(ما الدنيا إلا مسرح كبير)
يوسف وهبي
قبل فترة كنت أستمع للمذياع قبل النوم وكان الراحل (محمود المليجي)
يحكي كيف قرر الممثلون التندر على المخرج الغبي من خلال تبادل الأدوار
وكيف نالت هذه الفوضى إعجابه لولا تنبه مساعديه لهذا (المقلب الفني)!!.
الآن تتكرر نفس هذه الفوضى على مسرح الشرق الأوسط الكبير خاصة وقد
استمر نفس العرض ونفس الممثلين في أداء أدوارهم لمدة تجاوزت ثلاثين
عاما تحت عناوين مسرحيات تبدو مختلفة بدءا من (وقف تصدير الثورة،
النووي الإيراني، التمدد الشيعي، المحكمة الدولية واغتيال رفيق الحريري)
وغيرها من العناوين التي لا تعدو كونها مجرد تنويعات لرواية واحدة هي (كاترين
الشرسة أو ترويض النمرة) لعمنا الشيخ زبير وفي رواية السيد شكسبير!!.
الجديد في العرض أن الرواية قد عُربت ثم تحولت إلى ألف ليلة وليلة
خاصة وأن المنتج الأمريكي الكبير يصر على مواصلة عرضها مليون ليلة عله
يسترد بعض ما أنفقه، رغم أن الدون جوان أصبح شيخا يمشي على عكازين أما
كاترين الشرسة فقد أصبحت جدة وأصابها الصمم والتعقل الإجباري ولم يعد
لديها القدرة لا على المشي ولا الكلام فما بالك بنصب حبائلها للرجال!!.
أما جمهور المسرحية أو جمهور الفتنة الذي يتعين عليه أن يموت دفاعا
عن شرف الأخت كاترين فقد انفض عنها منشغلا بمتابعة اللمبي 8 جيجا في
انتظار عرضه الجديد 16 جيجا وهكذا.. هكذا!!.
لم يعد هناك الكثير ممن يعولون على هذه العروض (الماسخة) التي
افتقدت كل عناصر الإثارة والتشويق بعد أن فقد المخرج الأمريكي السيطرة
على أغلب عناصره ونال الممثلون استقلالهم الذاتي الذي يمكنهم من تبادل
الأدوار وبعد أن اختلط الحابل بالنابل ورغم ذلك فما زالت كاترين تصر
على تمثيل دور الفتاة اللعوب وما زال المخرج الأمريكي يأمل أن يموت
الجمهور فداء لكاترين!!.
الشكسبيرية السياسية!!
يحرص المخرج الأمريكي الكبير على حبك رواياته وتقديمها في إطار
القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان ولذا فهو لا يقدم على غزو بلاد
الأعداء من دون سابق إنذار!!، ولماذا يفعل هذا ولديه مجلس للأمن وآخر
للأنس ووكالة للطاقة النووية ووسائل إعلام تابعة وجحافل من الدول
الصديقة ومؤسسات تابعة مهمتها الرئيسة توفير المخارج التي تمكنه من شن
غاراته على المارقين دون أدنى لائمة بل وتمنحه جائزة نوبل للسلام مقدما
باعتبار أن النظام العالمي ملك يمينه ورهن إشارته وها قد غفر جورج
السادس لجورج السادس ما تقدم من جرائمه وما تأخر.
الشكسبيرية السياسية أبدعت لنا في السنوات الأخيرة حزمة من الشعارات
المنافقة التي يمكن إطلاقها مثل قنابل الدخان للتغطية على النوايا
الحقيقية للمخرج الأمريكي مثل (التبشير الشيعي) الذي لا يعدو كونه
شعارا مضللا يهدف لاستثارة عواطف البعض ودفعهم للتعاطف مع الحملات
العسكرية والسياسية التي يشنها هذا المخرج دفاعا عن مصالحه ومصالح
حلفائه في حين لم يعد أحد من الواقفين على خشبة المسرح يهتم بقراءة
النصوص المكتوبة أو متابعة تلك التي يتلوها الملقن كما أن أحدا منهم لم
يعد مقتنعا بمصداقية حرف واحد من هذه النصوص التي يتلوها من أول الليل
إلى مطلع النهار!!.
ماذا عساهم يصنعون؟!، المخرج عايز كده!!.
نفس الشيء ينطبق على ما يسمى بالمحكمة الدولية لقتلة رفيق الحريري
إذ أن جمهورنا الذي يصر البعض على استغبائه وسوقه نحو الفتنة والاقتتال
الداخلي لم يعد يصدق أن هذا المخرج الذي يعمم القتل والإبادة الجماعية
في شتى بقاع العالم الإسلامي هو نفسه من يريد أن يقتص من قتلة رئيس
وزراء لبنان الأسبق رغم أنه قد غض الطرف عن قتل العديد من رؤساء الدول
والوزراء قبل هذا وربما بعد هذا ناهيك عمن قام هو بقتلهم ورغم أن
الولايات المتحدة لم تعرف حتى الآن من قتل جون كيندي إلا أنها تعلن
أنها لن يهدأ لها بال حتى تعرف من قتل رفيق الحريري ورغم أن هذا العرض
الممل قد تعرض لسلسلة من الانتكاسات التي أفقدته أي مصداقية ويكفي أن
يمكث قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية في سجون هذه المحكمة أربعة أعوام
قبل أن يطلق سراحهم لانعدام الأدلة فضلا عن الدور القذر الذي قام به
شهود الزور!!.
ترى أيهما أصدق؟!، دانييل بيلمار أم محمد سعد 8 جيجا؟!.
لا شك أن الثاني أصدق وأن الرهان على تحفيز الجمهور للموت وراء
دانييل بيلمار هو رهان خاسر مقدما.
أما عن مسرحية النووي الإيراني فقد فقدت بريقها وفعاليتها هي الأخرى
خاصة بعد أن تبين أن قرارات العقوبات الإقتصادية ليس لها ذلك التأثير
الحاسم الذي يجبر إيران على الرضوخ للشروط الأمريكية.
نهاية الشكسبيرية السياسية
لم تعد المهمة الموكلة لرموز الشكسبيرية السياسية قاصرة على تهيئة
الرأي العام لسماع البيان رقم 1 الذي يعلن عن دخول قوات الأمريكية
للأراضي الإيرانية أو دخول الجيش الإسرائيلي للأراضي اللبنانية بل أضيف
إليها مهمة حشد جمهور مسرح الشرق الأوسط الكبير للمشاركة في المعركة
ليس من قبيل الحرص على منح هؤلاء (حق المشاركة) بل لعجزه عن القيام
بهذه المهمة بمفرده.
في تقديرنا أن جمهور مسرح الشرق الأوسط الكبير قد فقد انبهاره بهذا
النوع من عروض الحواة وأصبح أكثر وعيا أو حتى أقل غفلة ولم يبق إلا بعض
المخدوعين وفلول الممثلين الباحثين عن مسرح يتعيشون من أداء الأدوار
عليه وعلى المخرج الأمريكي ومساعده الإسرائيلي أن يواجهوا الحقيقة
المرة بأنفسهم هذه المرة. |