
شبكة النبأ: بعد أشهر من المداولات
والمساومات بين الولايات المتحدة والقوى الدولية الكبرى المعنية بالملف
النووي الإيراني، تمكن مجلس الأمن الدولي، في التاسع من يونيو من العام
الجاري، من إصدار قرار رابع- يحمل رقم 1929- بفرض عقوبات جديدة على
إيران.
وفي هذا الإطار عقدت لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي،
في الثاني والعشرين من يونيو 2010، جلسة استماع تحت عنوان ""سياسة
إيران في أعقاب عقوبات الأمم المتحدة" Iran Policy in the Aftermath of
UN Sanctions ، شارك فيها كل من وليام بيرنز William J. Burns مساعد
وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية، وستيوارت ليفي Stuart Levey
مساعد وزير الخزانة لشئون الإرهاب والاستخبارات المالية، وذلك لبحث
الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية لتفعيل العقوبات المفروضة على
إيران بموجب قرار مجلس الأمن الأخير، أو غيره من القرارات السابقة.
قرار العقوبات. رسالة إلى طهران
أشار وليام بيرنز في بداية مداخلته إلى أن قرار مجلس الأمن رقم 1929
يعد تتويجًا للجهود التي بذلت على مدار شهور لتحقيق شراكة حقيقية
متعددة الأطراف تركز على السعي لحل دبلوماسي للتهديد الذي تشكله طموحات
إيران النووية. وتؤكد التدابير الواردة في هذا القرار، وفقًا لبيرنز،
على تصميم الرئيس أوباما على منع إيران من تطوير أسلحة نووية، وتعزيز
القيم والمؤسسات العالمية لمنع الانتشار النووي.
كما يبعث القرار برسالة "واضحة" و"عالمية" بشأن ما هو المتوقع من
إيران، والعواقب التي قد تترتب على قرارها بالتنصل من مسئولياتها في
نظام عدم الانتشار العالمي. ويعزز القرار من العقوبات التي تفرضها
الأمم المتحدة على إيران من خلال توسيع نطاق وصول تلك التدابير، ومدها
لتشمل فئات إضافية من العقوبات. بحسب تقرير واشنطن.
وأكد بيرنز على أن امتلاك إيران لسلاح نووي سوف يكون له تداعيات
خطيرة على المصالح الأمريكية الحيوية المرتبطة باستقرار منطقة الخليج
والشرق الأوسط الموسع، حيث تنتهج طهران سياسة إقليمية "تخريبية" عززت
من المخاوف بشأن برنامجها النووي. وتتمثل ملامح هذه السياسة "التخريبية"-
بحسب بيرنز- في الدعم المالي والعملياتي للمنظمات "الإرهابية" مثل حزب
الله وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، ورعاية التشدد وعدم الاستقرار
والعنف في العراق وأفغانستان، والخطاب القائم على الكراهية تجاه
إسرائيل والهولوكوست.
ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعمل بنشاط للتصدي لهذه
السياسات الإيرانية في المنطقة من خلال برامج مبتكرة ودعم حقوق الإنسان
والديمقراطية، والسعي لتوسيع نطاق الوصول إلى المعلومات داخل إيران.
كما ستواصل واشنطن جهودها الخاصة بالتنسيق مع الحلفاء في المنطقة
لتعزيز أمنهم، وتعزيز تعاون إقليمي أكثر فعالية بين دول المنطقة، ودعم
هذه الدول والقوى السياسية التي تسعى إلى بناء مستقبل أفضل أكثر سلامًا
في المنطقة.
وتسعى سياسة الولايات المتحدة، كما يقول بيرنز، إلى منع إيران من
تطوير أسلحة نووية، واحتواء أفعالها "التخريبية"، وتعزيز المصالح
الأمريكية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية في الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار أخذت الولايات المتحدة على مدار الثمانية عشر شهرًا
الماضية عديدًا من الخطوات غير المسبوقة التي تبين من خلالها استعدادها
للانفتاح على طهران والتعاون معها.
