الجهر بالإفطار... أضرار مرئية وأخرى خفية

 

شبكة النبأ: جوهر شهر رمضان المبارك يكمن في كونه شهر مخصص لتطوير الجانب الروحي للانسان كي يتفوق على الرغبات المادية التي تعصف به على مدى احد عشر شهرا متواصلة، فيكون هذا الشهر فرصته لاعادة الاعتبار الى ملكاته الروحية التي تسمو به الى مصاف الملائكة وتشذبه من الخطايا واللهاث وراء المكاسب المادية واللذائذ الجسدية بدفع من النفس التي يُصعب السيطرة عليها بغياب الوازع الروحي الديني.

إذن حين يتحول الانسان من لهاثه المحموم وراء الماديات الى روح هادئة مطمئنة ونفس طيبة مكتفية بما لديها، فإن هذا التحول يعد مكسبا كبيرا له على طريق تهذيب الذات وتطويرها ورفعها من حالتها الحسيّة المادية الى حالة جديدة روحية سامية، ولكن كيف يمكن أن يصل الانسان الى هذه الدرجة من الارتقاء الروحي؟.

إن جسد الانسان هو المحطة التي تنفذ رغبات النفس اللامحدودة، حيث تريد النفس أفضل المأكولات وافضل المشروبات والعصائر وافضل الملبوسات وأفضل المكملات الاخرى للشكل الخارجي، ناهيك عن الغرائز المتنوعة كالجنس وحب السلطة والنفوذ والتملك وما شابه، لهذا طالما كان الجسد واسطة تحقق للنفس مآربها، فإذا قطع الانسان لهاثه المتواصل لتنفيذ ما يحتاجه الجسد فوق العادة او المطلوب، هنا سيكون بفعله هذا قامعا للنفس ورغائبها.

وهذا ما يحدث في رمضان المبارك حيث يمسك الانسان بزمام نفسه ويقودها فيعكس المعادلة تماما، فالنفس التي كانت تقوده وتوجهه لتنفيذ طلباتها في الشهور الاخرى، ستكون في شهر رمضان الكريم مطيعة مروَّضة وقانعة بالقليل الذي يسد حاجتها، ويكون التركيز هنا على ما تحتاجه الروح من قوة وتعضيد.

لذلك في حالة عدم الصيام هذا يعني فشل الانسان في مقارعة متطلبات النفس، والاكثر والاسوأ من ذلك حين يجهر الانسان بالافطار، فحين يفطر ويتناول الماء والأكل بينه وبين نفسه يقتصر الضرر على نفسه، ولكن في حالة الافطار العلني بالاماكن العامة مثلا فإن ذلك يقود الى الحاق الضرر بالنفس والآخرين معا، هنا تكمن خطورة الافطار العلني، حيث يجاهد الناس من اجل تهذيب أنفسهم بالصيام واذا بغيرهم يشهر الافطار وقد ينقل لهم عدوى ذلك فيقلل من قدرتهم على الصوم، لاسيما الشباب الذين سرعان ما يتأثرون بمثل هذه الافعال.

إن الانسان الذي يخفي افطاره وعدم صيامه عن الآخرين لا يؤذي سوى نفسه وهو افضل بكثير ممن يعلن افطاره في الاماكن العامة او حتى في مكان العمل او السكن، وهذه هي الاضرار الخفية التي تلحق بمن لا يصوم شهر رمضان الكريم، أما الانسان الذي يعلن افطاره على الملأ فإن الاضرار هنا تكون مرئية معلنة، حيث يصبح مثل هذا الشخص محط تندّر الناس وسخريتهم واستهجانهم وتذمرهم، ناهيك عن اهتزاز شخصيته وثقته بنفسه.

لذلك ينبغي أن لايسمح الانسان لنفسه بالافطار في هذا الشهر الكريم لكي يوظف ذلك روحيا بما يدعم ويصقل شخصيته وينمي ايمانه، كذلك لابد أن تكون هناك جوانب تنظيمية تقلل من حالات الافطار المعلن في الاماكن العامة لتفادي الاضرار التي تلحق بالآخرين نتيجة لحالة التقليد التي تنتقل من شخص الى آخر.

كما اننا لابد ان نقر بدور النصح والتوجيه من لدن المعنيين سواء كانوا رجال دين او علماء او مصلحين ونطالب بمضاعفة الجهد التوجيهي في هذا المجال، إذ لايجوز أن نترك للجانب المادي أن يتسيّد حياتنا كليا ونهمل الجانب الروحي الذي لابد من خلق الموازنة المطلوبة بينه وبين الجانب المادي لدى الانسان.

ولابد ان يكون هناك تعاون وتعاضد رسمي اهلي توجيهي في هذا المجال، بمعنى لابد أن تتعاون جميع الجهات المعنية من اجل حث الناس والشباب منهم على وجه الخصوص لعدم تفويت فرصة تهذيب النفوس في هذا الشهر المبارك، كما يجب أن تكون الى جانب النصائح اجراءات قسرية تجبر الآخرين على الابتعاد عن الجهر بالافطار في الاماكن العامة وغيرها.

قد تتحدد الحركة في رمضان وقد يخف الزحام، ولكن لابد من متابعة الجهات المعنية لمن لا يحترم الآخرين ويعلن افطاره من خلال التدخين في الشوارع او الاماكن العامة او شرب الماء وتناول المأكولات على مرأى من الناس، ولابد أن تكون هناك خطوات تساعد على تطبيق الصيام ومظاهره التي يجب أن تسود الشوارع والبيوت والاحياء معا، ففي مثل هذه الخطوات مساعدة للاخرين على الالتزام بما يجب عمله في هذا الشهر الذي لا يشبه غيره من الشهور.  

إذن هي دعوة للشباب وغيرهم الى تجنب اشهار الافطار، ترافقها دعوة لمنع هذه الحالة من لدن الجهات المعنية، وترافقها ايضا حملات توعية للجميع ومن بينهم الشباب على الفوائد الروحية الجمه التي يعود بها الصيام على النفس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/آب/2010 - 4/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م