ايران بقيادتها الحالية ترتكب أخطاء رئيس النظام العراقي السابق،
وتسيرعلى خطاه التي قادته إلى نهاية مأساوية، وحملت شعبه تبعات سيظل
يرزح تحت أعباءها لعشرات قادمة من السنين. حيازة السلاح الذري كانت
أمنيته، وهي الآن أمنية قادة ايران، تصرعلى امتلاكه رغم معارضة العالم.
لم تدرك ايران بعد، أن الاستخفاف بالرأي العام الدولي لن يخدمها بشيء،
مثلما لم يخدم العراق قبل ذلك. فهم ينفقون مليارات الدولارات على هذا
السلاح، تماما كما أنفق صدام حسين مليارات من موارد شعبه المالية
لتطوير ذلك السلاح، ولو كانت قد أنفقت لصالح التنمية الاقتصادية
والثقافية والعلمية في كلا الدولتين لحولتهما إلى قلاعا للازدهار
والرخاء يضرب بهما الأمثال.
وتماما كما كان صدام حسين يصرح ويتهدد اسرائيل بالحرق والتدمير،
يكررالقادة الايرانيون تهديداتهم، ويبالغون في التصعيد وتهويل قدراتهم
العسكرية، منطلقين من قناعة أن العدو الذي يستخفون به غير ملم بقدراتهم
الحقيقية، بينما الواقع غير هذا، فالتجارب السابقة تجعلنا متأكدين بأن
لدى اسرائيل والولايات المتحدة معلومات مفصلة ودقيقة عن القدرات
الايرانية. إن مثال تدمير المفاعل النووي العراقي ما زال طريا في
الذاكرة، فقد استهدفته صواريخ الطائرات الاسرائيلية بدقة متناهية أحالت
منشآته التي كلفت ميزانية الدولة مليارات الدولارات واستغرق بنائها عدة
سنوات إلى أرض خراب في ظرف ثوان، لم يدرك قادة العراق حينها ماذا حصل،
ولا مصدر الانفجارات إلا بعد أن أدت الطائرات مهمتها كاملة وغادرت
الأجواء العراقية بسلام تام دون أن تطلق المضادات الأرضية طلقة واحدة.
وأمام القادة الايرانيون أيضا فرصة الاستفادة من حرب 2003 على
العراق، فقد أنهت قوات التحالف قدرات صدام العسكرية قبل أن يتمكن جنوده
من الضغط على زناد أسلحتهم. لقد أنهوا تلك القدرات التي أراد أن يحرق
بها نصف اسرائيل بدقائق معدودة، وكما ترى أعينهم فقد أدت الحرب على
العراق الى أنهاء الدولة العراقية، ولم يتبقى منها غيرالاسم وشظايا
دولة وشعبا معدما. وأمام هذه الحقائق، هل يمكن لنا أن نصدق أن يقوم
قائد دولة، عايش تلك الأحداث ورأى بأم عينيه تبعاتها باستنساخ حماقات
يعرف أنها كانت السبب في تدمير دولة وتجويع واذلال شعبها؟
التهديد بإبادة دولة وشعب لا يمكن أن يأتي من رئيس دولة متوازن
الحواس، إلا اذا كان قد فقد القدرة على التفكير السليم، ويتوجب على
شعبه قبل أي جهة أخرى اتخاذ الخطوات الضرورية للسيطرة على تصرفاته
اليوم قبل الغد. فارتكاب حماقة مثل تلك رغم استحالتها، تعرض أمنهم
جميعا للخطر، وتودي ببلادهم إلى خراب شامل، وعلى الرئيس الايراني الذي
يطلق مثل هذه التهديدات أن يفهم أن اسرائيل ليست حمامة سلام، وليس من
المحتمل أن تلوح له بأغصان الزيتون عندما يتوعدها بالابادة، فكيف لو
قرر بالفعل القيام بعدوان ما؟ وهذه بديهة يجب أن يعيها أبناء ايران قبل
غيرهم.
واذا لم يكفي قادة ايران الدروس العراقية البليغة، فليستفيدوا من
الدرس الباكستاني الماثل حاليا أمام أعينهم، فهي دولة نووية ولها
علاقات صداقة مع الولايات المتحدة عمرها أكثر من ستة عقود، لكن لينظروا
كيف كانت باكستان قبل أربع سنوات وكيف هي الآن؟
لقد دفع بها الأمريكان الى حرب اهلية لم تطرأ أبدا على بال الشعب
الباكستاني، لكنها وقد تورطت فيها فلن تخرج منها دولة موحدة، وسينتهي
بها المطاف إلى صومال ثانية، تتحسر بعدها على أيام ديكتاتورية ضياء
الحق، فالحرب على طالبان تزداد ضراوة واتساعا، وتتضاعف أعداد الضحايا
من عسكريين ومدنيين في ظل معارضة متصاعدة من الشعب الباكستاني . لقد
زجت الباكستان في الحرب إلى جانب حلف الناتو على خلفية وجود قيادات
وقوات احتياطية من طالبان داخل باكستان، وبذلك تضرب الولايات المتحدة
عصفورين بحجر واحد في فرصة ذهبية ما كان لها أن تسنح بهذه السهولة
واليسر.
