أزمة الغذاء الدولية تستشرف الجوع مع ارتفاع أسعار الحبوب

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: الجوع، شعور يصيب كل انسان، فعندما يصيبه الجوع يبحث عن طعام ليوقف هذا الشعور الذي يتجاوز حدوده في بعض الاحيان ويصل الى الالم واذا تمادى اكثر فهو يصل الى الامراض من ثم الموت، وهذا ما يخشاه المراقبين والخبراء الاقتصادين من حصوله في الاشهر القادمة بسبب ما يعيشه العالم من الوقوع تحت رحمة الجوع، الذي لا يوجد حلا له الا الاشباع ، ولكن اذا  لم يجد الشخص ما يتناوله او ما يسد جوعه فهو سيفعل المستحيل للحصول عليه، مثل السرقة، التخريب، الاعتداء على الاخرين للحصول على حصصهم من الطعام وسد حاجته، وهذا هو ما حذر منه الخبراء حكومات العالم، وحثوا على ايجاد طرق لعدم وصول الحال الى ما هو متوقع، وفعلا قامت روسيا وقد تكون هي السبب في كل هذا بعد ما سببته الحرائق فيها من حرق المحاصيل وانخفاض محصول القمح الذي يمثل الغذاء الاساسي في معظم دول العالم، قامت بحضر التصدير للمحافظة على مالديها، بينما صعب هذا القرار على البلدان التي تعتمد وبشكل كبير على روسيا لتغطية احتياجاتها الغذائية وخصوصا مصر، هي الاخيرة راحت تيحث عن جهات اخرى للتعاقد معها للحفاظ على نظام البلد الذي قد يتدهور اذا ما وجد المصريون خبزا يأكلون، بسبب الشحة وبسبب ارتفاع اسعار الحبوب.

ارتفاع أسعار الحبوب

فكان من المتوقع أن يشكل ارتفاع أسعار الحبوب بسبب موجة جفاف وحرائق في روسيا ضغوطا على الشعوب التي تكابد بالفعل تداعيات الأزمة المالية وقد يغذي الاضطرابات خصوصا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأجزاء من أوروبا.

وارتفعت أسعار القمح حوالي 70 بالمئة منذ يونيو حزيران بعدما اجتاحت روسيا أسوأ موجة جفاف في 130 عاما لتصل الي أعلى مستوياتها منذ 2008 حينما أشعل الصعود الكبير السابق لأسعار الغذاء شرارة احتجاجات وأعمال شغب في عدة اقتصادات ناشئة.

ويحذر محللون من احتمال تزايد خطر اندلاع أعمال العنف في الشوارع اذا ظلت الأسعار مرتفعة. وقال جوناثان وود محلل الشؤون العالمية بمؤسسة كنترول ريسكس "يمكن أن نشهد بعض أعمال الشغب في الشوارع لكنني لا أتوقع سقوط أي حكومات." وأضاف قائلا "أحد الجوانب المشكلة الآن هي انها أخف حدة بكثير مما كانت عليه في 2008 لان لدينا مخزونات أكبر من المواد الغذائية. لكن على الجانب الآخر فان دولا كثيرة لا تتمتع بأوضاع مالية جيدة للتعامل معها (مشكلة ارتفاع الاسعار) بسبب الازمة المالية."

ويمكن أن يمتد ارتفاع الأسعار -خصوصا في الأسواق الناشئة حيث تشكل المواد الغذائية نسبة كبيرة من مشتريات الاسر- الى معدلات التضخم ويؤدي الى زيادة أسعار الفائدة واتساع العجز.

وتعتبر دول الشرق الاوسط وشمال أفريقيا -خاصة مصر- معرضة بشدة للتأثر بذلك كما هو الحال في بعض الدول الصاعدة ودول جنوب أوروبا حيث تشعر الشعوب بالاستياء بالفعل بسبب تخفيضات كبيرة في الانفاق العام والاعانات الحكومية والاجور. وقالت ميتسا رحيمي المحللة في شركة جانوزيان للاستشارات الامنية "واردات الحبوب لها حساسية خاصة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا حيث يعتبر الخبز عنصرا أساسيا في النظام الغذائي... منطقة شرق أوروبا أيضا بها مخاطر واضحة."

