رمضان حول العالم... مدن تنتعش وأخرى تبتهج

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: يحتفي العالم الإسلامي خلال شهر رمضان بأيامه تحديدا، خصوصا انه يمثل للمسلمين في بقاع الأرض شهر التقرب والتضرع الى الله عز وجل، فيما تختلف العادات والتقاليد التي يستخدمها المسلمون تعبيرا عن فرحهم بين بلد وآخر.

ففي فلسطين فان هذا الشهر الكريم يعيد الحياة الى العديد من مناطق التي تعاني جراء الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال عليها، وتعبيرا عن مدى حبهم لأيام هذا الشهر الفضيل قام مجموعة من الفلسطينيين ببناء اكبر فانوس في العالم يبلغ ارتفاعه حوالي 5 أمتار تأكيدا على إصرارهم في مواصلة حياتهم وتقاليدهم في شهر رمضان رغم الظروف الصعبة، بينما تصدر في الدول الإسلامية الأخرى بعض الفتاوى من قبل علماء الدين تحث على احترام هذا الشهر وتأدية واجباتهم بشكل صحيح وتام.

المآذن في اسطنبول

تحت شمس منتصف النهار وفي حرارة تصل الى 33 درجة مئوية احتشد مئات السياح في ساحة مسجد السلطان أحمد المعروف كذلك باسم المسجد الازرق أحد معالم اسطنبول البارزة. وشق رجل متجاهلا الحشد طريقه وسط الحديقة الى المئذنة ليؤدي بطقسه السنوي. بدأ كهرمان يلدز الذي يحمل عنقودا ضخما من المصابيح الكهربائية المجدولة صعود درجات سلم احدى مآذن المسجد وعددها 180 درجة.

وفوق المئذنة تحرك بمهارة مادا حبال النور بين المئذنتين. انه تقليد قديم في الاضاءة يعرف باسم "ماهيا" تعلق فيه المصابيح لترسم كلمات أو رموز دينية ترحيبا بشهر رمضان. ويلدز واحد من عدد قليل من مجيدي فن الماهيا في تركيا وهو الذي يشرف على انارة مآذن اسطنبول منذ عشرات السنين. حمل يلدز المصابيح الكهربائية وبدأ في تعليقها واحدة تلو الاخرى على حبل مده بين مئذنتي المسجد الازرق كما لو كان يكتب على صفحة السماء.

وهذا النوع من الاضاءة فن عثماني يرجع تاريخه لمئات السنين. وتبدأ العملية رسم أولي للاماكن التي ستوضع فيها المصابيح لتشكل الكلمات المطلوبة. وبعد تثبيت المصابيح على الحبال يقوم الخبير بمدها على حبال تصل بين المئذنتين.

وتضاء المصابيح كل مساء طوال شهر رمضان مع رفع اذان المغرب. ويقول يلدز انه يزين مآذن اسطنبول بالمصابيح منذ 36 عاما. ويشعر بالفخر لكونه من القلة الباقية التي تجيد هذا الفن في تركيا على الرغم من الصعوبات التي ينطوي عليها عمله. وقال "صعب حقا صعود كل تلك الدرجات بمثل هذا الحمل وخاصة في الصيف. كان صعبا في الشتاء أيضا. لم نتوقف (عن اضاءة المآذن) طوال 36 عاما. كان الوقت صيفا عندما بدأنا والان عدنا الى الصيف مجددا. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وأوضح أن المصابيح قديما كانت تضاء بالزيت. وقال "هذه الاضواء نوع من الفن العثماني ظهر الى الوجود لاول مرة في مسجد السلطان أحمد ويرجع تاريخه الى 450 عاما مضت. بدأت بمصابيح الزيت ثم بعد قيام الجمهورية وعندما بدأ استخدام الكهرباء في اسطنبول استبدل معلمنا الحاج علي جيلان مصابيح الزيت بالمصابيح الكهربائية." ولكن القلق يساور يلدز من مستقبل "الكتابة على صفحة السماء" الذي أصبح غير مضمون اذ يواجه خبراؤها في البلاد صعوبة في ايجاد كوادر جديدة تتعلم هذه الحرفة وتبقيها حية.

مدينة الخليل

وفي السياق ذاته يعيد شهر رمضان نبض الحياة الى البلدة القديمة في مدينة الخليل رغم ما تعانيه من اغلاق لعدد من شوارعها ومحالها التجارية من قبل السلطات الاسرائيلية التي تسيطر عليها بشكل كامل.