لكن إيران، وفقًا لبيرنز، قد فشلت في الاستفادة من هذه الخطوات
التاريخية، فلم ترد على الخطوات التي اتخذها الرئيس أوباما للتعاون
معها، ورفضت عرضًا متوازنًا وسخيًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية
لتزويد مفاعل طهران للأبحاث بالوقود، كما رفضت تكرارًا الانخراط في
مفاوضات لتبديد المخاوف الدولية بسبب برنامجها النووي. وفي المقابل
عملت طهران على توسيع أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، لتصل إلى نسبة 20%،
وأعلنت خططًا لبناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم، ورفضت السماح
للوكالة الدولية بالتفتيش الكامل للمنشأة السرية التي كشف عنها في
مدينة قم.
أبعاد القرار 1929
ونتيجة لكل هذه الخطوات الإيرانية التي لا تتوافق مع التزامات طهران
الدولية، لجأت الولايات المتحدة إلى المسار الثاني في استراتيجيتها
تجاه طهران وهو العقوبات، فأصدر مجلس الأمن القرار رقم 1929. وفقًا
لبيرنز، فإن للقرار هدفين رئيسين؛ الأول: تقليل الآثار المحتملة
للعقوبات على عموم الإيرانيين، أما الثاني فهو فرض عقوبات حقيقية على
برامج إيران النووية والعسكرية "التخريبية"، والأفراد الداعمين لهذا
لبرامج.
ويشير نطاق وقوة القرار 1929- كما يؤكد بيرنز- إلى مدى عمق المخاوف
الدولية من برنامج إيران النووي، كما يؤكد القرار على نجاح إدارة
أوباما في تحقيق التنسيق والتوافق داخل مجموعة (5+1). ومن شأن هذا
التنسيق أن يبعث برسالة قوية إلى طهران مفادها أن "برنامجها النووي لا
يعزز من أمنها، وأن العالم متحد وراء الجهود الرامية لتغيير حسابات
طهران".
كما يعزز القرار 1929 من عقوبات الأمم المتحدة المفروضة على إيران
من خلال توسيع نطاق هذه العقوبات والتدابير المتخذة لكبح طموح إيران
النووي، حيث يتضمن القرار النقاط التالية:
- أعاد القرار التأكيد على ضرورة وفاء طهران بالتزاماتها تجاه
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضرورة التعاون الكامل مع التحقيقات
التي تجريها الوكالة.
- يحظر القرار على طهران الاستثمار في الأنشطة النووية الحساسة
والمتعلقة بتطوير الصواريخ الباليستية في الخارج.
- يفرض القرار مجموعة من العقوبات الصارمة على واردات إيران من
ثماني فئات من الأسلحة الثقيلة، ويتطلب اليقظة وضبط النفس في نقل جميع
الأسلحة والمعدات ذات الصلة إلى إيران.
- يحظر القرار كل الأنشطة المتعلقة بالصواريخ الباليستية الإيرانية
القادرة على توصيل الأسلحة النووية.
- من أجل ردع وكشف ووقف تهريب إيران وامتلاكها للمواد النووية
الحساسة والأسلحة المحظورة، ويدعو القرار كل الدول إلى تفتيش البضائع
الإيرانية. كما ينص على أن الدول قد تطلب تفتيش البضائع الإيرانية في
أعالي البحار بما يتسق مع القانون الدولي وموافقة دولة العالم.
- يتضمن القرار أحكامًا للمساعدة في منع إيران من استخدام النظام
المالي الدولي- خاصة البنوك- لتمويل أنشطتها النووية.
- ينبه القرار الدول إلى وجود علاقة محتملة بين عائدات إيران من
قطاع الطاقة والتكنولوجيات ذات الصلة بالطاقة، وأنشطتها النووية.
- يشير القرار إلى أنشطة الحرس الثوري الإيراني وعناصره الذين
انخرطوا في دعم الأنشطة النووية لإيران، حيث يفرض القرار عقوبات على
الشركات الأكبر والأكثر أهمية التي يملكها الحرس الثوري مثل خاتم
الأنبياء، و 14 شركة أخرى مرتبطة بالحرس الثوري.
- أنشأ القرار لجنة خبراء الأمم المتحدة للمساعدة في مراقبة وإنفاذ
العقوبات المفروضة على طهران.
- تضمن القرار أيضا ثلاثة ملاحق لكيانات وأفراد مستهدفين بواسطة
العقوبات (مثل تجميد الأصول/ حظر السفر). وقد ضاعف القرار من عدد
الكيانات الخاضعة لتجميد الأصول، كما فرض تجميد الأصول وحظر السفر على
خمسة وثلاثين فردًا إضافيًا، ومن ثم أصبح هناك 75 كيانًا خاضعًا لتجميد
الأصول و41 من الأفراد الذين يخضعون لتجميد الأصول وحظر السفر.
