ان المجتمع الدولي يشعر بالمخاطر التي تهدد العراق والعملية
السياسية، اذا ما استمر تاخر تشكيل الحكومة الجديدة، فيما لم يشعر بذلك
السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايته، عندما قلل في حديثه المتلفز قبل
ايام من المخاطر التي يتحدث عنها العراقيون اذا لم تتشكل الحكومة
الجديدة في اقرب وقت؟.
ان ما يجب ان يلفت انتباه العراقيين في تقرير ممثل الامين العام
للامم المتحدة في العراق السيد آد ميلكرد وفي كلمة الامين العام للهيئة
الدولية بان كي مون، وكذلك في البيان الذي صدر عن مجلس الامن الدولي
الليلة، امران مهمان:
الاول: هو ان المجتمع الدولي بات يتحدث عن خطر حقيقي يحدق بالعراق
وتجربته الديمقراطية اذا ما استمر الفرقاء السياسيون في نزاعاتهم التي
اخرت الى الان تشكيل الحكومة الجديدة، بقول السيد ميلكرت (ان ذلك يساهم
في عدم استقرار الأوضاع في البلاد، ويخلق ظروفا قد يتم استغلالها من
قبل عناصر معارضة للتحول الديمقراطي في العراق، كما انها تشكل اختباراً
حقيقياً للتحول العراقي نحو الديمقراطية، ومدى التزام الزعماء
العراقيين بالتمسك بدستور البلاد) ما يعني ان المجتمع الدولي قد دق
اليوم ناقوس الخطر، فهل سيعي (زعماء) الكتل السياسية ذلك فيتنازلوا عن
بعض امتيازاتهم الشخصية والحزبية التي يغلفونها عادة بوشاح المصلحة
الوطنية والخوف على مستقبل البلاد من الوقوع بيد غير امينة، للاسراع في
تشكيل الحكومة الجديدة؟.
الثاني: هو ان المجتمع الدولي تحدث، ولاول مرة، عما وصفه التقرير
بالطريق المسدود الذي قد تصله العملية السياسية برمتها، بالرغم من ان
السيد ميلكرت لم يصف الحال بمثل ذلك، الا ان مجرد ورود العبارة في
التقرير الدولي انما هو دليل على ان الوضع في العراق يتعرض لمخاطر جمة
قد تقوض جهود العراقيين الرامية الى بناء نظام سياسي ديمقراطي جديد.
انها قراءة شخصت المخاطر التي ستحدق بالعراق اذا ما استمر الوضع كما
هو عليه الان، وهو ما كنت قد شخصته في مقالتي المؤرخة في (2 آب المنصرم)،
والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
الف: ان كل الانجازات الضرورية التي تتعلق بمصالح الناس، ستبقى
متوقفة او متعرقلة اذا ما استمر الوضع بهذه الصورة، خاصة على صعيد
الخدمات والبنى التحتية.
باء: ان الوضع الحالي انما هو دليل فشل السياسيين في التاقلم مع
الحالة الدستورية التي يجب ان تحكم البلاد، وهي ستدخل البلاد في وضع
حرج ينبغي ان لا يستمر طويلا.
جيم: ان استمرار الحال الحاضر لا يساهم في استقرار الاوضاع في
البلاد، ما يخلق ظروفا قد يستغلها المتربصون بالعملية السياسية الجديدة
ممن لا يؤمن لا بالديمقراطية ولا بمبدا التداول السلمي للسلطة
وبالشراكة الحقيقة بين مختلف مكونات المجتمع الدولي، خاصة من
الارهابيين وايتام النظام البائد، المدعومين من الانظمة الشمولية
البوليسية في المنطقة كالمملكة العربية السعودية والاردن وغيرها.
دال: ان الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة يعد بمثابة الاختبار
الحقيقي لمدى التزام السياسيين في العملية الديمقراطية وفي الدستور
تحديدا، فهي التي ستشير ما اذا كانوا يؤمنون بالفعل بالدستور الذي
كتبوه بانفسهم، ام انهم ارادوه مجرد حبر على ورق يركلوه على الرف اذا
ما تعارض مع مصالحهم الشخصية والحزبية، ويعودوا اليه حكما بينهم اذا ما
وجدوا فيه المنقذ عندما يرون انفسهم في مهب الريح قد تغرق مراكبهم
فتضيع مصالهم؟.
هاء: ان استمرا الحال على ما هو عليه الان، سيضيع على العراقيين
وعلى بلادهم فرص البناء والاستثمار، لان العالم غير مستعد بالمرة لان
يستثمر امواله في بلد قلق غير مستقر سياسيا.
واو: فضلا عن كل ذلك، فان استمرار مثل هذا الحال سيضيع على العراق
فرصة اعادة سيادته من مجلس الامن الدولي من خلال تضييعه الجهود
السياسية والديبلوماسية التي يبذلها للخروج من تحت طائلة البند السابع،
والذي يجيز للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي تحديدا التدخل في شؤون
العراق كيف ومتى ما يشاء، وهو الامر الاكثر خطورة بالنسبة للعراق
ومستقبله.
وعندما تحدث مجلس الامن اليوم بهذه الصيغة عن القرار الدولي رقم
(833) الصادر في عام 1993 انما يكون قد ركل جهود العراقيين الرامية الى
انتزاع السيادة من مجلس الامن، الى الوراء، ولفترة زمنية لا يعلم مداها
الا الله والراسخون في العلم، فلماذا يضيع السياسيون كل هذه الجهود
بنزاعاتهم التي لا طائل من ورائها؟.