القضاء على طالبان باكستان لم يكن الهدف الأساسي للولايات المتحدة
من عملياتها داخل الأراضي الباكستانية، بل قوة باكستان العسكرية
وسلاحها الذري الذي نجحت في تطويره وحيازته. الولايات المتحدة تخشى من
انتقال هذا السلاح إلى دول اسلامية أو عربية، او إلى أيدي القوى
الارهابية التي لا تتردد في استخدامه ضدها او ضد حلفائها، وخاصة
اسرائيل التي ينظر اليها في باكستان كدولة عدوة وغير شرعية. لهذا السبب
لن تسمح الولايات المتحدة لباكستان الاسلامية بالابقاء على قدرتها
النووية بعيدة عن رقابتها وسيطرتها المباشرة، بينما ترتبط باتفاق تعاون
في البحوث النووية مع جارتها البوذية التي ما زالت تطور بمثابرة وبعلم
العالم كله سلاحها النووي.
ومن هنا يمكن فهم السبب وراء توريط باكستان في حرب ضروس ضد طالبان
وهي التي أنشأتهم ورعتهم كما ترعى الأم وليدها. لقد استجابت باكستان
تحت اغراءات المعونات المالية الأمريكية وهي الدولة التي يتفشى الفساد
فيها على كل المستويات، وبالأخص في قمة السلطة و بين قادة الجيش. وبفضل
ذلك وضعت أمن شعبها وأجواءها ومياهها الاقليمية وأراضيها وقدراتها
العسكرية بما فيها وهو الأهم منشآتها النووية تحت الهيمنة المباشرة
الأمريكية. لقد تم ذلك دون تهديد أو وعيد، بل في أجواء من التعاون يعود
تاريخه إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، عندما جمعهما وايران
وتركيا والعراق حلف التعاون العسكري المشترك ( السنتو). ومع أن الحلف
قد حل بنتيجة ثورة تموز العراقية عام 1958، إلا أن عرى ذلك التحالف ما
تزال متينة حتى اليوم.
وبرغم هذا التاريخ الحافل بالتعاون المتبادل لم تحتمل الولايات
المتحدة أن ترى دولة نووية اسلامية أوعربية حتى لو كانت الحليفة
الموثوق بها باكستان الاسلامية. ولولا دعم الصين الشعبية لكوريا
الشمالية لما انتظرت الولايات المتحدة طويلا لتسوية حسابها معها
بالطريقة نفسها التي أنهت اسرائيل بها جهود واستعدادات العراق النووية
إبان ثمانينيات القرن الماضي. أما غض الطرف عن الهند النووية فينسجم مع
الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لبناء درع نووي يواجه الترسانة
النووية الصينية التحدي الأكبر المحتمل اقتصاديا وعسكريا في جنوب شرق
أسيا خاصة والعالم عامة.
لقد استمع قادة ايران لنداء المجتمع الدولي، واتيح لهم الوقت
الكافي للتعلم من الدرس العراقي الثمين، ولعلهم يراقبون حاليا وعن قرب
حالة جارتهم باكستان، و يرصدون ولاشك ما يتهددها من أخطار. فالحرب التي
تخوضها ضد منطقة القبائل المحافظة بمساعدة قوات الناتو أحدثت شرخا
عميقا في المجتمع الباكستاني، يهدد لا محال وحدته وربما تقود الى تجزئة
التراب الوطني، وما يتبع ذلك من حروب دامية قبلية وطائفية شيعية / سنية
وسنية / سنية، ومن غير المستبعد أن تحذو بعض الولايات الباكستانية حذو
بنغلادش عندما انسلخت عن باكستان في ستينيات القرن الماضي. فالوهابية
هناك قوة لها وزنها وتطمح بقوة لتطبيق نظام الخلافة الاسلامي في
المقاطعات التي لها نفوذ وسطوة فيها، ولن تتردد في تصفية حساباتها مع
اتباع الديانات غيرالاسلامية، والمذاهب الاسلامية الأخرى وبخاصة مع
الشيعة الرافضة عبدة القبور كما يصفونهم، وعندها لن تنفع باكستان
ترساناتها النووية وصواريخها البعيدة المدى.
وعلى ايران التمعن جيدا بهذه الصورة المحزنة التي عليها جارتها،
فهي تعكس بدقة بعض ملامح المشهد السياسي / الاجتماعي الايراني الذي لا
يمكن اعتباره محصنا أبدا ضد الصراع الطائفي والعرقي والديني، اضافة إلى
الانقسام السياسي الذي يتصاعد بوتائر سريعة منذ الانتخابات العامة
الأخيرة التي منحت الرئيس أحمدي نجاد ولاية ثانية. وعلى ايران أن تتوقع
انفساخ العقد الاجتماعي الذي حافظ على تماسك ايران لحد الآن، فالأزمة
الاقتصادية التي ستفجرها العقوبات المتعددة الأبعاد المفروضة عليها من
قبل مجلس الأمن الدولي وبعض الدول الغربية، لن تمر دون أعاصير
اجتماعية، بسبب المعاناة الشعبية التي ستنتج عنها تباعا. وسيكون من غير
الحكمة تناسي أو تجاهل المصاعب التي مر بها الشعب العراقي خلال الثلاثة
عشر عاما من الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليه الأمم المتحدة في
تسعينيات القرن الماضي، ونتائجه الكارثية على النسيج الاجتماعي العراقي
وعلى الصفوة من متعلميه ومثقفيه وفئات المجتمع المسحوقة.
فهل سيتعامل القادة الايرانيون بمسئولية مع مخاوف المجتمع الدولي من
نشاطهم النووي، ويستجيبوا دون مراوغة واستخفاف للنداء العقلاني الموجه
من أصدقاء ايران والحريصين على مصلحة الشعب الايراني بالتوقف عن تخصيب
اليورانيوم، واخضاع ابحاثهم النووية للمنظمة الدولية المتخصصة،
وبالايفاء بشروطها خدمة لشعبهم و للسلام في منطقتنا والعالم..؟؟ |