وتساهم بعثة التواجد الدولي في مدينة الخليل باعادة الحياة للبلدة القديمة من خلال مشروع تقدم فيه 44 طنا من الطحين والسميد للمخابز ومحلات بيع الحلويات خلال شهر رمضان المبارك لتباع للمواطن بنصف السعر في محاولة لجذب سكان المدينة الى البلدة القديمة.

وقال خالد عبد الفضيل مدير المشاريع في البعثة "الهدف من هذا المشروع خلال شهر رمضان تشجيع المواطنين لاحياء الاجواء الاقتصادية في البلدة القديمة من خلال تمكينهم من شراء الخبز والحلويات بنصف السعر كجزء من مهمتنا اعادة الحياة الطبيعية الى البلدة القديمة." وتتمركز بعثة التواجد الدولي في مدينة الخليل منذ عام 1994 وتضم حاليا 62 عضوا من ست دول ومهمتها مراقبة اي انتهاكات تحدث في المدينة من قبل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي.

ويعيش في البلدة القديمة ما يقارب 400 مستوطن وسط 200 الف فلسطيني هم سكان مدينة الخليل بما فيها البلدة القديمة التي بقيت حسب الاتفاقات المرحلية بين الفلسطينيين والاسرائيليين تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة وفق ما عرف (ببرتوكول الخليل) الذي قسم المدينة الى قسمين احدهما تحت السيطرة الفلسطينية والاخر تحت السيطرة الاسرائيلية ويضم بشكل اساسي البلدة القديمة. بحسب وكالة الانباء البريطانية .

وتشير احصاءات نشرتها لجنة اعمار الخليل التي تاسست عام 1996 لاعادة اعمار البلدة القديمة الى "ان قوات الاحتلال تغلق 13 شارعا و587 محلا تجاريا في البلدة القديمة حاليا بينما توجد 20 نقطة مراقبة عسكرية لجيش الاحتلال فوق اسطح مبان مأهولة فضلا عن وجود 30 حاجزا اسمنتيا وترابيا وسبعة حواجز متفرقة."

وقال عماد حمدان مدير عام اللجنة انه تم التوجه الى محكمة العدل العليا الاسرائيلية لاستصدار قرار باعادة فتح الشوارع والمحلات التجارية المغلقة منذ ما يقارب الاربع سنوات والى اليوم دون الوصول لنتيجة.

واضاف "لدينا امل في الوصول الى نتيجة باعادة فتح هذه الشوارع والمحلات لانه بدون ذلك لا يمكن اعادة الحياة الطبيعة الى البلدة القديمة."

وقال محمد الفاخوري صاحب محل قطايف داخل البلدة القديمة في الخليل فيما كان يقوم بصب العجين "لا نعمل سوى في هذا الشهر (رمضان) وباقي السنة لا يوجد عمل لا يوجد حركة في البلدة القديمة."

واضاف "ما نطالب به ليس الدعم ولكن نريد ان يفتحوا الشوارع ويزيلوا الحواجز حتى يتمكن الناس من الحركة بحرية من جهة الى اخرى في البلدة القديمة هذا ما ينعش السوق والحياة فيها وليس الحصول على اربعة اكياس طحين من اجل البيع باسعار مخفضة." ويتذكر الفاخوري الذي مضى على وجوده في هذا المحل ما يزيد عن 63 عاما تلك الايام التي كان لا يجد فيها وقتا لتناول الطعام من كثرة العمل في هذا المكان الذي كان مطعما قبل ان يحوله محلا لعمل القطايف.

واوضح محمد فهمي فيما كان يقف خلف مقلى الفلافل انها المرة الاولى التي يعمل فيها منذ ثمانية اشهر وقال "خلال شهر رمضان تبدأ الحركة والناس تاتي الى البلدة القديمة اما للوصول الى الحرم من اجل الصلاة او شراء مسلتزمات رمضان ولكن بعد انتهاء رمضان يعود الركود الى المدينة."

ويتجنب عدد من سكان البلدة القديمة في الجهة الجنوبية منها التنقل الى الجهة الاخرى او الدخول الى اسواقها لان ذلك يتطلب منهم المرور عبر حاجزين عسكريين يخضعون فيهما الى تفتيش دقيق من اجل قطع مسافة لا تتجاوز المئتي متر.

وقال طالب الكركي فيما كان يجلس امام ساحة منزله الذي لا يبعد سوى عدة امتار عن الحاجز العسكري المقام على مدخل شارع الشهداء في البلدة القديمة " افضل ان اقطع مسافة عدة كيلومترات من اجل الوصول الى داخل البلدة القديمة على ان امر عبر هذه الحواجز لقطع مسافة لا تزيد عن مئة متر."

واضاف "لا اعرف لماذا لا يعيدوا فتح الشوارع في المدينة فالوضع هاديء ولا يوجد هنا موجهات او اطلاق النار. نسمع في الاعلام عن وجود تسهيلات ولكن هنا على ارض الواقع لم يتغير شيء. الشوارع مغلقة والكثير من المحلات كذلك.."

ويشارك الكركي الرأي عدد من الرجال الذين كانوا يجلسون معه في ساحة المنزل "ان القرار في مدينة الخليل للمستوطنين حتى لو تم الاعلان عن اجراء تسهيلات فان المستوطنين يمنعون تنفيذها."

ولم يتسن الحصول على تعليق من الجيش الاسرائيلي حول سبب عدم اعادة فتح شوارع البلدة القديمة في مدينة الخليل التي يتقاسم فيها المسلمون واليهود الحرم الابراهيمي الشريف الذي يضم عددا من قبور الانبياء رغم الهدوء الذي تشهده في الفترة الاخيرة.

أكبر فانوس رمضاني

ولم يستسلم الفلسطينيون الى الحصار الذي تفرضه القوات الإسرائيلية منذ أكثر من أربع سنوات، فوسط الظلام الذي يلف معظم قطاع غزة، نظراً لتوقف محطة الكهرباء الرئيسية بعد نفاذ وقودها، وجد أهالي القطاع الفلسطيني، ، ضالتهم لإحياء ليالي رمضان، في "فانوس الحرية"، والذي ربما يُعد أكبر فانوس رمضاني في العالم. وقرر صانعو الفانوس أن يطلقوا اسم "فانوس الحرية" على فانوسهم، تخليداً لذكرى تسعة متضامنين أتراك، قُتلوا نتيجة الهجوم الذي شنته وحدة "كوماندوز" تابعة للبحرية الإسرائيلية، على سفن "أسطول الحرية"، أواخر مايو/ أيار الماضي، بينما كانت في طريقها لكسر الحصار على غزة.

وتم إشعال الفانوس لأول مرة مع حلول أولى ليالي شهر رمضان، أمام مسجد "سعد بن معاذ"، الواقع في حي "الدراج" شرقي مدينة غزة، باستخدام مولد كهربائي، ووسط أجواء احتفالية، شهدت إطلاق الألعاب النارية.

ومن المتوقع أن يدخل "فانوس الحرية" موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية العالمية، حيث يبلغ طوله 5.5 متر، وعرضه 2.5 متر، وفق ما ذكر "المركز الفلسطيني للإعلام"، المقرب من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي تسيطر على القطاع. وقال مؤمن حجازي، المشرف على صناعة الفانوس، إن فكرة صناعة هذا الفانوس كانت تراوده منذ فترة طويلة، لكنه تردد نتيجة قلة الإمكانيات المتوفرة، وبعد أن حصل على تشجيع كبير من الأهل والأصدقاء فكر في صناعة فانوس كبير بحجم خمسة أمتار ونصف. بحسب وكالة السي ان ان .

وحول المعوقات التي وقفت أمام صناعته للفانوس الضخم، قال حجازي: "أكثر المعوقات كانت انقطاع الكهرباء، حيث كنا نتوقف عن العمل لساعات طويلة، وهذا أدى إلى تأخر إطلاق الفانوس، كذلك فقدان بعض المواد المستخدمة في صناعة الفانوس نتيجة الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة." وأشار حجازي إلى أن هدفه من تدشين الفانوس الرمضاني هو "إيصال رسالة إلى العالم كله، أن الشعب الفلسطيني محب للسلام والخير، وأن فيه مبدعين لا تقف في وجههم الحدود أو السدود، حتى وإن لم تتوفر لديهم الإمكانيات." وأعرب عن  توقعاته أن يدخل فانوسه الجديد موسوعة "غينيس"، مشيراً إلى أن الفانوس الحالي الموجود في الموسوعة الدولية، يبلغ طوله حوالي 3.5 متر، أي أنه أصغر من فانوسه بنحو مترين.

منع قراءة القران قبل الاذان

الى ذلك اكد وزير الاوقاف الفلسطيني محمود الهباش ان الحكومة منعت قراءة القران قبل الاذان عبر مكبرات الصوت في مساجد الضفة الغربية. وقال الهباش في مؤتمر صحافي في رام الله ان "قراءة القران قبل الاذان هو غير مشروع ولم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن الخلفاء ولا العلماء، وما دام ليس عليه دليل شرعي فنحن نلتزم حرفيا بما جاء عن الرسول وعن الخلفاء".

واضاف "لذلك سمحنا فقط بقراءة القران قبل اذان المغرب (موعد الافطار في رمضان) وفي خطبة الجمعة وصلاة التراويح، وايضا قبل آذان الفجر، لان الجميع في هذه الاوقات يخشعون للقران لانهم يكونون في حالة انتظار". بحسب وكالة فرانس برس .

من جهة اخرى قال الهباش انه "لا يسمح باقامة دروس او انشاء مراكز تحفيظ للقران الا بعد اخذ اذن مسبق من وزارة الاوقاف". وقد شرعت السلطة الفلسطينية في الاوانة الاخيرة في السيطرة على كل الانشطة داخل مساجد الضفة الغربية، ومنها تعيين الائمة والخطباء وتحديد مضمون خطبة الجمعة، وابتكار اذان موحد في بعض المدن والقرى عبر الانترنت.

واوضح الهباش ان "هذا كله امر تنظيمي اداري للحفاظ على حرمة المساجد، لاننا واجهنا الكثير من الحالات التي يقوم فيها خطباء غير مؤهلين بالخطابه امام الناس. لذلك لا يسمح لاي شخص غير مؤهل ان يعتلي المنبر للخطبة او للتدريس في امور الدين دون اذن من وزارة الاوقاف".

الشيشان

من جهته أمر الزعيم الروحي لاقليم الشيشان الذي يغلب المسلمون على سكانه باغلاق جميع المطاعم تماما أثناء شهر رمضان مما أثار غضبا من قبل نشطاء وسكان يقولون انه ينتهك القانون الروسي.

ويخشى كثيرون على خلفية النزعة الانفصالية المتنامية أن يؤدي الاهتمام المتنامي بالاسلام المتشدد الى إشعال النزعة الانفصالية في منطقة شمال القوقاز المضطربة حيث يخوض متمردون حربا من أجل اقامة دولة اسلامية في منطقة القوقاز تحكم بالشريعة.

وقال سلطان ميرزاييف مفتي الشيشان ان جميع المقاهي والمطاعم يجب أن تغلق حتى بعد الافطار في رمضان وهي خطوة متشددة مقارنة بأنحاء أخرى في العالم الاسلامي. وقال ميرزاييف "لا نستطيع أن نتحمل الروائح التي تفوح في الشوارع وتثير شهية الجوعى."

وقال سكان العاصمة الشيشانية جروزني ان هذه هي المرة الاولى التي تغلق فيها المطاعم بشكل كامل مشيرين الى أن حوالي نصف المقاهي كان يعمل أثناء رمضان في العام الماضي.

وساد الصمت وسط المدينة حيث أغلقت كثير من المقاهي أبوابها.

ولا يحظى أمر المفتي بأي ثقل قانوني ولكن من المرجح اتباعه لان ميرزاييف يحظى باحترام كزعيم روحي. وقال ان المقاهي التي ترفض الالتزام "سيجري حثها على أن تغلق أبوابها." بحسب وكالة الانباء البريطانية .

ويسلط اغلاق المقاهي الضوء على التوتر بسبب محاولات رمضان قديروف زعيم الشيشان المدعوم على فرض أحكام الشريعة الاسلامية التي قد تنتهك الدستور الروسي. ورفض متحدث باسم قديروف التعليق على اغلاق المقاهي.

ويقول منتقدون ان الكرملين يسمح لقديروف بادارة الشيشان كامارة اقطاعية خاصة في مقابل الحفاظ على الهدوء النسبي في منطقة لم تتعاف بعد من حربين انفصاليتين مع موسكو منذ منتصف التسعينات.

وقال مينكائيل اشييف الناشط الحقوقي ومؤسس منتدى المجتمع المدني الشيشاني ان اغلاق المقاهي في رمضان أظهر أن الشيشان تعمل كدولة منفصلة عن روسيا التي ينص دستورها على الفصل على بين الدين والدولة.

وقال "أعارض اغلاق المقاهي تماما. "كل شيء يجب أن يكون في اطار القانون المطبق في روسيا."

ويقول منتقدون ان الميليشيا الكبيرة الموالية لقديروف شخصيا تفرض رؤيته للاسلام في الشيشان حيث الخمور محظورة ويجب على النساء ارتداء الحجاب في المصالح الحكومية وتشجع السلطات تعدد الزوجات.

وأصاب قديروف الجماعات المدافعة عن حقوق الانسان بصدمة في يوليو تموز الماضي عندما أثنى على أشخاص مجهولين هاجموا نساء لا يرتدين الحجاب. وقبل رمضان قال متمردون من منطقة كاباردينو بالكاريا في شمال القوقاز على مواقع الكترونية يستخدمها الاسلاميون انه سيتم "القضاء" على بائعي الخمور أثناء رمضان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آب/2010 - 13/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م