ويؤكد بيرنز على أن العقوبات ليست هدفًا في حد ذاتها، بل الهدف هو
الوصول لحل دبلوماسي دائم يبدد مخاوف العالم بشأن برنامج إيران النووي
والقضايا الرئيسة الأخرى العالقة مع طهران. ولذا فإن القرار 1929 يتضمن
مسارًا آخر بوسع طهران أن تسلكه، وهو مسار تقوم طهران بموجبه بتنفيذ
التزاماتها الدولية، وتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، والأنشطة الخاصة
بالمياه الثقيلة، وتتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية. وكما أوضح
القرار فإن الولايات المتحدة والقوى الدولية- مثل الاتحاد الأوروبي
وروسيا وفرنسا- مستعدة لعقد اجتماعات مع طهران لمناقشة برنامجه النووي
والقضايا الأخرى.
كما أشار إلى أن الولايات المتحدة تعيد التأكيد، في ذكرى مرور عام
على الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل، على التزامها بدعم
هؤلاء الذين يسعون لممارسة حقوقهم العالمية، مشيرًا إلى أنه مع استمرار
الاعتقالات التي تقوم بها السلطات الإيرانية، ستستمر واشنطن في مطالبة
قادة الجمهورية الإسلامية بتنفيذ مسئولياتهم تجاه مواطنيهم من خلال
احترام الحقوق الرئيسة لهم.
وفي أعقاب قمع الحكومة الإيرانية العنيف للمعارضة، وإغلاق الصحف
المعارضة، والاستخدام المفرط والعنيف للقوة والترهيب لمنع حرية التجمع-
كما يشير بيرنز- اتخذت الولايات المتحدة خطوات لتيسير حرية التعبير
للمواطنين الإيرانيين، حيث سعت لإيجاد سبل لتعزيز حرية التعبير على
شبكة الإنترنت ومن خلال تكنولوجيات الاتصال الأخرى. كما تعمل الولايات
المتحدة مع أكثر من 40 شركة لمساعدة الأفراد في إيران الذين تم إسكاتهم
من قبل الحكومة القمعية.
ويشدد بيرنز في نهاية شهادته على أن الحكومة الإيرانية لن تغير من
مسارها بين عشية وضحاها، وأن هناك عديدًا من العقبات التي تعترض طريق
الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يؤكد على تصميم واشنطن والمجتمع
الدولي على إجبار القيادة الإيرانية على الاختيار ما بين معالجة
المخاوف الدولية بشأن برنامجها النووي والوفاء بالتزاماتها الدولية،
وهو خيار من شأنه "أن يفتح فرصًا هامة لإيران وشعبها الرائع"، أو عدم
القيام بذلك، وهو "ما يجعل إيران أقل أمنًا ورخاءً أقل وأكثر عزلة".
سبل محاسبة طهران
يركز ستيوارت ليفي في شهادته أمام الكونجرس على ما يسميه بـ"مسار
الضغط" pressure track في الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، وهو
المسار الذي يهدف إلى "محاسبة إيران حول رفضها المستمر لتبديد المخاوف
الدولية بشأن برنامجها النووي، إضافة إلى دعمها للإرهاب وقمع المعارضين
في الداخل، وإساءة استخدام النظام المالي".
ويشير ليفي إلى أن القرار 1929 يمثل علامة فارقة في هذا المسار
الأمريكي، فهو يوسع ويعمق من برامج العقوبات المفروضة على إيران ويتيح
الفرص أمام الولايات المتحدة لتصعيب الخيارات أمام طهران.