وكانت الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن الازمة المالية في أوروبا أقل مما توقع الكثيرون -رغم اضطراب الاسواق في مايو أيار بسبب أعمال شغب في اليونان - لكن من المتوقع أن تزداد المخاطر في فصل الخريف حيث تدعو النقابات العمالية لتنظيم اضرابات وعندما يظهر تأثير إجراءات خفض الانفاق.

وسعت دول وسط وشرق أوروبا الى التأهل للحصول على مساعدات من صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي وذلك باتخاذ إجراءات صارمة لكن محللين يرون أن صبر الشعوب بدأ ينفد خاصة في رومانيا. كما تتركز الأنظار أيضا على اسبانيا وايطاليا وفرنسا ودول البلطيق. وسيتوقف الكثير على المدة التي سيستمر فيها ارتفاع الأسعار ومدى امتدادها الى سلع أولية ومواد غذائية أخرى.

ويقول محللون ان ذلك قد يؤدي سريعا الى مظاهرات حاشدة خصوصا في الدول السلطوية الفقيرة نسبيا حيث يعتبر الحفاظ على إمدادات الغذاء أساس شرعية الحكومة. وسارع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الي فرض حظر على تصدير القمح ومن المرجح أن يحرص الكرملين على امتلاء صوامعه في حالة تضرر المحصول الشتوي للبلاد بصورة أكبر. بحسب وكالة الانباء البريطانية .

وقالت مؤسسة ستراتفور للاستشارات الامنية "ترتبط امدادات الحبوب الكافية منذ فترة طويلة بالاستقرار الاجتماعي في روسيا."

وترى ستراتفور أن روسيا قد تستغل الازمة لتأسيس منظمة اقليمية لمنتجي الحبوب تضم الدول المنتجة القريبة منها مثل روسيا البيضاء وقازاخستان وأوكرانيا.

وقالت المؤسسة في مذكرة "استخدمت موسكو بشكل صريح إمدادات الطاقة كسلاح سياسي إما برفع الأسعار أو قطع الامدادات. تعتبر صادرات الحبوب احدى الادوات الاقتصادية الروسية."

وسارع عدة مستوردين رئيسيين للقمح الروسي مثل السعودية وتركيا والاردن بالتأكيد على أن لديهم مخزونات كافية وانه لن يكون هناك تأثير فوري على المواطنين. لكن القلق يساور أولئك المستوردين.

وقال اليستر نيوتن المحلل السياسي في نامورا "تتفاقم المخاطر دائما في الدول حيث توجد أعداد كبيرة من الفقراء في الحضر وحيث تشكل المواد الغذائية أكثر من 60 بالمئة من سلة مؤشر مشتريات المستهلكين."

وأضاف قائلا "أكبر الدول المرشحة لاحتمال حدوث اضطرابات من وجهة نظري هي مصر حيث توجد توترات كبيرة بالفعل مع اقتراب الانتخابات والمخاوف بشأن خلافة ( الرئيس حسني مبارك). مصر لها تاريخ طويل من أعمال الشغب لأسباب تتعلق بالغذاء لكن تخميني هو أن التأثير الرئيسي سيكون على العجز في الميزانية مع ارتفاع تكلفة الدعم."

ودائما ما كان لاسعار المواد الغذائية والدعم دلالات سياسية في مصر بينما لم يتضح بعد ان كان مبارك (82 عاما) الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود تقريبا سيرشح نفسه مرة أخرى. وحدثت مشاحنات متفرقة أثناء توزيع تبرعات غذائية في الاسابيع الاخيرة وساد شعور بالسخط لارتفاع أسعار المواد الغذائية قبيل شهر رمضان لكن ذلك لم يفض الى تكرار الاحتجاجات التي شهدتها البلاد على نطاق واسع في 2008.

وواجهت الحكومة تلك الاحتجاجات قبل نحو عامين بحملة أمنية ثم تعهدت بزيادة الاجور.

ومن بين الدول الاخرى التي تحظى بمتابعة خاصة لترقب أي بوادر على الاضطراب الجزائر وسوريا التي تعاني جفافا واليمن غير المستقر بالفعل.

وعلى النقيض هناك توقعات أقل لتأثير مباشر على أفريقيا ويرجع ذلك جزئيا الى قوة المحاصيل الرئيسية خاصة الذرة في جنوب القارة. وتباطأت وتيرة ارتفاع أسعار الغذاء في نيجيريا بفضل المحاصيل المحلية الجيدة.

