

مع هذا الاختبار، يبدو ان مهمة السيطرة على الاوضاع الامنية لن يكون عسيراً على المحظوظ رئيس الوزراء المرتقب للعراق، مع وجود هكذا تجلّد في الطبقة الفقيرة الباحثة أبداً عن لقمة العيش وتوفير ما أمكن من الدنانير لساعة الشدّة. وكذلك مع وجود طبقة مرفهة مضمونة المصالح ولا يهمها كثيراً تبدل الظروف والاحوال، ولا يجدون ثمة ما يدفعهم لأن يتحملوا مسؤولية الآخرين.

 وبذلك يكون تملّك هذه المعدات العسكرية الامريكية الحديثة في ظروف بعيدة عن التشنج والتوتر، والاهم من كل ذلك سيسجل هذا المحظوظ النصر الجديد لحسابه وانه سيستلم مهامه في عراق خالٍ الى حدٍ كبير جداً من القوات العسكرية الامريكية بحلول عام 2011.

هذه الامور تشكل بالحقيقة ثمار حلوة المذاق يسيل لها اللعاب، وهي جاءت بضريبة الدم التي دفعها الآف الشهداء من ابناء شعبنا في الشوارع والطرقات وبآهات الارامل والايتام ضمن لعبة (الارهاب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/آب/2010 - 15/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م