مجتمعات ما بعد الصدمة... ظواهر وسلوكيات سلبية

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: من المشاكل الهامة والخطيرة التي بدأت في الساحة العراقية والعربية والإسلامية، بعد الكوارث، الحروب المتعددة، الهجرات الداخلية والخارجية، الحصار هو ما يسمى بالعصاب الصدمي حيث يتم تهديد حياة الأفراد بسبب الكوارث الطبيعية، الاصطناعية، المعنوية، الجسدية..أهمها الحروب وما يصحبها من دمار، حرمان، تهديد بالفناء. أن الحروب تتلاحق في العراق، مجتمعنا تحول خلال القرن الماضي وهذا القرن الى مجتمع كارثي.

أصبحت أعداد الضحايا والمصدومين غير قليلة، لا يمكن تجاهلها، في مقدمة الضحايا الأطفال، المراهقين، الشباب، بالإضافة الى العجزة والكبار، هؤلاء الذين يواجهون ضغوطا نفسية متعددة، يشعرون بتهديد حياتهم فرديا وجماعيا. من خلال الملاحظة والدراسة تبين أنهم يعانون من اضطرابات تحدث بعد هذه الصدمات أو الضغوط الصدمية، وتهديد الحياة.

 لقد لوحظ ذلك على الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب فيتنام عام 1970 والعراق 1991 ـ 2003 حيث ظهرت عليهم، بعد أيام، أشهر وسنوات من خروجهم من الجيش الأميركي، أعراض اضطرابات سميت بأعراض ما بعد الصدمة، كما سميت بأعراض صدمة القنابل.

لوحظت هذه في كل من الرجال والنساء، كما لوحظت بعد فترات زمنية طويلة من مرور الحرب، أو مرور الحدث الصدمي مثل: الاغتصاب لدى النساء، مشاهدة خيانة زوجية، صديق يحتضر، مشاهدة نزيف دماء، دمار المنازل، القتل العمد... هذا بالإضافة الى التهديدات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، الحرائق، حوادث القطارات والطائرات، حالات الأسرى، كذلك اضطرابات القلق القهري التي تشمل الخوف المرضي، حالات الفزع، الوسواس، أعراض الضغط بعد الصدمة.

العراق بعد الحروب الكارثية التي يمر بها، لنأخذ مثلا، بعد كل تفجير ماذا ينتج؛ الأرامل، المعوقين، أطفال أيتام مشردين، ديون بذمة المواطن المتضرر عمله نتيجة الاقتراض، صدمة نفسية وشعور ملازم ورعب... وأهم أعراض ما بعد الصدمة:

أولا المريض بعد أيام، أشهر، سنوات يتذكر الحدث الصدمي الذي هدد حياته أو الذي خبره عن طريق الكوابيس والأحلام المزعجة التي لها علاقة بالحادثة الصادمة، أو الذكريات والصور القسرية التي تؤدي الى الألم، القلق، التوتر، الإحساس بأن الحادثة الصدمية قد تتكرر أو تحدث ثانية، مع توتر وانزعاج شديدين لأي منبه ينبه هذه الذكريات أو الصور التي صاحبت الصدمة أو كانت مشروطة لها.

ثانيا قيام الفرد بتجنب كل شيء مرتبط بالحدث، مثل تجنب الأشخاص، الأماكن، المواقف، كل ما يذكر بالحادث، محاولة طرد الأفكار والذكريات.

ثالثا أعراض الهيجان والاستثارة ، مع اضطرابات تتعلق بالنوم، نوبات غضب وعدوان، توتر، حذر شديد، صعوبة في الانتباه والتركيز، الانزعاج الشديد بسبب حدوث أي منبه مفاجئ، بالإضافة الى أعراض القلق، الاكتئاب، التفكير بالانتحار، حالات العدوان والعنف، الإحساس بالذنب مما قد يترتب عنه العديد من المشكلات الأسرية، الاجتماعية، المهنية.

أن عامل الاستعداد في الشخصية، وجود تاريخ لاضطرابات عصابية، بالإضافة الى عوامل وراثية، نظام الغدد في الجسم، ضعف المناعة النفسية كل ذلك يجعل الفرد غير قادر على مواجهة الحادث الصدمي المروع.

هنا قد يتعاطى الفرد المخدرات والكحول أو المهدئات هربا من ذكريات الحادثة المؤلمة مع انطواء، والإحساس بالغربة، ضعف عاطفي، ضعف الدافعية للعمل وللأنشطة وما شابه ذلك.

هناك تفسيرات تحليلية نفسية، سلوكية إشراطية، معرفية، اجتماعية لهذا الاضطراب، قد حدثت هذه الأعراض لدى أطفال، شباب، أفراد بعد حروب الخليج الأولى بين العراق وايران والثانية حرب الكويت. فقد يمكن ملاحظة الأسرى العائدين، الذين نجوا من قصف الطائرات الأمريكية لملجأ العامرية، معاناة الأطفال في ظل الحصار، الثالثة عام 2003 حيث مشهد التفجيرات والذبح على الهوية... حتى بلغت حدود الإفناء والترحيل واستباحة بيوت الله، الثروات والأرصدة وحتى نظام القيم، من دون وجود أو ضعف أساليب وقائية بهذا الشأن.

المشكلة أن هؤلاء الأطفال والمراهقين والشباب الذين عاشوا ويعيشون بشكل مستمر يعانون من اضطرابات في نموهم، تشوهات خلقية في صحتهم، قدراتهم، سلوكياتهم، عملهم، داخل أسرهم، علاوة على أعراض اضطراب ما بعد الصدمة النفسية التي قد تظهر لديهم آنفا أو لاحقا، لهذا فإننا في حاجة في بلدنا العراق الى عيادات خاصة بعلاج حالات الصدمة، لتشخيص الآثار النفسية للدمار والعدوان والحروب والمجاعة والأمراض الجماعية وغيرها، على أطفالنا.

 الفرد المصاب بأعراض ما بعد الصدمة يجب علاجه بشكل مبكر خشية أن تترسخ الأعراض، تشتد، يصبح علاجها صعبا.

هناك عدة مداخلات علاجية تعتمد على العلاج الطبي النفسي، السلوكي، المعرفي، العلاج الفردي والجماعي، تقديم الدعم الاستبصاري، مع إيقاف الأفكار الوسواسية، التدريب على الاسترخاء.

لكن في ضوء ذلك نتوقع أن يواجه مجتمعنا العراقي بأطفاله وشبابه العديد من الآثار السلبية لهذه الحروب والتطاحنات التي ألمت به، تظهر الآن، أو بعد سنوات تزداد حيث تصبح المشكلة أشد، الإعاقة أكبر، لهذا لابد من البدء في دراسة، تشخيص،علاج مثل هذه الحالات  بشكل رسمي في مؤسسات صحية ومراكز وقائية، ذلك قبل الأوان، في ظل تدهور الظروف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/آب/2010 - 11/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م