بيد أن ارتفاع الأسعار العالمية ما زال من الممكن أن يؤثر على بعض صفقات الأراضي المبرمة في الآونة الأخيرة والتي اشترت من خلالها دول من الشرق الأوسط وآسيا قطعا من الاراضي الزراعية في أفريقيا ومناطق أخرى منها أوكرانيا وباكستان من أجل انتاج الغذاء. وربما لا يروق للشعوب المحلية الجائعة أن ترى الغذاء وهو يشحن الي الخارج.

وترى شركة زوريخ للتأمين أن المخاوف من حدوث اضطرابات متعلقة بالغذاء ستدفع مزيدا من المستثمرين للبحث عن حماية من المصادرة أو الاضرار الناتجة عن أحداث عنف سياسية. وقد يؤدي ذلك الى ارتفاع العلاوات السعرية وتكلفة الاستثمار الاجنبي المباشر في المناطق التي قد تشهد اضطرابات.

وقال دان ريوردان رئيس زوريخ للمنتجات المتخصصة "كنتيجة لهذا نتوقع أن يتزايد الطلب على منتجاتنا لمواجهة المخاطر السياسية."

ارتفاع أسعار الخبز

من جانبه أفاد خبير اقتصادي أن أسعار القمح تضاعفت خلال الشهرين الماضيين لتصبح أسرع أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً خلال السنوات العشرين الماضية.

وفي هذا السياق، قال عبد الرضا عباسيان، وهو خبير اقتصادي وأمين المجموعة الحكومية الدولية المشتركة المعنية بالحبوب في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن "أسعار القمح ارتفعت خلال الأسبوع الماضي فقط بنسبة 20 بالمائة". ولكن لا داعي للذعر الآن لأن"أي ارتفاع عالمي [في أسعار المواد الغذائية] يحتاج إلى ستة أشهر ليصل الأسواق المحلية"، وفقاً لعباسيان، ولكن ذلك يعني أن عام 2011 سيكون عاماً صعباً على مستهلكي الأغذية التي تعتمد على القمح مثل الخبز.

وقد أدى الجفاف الشديد والحرائق في روسيا، أكبر دولة في العالم وواحدة من أكبر خمس دول مصدرة للقمح، إلى رفع الأسعار بشكل كبير. وأضاف عباسيان قائلاً :"لن تنخفض الأسعار في أي وقت قريب"، ولكنه أوضح أنها لم تصل بعد إلى المستويات المرتفعة التي وصلت إليها عام 2008.

وأشار عباسيان إلى أن روسيا كانت تعتزم قبل بضعة أشهر فقط الانضمام إلى "الجهات المانحة للمعونة الغذائية"، ولكن بعد تعرضها لأسوأ موجة جفاف منذ عام 1972 والتي تسببت في تلف نحو 20 بالمائة من محاصيلها الغذائية، وفقاً للإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، فإن البلاد قد تحتاج لإعادة النظر في موقفها. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين .

وأفاد عباسيان أن "المخزون العالمي على ما يرام في الوقت الراهن، ولكن استمرار الجفاف في روسيا سيؤثر على الزراعة للعام المقبل. وهو ما يعني أنه علينا أن نكون أكثر حذراً العام المقبل".

وقد بدأ المخزون العالمي للحبوب الذي يعتمد معظمه حتى الآن على البلدان في نصف الكرة الغربي، بالتطلع إلى بلدان رابطة الدول المستقلة، وهي منظمة إقليمية تضم الاتحاد الروسي وبيلاروسيا وأوكرانيا وأرمينيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان ومولدوفا وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وجورجيا.

وقال عباسيان: "لسوء الحظ، تقع دول رابطة الدول المستقلة في جزء من العالم معرض بشكل كبير للصدمات البيئية"، وهو ما قد يؤثر على الإنتاج الزراعي.

تجدد أزمة القمح

ومما يبدو أن المصريين، باعتبارهم أكثر سكان العالم استهلاكاً للقمح، سوف يكونون أول المتضررين من القرار الذي أصدرته السلطات الروسية مؤخراً بحظر تصدير القمح، خاصةً أن مصر، التي تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم، تعتمد على روسيا، إلى حد كبير، لتوفير احتياجاتها من تلك السلعة الإستراتيجية.

