لقد تحولت الفتاوى في هذا الزمن إلى فوضى عارمة بما تعنيه الكلمة،
بل إلى اكبر سوق لتسويق الفتن الشيطانية في داخل الوطن وفي جسد الأمة
الإسلامية العليلة وأبنائها في كل مكان، وان تتحول الفتوى إلى اكبر
تهديد للعباد والبلاد، بعدما أصبح كل من يرى نفسه انه رجل دين أن يصدر
فتاوى شرعية للآخرين حسب ما يراه وما يريد وإيجاد الأسباب والتبريرات
للأحكام الصادرة عنه.
فبفضل هذه الفئة من رجال الفتوى، وبفضل وجود حاشية من الناس البسطاء
يفتقدون الوعي الديني والوطني يصدقون كل ما يقوله رجال الدين والدعاة،
وبفضل الوسائل الإعلامية المتاحة ومنها الانترنت، ظهرت فتاوى مشبعة
بالفتن والكراهية والحقد شوهت سمعة الوطن والمواطنين، والعرب والإسلام
والمسلمين، ولصقت الإرهاب بالإسلام، وفرقت بين الأخ وأخيه وصاحبته
وبنيه، ومزقت اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، ونشرت الفتن
الدينية والمذهبية البغيضة، وشرعت وحللت قتل وسفح دم الإنسان المسلم
وغير المسلم بدون تفريق وتمييز، كل ذلك باسم الإسلام، والإسلام منه
بريء كبراءة الذئب من دم يوسف.
لقد سقط الآلاف من الناس الأبرياء وتم استهداف العباد في دور
العبادة والأسواق، وتم تدمير البلاد العربية وغير الإسلامية بسبب
الفتوى الصادرة من قبل رجال دين، والمؤلم انه لا يزال البعض يمارس
القتل والتفجير والإرهاب في العديد من البلدان، كما ان البعض يعمل على
نشر الفتن الطائفية في وسائل الإعلام باسم الدين والدفاع عن شرف الأمة
تحت مبرر شرعي اسمه فتوى شرعية!.
وقد تحولت الفتاوى المتنوعة والمتضاربة والمتشددة والآراء التكفيرية
إلى سوق رائجة شغلت الشعب السعودي المسكين الذي تحول إلى حطب لها وهو
لا يعلم وأصبحت مصدر قلق للوطن وللناس؛ وما قيام خادم الحرمين الملك
عبدالله بن عبدالعزيز، بإصدار مرسوم ملكي بقصر إصدار الفتاوى الشرعية
على أعضاء هيئة كبار العلماء فقط، ومنع الفتاوى التي تضر بالوحدة
الوطنية إلا محاولة لتنظيم الفتاوى في البلد إذ جاء في البيان «يمنع
منعاً باتاً التطرق لأي موضوع يدخل في مشمول شواذ الآراء،، وكل من
يتجاوز هذا الترتيب فسيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائناً
من كان؛ فمصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار».
نعم مصلحة الوطن والمواطنين من كافة الفئات والشرائح فوق كل اعتبار
بعدما شهد الوطن فتاوى وآراء تضر بالدين والوطن اشعلت نار الفتن بين
أبناء الوطن الواحد كتكفير فئات من المواطنين لأسباب فكرية وفنية واراء
ومعتقدات، والتشكيك في وطنية البعض، وتكفير بعض العلماء الكبار في
العالم، ونشر البغضاء والكراهية للاخر المختلف، وتعريض الوطن
والمواطنين لمخاطر كبيرة بسبب فتاوى واراء بعض رجال الدين، وكذلك
التضارب في الفتاوى الغريبة والعجيبة مثل رضاعة الكبير والدعوة لإعادة
بناء وتقسيم الحرم المكي للرجال والنساء، وهدم الآثار الإسلامية، ومنع
المسلمين المختلفين في المذاهب من ممارسة حرية التعبد حسب مذهبهم..
وغير ذلك.
المشكلة الأكبر التي تواجه القرار الملكي هي طريقة التنفيذ لتطبيق
القرار - الآليات والأشخاص- إذ إن بعض العاملين في المؤسسات التي ستطبق
القرار متأثرة بالفتاوى والآراء التي لا تخلو من التشدد التي أصبحت
جزءا من الشخصية، كما ان بعض المواطنين تربوا طوال سنوات طويلة على
منابر بعض العلماء والدعاة الذين لهم اراء مختلفة عن أعضاء هيئة
العلماء ومنهم متشددون ومتطرفون، وهناك شريحة ترفض حصر الفتوى لدى
شريحة معينة، كما انه من الصعب منع إصدار فتاوى من الخارج. ومن اجل
تحقيق الهدف المنشود لابد أولا من تهيئة الأرضية وذلك من خلال إصدار
قرارات جريئة للقضاء على مظاهر وما يدعو للتشدد والتطرف والتعصب الديني
والقبلي من خلال الاعتراف الصريح من قبل الدولة ومن هيئة كبار العلماء
بالتعددية الدينية والمذهبية، ونشر ثقافة الاعتدال والتسامح والمساواة
واحترام الآخر مهما كان دينه ومذهبه وفكره وآراؤه، ومنع إصدار الفتاوى
والآراء التي لا تخدم الوحدة والمحبة؛ وهذا بحاجة إلى حملة توعية
داخلية وطنية.
محبو الوطن والإنسانية مع القضاء على كل ما يدعو للشرذمة والخلاف
والتشدد والتطرف، ومع العدالة والحرية والمساواة والتسامح واحترام حقوق
وعقيدة وخصوصية الآخر؛ وكي يتحقق هذا لابد من قرارات ملكية رادعة تجرم
كل من يعتدي على حقوق المواطن - الإنسان -، وكل من يثير النعرات
الطائفية والعصبية والقبلية والمناطقية.
ali_writer88@yahoo.com |