زاء: ولا ننسى بان العراق مقبل على استحقاق امني خطير جدا يتمثل
بانهاء الادارة الاميركية للحالة القتالية لقواتها وسحب جل هذه القوات
بحلول نهاية الشهر الحالي، وذلك تنفيذا للجدول الزمني المنصوص عليه في
الاتفاقية الامنية بين البلدين العراق والولايات المتحدة، الامر الذي
يتطلب من العراقيين ان يكونوا على استعداد كامل لتحمل مسؤولياتهم
الامنية والسيادية بشكل صحيح، ولا يمكن ان نتصور مثل هذا الاستعداد اذا
كان البلد يعاني من ازمة سياسية خطيرة مثل التي يمر بها اليوم، فكيف
يمكن للعراقيين ان يكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية اذا لم يكونوا قد
نجحوا في تشكيل الحكومة الجديدة؟.
ان المشكلة لا تكمن في تاخر تشكيل الحكومة الجديدة وفقا لاستحقاقات
العملية الانتخابية الاخيرة، فحسب، وانما يكمن الخطر فيما يفرزه هذا
التاخير من صراعات ومشاكل وتقاطعات وتنافر وتسقيط وعرقلة وفضائح بين
الكتل السياسية، كما اشار الى ذلك السيد رئيس الوزراء في حديثه المتلفز
مؤخرا، فكيف ستستمر الحكومة الحالية بتصريف الاعمال اذا كان الجو
السياسي مشحون لهذه الدرجة؟ وكيف يمكن للدولة العراقية ان تتخذ
القرارات اللازمة والمطلوبة للمرحلة الجديدة اذا كان مجلس النواب،
السلطة التشريعية، غائبا عن الساحة ينتظر متى تنتهي الكتل السياسية من
صراعاتها فتحل مشاكلها ليلتئم من جديد؟.
لقد جاءت قراءات المجتمع الدولي للمشهد السياسي العراقي اقرب الى
الواقع والى قناعات الشارع العراقي من قراءات الكثير من الساسة
العراقيين، خاصة زعماء الكتل الذين يحاولون في احاديثهم الصحفية
واطلالاتهم على الشاشة الصغيرة تضليل الراي العام العراقي واثارة الفتن
واللعب على وتر الطائفية والحرب الاهلية وما شابه ذلك، على قاعدة (علي
وعلى اعدائي) او (انا وليأت من بعدي الطوفان) وفي تصورهم ان العراقيين
ينسون او انهم لا يقراون ما بين السطور او انهم يصدقون كل ما يقال في
مثل هذه الاحاديث والحوارات، وكان ذاكرتهم ضعيفة كذاكرة (الزعماء) التي
اثبتت احاديثهم الاعلامية في الفترة الاخيرة بانها بالية فهم يقولون ما
لا يفقهون ويتحدثون بلا ذاكرة.
كم اتمنى ان يتعلم الساسة العراقيون كيف يتحدثون للاعلام، حتى لا
تتحول احاديثهم الاعلامية الى سبب للتشنج عندما يسعى كل واحد منهم الى
مصادرة جهود الاخرين وتسجيل كل ما يتحقق في العراق الجديد باسمه وكانه
الوحيد الذي حقق المنجز، ناسيا او متناسيا دور الاخرين، وذلك بعقلية
اقصائية تذكرنا بعقلية الطاغية الذليل الذي كان يمن على العراقيين حتى
لبسهم الحذاء، وكلنا يتذكر كيف انه وقف يوما يذكرهم بايام زمان الذي
كانوا فيه حفاة فعلمهم كيف يلبسون الاحذية.
ان الدول لا تبنى بالعنتريات، كما ان المشاكل العويصة التي يمر بها
العراق لا تحل بالاحاديث المتشنجة او بسياسة توزيع التهم ولغة التحدي
الفارغة وسياسات التسقيط والاغتيال السياسي، التي بامكان كل من يتحدث
ان ياتي بمثلها لو اراد، او باطلاق الادعاءات بلا دليل مقنع او حجة
بينة، فالكلام بلاش كما يقول المثل، الا ان الدليل هو الذي يحتاج
للاتيان به الى ثمن، وقد يكون غاليا احيانا او انه لا يوجد بالاساس في
اغلب الاحيان في مثل هذه الاحاديث المتشنجة.
كما ان توزيع التهم للتملص من المسؤولية بعد تطهير ساحة الذات لا
يمكن ان يساهم في ايجاد الحلول المناسبة للازمة، فان يخلط المتحدث
الكذب والصدق في كلام مرتجل ومتسرع، يسقطه في عيون الناس، قبل ان يسقط
خصومه.
ان على جميع السياسيين ان يكونوا حذرين في احاديثهم للاعلام، لتاتي
بلسما لجراح العراقيين، وليست مبضعا يقطع ما بقي من اوصالهم، واوصال
بلدهم النازف.
ان المتابع لاحاديث بعض زعماء الكتل في الفترة الاخيرة يلمس فيها
بوضوح اسباب فشل السياسيين الى الان في تشكيل الحكومة الجديدة، كما انه
يميز فيها اسباب الفشل الذي اصاب عمل مؤسسات الدولة في الفترة
الدستورية المنصرمة، وهي احاديث عليهم وليست لهم لو كانوا يفقهون، كما
انها تدينهم قبل ان تدين خصومهم، فاين كانوا فيما مضى ليتحثوا بمثلها
اليوم؟ أبعد خراب البصرة كما يقول المثل العراقي؟ ام انها للتسويق
الاعلامي ولذر الرماد في عيون الناس؟ او انها لتبرير الفشل؟ او انها
للظهور بمظهر المظلوم لاستدرار عواطف الناس ودموعهم؟.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن |