التعليم العالي في العراق.. مشاكل متفاقمة وحلول مرتقبة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: على مدى عقود طويلة ورغم اعتبارها من أقدم النظم التعليمية في المنطقة العربية، إلا أن السلبيات التي رافقت مسيرة التعليم العالي في العراق ، قد تراكمت بمستويات عالية أدت الى تعطيل الدور المنشود من مؤسسة التعليم ان تكون قائدة لعملية التغيير التي يمكن ان تحدث في المجتمع.

بالعودة الى تاريخ تطور التعليم العالي في العراق ، يمكن رصد نموه وتطوره بين عامي 1963 و 1969 وهي سنوات شهدت عدم استقرار سياسي بين انقلابات وانقلابات مضادة.

وقد بذلت وزارة المعارف العراقية حينها جهوداً واضحة للتوسع في التعليم في اتجاهين أساسيين هما توسع التعليم الجامعي والأخر التعليم العالي (الماجستير والدكتوراه) من خلال افتتاح الدراسات العليا في الجامعة الأم (جامعة بغداد).

كذلك افتتاح كليات خارج العاصمة بغداد وهي ملحقة بالجامعة الأم إداريا وعلميا أصبحت نواة لجامعتي الموصل والبصرة عام 1967، بعد أن استقلت عن جامعة بغداد ثم افتتاح جامعة السليمانية عام 1968. وإعادة هيكلة التعليم العالي عام 1969على أسس حديثة لتلافي التكرار في الأقسام والكليات بعد تطور الدولة.

وقد رافق هذا التوسع زيادة في حجم الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم وتمثل بتخصيص ميزانية خاصة لكل جامعة على سبيل المثال كانت في عام 1960 جامعة بغداد فقد خصص لها 3,25مليون دينار وارتفع في عام 1969 الى 4,92 مليون دينار ليناسب أعداد الطلبة والتدريسيين حيث بلغ عدد الطلبة عام 1963، (16822) وارتفع إلى (19262) في عام 1969، وطرأ تحسن على أداء الجامعات العراقية الأخرى الرسمية والأهلية لإعادة النظر في مناهجها بعد ان كانت تطبق مناهج جامعة بغداد.

رغم هذه الايجابيات التي يمكن رصدها الا انه بالمقابل برزت عدة سلبيات ومعوقات وخاصة بعد العام 1969 ومجيء البعث الى السلطة والعمل على تبعيث الجامعات العراقية.

يمكن رصد عدد من تلك السلبيات على الوجه التالي:

* التضخم في الاقسام الانسانية (اللغة العربية والادب والتاريخ) على حساب اقسام اخرى جديدة.

* لم تستطع الجامعات العراقية ان تؤسس لثقافة مدنية مكينة تستطيع ان تحمي المجتمع من الردة الى العشائرية والطائفية والاثنية، ولعل الوجه الابرز لهذا القصور هو مانلاحظه على المشهد الجامعي خلال السنوات الست المنصرمة، مع عدم اغفال العوامل الاخرى.

* لم تستطع الجامعات من انتاج مؤسسات او فكر مؤسسي يمكن الاعتماد عليه في الادارة والتخطيط والتطوير للمجتمع ، بل شاهدنا مساهمتها وبصورة ضئيلة في انتاج شخصيات ورموز (علي الوردي – مصطفى جواد – طه باقر – مهدي المخزومي – احمد سوسة – جواد علي) واخرون غيرهم شكلت مؤهلاتهم العلمية ودأبهم العامل الرئيسي في هذا البروز.

* لم تستطع الجامعات العراقية ان تستفيد من التراكم العلمي الذي انتجه اساتذتها، بل على العكس نلاحظ اندثارا لهذه النتاجات، بمجرد وفاة اصحابها.

* ليست هناك علاقة تفاعلية وتاثيرية واضحة بين الجامعة والمجتمع، حيث نلاحظ ان الجامعة تتاثر بالمجتمع وليس العكس، مما ينعكس على دورها كمصدر للبناء وان تكون متبوعا مؤثرا وليس تابعا.

* معاناة حاملي الشهادات العليا من البطالة بعد تخرجهم مما يضطر بعضهم للهجرة الى الخارج مما يسبب خسارة وهجرة للعقول العراقية.

 *الغموض في الضوابط الموضوعة للتقديم الى الزمالات الدراسية والتي تتغير بين فترة واخرى حسب اهواء ورغبات بعض المتنفذين وذلك لشمول اقاربهم وبعض حاشيتهم.

* ظهور جامعات اهلية في بغداد والمحافظات دون الحصول على موافقة وزارة التعليم العالي، فاحدى الجامعات الاهلية القريبة من الجامعة المستنصرية والتي تتخذ من جامعة البكر سابقا مقرا لها فتحت ابوابها واستقبلت العديد من الطلاب وباجر 300 الف دينار سنويا للسنة الواحدة، ولازالت غير محسومة مسالة الاعتراف بالشهادات الممنوحة منها.

* ضعف المناهج المقررة التي تعاني منها الجامعات وضعف الجانب العملي الضروري جدا في بعض التخصصات مثل الفنون الجميلة والاعلام والتخصصات الطبية والتربية الرياضية...الخ وعدم الاستفادة من بعض الخبرات من محترفين غير اكاديميين لعدم وجود آلية ادارية لتعيين او التعاقد كمحاضرين مع هؤلاء.

* ضعف البنايات من ناحية النظافة والخدمات الصحية والتأثيث والوسائل التوضيحية والتقنية.

ما هي الحلول الممكنة لمعالجة مثل هذه المعوقات والمشاكل؟ يجب اولا التنبه الى عدد من النقاط:

* نطاق المشمولين بالتعليم العالي، من خلال عدم الارتهان للقبول المركزي.

* كيفية الوصول بالجامعات العراقية لان تلبي حاجة أبناء المجتمع كافة للتعليم الجامعي ، الذي يمكن الاستفادة من مخرجاته في عملية البناء.

* قدرة الجامعات العراقية على تقديم الخدمة التعليمية للمجتمع كافة والتي يجب ان تتناسب وتتوافق مع التطور العالمي الذي نشهده في مجالات المعرفة والمعلوماتية .

*إعادة دراسة وتقويم اتجاهات الاستثمار في التعليم وكيفية تسويقه، من خلال تشجيع رأس المال المحلي والاجنبي لتوظيف رؤوس الاموال في الجامعات العراقية.

وذلك يتطلب التالي:

1- النأي بالجامعات بعيداً عن الأحزاب والتكتلات الدينية والمذهبية والسياسية، وان تصبح الجامعات صروحاً للعلم والمعرفة والبحث والإبداع.

2- العمل على إصدار التشريعات التي تحفظ كرامة الأستاذ ومكانته العلمية ووضعه المعاشي والاقتصادي، وتطوير الكفاءات العلمية عبر المؤتمرات العلمية والندوات المتخصصة والعمل على مشاركة واسعة للكوادر العلمية في المؤتمرات العالمية في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا.

3- الاهتمام بالطالب الجامعي باعتباره المشارك الأساسي في العملية التربوية والتعليمية والعلمية ... وتوفير مستلزمات السكن اللائق له ، ومستوى معيشي ملائم للتقدم العلمي والتربوي، وتوفير أجواء مناسبة من الأمان والاستقرار، بعيداً عن أي تأثير حزبي أو سياسي أو ديني أو طائفي، أو أصوات الرصاص والمتفجرات.

4- التحديث في مناهج الدراسة القديمة وطرق التدريس الأملائية والاستعانة بخبرات الأساتذة خاصة الذين مارسوا العملية التربوية والتدريسية في الخارج، وتفعيل عملية التوأمة بين الجامعات العربية والغربية مع الجامعات العراقية وخاصة الناشئة حديثاً، لنقل التجربة الحديثة في طرق التدريس والبحث العلمي والتعرف على آخر منجزات العلم والبرمجة.

5- إصدار التشريعات والقوانين التي تحفظ حقوق الأساتذة الجامعيين الذين اضطرتهم ظروف القهر والقمع والتبعيث والتشريد والطائفية والإرهاب إلى هجر الوطن، وتوفير مستلزمات عودتهم، من ظروف ملائمة لمعيشتهم وسكنهم ووضعهم الاقتصادي المغري لعودتهم، والمساهمة في تطوير العملية التربوية – العلمية الجامعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/آب/2010 - 4/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م