فيضانات باكستان ومبدأ الإغاثة الإنسانية

زهير الخويلدي

إن إضفاء سمة الكونية يعني وحدة مصير البشرية جمعاء

 

 جراء التحولات المناخية الكبرى في مستهل القرن الواحد والعشرين وبعد حدوث تسونامي في البحر وآخر في الجو بات العالم مهددا أكثر من أي وقت مضى بالأعاصير والكوارث وصارت كل دولة في أي إقليم وأية قارة في مرمى حجر من هذه التحولات وعرضة للأمطار الطوفانية وارتفاع موجات البرد أو الحر والفيضانات والمد البحري وانجرافات التربة.

ربما ما حدث لروسيا من حرائق  وارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة وانقسام كتلة ثلجية من الجبال الجليدية للمحيط المتجمد الشمالي وشروعها في التحلل والذوبان وما حصل لباكستان من فيضانات هذه الأيام يتنزل في هذا الإطار ويستوجب وقفة إنسانية حازمة نظرا لحجم الخسائر المادية والبشرية الهائل وبالتوازي مع المخاطر البيئية والأضرار التي خلفها التقدم التكنولوجي في الطبيعة.

بيد أن الصور التي تناقلتها القنوات الفضائية عن ما حل في المناطق الباكستانية المنكوبة تدمي القلب وتحير العقل وتحزن النفس وتقوي مشاعر التعاضد وذلك لتزامنها مع حلول شهر رمضان الكريم وبعد أن هدمت السوائل المنازل وشردت السكان وغمرت المياه العديد من المناطق في الشمال والوسط والجنوب وفي سهل البنجاب والسند وحوض نهر الأندوس وكشمير وجنوب بلشستان واستحال ايواء الجميع.

لكن المأساوي هو تأخر المساعدات الإنسانية من العالم تجاه هذا البلد الشقيق وقضاء السكان المشردين معظم الوقت في العراء بعد أن فقدوا ممتلكاتهم وثرواتهم ونفذت مؤونتهم وبعد انتشار الأوبئة وقلة المياه الصالحة للشرب وندرة الأغذية الصحية وارتفاع حالات الانزلاقات الجبلية والانهيارات الأرضية وصعوبة التضاريس وانقطاع المسالك وخطوط الإمداد.

غضب الطبيعة على شعب باكستان ترافق مع التوتر السياسي والقبلي الذي تشهده ومع تزايد التحديات الخارجية وضغط البعض من القوى في اتجاه التأثير في الشأن السيادي الداخلي وما رافق ذلك من اتهامات بالإرهاب والتشدد لبعض الجماعات أو تلك وما نتج عنه من احتقان بين الطوائف واحتراب ديني.

ما نلاحظه أن العرب والمسلمين اهتموا بفيضانات هايتي أكثر من اهتمامه بفيضانات باكستان رغم أن الكارثة نفسها والموت التي حصد روح ألاف الناس هو نفسه والمنزع الانساني في هذا المقام كان ينبغي أن يكون هو نفسه. كما أن الإعلام العربي ساهم في عدم اهتمام المسلمين بالضحايا والأضرار ونقله للصور المرعبة لم يكن في مستوى ولم تظهر علامات التعاطف مع الأخوة في الدين والحضارة.

منظمة الأمم المتحدة أعلنت أن فيضانات باكستان هي الأسوأ منذ قرن وذلك لإضرارها بأكثر من أربعة ملايين شخص وحصدها لقرابة ألفين من الأرواح ولكن منظمة المؤتمر الإسلامي تأخر تحريكها لهذه القضية الإنسانية والدول الإسلامية والعربية باستثناء بعض الإمارات الخليجية لم تقم بالإغاثة المطلوبة والسريعة واللازمة رغم علاقة الجوار والقربى ورغم حرصها الدائم والتاريخي على مساندة سكان المعمورة عند تعرضها للخطر وفي حالة الكوارث والأعاصير.

التفسير الممكن لهذا التوجه هو تكاثر نكبات الأمة ومصائبها وتعدد مصادرها فتارة يداهمها التاريخ وطورا تفاجئها الطبيعة ولكن فتور مشاعر التكاتف وتراجع أواصر القربى هو الذي يبرر هذا التراخي.

إن واجب الانتماء إلى الملة يقتضي التعزية والمواساة في المفقودين ودعوة لله باللطف والرفق بالأحياء والرحمة للأموات ويستوجب دعوة كل دول العالم عامة والدول العربية والإسلامية خاصة بتقديم المساعدة والإغاثة من أجل إنقاذ هذا البلد الشقيق من الكارثة في ظل تواصل تعكر المناخ في موسم سقوط الأمطار واحتمال ارتفاع منسوب المياه إلى معدل 20 سنتمر في معظم المناطق الباكستانية.

إن التضامن مع باكستان هو مثل التضامن مع فلسطين ولبنان والعراق وهو فعل مقاوم بامتياز ضد كل أشكال التشتت والفرقة بين الجسد الإسلامي الواحد ويمكن أن يزيل كل أشكال سوء التفاهم بين الدول.    الم يقل الله في القرآن الشريف مخاطبا الرسول محمد صلعم:ما أرسلنا إلا رحمة للعالمين؟ وقال له أيضا:وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا؟

إن تعهد بعض الدول الغربية والصين والولايات المتحدة الأمريكية بتقديم بعض المساعدات المالية قد لا يكفي لجبر الضرار ولا يؤدي إلى تأهيل مدن متحركة لإيواء السكان وإقامة مستشفيات ميدانية لمعالجة الجرحى والمرضى والخوف هو أن تكون مجرد وعود وتطمينات لا غير.

فمتى يفهم ساسة العالم أن ما يؤسس على الصعيد الاقتصادي والتقني وما يعطي الدليل على ارتسام حضارة عالمية في الأفق هو كله مسخر ضرورة من أجل سلامة المجتمع العالمي وانه من الواجب على الجميع حماية الجميع من كل أشكال المخاطر وخاصة الكوارث الطبيعية؟

* كاتب فلسفي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/آب/2010 - 12/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م