وتمتد الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بـ"محاسبة إيران على فشلها في
تلبية الالتزامات الدولية"، كما يشير ليفي، لتشمل جبهتين أساسيتين؛
الجبهة الأولى هي الإجراءات الحكومية، بما فيها الإجراءات التي تتخذها
الأمم المتحدة والدول الأخرى المعنية بالملف النووي الإيراني. وفي هذا
الإطار تضغط الولايات المتحدة من أجل قيام الدول الأخرى بتنفيذ توصيات
فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية Financial Action Task Force (FATF)
الخاصة باتخاذ تدابير وقائية للتعامل مع المخاطر التي تشكلها طهران
بالنسبة للنظام المالي الدولي، حيث لا يوجد لدى الأخيرة نظامٌ مناسبٌ
لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما الجبهة الثانية، والتي لا تقل أهمية عن جبهة الإجراءات الحكومية،
فتتمثل في إجراءات القطاع الخاص. وفي هذا الإطار تعد الخطوات التي
اتخذتها مجموعة من شركات القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم في السنوات
الأخيرة لحماية نفسها من أنشطة إيران "غير المشروعة" و"المضللة"، في
غاية الأهمية. ويشير ليفي إلى أن عديدًا من شركات ومؤسسات القطاع الخاص
قد أبدت تعاونًا كبيرًا، يتجاوز المتوقع منها. ويرجع ذلك إلى "المواطنة
الصالحة للشركات، ورغبتها في حماية سمعة مؤسساتها".
والنتيجة النهائية - كما يشير ليفي- هي أن الإجراءات الطوعية التي
يتخذها القطاع الخاص تزيد من فعالية التدابير التي تفرضها الحكومة. ومن
ثم، فإنه عند إتحاد أي إجراءات لاستهداف السلوك الإيراني "غير المشروع"،
تتقاسم الحكومة الأمريكية بعض المعلومات مع شركاءها في القطاع الخاص.
وكان من نتيجة ذلك أن أوقفت جميع المؤسسات المالية الرئيسة علاقاتها مع
طهران أو خفضت بشكل كبير هذه العلاقات. والأمر ذاته ينطبق على شركات
أخرى تعمل في مجالات عدة منها: الاستشارات، والطاقة، والتصنيع.
هذه التدابير، سواء الحكومية أم التي اتخذتها مؤسسات القطاع الخاص،
قد أثرت بشكل كبير على إيران، وفقًا ليفي. وكلما زادت العقوبات الدولية
على إيران، كثرت المحاولات الإيرانية للتهرب من هذه العقوبات. فعلى
سبيل المثال، عمدت إيران إلى تغيير أسماء بنوكها باستمرار في محاولة
للالتفاف على العقوبات التي تفرض باستمرار على هذه البنوك. وبالإضافة
إلى ذلك، عندما تم استهداف الأصول الإيرانية في أوروبا من خلال برامج
لعقوبات دولية، اتخذت فروع البنوك الإيرانية المملوكة للدولة هناك
خطوات لإخفاء ملكية الموجودات في دفاترها لحماية تلك الأصول من
الإجراءات في المستقبل.
ويعد قرار مجلس الأمن رقم 1929، كما يؤكد ليفي، جزءًا أساسيا من
الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة لمحاسبة إيران على سلوكها "غير
المشروع"، كما يؤكد ليفي. فالقرار يوسع الإطار الحالي لعقوبات الأمم
المتحدة المفروضة على إيران، كما يعزز من التزام المجتمع الدولي بفرض
تدابير على القطاع المالي في إيران والشركات التي يملكها الحرس الثوري
الإيراني أو يسيطر عليها، وكذلك على من قطاع النقل الإيراني استخدمت
للتهرب من العقوبات.
كما يحظر القرار على إيران حيازة أي مصلحة في أي نشاط تجاري في دولة
أخرى ينطوي على استخراج اليورانيوم، وإنتاج أو استخدام المواد النووية
والتكنولوجيا، وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية. ويمنع القرار أيضًا
الدول بشكل مباشر أو غير مباشر من تزويد إيران بأنواع معينة من الأسلحة
الثقيلة. كما يحظر على إيران القيام بأي نشاط يتعلق الصواريخ
الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، ويحظر على الدول توفير خدمات
تموين للسفن التي قد يشتبه في أنها تحمل أي مواد نووية أو مواد أخرى
محظورة بواسطة قرارات مجلس الأمن.
وبالإضافة لما سبق، يلزم القرار الدول باتخاذ التدابير اللازمة لحظر
السفر عبر أراضيها لأفراد معينين ورد ذكرهم في القرار 1929 وفي
القرارات السابقة لمجلس الأمن. كما يعين القرار الكيانات الرئيسة
المرتبطة بأنشطة إيران النووية الحساسة وبرامج الصواريخ الباليستية. |