وفور إعلان السلطات الروسية عن قرارها بحظر تصدير القمح، خلال الفترة من منتصف أغسطس/ آب الجاري، وحتى الأول من ديسمبر/ كانون الأول القادم، حسبما أكد ديمتري بسكوف، الناطق الرسمي باسم رئيس الحكومة الروسية، بدأت الحكومة المصرية حركات حثيثة للبحث عن أسواق بديلة للقمح، لتعويض العجز الذي سينجم عن قرار موسكو.

وأورد تلفزيون "روسيا اليوم" تقريراً له من القاهرة، أفاد بأن وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد رشيد، عقد اجتماعاً عاجلاً مع عدد من المسؤولين بالوزارة، لبحث تداعيات القرار الروسي بحظر تصدير القمح . بحسب وكالة السي ان ان .

وتابع التقرير: "لا تزال الحكومة المصرية تدرس آلية التعامل مع  تداعيات القرار الروسي، فالأهم بالنسبة للمسؤولين المصريين حالياً، هو مناقشة الموقف القانوني من التعاقدات التي تمت مع روسيا قبل تاريخ 15 أغسطس/ آب الجاري، التاريخ الذي اتخذ فيه قرار الحظر، لأن القاهرة، المستورد الأول للقمح في العالم، تعتبر روسيا المصدر الرئيس لها، بنسبة 45 في المائة من حجم استيرادها."

وأضاف تقرير المحطة الروسية: "لكن الحقيقة أن عصر الغذاء الرخيص قد ولى، من وجهة نظر البعض، الذين ينادون بأن تسعى الحكومة إلى زراعة مليون فدان من القمح، تضاف إلى ثلاثة ملايين، يتم زراعتها حالياً، لمواجهة الزيادة على الطلب، الذي يتنامى في كافة أنحاء العالم، والتي تشهد ارتفاعات قياسية في أسعار القمح."

الحظر الروسي

ولكن طمأنت الحكومة المصرية مواطنيها عندما اكدت على قدرتها لمواجهة حظر تصدير القمح الروسي في الاشهر القادمة بفضل مخزونها وتنوع مصادرها.

واوضح وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد ان لدى مصر مخزونا يضمن لها انتاج الخبز المدعوم للاشهر الاربعة المقبلة. واضاف في بيان ان القرار الاخير للحكومة الروسية لن يكون له تاثير فوري على مصر.

وتقدم الحكومة المصرية دعما كبيرا للقمح للابقاء على سعر الخبز في متناول ابناء الشعب الذين يعيش 40% منهم بدولار او اقل في اليوم. من جهة اخرى اعترف رشيد بان الشعب المصري يشعر بالقلق من عواقب هذا الوضع خلال شهر رمضان الذي يرتفع فيه عامة استهلاك الخبز. لكنه اكد ان ذلك لن يكون له اي تاثير على شهر الصوم. واشار ايضا الى سياسة تنويع المصادر التي تتبعها مصر في هذا القطاع الحيوي حيث اشترت 240 الف طن قمح من فرنسا. بحسب وكالة فرانس برس .

واوضح الوزير ان القاهرة قررت وقف استيراد القمح من دول مثل اوكرانيا وكازاخستان بانتظار معرفة تاثير حالة الجفاف على سياستيهما التصديرية. وقدر تاثير التغيرات الجارية على ميزانية مصر لسنة 2010/2011 التي بدات في اول تموز/يوليو بما بين 400 الى 700 مليون دولار.

أكبر مستوردي القمح في العالم

دفع القلق حيال محصول القمح في منطقة البحر الاسود الاسعار العالمية لاعلى مستوى لها في نحو عامين الاسبوع الماضي مما زاد المخاوف من ارتفاع تكاليف الغذاء على مستوردي القمح.

وفيما يلي جدول بأكبر مستوردي القمح في العالم:

البلد الواردات* بحسب وكالة الانباء البريطانية .

2009/2010 2010/2011**

مصر 9300 8800

البرازيل 6500 6500

اندونيسيا 5500 5500

اليابان 5300 5200

الجزائر 5000 5000

كوريا الجنوبية 4400 3100

نيجيريا 3900 3600

العراق 3700 3600

تركيا 3100 3500

المغرب 2400 3600

* السنة من يوليو تموز الى يونيو حزيران والكميات بالالف طن متري.

** تقديرات أصدرت في أغسطس اب.

المصدر: وزارة الزراعة الامريكية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/آب/2010 - 11/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م